بقلم عادل السمعلي (*) في القاموس اللغوي للمجال الاقتصادي لا وجود لمصطلحات إسمها صيحة فزع أو نداء إستغاثة أوناقوس خطر لأن هذه مصطلحات أدبية إنشائية تعكس حالة نفسية عصابية وإرتباكا قد يكون ناتجا عن الجهل والأمية الإقتصادية أو الرغبة في الاثارة بهدف تحقيق أهداف بعيدة عن حقيقة المسألة الاقتصادية وإن كثرة وتواتر إستعمال مثل هذه المفردات في المشهد التونسي يبدو أن لها غايات سياسية وايديولوجية غير بريئة خاصة إذا علمنا أنها كثيرة الاستعمال من أطراف نعلمها لا تعرف معنى للمهنية والحرفية ومازلنا نتذكر كيف كانت هي نفسها منذ زمن قصير تصدع رؤوسنا بأكذوبة المعجزة الاقتصادية لصانع التحول والتغيير . فمن الحقائق المؤكدة أن الاقتصاد التونسي ليس على أحسن ما يرام وذلك لأسباب سابقة عن الثورة ومعطيات لاحقة عنها ولكنه في أسوأ الأحوال ليس في الحالة الكارثية التي يصورها البعض ممن يريد الاستفادة من هذا الوضع سياسيا ويحاول جاهدا المزايدة في هذا المضمار فالشيء الثابت أننا لسنا في حالة إفلاس ولا إنهيار بل نعيش حالة ركود وتقلص لفرص التوظيف والاستثمار وأن فرص النهوض والتجاوز متوفرة وممكنة لو وضعنا الخلافات السياسية والايديولوجية جانبا وعملنا على إنقاذ الموقف بطريقة جدية وصادقة إن التركيز المبالغ فيه على حوادث عرضية واشكاليات آنية وتضخيمها بطريقة غير عقلانية من شأنه أن يربك المشهد الاقتصادي ويجبر أصحاب رؤوس المال على الانكماش والانتظار في وقت نحن في أمس الحاجة للطمئنة وإعادة الثقة للمستثمرين لكي يقتنعوا أننا نمر بكبوة اقتصادية محدودة في الزمن والتداعيات وأن رجوع النسق العادي للتنمية ما هي الا مسألة وقتية وظرفية و هذا الكلام ليس من باب التطمين والتفاؤل المبالغ فيه بل يرتكز الى حقيقة مرونة الاقتصاد التونسي وقدرته على إمتصاص الصدمات و تجاوز الازمات على مر الفترات السابقة رغم تغلغل وإستشراء منظومة الفساد والإفساد داخله ( رشوة – عمولات - محسوبية – محاباة ) و لنا أن نتساءل لماذا تصر بعض المنابر الاعلامية الورقية والالكترونية على نشر مقالات غير مهنية وغير حرفية و تحاليل مشوهة للواقع لا تستند الى معطيات دقيقة بل تعتمد المغالطة والاثارة في مجال تخصصي علمي لا يحتمل اللغة الانشائية والتحاليل الزائفة وهذه من الوقائع التي تثيرالشكوك والريبة خاصة مع توالي وتواتر مثل هذه المقالات والتحاليل التي تذهب بعيدا في نشر صورة سوداوية و مبالغ فيها عن الوضع الاقتصادي التونسي . ولازلت أذكر ولن أنسى ما حييت كيف إنتفض محافظ البنك المركزي السيد الشاذلي العياري ذات يوم في وجه مقدم الأخبار الرئيسية بالتلفزة الحكومية لما أصر هذا الأخير على عناده بكل حمق وصلف والتشكيك في تصريحات المحافظ وكيف يجرؤ صحفي غير متمكن من أبجديات التوازنات المالية والاقتصادية الكبرى من مناقشة ومحاورة أحد أهم وأبرز القامات الاقتصادية والمالية التي أنجبتها تونس منذ الاستقلال لقد أنتفض في وجهه محافظ البنك المركزي وهو المعروف ببرودة الدم و بالهدؤء والسكينة وقال له بنبرة حادة : نحن نعيش مشاكل إقتصادية و أنتم تركزون على السلبيات و تتعمدون طمس الايجابيات... أنتم تعبرون على نقمتكم ولا تقدمون نظرة موضوعية... .تقولون ليس هناك تنمية وهذا غير صحيح ....تقولون ليس هناك تقدم وهذا غير صحيح .....وأنتم تتجاهلون مجهوداتنا لتوفير السيولة الكافية للبنوك بدون أي خلل وتغضون النظر عن الأموال الطائلة التي سحبت من البنوك إبان الثورة الناتجة عن خوف حرفاء البنوك ونحن بصدد إستردادها شيئا فشيئا بإرجاع الثقة وأنتم تحاولون إحباط المعنويات . حدث هذا الحوار في التلفزة التونسية أمام ملايين المشاهدين بين مدرسة من مدارس الفقه المالي والاقتصادي بتونس وبين صحفي غارق في الأمية الرقمية والجهل الإقتصادي . وفي الختام نؤكد إن المنابر الاعلامية و الاقتصادية موكول لها مهمة تنوير الرأي العام التونسي حول الاوضاع الحقيقية بدون تلميع مفتعل ولا تشنيع مبالغ فيه وهذه المهمة لا يمكن أن تنجح بدون التخلص من مخلفات العهد السابق والتي كانت لا ترى من الالوان الا الاسود القاتم أو الوردي الزاهر لقد آن الأوان لكي تهب رياح التغيير على الاعلام الاقتصادي التونسي ويتحول الى مجال التخصص والتمكن من أبجديات معاني المؤشرات والمعايير المالية والاقتصادية والتخلص نهائيا من عمليات إستغلال المؤشرات المالية والاقصادية للتنادي بقرب إنهيار إقتصادي غير موجود الا في المخيلات أو في الجهة المقابلة في تلميع إنجازات وهمية أو مكاسب خيالية ولن يتأتى لنا ذلك الا إذا تركنا المزايدات السياسية جانبا وعملنا على تنوير الرأي العام بالحقائق الاقتصادية إيجابا أو سلبا بدون تهويل ولا إثارة لأن السفينة لو غرقت لا قدر الله فلن ينجو من الغرق أحد.