(وات/مكتب مدنين - تحرير روضة بوطار) - لجزيرة جربة (بولاية مدنين)، عادات رمضانية بعبق التاريخ، بعضها غذائية واخرى في شكل ممارسات، منها ما يزال راسخا ولم يأْت عليه الزمن مسجلا حضوره في هذا الشهر المبارك دون مبالاة بتطور الحياة، وبعضها اندثرت معالمه الاولى ولبس حلة جديدة افقدته جانبه الاصيل. ففي شهر رمضان، تحضر حلوى "السردوك" التقليدية، بقوة داخل الاسواق، لا منافس لها مهما تنوعت الحلويات، لتدخل على اسواق حومة السوق بالوانها الزاهية بين الوردي والاحمر والابيض، رونقا رمضانيا مميزا ، يلتف حول اماكن بيعها الاطفال وحتى الكبار، فلا عودة للاب او الجد الى منزله مرحبا به، دون ان يحمل معه قطعا من حلوى "السردوك" لابنائه او لاحفاده يستقبلونه بشوق للظفر بقطعة منها. ... حلوى "السردوك" بسيطة في شكلها وفي مادة صنعها، رغم ذلك لم تستطع حلويات كثيرة غزت الاسواق، ان تضاهيها او ان تنافسها في قيمتها وارتباطها الوثيق بشهر رمضان، موفرة مورد رزق لعائلات ارتبط اسمها بهذه الحلوى منذ القديم، واورثوا تقنيات ومهارات اعدادها لابنائهم، ما ضمن لها البقاء وفق احد الباعة المنتصبين بسوق حومة السوق. واوضح البائع ان حلوى "السردوك" سميت كذلك لانها تاخذ شكل الديك، ويقع اعدادها من الليمون والسكر والماء وملونات، من خلال العلك باليدين ثم يقع تطويعها لتاخذ شكلها النهائي وتشد بعود نخيل، وهي فرحة الصغار طيلة شهر رمضان، يودعوها مع حلول عيد الفطر في انتظار رمضان قادم يجددون العهد معها. ومقابل تواصل الحضور المميز لهذه الحلوى في شهر رمضان، تحضر باحتشام "العصيدة بالمعقود" في احياء العائلات الجربية ذات الانتماء لمذهب الاباضي، احياء لعادة "الدُولة"، واصل تسميتها امازيغي "الدولث"/ "ادالث"، وتعني التداول، حسب توضح الشيخ ساسي بن يحياتن، حيث كانت لها وظيفة مهمة ودور اجتماعي كبير في المساعدة على القيام بشؤون المساجد العلمية من خلال التكفل بالطلبة والتلاميذ الذين يؤمون هذه المساجد للعلم والمعرفة وخاصة علوم الدين والفقه الاباضي، قادمين من الجنوب التونسي والغرب الليبي والصحراء الجزائرية، لتكرس هذه العادة روح التضامن والتازر، حسب قوله . وتنطلق عادة "الدُولة"، بداية من اليوم الثاني لشهر رمضان، وتتواصل وفق رزنامة محددة حتى ليلة 27 منه، ففي كل ليلة تدعو عائلة من العائلات اقاربها للافطار، على طبق رئيسي هو "العصيدة بالمعقود" وهو مرق حلو داكن اللون يعد من الزبيب الذي ينقع في الماء ثم يرحى ويصفى قبل ان يطهى على نار هادئة لساعات طويلة حتى يصبح قوامه بين السائل والصلب، وذلك سر نجاحه، وعند تقديمه يسكب على العصيدة كما يؤكل مرقا وفق المهتمة بالتراث الجربي والناشطة بالمجتمع المدني محرزية قدور. وكان اول طبق "عصيدة بالمعقود" يوجه الى مسجد الحومة، قبل رفع الاذان، ليفطر منه المصلون والطلبة المقيمون بالجزيرة طلبا للعلم من جهات مختلفة، كما كانت الدعوة الى "الدُولة" تتم عبر البراح، وهو شخص يجوب الاسواق والحومة معلنا في الغالب عن الوفايات والاعراس، لتجمع بذلك العائلة في يوم دُولتها اعدادا