إصلاح قانون الشيكات لا يمكن أن يكون بمعزل عن إصلاحات أخرى للمنظومة المالية    التعددية الاقتصادية وتنويع الشراكات ..هل تستفيد تونس من التنافس «بين الشرق والغرب»؟    خبير مالي: هذه أسباب إرتفاع نسبة الفائدة في تونس    مؤشر توننداكس يبدأ الأسبوع ب 9652.65 نقطة    رئيس الجامعة التونسية للمطاعم السياحية...هذه مقترحاتنا لتطوير السياحة    عاجل/ الكشف عن سبب اندلاع حريق منتزه النحلي    عاجل/ إطلاق اكثر من 100 صاروخ من لبنان باتجاه الأراضي المحتلة    وصول أكبر حاجة إلى السعودية لأداء مناسك الحج عن عمر 130 عاما    الاقتصاد في العالم    83 بالمائة من التونسيين لديهم خمول بدني    طقس الاربعاء: خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار    الحماية المدنية: هذه حصيلة حالات الغرق.. ولا يوجد إقبال على العمل كسبّاح مُنقذ    الكويت: حريق في مبنى يخلف عشرات الضحايا    عن عمر 130 عاما: وصول أكبر حاجة إلى السعودية لأداء مناسك الحج    سيلين ديون: سأعود إلى المسرح، حتى لو اضطررت إلى الزحف أو مخاطبة الجمهور بحركات يداي    شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها… و حسام حبيب على الخطّ    صفارات الإنذار لا تتوقف في شمال دولة الاحتلال بعد تعرضها لأكثر من 100 صاروخ    منزل تميم: حجز كمية من علب السجائر التونسية بغاية الاحتكار والمضاربة    القصرين: الاحتفاظ بتلميذة من اجل الغش في امتحان الباكالوريا    زلزال قوي يهز كوريا الجنوبية    اليوم انعقاد منتدى تونس للاستثمار: التفاصيل    الفنانة شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها وحسام حبيب يعلّق    أخبار النادي الإفريقي...البنزرتي يراهن على الصغيّر ودخيل مطالب بإزالة الغموض    رئيس الجمهورية: الدولة يجب أن تُطوّر التشريعات المتصلة بالمشاريع العمومية    كيف سيكون طقس الأربعاء 12 جوان 2024 ؟    الاستئناف يقر الحكم الابتدائي في حق محمد بوغلاب    انهاء الموسم بأرقام تاريخية    التخفيض في عقوبة الويكلو للترجي والنجم    يُستعمل لعلاج أمراض السرطان والأعصاب .. سيارات إسعاف خاصة لتهريب الدواء    علي مرابط يشرف على إطلاق البوابة الوطنية الجديدة للتلقيح    حي الزهور: وزير الصحة يشرف على إطلاق البوابة الوطنية الجديدة للتلقيح    وفاة نائب رئيس مالاوي في تحطم طائرة عسكرية    وزير الفلاحة : '' القادم أصعب فيما يتعلق بالوضعية المائية ''    صناعة: مشاريع إزالة الكربون والرقمنة مؤهلة للحصول على الدعم المسند من مكتب التأهيل    أحمد الحشاني : ''الشباب في تونس يعد الثروة الحقيقية للبلاد في ظل تواضع الثروات الطبيعية''    نائب بالبرلمان : ''قد يتم النظر في مقترح تنقيح المرسوم 54 قبل العطلة النيابية ''    بطاقة ايداع بالسجن في حق سنيا الدهماني    صادم/ جماهير غاضبة تقتل حكم المباراة!!    قفصة : الإحتفاظ بالكاتب العام المكلف بتسيير بلدية المظيلة    هام/ بشرى سارة: قطار تونس–الجزائر: موعد أول السفرات الرسمية والتسعيرة..    ألمانيا تستعد لأخطر مباراة    عيد الاضحى : خلية احباء الافريقي تعلن إقامة حفل '' شواء''    وفاة الطفل ''يحيى'' أصغر حاجّ بالأراضي المقدّسة    رئيس الفيفا يعلن انطلاق العد التنازلي لضربة بداية مونديال 2026    قابس: توفّر العرض وزيادة في أسعار الأضاحي مقارنة بالسنة الفارطة    كيف استعدت "الصوناد" لتأمين ارتفاع الطلب على الماء خلال عيد الأضحى؟..    