المورالي يشرف على اختتام النهائيات الوطنية لألعاب القوى على المضمار لحاملي الإعاقة    بعد 10 سنوات من إغلاقها.. تونس تعيد فتح قنصليتها في بنغازي    التونسي معين الشعباني يقود نهضىة بركان المغربي الى التتويج بكأس الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم    لأول مرة: الباكالوريا تبدأ يوم الإثنين عوضًا عن الأربعاء!    وزارة الصحة تحذّر: ''الناموس'' خطر صحي وليس مجرد إزعاج    رئيسة جامعة كورية تبلغ 93 عامًا تكشف أسرار شبابها الدائم وحيويتها الاستثنائية    بلدية جرجيس: سوق وحيدة لبيع الأضاحي وقرارات صارمة ضد الانتصاب الفوضوي    الكاف: الاتحاد الفلاحين يدعو إلى تأخير موعد الانتفاع بمنحة التسليم السريع للشعير    ''ست الحبايب'': هكذا ولدت الأسطورة اللي يسمعها كل تونسي في عيد الأم!    تعرف على هذه العلامات التحذيرية المبكرة للخرف    وزير الداخلية يتابع نسق الحركة التجارية بمعبر ذهيبة وازن    إذاعة صفاقس عبد الوهاب الجربي ومُحمد قاسم يتحدثان عن آخر الإستعدادات لإمتحان الباكلوريا    سوسة: نقص في أضاحي العيد.. والفلاحون يطمئنون    خطوات بسيطة لمنزل أنيق ونظيف: كيف تتخلّصين من الفوضى وتحافظين على النظام؟    تراجع القروض البنيكة غير المهنية من 851 م د الى 3ر569 م د بين 2023 و2024    961 ألف حاج يصلون المملكة السعودية    سيدي بوزيد: انتفاع اكثر من 1000 شخص بخدمات قافلة صحية بالمزونة    تونس تحتفل بمرور 30 سنة على اعتماد سياسة النهوض بالاستثمار الخارجي: من الأقطاب التكنولوجية إلى ريادة صناعية قارية    الإطار القانوني والتنظيمي في تونس لا يزال عاجزا عن مواكبة العصر الرقمي (دراسة)    وزير الداخلية يشرف على إحياء الذكرى 67 لمعركة رمادة    ريال مدريد يعلن رسميًا تعيين تشابي ألونسو مدربًا جديدًا بعد رحيل أنشيلوتي    زراعات كبرى: بوادر صابة وفيرة واستعدادات حثيثة لتأمين موسم حصاد 2025 وإنجاحه    قد تبدو بسيطة.. أخطاء عند غسل الأواني قد تسبب أضرارًا صحية كبيرة    لحظات من الرعب.. راكب مجنون يحاول قتل ركاب طائرة يابانية متجهة إلى أمريكا!    جندوبة: حجز كمية كبيرة من سماعات الغشّ في عملية أمنية    تونس : أبرز الأحداث السياسية بين 19 و24 ماي 2025    تراجع غراسات كروم التحويل.. لقطاع كان يدرّ عائدات جبائية ب 50 مليون دينار لخزينة الدولة    السعفة الذهبية ل"حادث بسيط".. حين تتكلم السياسة بلغة السينما    لماذا يحتفل اليوم بعيد الأمهات في تونس؟    مايا تواصل دعم قضايا المرأة بأغنية اجتماعية تنال تفاعلًا واسعًا    الستاغ تُشغّل خطًا كهربائيًا جديدًا بهذه المنطقة لتعزيز الربط مع المحطة الفولطاضوئية    بطولة هامبورغ للتنس: الإيطالي فلافيو كوبولي يتوج باللقب على حساب الروسي روبليف    كاس العالم لسلاح السابر.. المنتخب التونسي يخرج من الدور ثمن النهائي بخسارته امام نظيره الفرنسي 38-45    يوم مفتوح لفحص مرض الكحلي يوم السبت المقبل بمعهد الهادي الرايس لامراض العيون بباب سعدون    "كتائب القسام" تعلن عن تنفيذ عملية مركبة استهدفت قوات إسرائيلية في غزة    جوائز مهرجان كان السينمائي 2025.. تألق عالمي وبصمة عربية    قبلي: المدرسة الابتدائية بجمنة تتحصل على جائزتين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الامم المتحدة للطفولة    جماهير ميلان تحتج ضد الملاك والإدارة بعد موسم مخيب للآمال    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا استعدادا لنهائي رابطة الأبطال    إضراب في ''دحدح''....