كبيرة من المدعوين على طبق بسيط لا يستوجب مستوى مادي كبير، وذلك مبدا اساسي في المذهب الاباضي القائم على التواضع وعدم التكليف . وتطور اعتماد هذه العادة عبر الزمن من عادة بالاساس للتكفل بالطلبة المغتربين بالمساجد، الى لمة عائلية تجمع العائلة الموسعة على طبق "العصيدة بالمعقود" كأكلة تقليدية اساسية، ومعها اطباق اخرى، الى لمة عائلية اضيق دون "عصيدة بالمعقود"، بل حلت مكانها اطباق مختلفة فرضتها الحياة والذوق الحديث، الا ان مغزاها واحد وهو تمتين صلة الرحم والتضامن بين الافراد وحسن القبول، وفق قدور. وبين العادات الغذائية وعادات وتقاليد اخرى تقترن بشهر الصيام في جزيرة جربة، لا تزال قائمة الى اليوم، عادة الاحتفال بالصائمين الجدد فتيات او فتيان، عادة عجزت تغيرات الحياة الاقتصادية والثقافية على ان تصيبها او ان تطمس هذه المظاهر الثقافية والاجتماعية المتاصلة والملتصقة بالذات المحلية، فبقيت راسخة كجزء من الكيان الروحي والعقائدي، حتى ان بعض العائلات تعتبر عدم الاحتفاء بها او التخلي عنها، امر سيئ او طالع سوء يصيب العائلة، وفق قدور . فهذه العادة ترتبط اساسا بالامازيغ من اهالي الجزيرة، حيث تنتظم احتفالات يختلف حجمها من عائلة الى اخرى بحسب امكانياتها المادية، فمنهم من يقيم احتفالا يضاهي مناسبات الزواج باقامة الولائم والذبائح، وسهرات، يلتقي فيها الاهل والاصدقاء، ومنهم من يقتصر على العائلة الضيقة فقط، الا ان ما يجمع احياء هذه العادة اعداد طبق "البسيسة" وتزيينها بالحلوى والبيض. ويرتدي الصائمون الجدد يوم احتفال عائلاتهم بهم، ملابس تقليدية، وتجتمع حولهم العائلة الموسعة كانت او الضيقة لتزيين البسيسة ووضع الحناء وتلقي الهدايا من الحاضرين نقودا او ملابس. ومهما اختلفت طرق واشكال الاحتفال بالصائمين الجدد، الا ان ابعادها ودلالاتها واحدة ومعانيها مشتركة حسب قدور، فهي اعلان عن انتقال الفتى الى مرحلة جديدة من العمر فيها نضج وتكليف ومسؤولية وما اشهار الصيام الا لتاكيد هذه المعاني وتاصيل الصيام لدى الناشئة بالتشجيع والترغيب في سن هي 13 سنة للفتاة و14 سنة للفتى. ويتواصل تشجيع الصائم طيلة شهر رمضان بدعوته في كل ليلة لدى اقاربه وجيرانه للافطار، فيلتقي مع صائمين جدد اخرين يتبادلون الحديث عن تجربتهم الاولى في الصيام، كل كيف يعيشها، وعند مغادرة العائلة يعود الصائم الى منزله حاملا معه هدية من العائلة التي استضافته وغالبا ما تكون مالية تضاف الى ما جمعه يوم احتفال عائلته به اياما قبل حلول شهر رمضان. تختلف جزيرة جربة بعاداتها المغرقة في المحلية والموغلة في القدم، تكاد لا تعرف خارج اسوارها، ولكنها تشترك مع بقية الجهات التونسية في عادات كثيرة تقترن بشهر رمضان في الاستعداد له بالتنظيف واعداد بعض التوابل والبهارات وعدة مواد اولية منها تعد اطباق مختلفة سواء عند الافطار او عند السحور واحتفالات ليلة النصف وليلة السابع والعشرين وواعداد المساجد وتزيينها، وكلها عادات تفوح كمها نسائم الشهر المبارك وينتشر عطره القدسي بالايمان والاصالة. تابعونا على ڤوڤل للأخبار