تاكر كارلسون: ترامب قد يعلن "حربا" على فنزويلا خلال خطابه للأمة    تسريب 'ملفات حساسة' خلال هجوم سيبراني على وزارة الداخلية الفرنسية    باريس سان جيرمان يتوّج بطلاً لكأس القارات 2025    خلال الايام المقبلة.. تقلبات في الطقس مع أمطار وانخفاض في درجات الحرارة    اليوم المشهد الأخير في كأس العرب .. «فينال» مثير بين المغرب والأردن    أرقام فلكية: الفيفا يعلن عن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    في موكب جهوي رسمي .. صفاقس تُحيي الذكرى 15 لعيد الثورة وتُجدّد الالتزام بأهدافها    ضمن المسابقة الرسمية ... «صوت هند رجب»... الصوت الذي هزّ الإنسانية    د. إقبال الصايم، المختص في الأمراض الصدرية ل«الشروق» لا خوف من موجة الأنفلونزا الحالية    أمطار متفرقة الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تبادل الخبرات    الأمين السعيدي مفاجأة الأدب العربي    قابس: مسيرة تطالب بتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة للمجمع الكيميائي    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد ... (الجولة 19 – الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    ديوان الزيت يدعو المتدخلين في القطاع لطلب تخزين زيت الزيتون لدى الخواص    وزير التعليم العالي يدعو بالجزائر إلى تعزيز الشراكات البحثية وإحداث برامج جامعية مشتركة    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    عاجل: دولة عربية تعلن عن احتمالية اضطرابات في الرحلات الجوية...والسبب الطقس    هام: منظمة الصحة العالمية تحذّر من الانتشار السريع لل Grippe    علامة تحذيرية للزهايمر قد تلاحظها أثناء الاستحمام!    تعيين قاضية تونسية عضوة في لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا    كأس العرب قطر 2025: السلامي يؤكد جاهزية الأردن لتحدي المغرب في النهائي    يهم وضعية أعوان البلديات...وزارة الداخلية تصدّر هذا البلاغ    عاجل/ من بينهم أطفال.. 17 وفاة نتيجة البرد القارس في غزة..    مجلس الجهات والأقاليم: " ثورة 17ديسمبر تعبير صادق عن إرادة الشعب والتزم بمواصلة العمل الجادّ صونا لمكاسب الثورة"    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    عاجل/ "الستاغ" توجه بلاغ هام للمواطنين..    الدورة الاولى لتظاهرة "أيام براتس الثقافية" برادس الغابة يومي 20 و21 ديسمبر الجاري    الألعاب الإفريقية للشباب: ذهبيتان لاسيل بنور ورنيم بن سليمان في الجيدو وثالثة ليوسف دومة في السباحة    مونديال 2026: الفيفا تطلق تذاكر خاصة ل "المشجعين الأوفياء"    المطر صبت في هذه المناطق: شوف وين كانت أعلى الكميات ووين    المركز الوطني لفن العرائس يشارك في فعاليات مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل    سيدني تلغي احتفالات ليلة رأس السنة على شاطئ بوندي    صندوق النقد العربي: بورصة تونس تتصدّر البورصات العربيّة في ارتفاع القيمة السوقية    عاجل: تحذيرات من أمطار وسيول قوية تجتاح هذه البلدان العربية    تعرّضت لعملية تحيل في التجارة الالكترونية ؟...هكا تعمل باش تسترجع حقك    طعام يومي يحمي العظام ويقويها أكثر من الحليب..تعرف عليه..    سيدي بوزيد: احياء الذكرى 15 لاندلاع الشرارة الأولى للثورة    أيام قرطاج السينمائية 2025: "سماء بلا أرض" فيلم تونسي يسلط الضوء على الهجرة الإفريقية داخل القارة    عاجل: الحجز لموسم 2026 انطلق على خطوط مرسيليا وجنوة..