بقلم عبد الرزاق قيراط أطرف ما جاء في قائمة المشاهير الأكثر تأثيرا في العالم حسب مجلّة ''تايم'' الأمريكيّة، حديثها عن الأشرار و هم أربعة أكثرهم عرب أو مسلمون. و الأمر لا يستغرب، فلنا سوابق في كلّ مثلّثات الشر التي رسمها الأمريكيّون في الماضي القريب، و سيواصلون تخطيطها على هواهم. لكنّنا قد نتّفق معهم هذه المرّة في ذكرهم بشّار الأسد قاهر الانتفاضة السوريّة بالقتل و القصف. و في لائحة الأشرار من غير المسلمين لم يُذكر إلاّ الشيوعيّ كيم يونغ أون زعيم كوريا الشماليّة، و الطيور على أشكالها تقع فقد استفاد بشار الأسد من الشيوعيّين و تمتّع بدعم روسيّ صينيّ لمواصلة قمعه الشعب السوريّ قُتلا و تشريدا. و بعيدا عن لائحة الأشرار، ضمّت قائمة أسماء الشخصيّات الأكثر تأثيرا و نفوذا في العالم حسب المجلّة و قرائها و مراسليها خمسة من العرب منهم رسام الكاريكاتير السوريّ علي فرزات، و رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم آل ثاني و زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي. و قد أشادت المجلّة بجهود هؤلاء كلّ في ميدانه ما يجعلهم ربّما من الأخيار إن جازت المقارنة بنقيضهم، و لكنّ المسألة نسبيّة لا تقدّر بتلك البساطة، فعلي فرزات رسّام الكاريكاتير المزعج للنظام السوريّ يحتلّ بالنسبة إلى حكّام دمشق صدارة أعدائهم الأكثر شرّا و خطرا، و لذلك عاقبه البوليس السياسي و اعتدت عليه الشبّيحة فكسرت أصابعه حتّى لا يخطّ بها رسما جديدا يستفزّ عائلة الأسد الحاكمة منذ أربعين عاما. و حمد بن جاسم، تراه المجلّة "دبلوماسيّا نشطا أعطى لقطر الصغيرة جغرافيّا مكانة كبيرة في الساحة الدوليّة بنجاحها في حلّ الكثير من الأزمات الإقليميّة و بدورها الحيويّ أثناء الربيع العربيّ"، بينما خصومه يتّهمونه بتدبير انقلابات وتغيير أنظمة ودعم إسرائيل وتسويق المشروع الأميركي . أمّا راشد الغنوشي، فصُوّر باعتباره "زعيما لحركة إسلاميّة معتدلة وصلت إلى السلطة بعد نجاحها في الانتخابات و اختارت أن تحكم بالوفاق مع قوى علمانيّة، ما أثمر تجربة فريدة و مثالا يُحتذى من قبل الأحزاب الإسلامية في أنحاء العالم العربي". و لكنّ ذلك لا يعفي الغنوشي و حركة النهضة من تهم كثيرة بدأت بازدواجيّة الخطاب و تطوّرت إلى استعمال العنف و محاولة الهيمنة على الدولة بتعيين الولاة النهضويّين و بعض المسؤولين الكبار في قطاعات حسّاسة، تمهيدا لإنتاج دكتاتوريّة جديدة. و هو بهذه التهم التي تروّج لها بعض الأحزاب الصغيرة و تنشرها وسائل الإعلام المحليّة شرّير خطير! و في جميع الحالات يبقى مؤثّرا و لكنّ صورته في المجلّة الأمريكيّة أنصع من صورته في الصحافة التونسيّة. و بهذا التفاوت بين وسائل الإعلام في الداخل و الخارج تبقى مسألة الخير و الشرّ بحاجة إلى إعادة نظر حول درجة الإنصاف و الظلم في حكمنا على الناس و على أفكارهم انطلاقا من مصالحنا الشخصيّة، فبعض الحقائق التي يصعب إدراكها أو يصعب الاعتراف بها، قد نعمل على إنكارها خاصّة إذا لم ترق لنا، لذلك نعتقد أنّ المؤثّرين الحقيقيّين الذين يدفعوننا إلى أحكام بعينها، هم الإعلاميّون بشتّى أنواعهم ، فلا أحد يستطيع أن ينكر اليوم ما لوسائل الإعلام من قدرة كبيرة على توجيه الرأي العام و تكييف أفكاره بما يخدم مصلحة طرف على حساب آخر. و في هذا السياق تحدّثت مجلّة التايم عن الملا عمر زعيم طالبان باعتباره من الأشرار أيضا، و لكنّ الرجل و بغضّ النظر عن سياسته، يقاوم الآن قوّة تحتلّ بلاده و تقتل الأبرياء و العزّل في جرائم لا تتوقّف. كما تحدّثت وسائل الإعلام السوريّة أو القريبة من النظام البعثيّ - و بشكل مضحك فيه قدر كبير من الوقاحة - عن وجود الأسد في قائمة المشاهير الأكثر تأثيرا و تجاهلت وضعه ضمن لائحة الأشرار. و بالنظر إلى كلّ ما تقدّم، و لأنّ الأشخاص الأكثر تأثيرا في مجريات الأحداث و في مصير الشعوب هم الإعلاميّون و الذين يتحكّمون في وسائل الإعلام من قريب أو من بعيد، نؤكّد أنّ المعركة الحقيقيّة التي تعيشها تونس اليوم هي معركة إخباريّة فيها تعتيم و تشهير، و فيها إخفاء و إظهار، و فيها أخبار عاجلة و أخرى آجلة و قد لا نسمع بها. مشهد فيه تخبّط كبير و بوصلة معطّلة و جدل متجدّد حول أخطاء كثيرة آخرها امتناع الصحفيّين في القناة الوطنيّة عن تغطية أنشطة وزير الداخليّة. و لعلّها القطرة التي أفاضت الكأس لتقترح قيادات النهضة خصخصة هذا الإعلام العموميّ الذي لا يقوم بدوره حسب رأيها، و تتّهمه بأنّه "عدوّ للثورة" و معطّل لأهدافها. و في انتظار ما ستؤول إليه نتيجة هذه المعركة، يبدو التونسيّون اليوم أكثر وعيا بما تلعبه بعض وسائل إعلامنا من أدوار تضليليّة تقوم على التشهير و التنفير. و لأنّ قائمة العار لم تنشر بعد، فإنّ ثقتهم بما يقال لهم في تلك الوسائل تبقى مهزوزة، فتتجه الأنظار إلى المصادر العالميّة أو إلى ما ينشر على المواقع الاجتماعيّة حيث صار لكلّ تونسيّ صفحة إعلاميّة خاصّة يضع فيها ما يروق له، و يستبعد ما لا يعجبه. و هي صفحات يتفاوت تأثيرها بحسب أعداد المتابعين لها و المشتركين فيها. إنّه الإعلام البديل الذي ساهم في إسقاط الدكتاتوريّة، فهل سينجح في بناء الديمقراطيّة؟