وزارة الصحة: جلسة عمل لختم وتقييم البرنامج التكويني لتنفيذ السياسة الوطنية للصحة في أفق 2035    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    تصفيات كأس العالم 2026: غانا تفوز على أفريقيا الوسطى وموزمبيق تتغلب على غينيا    مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار أمريكي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة..#خبر_عاجل    تألق في المسابقة الوطنية «التدخين يسبب أضرارا» يزيد الرقيق يحرز جائزة وطنية ويحلم بالعالمية !    تحذير مرعب.. النوم أقل من 7 ساعات يزيد من خطر الوفاة..    "احمدي ربك".. رد مثير من مستشارة أسرية سعودية لامرأة ضبطت زوجها يخونها مع 6 نساء!    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاهدة سليانة
نشر في باب نات يوم 02 - 12 - 2012


نصرالدين السويلمي
في أول نجاح واضح لها أجبرت الجبهة الشعبيّة مدعومة بفلول التجمّع الحكومة على الجلوس معها إلى طاولة المفاوضات والاعتراف بها كقوّة نافذة وكشريك فعّال في الحكم، ورغم أنّ هذه الجبهة ظلّت وطوال الأسابيع والأشهر السابقة ومنذ الإعلان الرسمي عن تأسيسها تبحث عن اكتمال النصاب وتغازل بعض النوّاب هنا وهناك وتخاتل تلك الكتل الهامشيّة الغير متجانسة علّها تستنقذ منها ما يكمّل نصاب "العشرة أنفار" الحدّ الأدنى لتشكيل كتلة في المجلس التأسيسي، رغم فقرها الشعبي المتقع وانبتاتها عن ثقافة ودين وتاريخ المجتمع إلا أنّها استطاعت أن تكون بتركيبتها اللقيطة المتطفّلة شريكا للشرعيّة الشعبيّة ومزاحما لئيما لقوّة الصندوق، وقد حازت على هذا السبق المجاني بحكم امتلاكها لأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل وبحكم إمّعة الشريك النقابي القومي ذلك المرتبك التائه الذي مازال يبحث عن تعريف أوليّ لذاته وكنهه وبعده وعمقه.. هائما على وجهه في الفضاءات السّياسيّة والفكريّة لم يستقر له رأي منذ عشرينات القرن الماضي، ثم وبحكم موافقتها وإن كان بأشكال مختلفة على عودة التجمّع الدستوري الديموقراطي للنشاط وانخراطها في حمايته والكفّ عن التشهير بماضيه الأسود ورفع الحواجز التي تحول دون تقارب يوفّر جهد الطرفين لاستعماله في استهداف الشرعيّة وإنهاك مؤسّسات الدولة.
بالتمعّن في بنود الاتفاق الحاصل بين الترويكا التي نزلت إلى المفاوضات تحت "لافتة الحكومة" وبين الجبهة الشعبيّة تحت "لافتة الاتحاد" سوف نكتشف سريعا أنّ سليانة وأهلها لا ناقة لهم ولا جمل في ما حصل وأنّ المؤسّسات التي أُحرقت والمصالح التي تعطّلت والفوضى والإصابات ومختلف الخسائر إنّما كانت من تدبير طائفة سياسيّة رفضت بل لم تصدّق فكرة إفلاسها الشعبي وفشلها المدوي في الانتخابات فأرادت أن تساهم في الحكم بواسطة العنف الشديد منتهجة الفوضى الخلّاقة كسبيل لتحقيق أهدافها، حيث عمدت إلى مقرّات اتحاد الحامي وبن عاشور وحشاد فأفرغتها من المبادئ والتضحيات ومن صفحاتها المشرقة وملأتها عصيا وماء فرق وأسلحة بيضاء..
تسريع البت في قضية 14 شاب اعتقلوا على خلفيّة أعمال عنف، تكليف المعتمد الأول بولاية سليانة بالقيام مؤقتا بمهام الوالي السّيد أحمد الزين محجوب، توفير العناية الطبيّة اللازمة لكلّ من أصيب خلال المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، هذه هي الحصيلة التي سوّق لها البعض على أنّه نصر مبين لكنّها في حقيقة الأمر لا تبتعد كثيرا في تصنيفها عن الكارثة أو الجائحة فنحن أمام ولاية تمّ استعمالها بشكل مؤلم من طرف قراصنة السّياسة الذين وصلوا إلى مرادهم وعادوا بمحصول ثمين وهو إحراج السلطة وخلخلة الائتلاف وإحداث شرخ بين الرئاسة والحكومة ، في حين عادت سليانة تجرّ مصيبة التقهقر في نوايا الاستثمار.
