بقلم : محفوظ البلدي الاعتذار محمود إذا كان نابعا من الشعور بالذنب ورغبة في تصحيح الخطأ والتقصير، فهو الوسيلة الأنجع لتطييب النفوس وإخماد الفتن والحروب... إذا توفرت الإرادة وحسنت النيات! أن يحصل جدل حول فصل من فصول "الدستور" أو تشنّج حول طرح معين لقضية فكرية مختلف فيها قد يبدو عاديا إذا فصلناه عن سياق التجاذب وفرض الإرادة والأجندات و منطق المغالبة. الخطأ، إن حصل في هذا السياق يستوجب الاعتذار، اعتبارا للدافع الأخلاقي والقيمي لجبر الضرر المترتب على ذلك مما يرسخ نبل القيّم و سموّ الروح وقدر الحرية إذا فهمناها حقّ قدرها. المشهد التونسي صار محل فرجة ومتابعة لصيقة لعديد الجهات لما يحدث فيها، باعتبارها بلد المبادرات والمفاجآت... من الناحية الرمزية، نعم إن بلادنا فتحت شهية الشعوب للتحرّر والانعتاق والتخلص من جور الحاكم المستبد والذلّ والهوان، غير أن سيطرة الإعلام بتفاهته وتمييع هذا المشهد برداءة أداءه وسقوطه الأخلاقي وإتاحة المجال لمتهورين باعوا ضمائرهم وضيعّوا أعمارهم في اللهث وراء سراب السلطة ومغرياتها. نوّاب "الأمة" الشرفاء الذين دافعوا عن ناخبيهم وأدوا أمانتهم كاملة بكل "لطف" ، أهدوا شعبهم دستورا "مليحا" يناصف المرأة ويحررّ الضمير ويضمن حريّة الكفر و حقّ الجهر بالفحش ...وكل المبيقات لقد اعتاد شرفاء نواب الأمة وفي مجلسهم "الموقر" على السقوط في السباب والتهكم وإلقاء التهم والتهديد وحتى التشابك بالأيدي، واعتادت الفضائيات بالغسيل على المباشر وعربدة ضيوف برامجها السافلة، دون اعتبار لمن يشاهدها. القضاء – الذي يريد الاستقلاليّة اليوم - أيضا لم يبق متفرجا، لأنه من أساسه مصنوع على القياس ليخدم "عبادا" بعينهم...فاسدين، عاش مُدَجَّنا ألف سنة، واليوم بقدرة قادر يريد أن يطهّر نفسه وينصب نفسه ويحكّم نفسه ويعزل الناس ولا يعزله احد. بكلّ أمانة، من كان بإمكانه الولوج إلى المخابر الجنائية التابعة لوزارة البوليس سابقا (الداخلية)؟ من كان يشرف على تشريح جثث التونسيين بقسم الطب الشرعي، هل كان أمينا وصادقا "وحرا" في تقاريره؟ من كان يصدر الإحكام على سجناء الرأي والتّنظم، هل كان وقتها محايدا و "حرا"؟ وأنا أتساءل اليوم من كان يومها في القضاء العدلي؟ من كان وقتها نائبا عامّا؟ من كان وقتها قاضيّا في المحاكم الابتدائية والتعقيب؟ ومن عيّنهم أصلا؟ يتظاهرون اليوم وهم من سلك القضاء، هل صَحَتْ ضمائرهم؟ أم هو أُمُّ النّفاق؟ فأي فهم للحرية والمسؤولية إذا اعتقد "المثقفون" قبل الجهلة، أن تسمح هذه الحريّة بالسّباب و الثَّلْبِ فتكون النتيجة أن يصول التَافِهُ و يجول، فَتَعُمُّ الرداءة والعار ويفرّ الصّالحون، وأحرض من تبقى على الفرار ...واعتذر.