بقلم / منجي باكير هي النّخلة يزرعها جيل و يتمتّع بثمارها جيل آخر ،،، هذا من المسلّمات في قوانين الكون ، كذلك كان الإتّحاد العام التونسي للشغل ، كان نخلة عالية ذات ثمار غالية ، بنى الإتحاد رجال ذوو هِمم و عزائم لم يفلح معها الحديد و النّار و لم تركّعهم سجون و منافي الإستعمار و لا الدكتاتورية التي خلفته ،، رجال صدقوا ما عاهدوا الله ثمّ الشّعب عليه ، منهم من مات و منهم من غمرته سياسات الإقصاء لكنّهم آثروا الغياب و التغييب و لم يبدّلوا تبديلا ،،رجال خلصوا في ما كانوا يفعلون برغم قساوة الظروف و ضراوة السّياسات و نقص المادّيات ، خلصوا أعمالهم و وهبوا حياتهم و ضحّوا بأمانهم العائلي و الشخصي بلا أطماع و لا جوائز و لم يراهنوا على مناصب و لا هرولوا لكراسي و لا ضعفوا أمام إغراءات ، فكانوا شامخين كالطّود و تركوا في أعقابهم ذكرى يمجّدها التاريخ و يتفاخر بها الشعب و تركوا نضالات و مواقف و أقوال مازالت تتصدّر ذاكرة الشعب ... ثمّ خلف من بعدهم خلف ، أضاعوا الكثير من الموروث النقابي الصّادق و حادوا عن معالم الطريق الذي نحته السّابقون و بدّلوا المواقف و نقضوا كثيرا من العهود و سلموا سفينة الإتّحاد إلى الأمواج تتقاذفها ، بل سخّروا هذه المؤسّسة العتيدة إمّا إلى الدكتاتوريات السّابقة أو لخدمة أجندات يساريّة متطرّفة تركبه لغايات وأغراض لا تصلها إلاّ عن طريقه و لا تخدم إلاّ نزعاتها الخبيثة أو كانوا هم أنفسهم من جعل من الإتّحاد حصنا منيعا و برجا يركنون إليه حتّى يكون لهم ثقلا وسط معادلات السّياسة و يبحسب لهم حساب ماهم ببالغيه لولا تحصّنهم بالمنظّمة . و هذا ما حصل لقيادات الإتحاد من بعد الثورة حيث تجاوزوا الرّسالة التي من أجلها انبنت المنظّمة و أغفلوها ليلقوا بالإتّحاد في غمارات السّياسة و يتّخذوا منه متراسا يناورون من وراءه الحكومات من أجل تركيعها و التحكّم في كينونتها و مصيرها فانخرطوا في سيل من الإضرابات و الإعتصامات و غلق مسالك الإنتاج و تعطيل المؤسّسات و الخدمات سجّلوا بها أرقاما قياسيّة و أضرّوا من وراءها بالبلاد و العباد وساهموا في تأخير التنمية و انعدام الأمن و الرّفاه الإجتماعي ، ،، لكنّهم في مقابل هذا كان لهم ما أرادوا أمام حكومات تولّت قيادة البلاد في ضعف و هوان و بالتزامن مع أوضاع أمنيّة هشّة و وجود أزلام الثورة المضادّة كانوا رهن إشارتها في كل وقت ، كان لهم أن ذعنت لهم هذه الحكومات و اتّخذت منهم شركاء في المفوضات و القرارات ،،، لكن أيضا هذا لم يرض قيادة الإتحاد الحالية حسين العبّاسي و لم يرض ( أنفته و كبرياءه ) بل تعدّت طموحاته إلى اتخاذ الصّدارة و ارتياد مؤسّسات القرار الرسميّة و التخاطب بلغة الندّية مع المؤسّسات التي انتخبها الشعب ، بل تعدّى هذا إلى مرحلة انفراد التفاوض و رسم القرارات شخصيّا – و بلا شرعيّة شعبيّة – مع الغنوشي رئيس حركة النهضة ليكوّنا الثنائي المتحدّث – فرضا - باسم الشعب و ينفردان بتقرير مصير الشّعب بدون الرجوع إليه ،،، العبّاسي أيضا كان له الحظّ بأن أصبح مرتادا بامتياز لقصر قرطاج و التفاوض مع رئيس الدّولة بعد أن كان لا يدخله فقط لتقديم التهاني و الولاء – أرشيف النت شاهد على ذلك – كيف لا يفعلها العبّاسي و قد أتت إليه - السّلطة - منْقادة و وجد في مقابله حكومة أدْمنت التنازلات و غضّت الطرف على كل التجاوزات و أهملت كلّ التطاولات و نقضت عهود الإنتخابات ؟ يحقّ للعبّاسي أن يمارس – سلطته – في زهو و طرب و – يتدكتر – في مطالبه السياسيّة و أن ينسى ما أصاب البلاد من عجزإقتصادي و تسيّب و فلتان في فترته و ما ألحق من ويلات بالعباد و له أن لا يتذكّر الطبقة الشّغيلة و أن لا يحسّ بما أصبحت تعانيه من ضنك العيش و قساوة الحياة و انعدام أسباب العيش الكريم .. فقط عليه أن يبدل إسم الإتحاد العام التونسي للشغل إلى أيّ إسم آخر يوافق مسمّاه الجديد و اهتماماته الجديدة ..!