وهذه التفاصيل    بعد تأهّل البقلاوة: الترجي واتحاد بن قردان في صراع ناري على تذكرة النهائي!    أمطار متفرقة بالمناطق الساحلية الشمالية صباح الاحد وارتفاع طفيف للحرارة    سرقة حمولة 23 شاحنة مساعدات إماراتية في غزة.. واتهامات لإسرائيل باختفائها    الفيلم الإيراني "مجرد حادث" يحصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي    بعد أن أمهله المتظاهرون 24 ساعة... المنفي يعد بالتفاعل الايجابي مع الليبيّين    أولا وأخيرا: «يطول ليلها وتعلف»    جندوبة: الاحتفاظ بشخص وإحالة 3 آخرين بحالة تقديم من أجل تحوّز أجهزة الكترونية معدة للغش في الامتحانات    أسرار النجمة الزهراء: مؤلف جديد لمركز الموسيقى العربية والمتوسطية    طقس الليلة    عاجل : النيابة العمومية تفتح تحقيقاً بعد وفاة شابة بطلق ناري في الكاف    عاجل/ حادثة مقتل فتاة بطلق ناري في الكاف: المساعد الأول لوكيل الجمهورية يكشف تفاصيل جديدة..    جندوبة: تفكيك شبكة مختصة في ترويج سماعات الغش في الامتحانات    حريق بمركب صيد في جرزونة.. تدخل فوري ينقذ الميناء من كارثة    الفكر المستقيل    أمراض تهدد حياتك عند ضعف حاستي السمع والشم.. ما هي؟!    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف في الفضاءات الرياضية .. آفة تأبى الاحتواء وتستدعي معالجة سوسيولوجية وقانونية مستجدة (باحثون ومسؤولون رياضيون)
نشر في باب نات يوم 23 - 02 - 2025

(وات-تحرير حسني الغربي) - تعد آفة العنف في الفضاءات الرياضية من الظواهر المشينة التي تشوه المشهد الرياضي وترمي به في مستنقع الفوضى فتكون تداعياتها جسيمة على المنشآت وسلامة رواد الملاعب ومخلفاتها خطيرة على السلم الاجتماعي. وقد ظلت هذه الظاهرة، التي لا تعترف بالحدود ولا بهوية البلدان، عصية على الاحتواء بما انها مركبة ومعقدة وذات اسباب متقاطعة تتشابك فيها المسائل الامنية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وتتطلب اعمال الفكر والاجتهاد من اجل حلول عملية تفضي الى استئصال هذا "المارد الغريب" عن كل مجتمع متسامح ومتصالح مع ذاته.
وليست تونس بمعزل عن هذا الواقع، اذ تعيش الملاعب والقاعات الرياضية من حين الى آخر انفلاتات على المدرجات صادرة عن فئة من الجماهير ترافقها اعمال شغب وتخريب واشتباكات مع قوات الامن تختلف اسبابها من عدم قبول النتيجة والاعتراض على قرارات الحكام الى رفض بعض المسائل التنظيمية والاصرار على تحديها في علاقة خاصة برفع "دخلات" او ترديد "شعارات" والتصادم بين مجموعات "الالتراس" داخل الفريق الواحد.
وتعد المقاربة الاجتماعية من ابرز المسالك التي من شانها ان تساعد على فهم الاسباب الحقيقية التي تكمن وراء ارتفاع منسوب الشغب في الملاعب باعتبار ان العنف يبقى أولا وقبل اي شيء ظاهرة مجتمعية منتشرة ولو بنسب متفاوتة في الفضاءات الاسرية والتربوية والعامة. ومن هذا المنطلق، دعا الدكتور محمد الجويلي، رئيس قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء، الى تعامل جديد مع ظاهرة شغب الملاعب يقوم على تجربة مستحدثة وهي السعي الى تأسيس برامج مرافقة للمناصرين بمن فيهم أفراد رابطات المشجعين على غرار التجربة التي خاضتها بلجيكا بالتعاون بين فريق ستندار دي لياج وبلدية المكان وقسم علم الاجتماع بجامعة المدينة، وهي برامج تقوم على تامين الادماج الاقتصادي والاجتماعي والمدرسي لاولئك الانصار المتسببين في اعمال العنف وضمان تاهيلهم من اجل تغيير العلاقة التي تربطهم بالنادي ومحيطه.
