د.خالد الطراولي [رئيس حركة اللقاء] في عيد الثورة، هل نعيد ما قاله المتنبي "عيد بأية حال عدت ياعيد" رغم اجتراره أحيانا، لكنه لم أجد غيره أحسن تعبيرا عن حال هذه الثورة بعد مرور سنتها الثانية... رجعت بي الذاكرة إلى أيامها الأولى بعد هروب المخلوع، تضامن شعبي مدهش، أناس يتقاسمون الأفراح والأطراح، لجان تحمي بيت الجيران قبل بيوتها، وجوه مستبشرة...بن علي هرب، بن علي هرب...هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية...نموت نموت ويحيا الوطن. سجل أنا تونسي ! الربيع العربي انطلق من تونس يزعزع عروش الطغاة، خرائط جديدة ترسم على الأرض، أجندات كثيرة تدخل الميدان، وقطعة شطرنج كبرى تنصب خيامها، وأحلام لذيذة تجد طريقها رويدا رويدا إلى عالم مفروش بالورود...أنا تونسي وأفتخر ! الأزلام والفلول دخلت جحورها، والتجمع لم يعد له عنوان ولا يافطة ولا منتمون...منهم من دخل بيته وأغلق عليه بابه ونسيه الناس، ومنهم من أعلن توبته وغادر الساحة غير مأسوف عليه، ومنهم من نافق وتزلف وتنكر للونه البنفسجي وطرق أبوابا جديدة، مصطحبا سبحة وسجادا أو كتابا أحمر يسرّ الناظرين، بعضهم أطلق اللحي وآخرون الشوارب والكل يدعي الثورية والنضال ! أصبحت الثورة ملكا للجميع والكل يخطب ودّها، والكل يبحث عن كلمة قالها عرضا وتندرا أيام الجمر، أو غمزة أثارها، أو دعوة من مخفر البوليس ولو كانت دعوة لأنه اعتدى على مالك المحل، أو اجتماع سري للعائلة للتنكيت السياسي...، الكل يبحث عن لحظة نضال مفقودة وساعة وقوف غائبة أو ورقة التوت عند البعض، الكل يبحث عن تاريخ جديد لحاضر جديد. أحزاب كبيرة وصغيرة من حملت ماض وتاريخ ومن لا ماضي له ولا تاريخ، صدعت كلها رؤوسنا بالثورية والقيم ووالوعود من أجل جنان بابل المعلقة...، ومرت الأيام... سنتان فقط وتغيرت المعادلة وجاء الشتاء واصطحب معه وجوها ضنناها قد قبرت...عاد التجمع من الباب الواسع وتجرأ على الجميع حتى أصبح يطالب باسترجاع دار العار والفضيحة، وأصبح الانتساب إليه مجددا ولو بعناوين جديدة، في وضح النهار وعلى مسمع الجميع. بعض "الثوار" أو هكذا تسموا تنكروا لوعودهم ولمبادئهم، اجتهادات جديدة وتاويلات غريبة وإعداد العقول لتقبل ما يطرحون، التقرب من أزلام الأمس وفلول البارحة، مصالحة غريبة عجيبة بدأت تظهر ملامحها على ورقات خريف بالية،...هذه تونسالجديدةتونس النخبة التي يلعب بعضها على أكثر من حبل ولا أظنه إلا متدحرجا ولو بعد حين ! مجلس تأسيسي يتباطئ في صياغة الدستور، لأن نوابه يعلمون أن "الكرية" لن تتجدد، ومشاهد يومية تبعث على النفوروالاحباط. عام يمر وآخر على الأبواب...من "مشروع مسوّدة الدستور" إلى "مسوّدة مشروع الدستور" إلى "مشروع الدستور" في مسار طويل عريض عرفنا أوله ونعجز عن معرفة نهايته، حتى نصل إلى الدستور، ولا يعلم الغيب إلا الله ! في هذا العرس حظر الجميع وحظر المأذون وغاب المواطن الذي بقي خارج الإطار يسترق السمع من وراء الباب وينتظر نصيبه من المرق..، ناضل من أجل الحرية فأخذها بشروطها ألا يكثر الصياح والعويل، أراد رغيفه فقاسموه فيه، أراد كرامته فتعثر الجواب ومازال المسكين يبحث عنها... ولكننا سنبقى "توانسا" ونفتخر، لأننا نؤمن أن الثورة لم تنته، وإن حاول البعض إيهامنا أنها انتهت أو لم تقع أو أنها ولدت ميتة... لأننا نؤمن أيضا أن الربيع العربي انطلق من هنا ولعله إلينا يعود لنعبّد الطريق ونصحّح المسار، ونرسله من جديد إلى الآخرين كنموذج وقدوة تحتذى... حتى تكون المعجزة التونسية. ولأننا نؤمن أن هذا الشعب سيبقى وفيا إلى وطنيته و تاريخه وإلى مكنوزه الحضاري و مقدسه وقد علم سرّ الحكاية وقواعد اللعبة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"