إذا لم تعجبك يوما تصرفات أحدهم أو أزعجتك تصريحاته أو رأيت في كلامه إهانة لمعتقداتك فليس عليك سوى إنشاء صفحة فايسبوكية تطالب فيها وبكل بساطة بسحب الجنسية التونسية منه ولم لا نفيه إلى بلد آخر عقابا له على ما اقترفه ولا تقلق فسينضم إلى صفحتك الكثيرون أفواجا أفواجا معبرين عن امتنانهم لك وإعجابهم بصفحتك الهادفة عازفين لسمفونيات من السب والشتم والإهانات تجاه هذا "المجرم" و"الخارج عن القانون" الحكاية قد تكون بدأت أو اشتد وطيسها مع المغني أوبالأحرى "العرابني" "محسن الشريف" الذي أهدر دمه، وهذه ألفاظ جديدة على مجتمعنا من صناعة شيوخ المشرق والخليج، وطالب الكثيرون بسحب الجنسية منه لأنه هتف باسم "نتانياهو" عاليا في إسرائيل (وهي رواية يشكك فيها كثيرون)، لتتناسل الصفحات الداعية إلى سحب جنسيته وسجنه إضافة إلى نعته بالعميل والخائن رغم أن العملية بالكامل كانت نتيجة لسذاجته ولسطحيته ولا نخالها خيانة منه للقضية خاصة وان العربون لديه أهم من أي رسالة فنية أو التزام بقضية معينة كحال غالبية مغنينا لتطفو الدعوات من جديد عندما صرح "النوري بوزيد" أن ثلاث أرباع التونسيات فقد عذريته لتعاد الاسطوانة الساذجة من جديد ويدعو الكثيرون إلى حرمان هذا المخرج من جنسيته معتبرين أنه مرغ سمعة فتياتنا في الوحل وأضر بصورة المرأة التونسية..وهذا مظهر آخر من مظاهر النفاق الاجتماعي الذي ينكر واقعا ملموسا يتغافل عنه الكثيرون بدعوى الحرص على تصدير صورة محافظة لمجتمعنا ويتناقض مع إحصاءات رسمية كتلك التي صدرت اثر المسح الوطني لصحة الأسرة سنة 2007 التي تذكر أن 80 في المائة من الشبان و68 في المائة من الفتيات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج ولكن مجرد وضع الإصبع على هذه الأمور ولو ببعض من المبالغة كفيل بالدعوى إلى حرمانك من جنسيتك ولم لا تلقينك درسا لا ينسى حتى تصمت إلى الأبد ولا تعاود الخوض في هذه المسائل التي يعتبر التطرق إليها جالبا لسخط من احترف تزيين الواقع ممن تنطبق عليهم تلك المقولة "لا تكن بين الناس قديس وفي خلواتك إبليس" وآخر ضحايا هذه الدعوات السخيفة جدا الممثلة "سوسن معالج" التي اتهمت بالإساءة إلى المرأة التونسية بعد أن ظهرت في فيديو على الانترنيت تعرف فيه بفيلمها الجديد "حيرة" والذي يتكلم عن نموذجين موجودين في مجتمعنا، نموذج الفتاة المتدينة والأخرى المتحررة من كل القيود واعتبرها الكثيرون رمزا سيئا لنسائنا كونها انتقدت ظاهرة التدين الرجعي رغم أنهم يدركون في قرارة أنفسهم الأسباب المتعددة التي تدفع إحداهن إلى ارتداءه والتي تكون أحيانا كثيرة بعيدة عن التدين بقدر ما هي سعي إلى إرضاء رؤية ضيقة ترى في الفتاة المتحجبة رمزا للطهر والعفاف ومقصدا للباحثين عن الزوجة الصالحة وترى في غير المتحجبة رمزا للتسيب والانفلات الأخلاقي والمثير للضحك أن غالبية ناشري هذا الفيديو اعتمدوا على صور للممثلة وهي تشرب الخمر في تقييمهم لأخلاقها وسمعتها ولم يشاهدوا أصلا الفيلم لتنهال موجة جديدة من الشتم المجاني والإهانات والدعوة إلى مقاطعتها ولم لا سحب الجنسية منها فهي أضحت خطرا على الأمن الداخلي ومقوضا للاستقرار في غياب تام لأساليب إقناع حضارية محترمة تعتمد المحاججة لا الشتم عبر أسلوب الترهيب وتكميم الأفواه الذي يعتمده الضعفاء وفقيرو الحجة ممن وجدوا في الفايسبوك ضالتهم لتفريغ الكم الهائل من الكبت وانعدام ثقافة الحوار الذي يعانون منه وتبدو الدعوة إلى سحب الجنسية الموضة الجديدة التي يعتمدها الكثيرون والطريقة الأسهل لإبداء السخط تجاه أحدهم ولو تمت الاستجابة إلى مثل هذه الدعوات لأضحى الكثيرون بلا جنسية ضحايا لسطحية في التفكير وانعدام للوعي لذلك فلينتبه الجميع لما ينتظرهم في قادم الأيام إذا صدحوا بآراء لا تتلائم مع القوالب الاجتماعية والفكرية والأخلاقية التي اغرق فيها مجتمعنا وليحرص كل منكم على جنسيته حتى لا يفوت الأوان ويفقدها يوما إرضاء لنفاق الآخرين..وما أكثرهم بين ظهرانينا