المرصد الوطني لسلامة المرور: النظر في تنقيح الامر عدد 146 لسنة 2000 المتعلق بالسياقة تحت تأثير الكحول بعد العطلة البرلمانية    الإدارة العامة للأداءات: يوم 15 أوت 2025 آخر أجل لإيداع التصريح الشهري بالنسبة للأشخاص الطبيعيين    نابل: قافلة صحية متعددة الاختصاصات ضمن مصيف الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي بقليبية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب غربي تركيا ويخلّف أضرارًا مادية    مجلس الأمن.. دول أوروبية تدين قرار من احتلال الكيان الصهيوني لغزة بالكامل وتحذر    الرابطة الأولى: نتائج وترتيب الجولة الافتتاحية (الدفعة الثانية)    بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 سنة: برنامج المباريات الترتيبية للمنتخب التونسي    سوسة: وفاة الكلب "روكي" بعد تعرضه لاعتداء بآلة حادة وتوقيف المشتبه به    إنتخابات جامعة كرة السلة.. قائمة سفيان الجريبي تفوز    كيفاش تتصرف إذا شدك ''الأخطبوط'' وانت في البحر؟ نصائح مهمة    بين المتلوي وتوزر..اصابة 4 اشخاص في حادث مرور    وادي مليز: بين عرض للفروسية لفرسان خمير وسهرة الفن الشعبي.. تواصل فعاليات مهرجان شمتو    السيطرة على حريق جبل الفراشيش بسليانة دون خسائر بشرية    عاجل: وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تفتح باب الترشح ل 9 خطط ...آخر أجل وكيفية التسجيل    دراسة ليبية تُحذّر: بكتيريا في المنتجات البحرية تنجم تقتل في 48 ساعة    مأساة الملاكمة في اليابان: إصابات قاتلة تنهي حياة اثنين من الملاكمين    حذاري! صور ولادكم في الإنترنت تولّي خطر ما تتصوروش!    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توجه رسالة هامة لوزارة التربية..#خبر_عاجل    مهرجان مدنين الثقافي الدولي: الدورة 45 تحت شعار "مدنين، حكاية أخرى"    عاجل: إجراءات جديدة لحماية صحة اللاعبين بسبب ارتفاع الحرارة    تونس: حجز 172 طناً من المواد وحملات رقابية مكثفة تُسفر عن 9 قرارات غلق في النصف الأول من 2025    اختناق 621 شخصا في العراق إثر تسرب غاز الكلور من محطة لتصفية المياه    عاجل: النصر السعودي يتعاقد مع نجم برشلونة...التفاصيل    عاجل: التسجيل الإلكتروني لأداء فريضة الحج يبدأ قريبًا    المهاجم التونسي محمد علي بن حمود ينتقل الى شباب بلوزداد الجزائري لمدة ثلاثة مواسم    ولاية كاليفورنيا ترفض طلب ترامب من جامعتها دفع مليار دولار وتعتبره ابتزازا سياسيا    إطلاق الدورة الأولى لمسابقة "Cactus INNOV " لاختيار أفضل الابتكارات في تثمين التين الشوكي    دواء معروف يستعمله الملايين يرفع خطر فشل القلب.. شنوة السر الخطير؟    تقصّ شعرك مبلول ولا شايح: شنوّة الأفضل ليك؟    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    رفع 8000 متر مكعب من الفضلات ب133 شاطئا    شنوّة أعراض فيروس ''تشيكونغونيا'' الخطيرة؟    نجوى كرم تُشعل قرطاج بعد غياب تسع سنوات: ليلة حنين وأغانٍ خالدة أمام جمهور غصّت به المدارج    مهرجان "أفلام تونسية قصيرة" أيام 3 و4 و5 أكتوبر القادم بدار الثقافة ابن رشيق    عرض المحفل التونسي ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرحان صفاقس الدولي ... حفر في مخزون التراث الغنائي الشعبي التونسي    قتلت 10% من سكان غزة".. تقرير عالمي عن تفوق إسرائيل على النازيين في قتل المدنيين    تاريخ الخيانات السياسية (41) .. تسميم الخليفة المعتمد    غدا.. غلق الطريق في اتجاه باجة أمام القادمين من باب عليوة ولاكانيا    اكتشاف جديد    طقس الليلة: ضباب على الساحل وريح شرقية وهكا باش تكون السخانة    انخراط 425 مؤسسة في موسم التخفيضات الصيفي    عاجل: موسم الحصاد 2025 يتصدر أفضل خمس سنوات في تونس    عاجل/ سمير الشفّي: لسنا مع تأجيج الأوضاع لكننا لن نصمت..    