على هذا الرابط!    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس تحيي الذكرى ال15 لاندلاع الثورة    إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله.. وتحدد الموعد    هزة أرضية تضرب المملكة العربية السعودية    اليوم: ضباب محلي مع طقس مغيم والحرارة في انخفاض    رئيس الجمهورية يظهر فجرا بشارع الحبيب بورقيبة ويتفاعل مع مواطنين قبيل وقفة إحياء ذكرى اندلاع الشرارة الأولى للثورة    ترامب يفرض قيودا كاملة على دخول رعايا 5 دول جديدة للولايات المتحدة    عاجل: الرصد الجوي يحذر من ضباب كثيف الليلة وصباح الغد    المرصد الوطني للطاقة والمناجم: شبه استقرار في الميزان التجاري الطاقي لتونس مع موفى أكتوبر 2025    اخفته داخل علب مأكولات: السجن 20 سنة لفتاة تورطت في تهريب الهيروين..#خبر_عاجل    طقس اليوم: أمطار متفرقة ومؤقتا رعدية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية يوصي بضرورة تذليل كافة الصعوبات امام صغار الفلاحين    الدكتور محسن حمزة/طبيب ... شباب القرن الحادي والعشرين يريد خطابًا يُحاوره لا يُلقّنه    ندوة «الشروق الفكرية» .. الشّباب والدّين    د. الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة.. السّؤال خارج الخطاب التقليدي خطوة لفهم الدّين لا ابتعادا عنه    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة أن داهمنا اللّصوص
نشر في باب نات يوم 06 - 05 - 2021


الطاهر العبيدي
بعض تفاصيل المنفى
في أول أسبوع من مغادرتي لتونس بعد فراري من حكم نافذ، في قضية سياسية تحت نظام جائر، ودخولي سرّا إلى مدينة "الونزة" بالجزائر..
بدأت رحلة أخرى وأياما صعبة مخضّبة بالمتاعب، مدجّجة بتتالي الأحداث وتراكم المصاعب..لأجد حالي في بلد آخر، بلا وطن، بلا شغل، بلا مستقبل، بلا أفق، وبلا وثائق..
من خلفي ضباب، وأمامي سراب، وورائي أهل وأصدقاء وأحباب..وما معي سوى حقيبة مرصّعة بالحنين ولوعة الفراق، مخرّبة بالهجر القسري والذكريات..لتبدأ رحلة البحث عن بقايا أحلام، عن بعض استقرار، عن قليل من أمان، عن شيء من اطمئنان..وعن ملامح هدوء يبدو صعب المنال..
بين دولتين كنت طائرا دون جناح
تزامن وجودي في الجزائر مع الانقلاب على الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنفاذ. وبدا الوضع السياسي مضطربا، حيث انتشرت العمليات المسلحة والتفجيرات، وتتالت الاعتقالات في صحراء " رقان " وغيرها من الأماكن..وصار الوضع خطيرا وغير آمن، خصوصا تجاه من كان في مثل وضعيتنا بلا وثائق في أيّ لحظة مهدّدا بالسجن والترحيل دون شفقة ولا تراجع..
أحد اللاجئين اليوسفيين سعى لمساعدتي
في إطار البحث عن شيء بسيط من الاستقرار، سعى قريبي المرحوم " احمد معلم " رجل الشهامة والمواقف، ومن ورائه البعض من أخيار قبيلتنا " أولاد سيد عبيد " الأشاوس، إلى إيجاد شغل لي لعلني أحصل على الإقامة اعتمادا على جذوري الجزائرية، حتى أتخفّف قليلا من الهاجس الأمني. فذهبت معه لمقابلة صاحب مصنع لتصدير القهوة في مدينة " الونزة "، تونسي من "اليوسفيين" يسمى "محمود النابلي" وأضن لقبه مستعار، وهو لاجئ سياسي منذ ثلاثين سنة بالجزائر، لم يعترض رغم معرفته بوضعيتي، وانتدبني للشغل في المصنع دون عناء وتسلم جوازي " المدلّس " ومعه صوري الشخصية، ووعد بالسعي والمحاولة كي يساعدني في إمكانية الحصول على الإقامة..
