بقلم الدكتور شكري الأشطر تشهد بلادنا هذه الأيام تجاذبات وتحاليل مختلفة على خلفية ما جرى في ساحة محمد علي أمام دار الاتحاد العام التونسي للشغل . فبقطع النظر عن حقيقة ما جرى وعن الملابسات التي حفت به وعن النتائج التي آل اليها وعن الدور الجوهري للقضاء في البت والتحقيق في هذه المسألة، فإننا لاحظنا ردود أفعال من طرفين في النزاع: الطرف الأول وهي قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، والطرف الثاني وهو الشعب. أما الطرف الأول وهي قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (ولا أقول الاتحاد العام التونسي للشغل) التي بادرت, باندفاع المراهقين وبنرجسية مقيتة , الى اتخاذ قرارات خطيرة (وهي القيادة الوطنية التي من المفروض أن تكون رصينة) باقرار مجموعة من الاضرابات العامة الجهوية تتوج باضراب عام وطني يوم 13 ديسمبر 2012 (واختيار هذا التاريخ ليس اختيارا بريئا فالكل يعلم أنه يوافق تاريخ المنتدى الدولي لتطوير المستقبل الذي سينعقد بتونس العاصمة). وقد رأينا كيف فرضت الاضرابات الجهوية فرضا لا على العامل والموظف فحسب بل على المواطن الكادح وعلى التلميذ والطالب في اضراب قالت عنه التلفزة الوطنية أن نسبة نجاحه بلغت % 90 (كيف لا و قد حن مراسلوها الى مثل هذه الأرقام من عهد بن علي . ولكن الحقيقة اللتي يتناساها هؤلاء أن هذه التلفزة أصبحت تلفزة ثورة تدعى الوطنية 1 لا تونس 7). والحقيقة أيضا تقول أن ال90 % التي يتكلمون عنها هي حقيقة مقسمة الى : % 20 مساهمة حقيقية في الاضراب من الراغبين في ذلك والنسبة الباقية تقاسمتها كل من بطاريات حافلات النقل العمومي الي انتزعت منها ليلة الاضراب و السلاسل والأقفال التي غلّقت بها أبواب المؤسسات التعليمية والمرتزقة و"الباندية" والبعض من عمال المعامل خالصي الأجر كما ساهم فيها العمى الذي أصاب عدسات تونس 7 عن الجموع والمحلات التي قاطعت الاضراب والأغرب هو مساهمة التجمعيين ورؤساء الشعب المخلصين الذين قدموا نصرة "لإخوانهم" في الاتحاد: كيف نستغرب هذا من قيادة حالية للاتحاد تعمل بمبدإ "الغاية تبرر الوسيلة" مهما كانت دناءة الوسيلة ولو لزم الأمر الاستعانة بمن قامت الثورة ضدهم. الطرف الثاني وهو الشعب : هذا الشعب الذي يحترم الاتحاد التونسي للشغل أيما احترام ويشيد بدوره في النضال من أجل التحرر الوطني . لكن هذا الشعب، وأمام خطورة القرارات وارتجاليتها وغياب روح المنطق فيها ووعيا منه بواجبه الوطني اصطفّ مثبتا موقفه عبر مسيرات حاشدة لا تقدر بعدد مطالبا فيها بالاستقرار في البلاد وايقاف موجة الاضرابات المشلة للاقتصاد..... خرج التلميذ والطالب يصيح دراستي وامتحاناتي ومستقبلي، وخرج الموظف ينادي من أين سأتقاضى مرتبي إذ أوقفت البلاد، وخرج صاحب المؤسسة ينادي انتاجي ومستحقات البنوك ..... وصاح الجميع رأفة بنا يا إتحاد .... نعلم أنك كبير فكن حقا كبيرا في حلمك بنا ... لقد قال حشاد رحمه الله ""أحبك ياشعب"" فلا تقل لنا قياداتك الحالية أعاقبك يا شعب ، عقابا جماعيا ... ولا تستعمل ضدنا القوة المفرطة في غير محلها... مخطئ من لا يقرؤ حسابا وألف حساب لهذا الشعب الذي خرج بكل فئاته وبالالوف المؤلفة في قفصة وفي صفاقس رغم قساوة الطقس ... والبقية تأتي ... في ردة فعل سلمية لهذا الشعب . و لكن حذار من غضب الحليم... فهل تعي قيادات الاتحاد انها في لحظة فارقة فلا تتعالى في خطابها كما نراها في المنابر والحوارات التلفزية و لا ترفع بكبرياء شعار : " الاتحاد اقوى قوة في البلاد " ... و هل تصلح هذه القيادات من شأنها الداخلي و لا تسبح ضد التيار قبل ان تغرق ؟!