بات للربيع العربيّ معجمه المخصوص وهذا المعجم يحتوي على عدد كبير من الألفاظ التي تحدّرت، في الأغلب الأعمّ، من المعاجم القديمة ، لكنّها اكتسبت ، في سياق الثورة ، دلالات جديدة .فالثورات العربيّة قد أخرجت الكثير من العبارات من مطاوي النسيان ونفضت عنها الغبار وضختها بدماء جديدة. وقد كنّا أثبتنا في مقالة سابقة بعضا منها وانعطفنا عليها بالتحليل والتأويل ونضيف اليوم مفردات أخرى جديدة قمنا بالبحث عن أصل معناها في المعاجم القديمة. الفُلول (فلول النظام السابق ): الفَلّ هم المنهزمون .وفلَّ القومَ يفلّهم فلاًّ: هزمهم. وهم قومٌ فلٌّ : منهزمون والجمع فلول . والفلّى : الكتيبة المنهزمة . والفَلّ هو الثلم في السيف وهو الكسر في السنّ.ووصف شاعر سيوف قومه فقال : بهنّ فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ.وقال المتنبي في لاميته التي أنشدها بين يدي سيف الدولة يهنّئه فيها بأسر قسطنطين بن الدمستق: وفِي كلِّ نفسٍ ما خَلاهُ ملالةٌ /وفي كلِّ سيفٍ ما خَلاهُ فلولُ.
مشيرا إلى أنّ كلّ نفس من نفوس جيشه قد أدركها الملل لطول القتال ما خلا سيف الدولة ، فإنّه لا يملّ ولا يفتر وكذلك كلّ سيف في ذلك الجيش قد فلّه ، ثلمه ، الضرب أمّا هو فلم تكلّ عزائمه عن متابعة القتال لأنّ السيف لا ينبو عن ضريبته.
وتستخدم هذه العبارة في معجم الثورة جمعا لتشير إلى أنصار النظام السابق ، وهي تلوّح إلى معاني الهزيمة التي مني بها هؤلاء..وربّما جاءت ، في الكثير من الأحيان ،في سياق الهزء والسخرية.
الأزلام: ثمّة اختلاف حول أصل هذه العبارة. بعضهم يردّها إلى العاميّة الشاميّة، وبعضهم يردّها إلى اللغة العربيّة الفصحى..لكنّ المتأمّل في العبارتين الفصحى والعاميّة لا يجد آصرة دلاليّة تجمعهما بالعبارة المستخدمة في معجم الثورات العربيّة.
فالزُّلم والزَّلم في المعاجم هو السّهم الذي كان أهل الجاهليّة يستقسمون به. والجمع أزلام. وفي التنزيل: وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق. قال الأزهريّ كانت لقريش في الجاهليّة سهام مكتوب عليها أمر ونهي وافعلْ ولا تفعلْ...فإذا أراد رجل سفرا أو زواجا أتى سادن البيت فقال له أخرج لي زلما فإذا خرج سهم الأمر مضى على ما عزم عليه وإن خرج سهم النهي قعد عمّا أراده...
وأزلام البقر قوائمها، قيل لها أزلام للطافتها.
وتشير هذه العبارة، في معجم الثورة، إلى معان قريبة من معاني الفلول وكثيرا ما تأتي العبارتان متلازمتين ، متتابعتين..وربّما لوّحت لمعاني التبعيّة والموالاة العمياء. الثورة: جاء في لسان العرب ثوْرة الغضب حدّتُه. والثائر هو الغضبان. ويقال للغضبان أهيجَ ما يكون: قد ثار ثائره وفار فائره إذا غضب وهاج غضبه. وجاء في أساس البلاغة ثور القوم سيّدهم وبه كُنّي عمرو يكرب. والثورة في الأدبيّات السياسية هي نقطة تحوّل في الحياة السياسية يتمّ بمقتضاها الإطاحة بنظام سياسيّ واجتماعيّ قديم عفا عليه الزمن واستبداله بنظام سياسيّ جديد يستجيب لطموحات جماهير الشعب العريضة.
البائد (النظام البائد) :باد الشيء إذا انقطع وذهب. وباد يَبيد بيْدًا إذا هلك. والبائد هو الشيء إذا انقطع. وأباده الله: أهلكه. وفي الحديث فإذا هم بديار باد أهلها أي هلكوا .والبيداء هي الفلاة التي لا شيء فيها وقد قال ابن جنّي سمّيت بيداء لأنها تبيد كلّ من يدخلها. وقد جاء في داليّة المتنبّي التي نظمها في هجاء كافور: أما الأحبّة فالبيداءُ دونهمو/فليت دونك بيدا دونها بيدُ. وقد استخدم المتنبّي البيداء وجمعها البيد مرّات ثلاثا ليصوّر مدى غربته يوم العيد .فالشاعر لم يسرّ بعود العيد مع بعد الأحبّة.