لا يجب أن يعتقد أهالي سليانة أنّه بإمكانهم أن يحققوا قفزة هائلة في التنمية بحيازتهم على نصف الميزانيّة المرصودة لكافة جهات الجمهوريّة بمجرد أنّ الجبهة الشعبيّة أرسلت الاتحاد ليوحي لهم بذلك، ولا أعتقد أنّه ذهب في ظنّهم أنّهم أعمق جرحا وأشدّ وطأة وأكثر رهبة من القفاصة والقصارنيّة والكافيّة والجنادبة والباجيّة والبازدة حتى ترصد لهم الحكومة نصيب هذه المدن مجتمعة وتقول لأهالي هذه الجهات "تزوّدوا بالصبر وكلوا الحجر، والعام الجاي يعمل ربي"، لا أعتقد أنّه وبعد ما حدث للمؤسّسات التي أُحرقت والوالي الذي طُرد والإنتاج الذي تعطّل سيصحو أهل سليانة صبيحة اليوم التالي للاتفاق فتبهرهم الجسور المعلّقة والبنايات الشاهقة والمصانع الضخمة و"متروات" الأنفاق والمطارات وربّما الموانيء بعد أن تكون الحكومة قد شقّت تحت الضغط العالي القنوات العملاقة لتمكين الجهة من منفذ بحري. يعلم أهل سليانة ونعلم نحن ويعلم العالم أنّ كلّ ما تحقّق خلال الخمسة أيام السود هو بعض النتائج السّياسيّة للطائفة اليساريّة وتقهقر خطير لنوايا الاستثمار في الجهة، فسليانة وبعد أن كانت خلف القصرين وقفصة وبوزيد والعديد من الجهات الأخرى في سلم نفور المستثمرين وانحدار فرص الاستثمار أصبحت اليوم وبفضل المجهودات الجبّارة للاتحاد وواجهته السّياسيّة الجبهة الشعبيّة في طليعة الجهات العدوّة للاستثمار، سليانة اليوم وبدون منازع تتربّع على العرش، لقد انتزعت لقب بعبع المستثمرين بامتياز، اليوم لو تقدّم الحكومة إلى المستثمرين الأجانب أو المحليّين عروضا مغرية تتضمن إعفاءات كاملة من الأدآءات مع سلّة امتيازات كبيرة وعقود تأمين مغرية والتعهّد بالتغطية الكاملة لانسحابات محتملة لرأس المال.. لو قدّمت كل هذا مرفوقا بابتسامة عريضة وسجّاد أحمر مفروش لحكّ المستثمر رأسه وقال "يعمل ربي".
غريب أمر هذه الجهات الداخليّة التي أصبحت مستباحة للسماسرة، ما إن تتعافى جراحها وتشرع نبتتها في البزوغ حتى تفتح ذراعيها للقراصنة أعداء الحياة والنجاح يحيلونها صفصفا ثم يلعقون الدم ويعبرون على ركامها يبحثون عن مشروع فريسة جديدة، وغريب أمر هذه الضباع النقابيّة والسّياسيّة التي فشلت في مغازلة المدن النامية المتعافية اقتصاديّا، مدن قصدوها فأوصدت في وجوههم أبوابها وذهبت تحصي منتوجها اليومي ونامت بهدوء، فحلّت الضباع بيننا في مناطق الظلّ.. مصيبة تتجوّل في شوارعنا الفقيرة تتأبط حزم الكبريت تبحث إشعال أرغفة يابسة ومقرّات مقفرة وملابس رثّة وتقطع طرقا هي مقطوعة أصلا،
هؤلاء - القنابل الموقوتة - وهذا الجمر الخبيث كلما لمحناهم يتجولون في شوارعنا إلاّ وشممنا رائحة الصواعق والنوازل والطوارق، رائحتهم تشبه إلى حدّ بعيد رائحة ميكروبات الطاعون المتسرّبة من الجثث المتحلّلة، "يُبَرّمون" أعينهم الغائرة وكلما استقر بؤبؤ العين على مقرّ أو فضاء استودعنا الله ما فيه من ملفّات ومصالح وأثاث بسيط بساطة عقولنا القابلة للامتطاء بشكل محيّر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.