"القطّاع" أو متسلّق النخيل هو روح الواحة في منطقة الجريد، فبفضله تجنى الثمار من رؤوس النخيل الباسقات في الخريف، وهو نفسه من يقوم أوائل فصل الربيع بتلقيح العراجين، يتسلق ويصعد أشجار النخيل مهما كان علوّها لذلك يعتبر الأهمّ بين العمال الفلاحيين في الواحات، ويتقاضى الأجر الأعلى من بين رفاقه الذين يقومون بمهام أخرى في منظومة العمل الفلاحي الواحي، بالنظر الى صعوبة مهمته وأخطارها المحدقة في كل حين. واصف الدريدي، فلاح شاب يعمل في أرض والده بضيعة زكريا بحامة الجريد من ولاية توزر، وهو كذلك عامل فلاحي في "موسم الخريف" (مصطلح فلاحي يعتمده أهل الجريد للدلالة على موسم جني التمور)، يتهافت إليه الفلاحون والمجمعون ليشتغل معهم نظرا لمهارته وخفته وتمرسه في صعود أعالي النخيل منذ كان يافعا. ... يتحدّث واصف عن هذه المهنة بأسى، فواحد من أصدقائه المقربين أضحى من أصحاب الإعاقة منذ بضع سنين بعد سقوطه من أعلى شجرة نخيل، ما سبب له عجزا جزئيا لم يستطع معه العودة لنشاطه، ففتح محلا لبيع مواد التنظيف بعد تلقيه إعانة من الدولة. ولئن يمثل موسم الخريف فرصة لواصف ونظرائه من متسلقي النخيل، من أجل الكسب، إلّا أنهم يعودون خلال باقي أشهر السنة الى سجل العاطلين عن العمل، فعملهم موسمي يرتبط بفترة التلقيح ثم الجني، وفق تأكيد واصف الذي يعتبر أن مهنة تسلّق النخيل مثلما تدر أرباحا على صاحبها قد تكون أداة لموت محقق في بعض الأحيان. وكفلاح يعين والده في مختلف مراحل العمل داخل الضيعة، يعتبر واصف أن النشاط في واحات الجريد وخاصة حامة الجريد قد تحوّل إلى نشاط غير مربح نظرا لتراجع إقبال المصدرين على اقتناء المنتوج على رؤوس النخيل ما دفعهم الى جنيه بمفردهم وتحويله الى معامل تكييف التمور أين يروج بأسعار بخسة، وفق تأكيده. ومن جهته، قال عبد الرحيم العكرمي، الفلاح بضيعة زكريا والذي قضى سنوات من شبابه يتولّى مهمة تسلق النخيل، إن "هذه المهنة على خطورتها تفتقد لعدة جوانب من بينها التغطية الاجتماعية ووسائل الحماية"، ففي كثير من الأحيان تكون حياة العامل عرضة للخطر بسبب الحوادث وأخطرها السقوط من أعلى النخيل، داعيا أجهزة الدولة الى التفكير في توفير تغطية اجتماعية لعمال الفلاحة في الواحات وخاصة متسلقي النخيل. وتعدّ هذه الأخطار من بين أسباب عزوف الشباب عن تعاطي تسلّق النخيل في السنوات الأخيرة، والّذي أصبح حكرا على مجموعة قليلة تمتهنه لغياب فرص تشغيل أخرى، كما يعدّ هذا النشاط منسيا باعتباره لم يحظ باهتمام الأجهزة الرسمية ومصالح وزارة الفلاحة، وفق ذات المصدر. وكانت إشكاليات وأخطار مهنة تسلق النخيل محور اهتمام جمعية المنحلة للمواطنة الفاعلة بتوزر التي تناولت الموضوع من 5 جوانب، بحسب سالم بن سالمة عضو الجمعية، وهي الجانب القانوني والتشريعي باعتبار أن هذه المهنة لا وجود لها في المعجم الوطني للمهن، وحوادث الشغل المرتبطة بمهمة العامل أثناء تسلق النخيل حيث لا تتوفر قائمة في الاخطار والحوادث المحتملة وسبل الوقاية منها، وغياب التأمين الاجتماعي نظرا لغياب علاقات تعاقدية واضحة بين العامل والمشغل سواء كان فلاحا أو مجمعا أو مصدرا، علاوة على عدم توفر مسالك للتكوين المهني تهتم بالمهنة وذلك للتقليل من المخاطر المحتملة وتحسين الوسائل المعتمدة للوقاية في ظل تواصل استعمال وسائل بدائية. فلهذه المهنة أخطار عدة لا تقتصر فقط على حوادث السقوط من النخيل وما تسببه من أضرار بدنية تصل حد الإعاقة لدى البعض، بحسب عمل ميداني أجرته الجمعية بل تشمل كذلك حوادث لدغ الحشرات السامة، ودخول الاشواك في يدي وقدمي المتسلق، وكذلك أضرار استنشاق العامل للأدوية المستعملة للقضاء على بعض الامراض والحشرات وهي أخطار تتطلب، حسب سالم بن سالمة، زيا خاصّا. ويعتبر غياب الميكنة جانبا خامسا اشتغلت عليه الجمعية للتنبيه والتقليل من حوادث تسلق النخيل، فوسائل العمل الفلاحي في الواحات ما تزال تقليدية وبدائبة وتكاد تكون يدوية بنسبة تقارب مائة بالمائة، ولم تطوع ميكنة الفلاحة لتتلاءم مع خصوصية العمل داخل الواحات وخاصة في تسلق النخيل إذ تغيب آلات للجني من رؤوس النخيل مثلما هو معمول به في أنشطة زراعية أخرى ومنها جني الزيتون، وفق ذات المصدر. وبغاية التحسيس والتوعية، نفذت جمعية المنحلة للمواطنة الفاعلة، ضمن هذا المشروع، عديد الأنشطة التحسيسية بالشراكة مع الفلاحين ومصالح الحماية المدنية، وأنشطة أخرى مع مصالح إدارية ذات علاقة، كما وفّرت بعض وسائل الحماية كالقفازات واقتنت آلة رافعة وضعتها على ذمة مركز التكوين المهني في زراعة النخيل بدقاش كخطوة أولى لبدء ادراج الميكنة داخل الواحات. وشملت خاتمة هذه الأنشطة الجانب التشريعي والقانوني، حيث تقوم الجمعية بحملات مناصرة للاعتراف بخصوصية مهنة تسلق النخيل على مستوى برامج التكوين ومعجم المهن، وافرادها بدليل إجراءات خاص يهم السلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل. تابعونا على ڤوڤل للأخبار