وتابع الجويلي ان "الاشكال في تونس يتمثل في ان العلاقة التي تجمع الاندية الرياضية بجماهيرها تقتصر على النتائج دون سواها، فالفرق لا تضطلع بمسؤوليتها المجتمعية في علاقة بانصارها وليست فاعلة في محيطها لذلك أعتقد أن الاقتداء بالتجربة البلجيكية من خلال احتواء اولئك الشباب ومرافقتهم اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا من شانه ان يقلص من منسوب الخوف من المستقبل لديهم وبالتالي تحد من تصرفاتهم العدوانية وسلوكياتهم المحفوفة بالمخاطر مثل الاقبال على تعاطي المخدرات وارتكاب أفعال يجرمها القانون".
وإذ اكد المختص في علم الاجتماع على اهمية المقاربة الامنية في التعاطي مع هذه الظاهرة وما توفره من حلول عملية وناجعة، فانه شدد في نفس الوقت على ضرورة تشريك جميع الاطراف الاخرى المتدخلة وتحميلها مسؤولياتها باعتبار ان العناصر المشاغبة في الملاعب كثيرا ما تجدها هي نفسها المتسببة في العنف في الفضاءات العامة الاخرى، وهي عناصر تعيش من وجهة نظره حالة من الهشاشة النفسية والاجتماعية والاقتصادية الامر الذي يدفعها الى انتهاج سلوكيات عنيفة في اماكن التجمهر والتجمعات مثل الملاعب الرياضية وهو ما يستدعي اتباع برامج مرافقة لمعالجة المشكل من جذوره بطريقة ناجعة عبر تعميق النظر في السبل الكفيلة بادماجها صلب النسيج الاقتصادي وانتشالها من حالة الاضطراب التي تسيطر عليها.
وكثيرا ما اقترنت ظاهرة العنف في الفضاءات الرياضية بجماهير ملاعب كرة القدم سواء في تونس او في عديد البلدان الاخرى بسلوكيات عدوانية قائمة على الشغب والتخريب ما يعرف ب"الهوليغانيزم" وهو ما يجعل اتحادات كرة القدم شريكا مهما في بلورة الاستراتيجيات التي من شانها ان تساعد على القضاء عليها. وتبعا لذلك، تضطلع الجامعة التونسية لكرة القدم بدور جوهري في معاضدة الجهود المبذولة في اتجاه مكافحة هذه الافة التي يجب التعاطي معها على حد تقدير معز المستيري الناطق الرسمي للجامعة على مستويين الاول يهم الجانب الاستباقي والثانية يتعلق بالجانب الردعي معتبرا ان الظاهرة أخذت خلال السنوات الاخيرة منعطفا جديدا إذ لم يعد الحديث عن اعمال عنف بين جماهير فريقين فحسب وانما اضحت متفشية ايضا صلب جمهور الفريق الواحد في ظل الخلافات والصراعات الدائرة بين مجموعات "الالتراس" المعروفة بولائها المطلق وتعصبها الشديد لتنظيماتها.
واضاف المستيري في تصريح ل"وات" "يتعين على جميع الاطراف المعنية بظاهرة العنف في الملاعب الانكباب على تحليلها على المستوى الاجتماعي وفهم الفلسفة التي تتبناها رابطات "الالتراس" التي يعتبر عندها حب الفريق بمثابة نمط حياة. ففي انقلترا مثلا، سخرت الدولة مجموعة من المختصين في علم النفس للجلوس مع رؤساء واعضاء هذه المجموعات وتحدثوا معهم لاستيعاب طريقة تفكيرهم وفهم الخفايا والدوافع التي تجعلهم يلجؤون للعنف في المدرجات واقتراف أعمال يعاقب عليها القانون تحت تاثير تعاطي الكحول والمخدرات".
وتابع الناطق الرسمي للجامعة التونسية لكرة القدم ان "الدعوة لارساء حوار مع رابطات المشجعين لا يعني التخلي عن المقاربة الجزائية التي ينبغي ان تكون ذات منحى تصاعدي من خلال التدرج في العقوبات التي يجب ان تسلط في حق الاطراف التي ارتكبت العنف وليس ضد الفرق اذ من غير المعقول معاقبة جمعية كاملة من اجل افعال فردية. اعتقد انه حان الاوان لفرض عقوبات تكميلية تصل الى حرمان المذنب من دخول الملاعب لمدة عام او عامين وإن لزم الامر منعه نهائيا من ارتياد الفضاءات الرياضية وهو ما يتطلب سن منظومة تشريعية تتماشى مع واقع المرحلة بما يساعد على قطع دابر العنف الذي قد يتسبب في بعض الاحيان في الاخلال بالامن العام".
