بقلم: آسيا العتروس هل انتهت الازمة بين تونسوفرنسا بمجرد تقديم السفير الفرنسي بوريس بوايون اعتذاره علنا للتونسيين على تصرفاته المهينة للصحافيين ؟ الارجح انه وبرغم ما يمكن ان تحمله تلك الاعتذارات التي اختار السفير الفرنسي توجيهها عبر القناة الوطنية في محاولة للوصول الى اكبر عدد ممكن من التونسيين فإن الحقيقة انها تخفي حجم الازمة التي لم تبدأ بالظهور مع وصول السفير الشاب المتحمس القادم من بغداد والذي لم تشأ بلاده ان تنتظر رد الحكومة الانتقالية في تونس والحصول على موافقتها وفق ما تفرضه الاعراف الديبلوماسية لتضعها بذلك امام الامر الواقع وتضيف لها المزيد من الاحراجات والانتقادات... وبالعودة الى سلسلة الاحداث على الساحة منذ ثورة الرابع عشر من جانفي الماضي التي اطاحت بالرئيس المخلوع الحليف المقرب للغرب فقد اتصف الموقف الرسمي الفرنسي بالتردد والغموض مند البداية حتى انه قد بدا وكأن الثورة الشعبية التي اهتز لوقعها العالم لم ترق لفرنسا التي فوجئت بوقوعها ولم تتوقع حدوثها. بل وبالاعتماد على ما سربته بعض المصادر الفرنسية فإن السفير الفرنسي السابق بيار مينا وفي الوقت الذي كانت طائرة بن علي تحلق في الفضاء بحثا عمن يقبل باستضافته بعد رفض مالطا وايطاليا، كان يبرق الى الاليزيه بأن الاوضاع تحت سيطرة بن علي الامر الذي كلفه منصبه خلال الايام القليلة التالية ليحل محله بوريس بوايون... وللتذكير فإن موقف السفير الفرنسي لا يعد الاول من نوعه وكلنا يتذكر خلال زيارة كوشنير وزير الخارجية السابق كيف تعرض لأحد الصحفيين التونسيين بالشتم عندما توجه اليه بسؤال خلال مؤتمر وزراء خمسة زايد خمسة قبل أن تتدخل السفارة وتعتذر نيابة عن كوشنير. وعموما فإن عهد مينا وبوايون ليس عهد السفير دولا ميسوزيار أو السفير سارج دي غالي وما عرف عنهما من دفاع عن قضايا حقوق الانسان واحترام للاعلام والمجتمع المدني عندما كان النظام السابق يحاول تقييد تحركاتهم ولجم اصواتهم... وقد تكررت الاخطاء من جانب فرنسا وهي الشريك الاول لتونس، بعد ذلك بعد ان كشفت صحيفة «لو كنار انشيني» اطوار عطلة وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليوت ماري في تونس خلال الايام الاولى للثورة وتصريحاتها بشأن استعدادها لتقديم خدمات أمنية لنظام بن علي وتزويده بالوسائل الكفيلة بقمع المظاهرات وهو ما حاولت الوزيرة التنصل منه لاحقا. وقبل حتى ان تنطفئ بوادر الازمة كانت نفس الصحيفة تكشف تورط والد الوزيرة المعنية في صفقات مع رجل اعمال مقرب من الرئيس المخلوع ومن جديد عادت وعوض ان يكون اللقاء الذي جمع احمد ونيس وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية بنظيرته الفرنسية فرصة لتصحيح مسار العلاقات او على الاقل تفادي المزيد من الاخطاء فإنها كانت وراء دفع الوزير الى الاستقالة نتيجة تصريحاته التي لم ترتق الى تطلعات ومواقف السواد الاعظم من الشعب التونسي الذي وضع كل رهاناته في هذه الثورة الشعبية من اجل الكرامة والتي لا يمكن ان تتناغم بأي حال من الأحوال مع تصريحات الوزير بأن لقاءه بنظيرته الفرنسية كان اشبه بالحلم... وفي كل ذلك، وفيما كان العديد من وزراء الخارجية في اوروبا وبينهم وزراء الخارجية البريطاني والالماني والتركي والايطالي واليوم الاسباني ومسؤولون امريكيون يتوافدون على تونس، اختارت وزيرة خارجية فرنسا زيارة البرازيل فيما تم ايفاد وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد لاعلان دعم فرنسالتونسالجديدة. الواقع ان التوقف عند حدود هذه الاحداث لا يمكن ان يختزل العلاقات بين البلدين وهي بالتأكيد علاقات لا يمكن التوقف عندها بمنأى عن عديد الحقائق التي ارتبطت بفترة الاحتلال والتي استمرت حتى بعد الاستقلال، واذا كانت الشراكة دوما عنوان اللقاءات الرسمية بين البلدين فإن خلف ذلك ظلت العقلية الاحتلالية الفوقية سائدة. قد لا تقف المؤاخذات عند هذا الحد وقد لا يكون ساركوزي ديغول او شيراك ولكن للديبلوماسية نواميسها وقواعدها التي لا تقبل بالعقليات الاحتلالية التي تصر على ان تبقى مستعمراتها السابقة تحت مظلتها ورهن اهوائها...