جامعة النقل تعلن تأجيل إضراب المطارات    إيقاعات الراي تلهب مسرح الحمامات مع النجم الشاب مامي    عاجل/ مقتل كهل داخل شقته في العوينة: هذا ما تقرّر ضد المشتبه بهم    أبطال إفريقيا: تفاصيل مواجهات الترجي الرياضي والإتحاد المنستيري في الدور التمهيدي الأول    عاجل - للتوانسة : إحذروا من فخ الجوائز الوهمية على الفايسبوك والإنستغرام!    3 وفيات و4 إصابات في انقلاب شاحنة محمّلة بالفحم الحجري بأوتيك    تاريخ الخيانات السياسية (40): قتل الخليفة المهتدي    استراحة صيفية    مهنة وصيف: بشير برهومي: »مشوي» على ضفاف شط الجريد    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    في سهرة فنية رائقة ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي .. الفنان لطفي بوشناق يعانق الإبداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن نشكو ماَسينا..؟‎
نشر في باب نات يوم 11 - 09 - 2012


الناصر الرقيق
كثيرة هي الماَسي التي عانينا منها و لازلنا في بلادنا و ذلك نتيجة عدة أسباب يطول شرحها لكن أعظم هذه المصائب التي أبتلينا بها هي عمليات القتل الجماعي أو الإنتحار مدفوع الأجر في قوارب الموت التي تقلّ شبابنا الباحث عن الأمل المفقود في بلاده إلى بلاد المال و الأحلام بلدان الشمال الجميلة كما تم تصويرها لنا منذ نعومة أظافرنا بدءا من حكايات الجدود عن عملهم مع الفرنسيين زمن إستعمارهم لبلادنا وصولا إلى حديث المعلم في المدرسة عن البلدان المتقدمة و سبّه و لعنه لبلادنا التي بقيت متخلفة دون أن يذكر لنا من جعلها تبقى على هذه الحالة ربما كان الإفصاح بالحقيقة مجلبة للمتاعب لذلك كان الإتّهام لا يوجّه للمجرم الحقيقي إضافة لحديث العائدين من بلدان أروبا كل صيف عن عيشتهم الكريمة في مواطن إقامتهم و مظاهر الفخفخة البادية عليهم.
إن مئات الضحايا ممن إختاروا الرحيل و مغادرة الوطن عن طيب خاطر تلقفتهم أمواج البحر الأبيض المتوسط فكان أغلبهم إمّا قتلى أو مفقودين و لعلّ حادثة "لمبيدوزرا" الأخيرة إنما هي واحدة من الحلقات في سلسة مازالت لها الكثير من الحلقات الأخرى فبعد هذه الفاجعة هبت كعادتها المعارضة في بلدنا للمزايدة على الحكومة و إتهامها بالتراخي في التعاطي مع الموضوع في حين ردت الحكومة بالقول أنها ليست المتسبب في هذه الكارثة و بعيدا عن هذه التجاذبات السياسية فإن الوضعية تحتاج لوفقة تأمل و تحليل عميق لما يحصل عندنا.
فظاهرة الهجرة السريّة أو كما تسمّى شعبيّا "الحرقة" ليست بالجديدة فهذه الحكومة و غيرها من الحكومات القادمة لم و لن يقدروا على إيقافها نظرا للعديد من الأسباب أهمّها اليأس المستشري في نفوس الكبار و الصغار في بلادنا و هذا لا تتحمله هذه الحكومة أو التي ستأتي بل هذا نتاج لخمسين سنة من الإستقلال المزيف الذي لم يحقق لهذا الشعب ما أراده و لم يجلب له غير ديكتاتورية بغيضة أهلكت الحرث و النسل في هذا البلاد كما أنه من بين الأسباب التي جعلت الكلّ يعتقد أن الغرب هو الجنة الموعودة سياسة التغريب التي أعتمدها نظام بورقيبة و خلفه المخلوع حيث كانت مناهج التعليم تصور دائما الغرب المتفوق بإنجازاته و إختراعاته و تغفل عوراته الإجتماعية و مشاكله الأخلاقية التي أدت إلى إنهيار المنظومة القيميّة لديه كما أن نخبنا عاشقة الغرب كانت دائما تصور لنا الغربّي على أنه هو السيد نظرا لتفوقه علينا و هذا ما لاحظناه من خلال الأفلام السينمائية أو الإنتاج الأدبي و ما ينفك أحدهم إلا و يتباهى بما وصل إليه الغرب من تقدم و تطور و حضارة ثم يعود ليذمّ لنا كل ما هو موروث حضاري لدينا سواء كان عربيا أو إسلاميا ليشعرنا أنه لا قيمة لنا أمام هذا الإنسان الغربي العصري و لتلاحظوا معي أن أغلب نخبنا تتكلم الفرنسية بل هناك منهم من لا يحذق غيرها من اللغات أما العربية فقد تركوها للمتخلفين من أمثالي ثم يأتوا إلى أستوديوهات التلفزة ليناقشوا الأسباب التي تدفع بالشباب للهجرة في رحلة محفوفة بالمخاطر و نسوا أنهم هم السبب الرئيسي.
