يبدو أن السفير الفرنسي في تونس "بوريس بويون" لم يفهم بعد الشخصية التونسية التي رفضت نظام التسلط والقهر فثارت عليه وطردت رمزه رغم أنه تونسي المولد والنشأة هذه الشخصية لم تقبل ظلم ابن البلد فكيف تقبله من الأجنبي "الكرامة قبل الخبز" ذلك كان شعار التونسيين في كل محنة وهو الشعار الأساسي الذي رفعه أبناء الخضراء أثناء الثورة بعد أن تشدق اللص المخلوع بأنه سيمنح فرصا اقتصادية للشباب لكن نفس الشباب رد عليه بشعار لن ينسى "خبز وماء وبن علي لا" اعتذر "بويون" للتونسيين كما اعتذر بن علي تزلفا للشعب حين قال "غلطوني" ولكن اعتذار بن علي لم يشفع له فهل يشفع لبويون هذا الاعتذار طبعا موقف السفير الفرنسي الأخير الذي بث على القناة الوطنية جاء نتيجة للضغط الجماهيري للمطالبة برحيله في مظاهرات حملت ذلك الشعار الغريب العجيب"degage" موقف "بوري بويون" عند قدومه لتونس وتصريحاته المتعالية والمتعجرفة ضد الصحفيين يمكن أن نحللها بكون أن هذا الرجل هو مخصص للأزمات فقد كان سفير فرنسا في بغداد وفي بيروت وهي مناطق توتر تحتاج إلى رجل يملك خطابا قويا لكن هذه الوضعية لا يمكن أن يقبلها التونسيون الذين جلبوا العزة والكرامة من دون تدخل أجنبي فبلادنا ليست محتلة والتونسيون ليسوا منقسمين والسفير "بويون" ليس مقيما عاما جديدا يأمر وينهي وكأنه في إحدى المستعمرات بل نحن أحرار لدينا القدرة في الدفاع عن مصالحنا وكما قال لطفي العبدلي في مسرحيته الأخيرة "الفرنسيون قاموا بثورة ونحن كذلك الفرنسيون ينتقدون حكومتهم ونحن ننتقد حكومتنا الفرنسيون لهم ديمقراطية ونحن لدينا" يجب على الفرنسيين أن يعلموا أن فرنسا لها مصالح اقتصادية وسياسية في تونس لا بد أن يحافظوا عليها كما يعمل التونسيون على الحفاظ على مصالحهم مع باريس لأن خسارة الفرنسيين لثقة الشعب التونسي سيكلفهم كثيرا أكثر مما سيكلف التونسيين الذين سيجدون دون شك في الأمريكيين والألمان سندا اقتصاديا بديلا اعتذار بويون على القناة الرسمية يؤكد أن فرنسا فهمت اللعبة وننتظر منها ردا عمليا أقوى من مجرد اعتذار