ما سبب فقدان لساني؟
كان الشغل في هذا المصنع سهلا وخفيفا وغير متعب، ولكن مرور الوقت فيه ثقيلا جدا يصيب بالضجر والنكد، خصوصا وأني اعتصمت بالصمت أمام جمع من العمال، تفاديا للأسئلة والشّك، وكي لا تنكشف لهجتي فتحاصرني الألسن بالتقصّي والبحث. مرّ أسبوع على شغلي هذا المدجّج بالملل والقلق، والذي كنت أثنائه صامتا صمت البحر، وفي داخلي براكين تزمجر كالغليان والحمم، تزاحمت فيه الأحداث والصور، لتتحوّل لمراجعات واستنطاق لمواقف ومفاهيم أصابها الضرر، وقناعات وطروحات صارت محل نظر، وأحلام انكشف عنها غطاء الرأس، فباتت أشلاء متناثرة على أرصفة الملأ كشفها واقع الأرض...
اقترب مني صاحب المصنع إداريا، وكان حين يخرج العمّال يستعين بي لأساعده في التحرير وترجمة بعض الوثائق. ويعوّل عليّ في إنجاز بعض الملفات. وبعد مرور أسبوع، طلب مني أن أقيم مع حارس المصنع في " فيلا " داخل أصوار المعمل، بدلا من الإقامة عند أقاربي تجنبا لعيون الأمن، واتقاء لأيّ طارئ في مثل هذا الوضع..
حارس المعمل تونسي في رتبة محقق
أمضيت ليلتي متقاسما السكن مع الحارس تونسي من الوسط حسب ما ذكر اشتركنا الإقامة في" فيلا " فسيحة متعدّدة الغرف، غير أنه ضاق بي هذا المكان، رغم رحابته نتيجة أسئلته المتهاطلة؟؟؟بدأها بسؤالي عن اسمي، فأعطيته اسما جاء على لساني دون تفكير، وعن شغلي الحقيقي، أجبته كما ترى عامل يومي، فقال يداك طرية فلا يمكن أن تكون "خدام حزام"، ثم طلب منّي أن أحرّر له مطلبا إداريا، فأجبته بأني لا أعرف الكتابة ولا القراءة. فاقسم بأغلظ الإيمان أني غير صادق في قولي. وأن ورائي قصة وتواصل الاستنطاق وأنا أتواري من قصف الأسئلة، متحاشيا التقصّي والبحث...
جوازي المدلّس وصوري مرمية أمام الجميع على الارض
في الصباح فوجئنا بأنه وقع السطو على المصنع. حيث وقع خلع الخزنة المؤمّنة للنقود والوثائق. وقد اخذوا منها المبلغ الموجود، وأخرجوا جوازي "المضروب " الذي كان فيها مع صوري ورموهم في ساحة المعمل، والكل تفرّج عليهم. أحسست بالخجل والحرج، في أول ليلة أبيت فيها في البيت، الذي بينه وبين المصنع حوالي ثلاث أمتار، تتزامن السرقة والخلع مع وجودي على عين المكان، وكأنني السبب فيما وقع وما كان..
كيف كان البحث والتحقيق؟
جاء بعض الباحثين من البوليس للمعاينة ومعهم رئيسهم، الذي عرفني وحيّاني بإيماءة، حيث سبق وأن قابلته في اليوم الثاني من قدومي إلى مدينة "الونزة" رفقة قريبي الذي طلب منه المساعدة في تمكيني من بطاقة إقامة، وروى له بوضوح أني فار من نظام " بن علي "، فوعد بعدم التعرّض لي، والتدخل لتحقيق هذا المسعى، وطلب من قريبي أن يجد لي شغلا حتى يسهّل عليه الأمر..
ضننت أنهم سيحققوا معي ومع الحارس، وستفترسنا العصا فأعترف باطلا بأني سبب نكبة العرب، وضياع فلسطين، وتعثّر التنمية، والمسئول عن هروب شباب الاستقلال في قوارب الموت، وتعطل أحلام الشعوب العربية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
غير أنه ولله الحمد لم يقع لا تحقيق ولا استجواب ولا بحث. وفي يومها غادرت شغلي هذا من تلقاء نفسي نهائيا دون حتى أخذ مستحقاتي أو أيّ فلس..
وللتفاصيل تفاصيل أخرى..وللحكاية حكايات أخرى..وللأحداث مساحات أخرى..ولكم سادتي المتابعين والقرّاء لقاءات أخرى، ومحطات أخرى..من رحلة الليالي الخوالي وتصاريف الأيام والمسافات...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.