فالشباب الذي يركب البحر مهاجرا هو ضحيّة هذه النخب المنبتّة التي دائما ما صورت له أن الغرب هو جنة الخلد حيث هناك النعيم المقيم نعيم المال و نعيم الحرية و نعيم العيش الكريم و لم تحدثه عن جحيم الإجرام و جحيم المخدرات و جحيم مافيات تجارة الأعضاء و جحيم الدعارة فقط لأنها لم تؤمن يوما بأن هذا الوطن محتاج لكل شبابه و شاباته فقد كانت دائما ترينا من الغرب إلا ما تريده هي لنا أن نراه و إذا ما تجاوزنا مرحلة عبور البحر بقليل و نجا المبحر من الغرق و وصل سالما إلى وجهته فبماذا تراه سيعود للنظر قليلا لشبابنا و شاباتنا الذين يعودون من الغرب تجد الكثير منهم يأتونا بأمراض معدية و بإسهلاك للمخدرات و ماَس لا حصر لها هذا إن قدّر لهم العودة طبعا.
إن المشكلة أعمق من مجرد مجموعة من الشباب الذي يمطي زورقا لعبور البحر نحو الضفة الأخرى فالمشكلة مشكلة إنتماء لهذا الوطن حيث لم يعد هناك شعور بالإرتباط بتونس نتيجة مناهج تعليم مشوهة و نتيجة نخب منبتّة و نتيجة إحباط مزمن يشعر به الجميع و نتيجة إنقلاب المفاهيم و تغيّر معايير التصنيف حيث لم يعد للعلم أو الصدق أو الأمانة أيّة قيمة أمام المال فصاحب هذا المال هو المحترم وهو المبجّل فكيف إذن سيقبل الشاب على بلاد جعلت شعارها الأول البطالة و الفقر و الحرمان لكل من تعلّم أو أنهى دراسته فشباب اليوم لم يعد يرى في تونس الوطن الذي يحقق الأحلام و الطموحات و كثيرا ما دخلت في نقاشات مع بعضهم الذين يقولون دون خجل نعم فرنسا هي بلادنا بل فيهم من يسميها "لمّيمة الحنينة" هكذا ببساطة شديدة و يقول ماذا فعلت لي بلادي و ماذا أعطني بل قد يذهب أكثر من ذلك ليقول لي ها أنت قد أتممت دراستك منذ زمن ماذا جنيت غير البطالة و لو لم يكن لك من الأهل من هم في فرنسا لكنت لا تجد حتى ما تأكله عندها أسكت و لا أجد الجواب الذي ربما أحاول به إجابة نفسي قبل مخاطبي.
أنا شخصيّا أقطن قرية من قرى تونس الجبيبة و هذه القرية تقريبا أغلب سكانها من المهاجرين في فرنسا حيث أنك حين تزورها تلاحظ أن حديث الجميع فيها غالبا ما يكون عن كيفية الخروج من تونس نحو فرنسا و هذا في إعتقادي أراه طبيعيا نظرا لأن الشاب الذي يرى أن من درس و أجتهد و أتمّ دراسته و تخرّج بقي عاطلا عن العمل مثلي و في أحيان كثيرة لا يملك ثمن قهوة في حين أن من غادروا القرية نحو أروبا عادوا بأموال كثيرة و بسيارات فاخرة لا يقدر على إمتلاكها حتى أكبر المسؤولين في البلاد إذن لم أعد أمثّل لهذا الشباب مثالا يقتدوا به في حين أن أصدقائي الذين غادورا مقاعد الدراسة و توجهوا نحو أروبا أصبحوا هم القدوة و المثال الناجح الذي يحتذى به.
أظن أن ماَسي "الحرقة" لن تتوقف على الأقل في المدى القريب و إذا ما أردنا أن نعالج هذه المشكلة علينا أن نشخص أسبابها أولا و أن ننظر إليها في عمقها التاريخي و الحضاري و أن نبدأ بمعالجتها معالجة جذريّة من خلال أمرين يتمثل الأول في العمل على إصلاح منظومة التربية و التعليم من خلال التركيز و الإهتمام بتكريس الإنتماء لهذا الوطن و الإرتباط به من خلال تنمية الروح الوطنية لدى الناشئة بشكل يجعل الفرد يقدّم مصلحة الوطن و المجموعة على مصلحته الخاصة و الثاني من خلال العمل على مراجعة منوال و سياسة التنمية المعتمدة و ذلك بالتركيز على المناطق الداخليّة و المحرومة و التي تعاني أكثر من غيرها من مشكلة هجرة شبابها بقيت الإشارة إلى أن السلطة الحاكمة و السلط المعنية يجب عليها الضرب بيد من حديد على أيدي شبكات الأجرام التي إختصّت في تنظيم عمليّات الهجرة السريّة و عليها أيضا فتح تحقيقات داخليّة لأنّ هناك العديد من المعلومات التي تشير إلى أنّ من بين محترفي تنظيم عمليات الهجرة الغير مشروعة موظفون لدى الدولة في مختلف الأجهزة و دعونا نتكفي بهذا الكلام حتى لا نقول أكثر فإذن لمن نشكو ماَسينا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.