بقلم الأستاذ بولبابة سالم سعد الجميع بمبادرة السيد حمادي الجبالي لتشكيل حكومة تكنوقراط , لقد استجاب الرجل لضميره بعدما نفض يديه من كل الأحزاب وهو ما دعوته إليه في مقال سابق " هل يفعلها حمادي الجبالي ؟" . لقد أحسن الجبالي قراءة الواقع منذ مدّة و لاحظ صراعا محموما و شروطا مجحفة حول المناصب و محاصصة حزبية غريبة في الوقت الذي تعيش فية البلاد أزمة اجتماعية و اقتصادية و سياسية حادّة , و قد أكّد السيد محمد الحامدي المنسق العام للكتلة الديمقراطية في شهادة – للتاريخ - أنّ الخيار الذي اختاره رئيس الحكومة أخبره به منذ مدّة و لا علاقة له باغتيال الشهيد شكري بلعيد . لقد قلب السيد حمادي الجبالي الطاولة على الجميع و انتفض على انتهازية الأحزاب و مساوماتهم و قرّر أن تكون كل الحكومة محايدة و ليس فقط وزارات السيادة خلال ما تبقى من الفترة الإنتقالية . لقد أراد أن يبعد العمل الحكومي عن الصراعات السياسية ليسهر على خدمة المواطن و تسيير دواليب الدولة. هذا القرار أغضب الشق المتصلّب داخل حركة النهضة الذي لا يريدون الخروج من السلطة و يرون فيها استحقاقا انتخابيا لكنهم لم يقرؤوا جيّدا الواقع السياسي الجديد و الإصطفاف السياسي الذي حصل بعد اغتيال شكري بلعيد . لم يدركوا الصدمة التي أصابت التونسيين بعد أن وصل الأمر إلى حدّ القتل و استعمال الرصاص وهو أمر غريب عن مجتمعنا رغم التنافس السياسي الحاد و الإستقطابات الإيديولوجية المقيتة. لم يدركوا انّه توجد قوى إقليمية و دولية تتربّص بهذا الوطن بل و لاحظنا أصواتا داخل الإتحاد الأوروبي تدعو إلى الضغط على الترويكا الحاكمة و حملة اعلامية خارجية و داخلية شعواء . بقية شركاء الترويكا رفضوا أيضا قرار السيد حمادي الجبالي و بدوا متمسكين بمناصبهم الوزارية . لقد استجاب رئيس الحكومة إلى المصلحة العليا للوطن و تصرّف كرجل دولة بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيّقة وهو ما جلب له تقدير الجميع , و من ينكر أنّ الرجل قد ضحّى بمستقبله السياسي من أجل مستقبل تونس؟ إنّها رسالة إلى الطبقة السياسية أن تنظر إلى المرحلة الصعبة و الخطيرة التي تمرّ بها البلاد , الوضع التونسي هشّ جدّا و إذا عمّت الفوضى فلن تنهض سريعا فتونس ليس لها نفط و لا غاز , و من له ثقة في قواعده الشعبية فلماذا لا ينتظر أشهر قليلة ليستعيدها ؟ و أخيرا أقول لكل الأحزاب و النخب السياسية : اتّقوا الله في هذا البلد فقد طفّ الصّاع , طفّ الصّاع ...