وختم قائلا "على جميع الاطراف المتدخلة في الشان الرياضي بشكل عام وفي مجال كرة القدم على وجه الخصوص المساهمة في التصدي لشبح العنف من ذلك الاعلام الرياضي المطالب بضرورة التحلى بروح المسؤولية والرصانة والرقي في اداء الرسالة الموكولة له والكف عن الاراء التي من شانها تأجيج الوضع واثارة الحساسيات والجهويات، وهي اراء كثيرا ما تصدر عن اشباه محللين لا علاقة لهم بمهنة الاعلام، وهنا وجب التفريق بين النقد البناء وخطاب الفرقة والفتنة الذي يغذي الصراعات بين الجماهير الرياضية".
وبات العالم الافتراضي من مختلف منصات التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لايواء المشاغبين من الجماهير الرياضية وفضاء خصبا لانتشار مظاهر الكراهية بينها حيث اصبحت المعارك تنطلق شرارتها الاولى من -الفضاء الازرق - لتستكمل بقية اطوارها في المدراج. وحول هذا المعطى الذي فرضه التطور التكنولوجي، اكد منذر السماعلي الخبير في السلامة السيبرنية "ان العنف ليس وليد اليوم لكنه ازداد تفشيا في الحياة اليومية واصبح اكثر انتشارا داخل المحيط العائلي والفضاء التربوي وفي الشارع، وقد ارتفع هذا المنسوب مع ظهور شبكات التواصل الافتراضي التي يستسهل فيها الافراد من مستخدمي الانترنت نشر الصور المسيئة والمحتويات المستفزة وسط شعور باطمئنان لعدم تعرضهم لعقوبات في ظل اخفاء هوياتهم باسماء مستعارة خلف الحواسيب والهواتف".
وتابع السماعلي في حديثه ل"وات" ان "انتشار العنف على نطاق اوسع في الميادين الرياضية مقارنة بالفضاءات الاخرى يعود الى ان مدرجات الملاعب تستقطب اعدادا كبيرة من الجماهير وهي الفضاءات الاكثر تجمهرا وتجمع كل شرائح المجتمع باختلاف الطبقات والمستويات، ولاشك ان هذا الاختلاط يوفر بيئة لظهور ما يعرف بسلوك "القطيع" الذي تبرز تمظهراته في الشتم والقذف وهتك الاعراض وتغذية التعصب وتكريس الجهويات ورفض مبادىء التعايش السلمي صلب المجتمع الواحد".
واوضح الخبير في السلامة السيبرنية ان "الامر يزداد خطورة مع التعمق اكثر في فلسفة روابط المشجعين الذين يؤمنون بعقيدة المجموعة فقط ويعتبرون الانتماء لها هويتهم الوحيدة، وكلما ضاقت امامهم الافاق وكثر عليهم الضغط كلما غلبت العدوانية والكراهية على تصرفاتهم".
وختم السماعلي بالقول "أعتقد انه يتعين التكثيف من الحملات التوعوية والتحسيسية حول خطورة الظاهرة انطلاقا من الاسرة والمؤسسة التربوية التي يجب ان تستعيد دورها في تنشئة اجيال متشبعة بقيم التسامح وقبول الاختلاف وبالتالي لابد من مجهود وطني متكامل تتظافر فيه الجهود للنزول بالعنف الى أدنى درجاته".
وتبقى ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية في نسختها التونسية جلية المعالم بعد تشخيص اسبابها باسهاب من قبل مختصين وخبراء بقراءات عميقة طرحت حزمة من الحلول عبر الاستئناس بالتجارب المقارنة مع اكسائها خصوصيات المجتمع التونسي. وتبقى الحاجة الى ارساء عقد اجتماعي بمفاهيم حديثة تساير متغيرات التعبيرات الفكرية والضوابط القيمية والمحددات الثقافية والاجتماعية لدى الفئات الشبابية بالتوازي مع التوجه اكثر نحو الاعتماد على العقوبات البديلة التي تفرض على المذنبين القيام باعمال نفعية لفائدة المصلحة العامة بما يكرس لديهم الحس المجتمعي من بين الاليات القادرة على التخفيض من حدة التوتر الاجتماعي والتقليص من السلوكيات العنيفة سواء في الفضاءات الرياضية اوخارجها.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.