شهد انطلاق الموسم الثقافي الجديد ميلاد مسرحية «هو…ة» لسفيان شبيل في نصّ مقتبس عن «رقصة الموت» للكاتب السويدي أوغيست سترنبرغ، نقلت الفنانة المسرحية سارة الحلاوي قصّته الأصلية إلى الواقع التونسي، بعد أن صاغت النص باللهجة التونسية. «الشروق» مكتب الساحل: المسرحية من إنتاج شركة «بورحمة» للإنتاج والتوزيع الفني، وأداء كلّ من يحيى فايدي وزياد المشري وسارة الحلاوي. وتمّ تقديم العرض الأول لهذه المسرحية، مؤخرا بفضاء التياترو بالعاصمة، بحضور ثلة من المسرحيين، في انتظار عروض أخرى ومنها العرض المرتقب يوم 26 أكتوبر الجاري ضمن المهرجان الوطني للمسرح التونسي بالمنستير. وتحكي مسرحية «هو…ة» في 60 دقيقة قصة ضابط عسكري يعيش مع زوجته في جزيرة نائية، حيث اختارا أن يهجرا الناس ويهربا من الواقع بمختلف تناقضاته من غياب للعدالة والحرية وتردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لكنهما يعيشان حياة لا تخلو من تعاسة من الواقع الذي هربا منه، وهو واقع يتسم بالكراهية والصراع. وتستعرض المسرحية مجموعة من القضايا منها ما هو وجودي وسياسي واجتماعي وثقافي، وتشترك هذه القضايا جميعا في غياب عنصر التواصل واتساع دائرة الهوة بين مختلف الأطراف، وهذا ما يشير إليه العنوان «هو…ة» فهو يعني الفجوة والحفرة العميقة واختلال التوازن والسقوط والانهيار... وهذه الدلالات تُرجمت في اتساع الهوة بين الطبقة السياسية والشعب على المستوى السياسي، وبين الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والفقيرة على المستوى الاجتماعي واتساع الهوة بين السلطة والنخبة المثقفة. وبرزت الهوة في الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة من خلال جدلية الحب والكراهية، حيث ترجمت علاقة الزوجين إلى حب وانسجام وتواصل في ظاهرها، لكنها تُخفي في باطنها كراهية وعنفا، يتبادلان الشتائم ويتمنى أحدهما الموت للآخر، لكن رغم ذلك تستمرّ الحياة الزوجية ويستمر التوتّر والصراع الهادئ بينهما، وهو صراع أزلي قائم بين المرأة والرجل ومستمرّ حتى النهاية، وفق أحداث المسرحية. وللتعبير عن جملة هذه القضايا، وظّف المخرج عناصر سينوغرافية مميّزة للعرض كالديكور والإضاءة والملابس، فجعل في المكان حبالا تتدلّى من الأعلى نحو الأسفل، ليبدو المكان شبيها بالحفرة العميقة. وقد كانت الحبال بمثابة الحنين الذي تتعلّق به الشخصيتان للعودة إلى الواقع والخروج من عتمة الظلمات... أما المكان، فهو مظلم وضيّق وشديد البرودة والجمود، إنارته خافته تتسلّل من الأعلى بين الثقوب. والمكان في المسرحية يدلّ على السجن والعزلة التي آل إليها الزوجان بعد 25 سنة على الزواج، خاصة الزوجة التي حرمها زوجها من ممارسة نشاطها الموسيقي للتحرّر من قيود المكان والزمان... وأخذ الإيقاع في المسرحية منحى تصاعديّا، إيقاع منسجم مع أحداث المسرحية ويعبّر عن حالة التوتر في بواطن الشخصيات، وحالة الحرب الهادئة الدائرة بين الزوجين، انفعال وتوتّر وهواجس الخوف من موت أحدهما قبل الآخر. ويتسارع الإيقاع كلما تسارعت الأحداث نحو الذروة، وتجلّى الإيقاع التصاعدي للعرض من خلال لعب الممثلين على الركح... ورغم أن تحركاتهم كانت محدودة ولم تكن مكثفة على المسرح، فإن مظاهر العنف والقسوة والغضب والحيرة قد تجسّدت بإحساس عميق في بواطن الشخصيات، مما جعل الأداء أكثر صدقا وتعبيرا وإتقانا. وقد بدا النص في مسرحية «هو…ة» أيضا موقّعا وجُمله قصيرة ومُوزعا على الممثلين بأسلوب متوازن، وقد اشتقّت كاتبته سارة الحلاوي، مفرداته من معاجم الحب والحرب والعنف، لتجسد عمق الهوة بين جملة من التناقضات هي المرأة والرجل والحاكم والمحكوم والغني والفقير... وتنتهي المسرحية بمشية عسكرية تجمع الزوج وزوجته جنبا إلى جنب، في إحالة إلى معنى الانضباط في استمرار العلاقة بين الزوجين رغم التوتر والصدام بينهما.