لم تفلح توسلاتها ولا دموعها وضعف بنيتها لردع عوني الأمن اللذين اغتصباها وتداولا على هتك عرضها في ساعة متأخرة من يوم 3 سبتمبر بينما كنت جالسة في سيارتها تتحدث الى صديقها وبالمحصلة 75 دقيقة من الرعب والعذاب إستفزت ضمير كل الناس. ساعة وربع وضابطا الأمن يتداولان على اغتصاب هذه الفتاة بطريقة وحشية ومقرفة حسب ما أكدته لنا الضحية في تصريح خاص ل«الشروق».
القضية لم تعد مجرّد فتاة اغتصبها عونا أمن بل تحولت الى قضية رأي عام أصبحت حديث المدينة وتخطّت الحدود لتصل الي كل أنحاء العالم الذي استغرب تحول الضحية الى متهمة حيث اتهمت بالقيام بعمل فاحش في الطريق العام.
ولعلّ تصريحات خالد طرّوش الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية خلال الندوة الصحفية أن الفتاة كانت في وضع لا أخلاقي تمارس الجنس مع مرافقها، هذا الكلام هزّ الرأي العام واعتبرته المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية الوطنية والدولية تشجيعا على «الاغتصاب».
ليلة الرعب
الفتاة المغتصبة تبلغ من العمر 28 سنة مثقفة وجامعية، مرافقها مهندس من مواليد 1986 يقطن بمنطقة العوينة كانا يتحدثان في سيارته الخاصة وإذ بدورية أمن تمرّ بجانبهما فينزل منها ثلاثة ضباط الأول من مواليد 1989 والثاني من مواليد 1978 وزميلهما الثالث يبلغ من العمر 24 سنة، إذا اتجه الثلاثة صوب السيارة وقاموا بإنزال الفتاة بالقوة وإدخالها لسيارة الشرطة وصعد الاثنان معها في حين بقي العنصر الأمني الثالث مع صديقها المهندس ليبتزّ منه مبلغا يقدّر ب300 دينار.
بدأت رحلة العذاب في الساعة الواحدة والنصف ليلا، حيث عمد الضابط الأول الى مسك رأس الضحية بالقوة وبدأ يعنفها ثم اغتصبها بطريقة وحشية ومقزّزة حسب ما وصفت الضحية لنا، ثم قال لصديقه «خوذها دورك» وتضيف المغتصبة «الضابط الثاني اغتصبني مرتين متتاليتين ولم تشفع دموعي ولا صياحي ليتوقّف» وبعد ذلك سرقا مني 40 دينارا وغادرا المكان برفقة ثالثهما الذي اكتفى بابتزاز مرافقي وافتكاك أوراقه.
لن تمرّوا
هذه القضية أثارت ردود فعل متباينة في مختلف شرائح المجتمع وفي وسائل الاعلام العالمية، حيث أكدت بشرى بالحاج حميدة ممثلة عن النساء الديمقراطيات أن هذه الحادثة خطيرة ولا يمكن أن تمرّ بلا حساب عسير حيث ستلتقي بوزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو لطرح هذا الموضوع برفقة عضوة المجلس التأسيسي كريمة سويد.
وأضافت الحقوقية والمحامية بن حميدة أن هناك مجموعة كاملة من المحاميات أصدقاء الجمعية سيدافعن عن هذه الفتاة مطالبة أيضا بضرورة اعتذار وزارة الداخلية من الرأي العام حول تصريحات خالد طرّوش ناطقها الرسمي حين قال إن الفتاة كانت في وضع لا أخلاقي.
يريدون اغتصابي
من جهتها أكدت رجاء بن سلامة الحقوقية وأستاذة الجامعة أن هناك دعوات لاغتصابها لأنها دافعت عن الفتاة المغتصبة. وتضيف محدثتنا ان ما حصل مع هذه الضحية هو انحطاط أخلاقي يدل على التسيب القانوني وعلى الأفكار السائدة التي ترى بأن المرأة دائما متهمة في عمليات الاغتصاب والتحرش الجنسي وبذلك يكون مصير كل من هي غير محجبة الاغتصاب كعقاب لها وهذا دليل قاطع على الانحطاط الأخلاقي وهناك لجنة مساندة لهذه الضحية وستكون دائمة لحماية نساء تونس اللاتي تتعرضن للاغتصاب.
انتقام
راضية النصراوي محامية الفتاة أكدت ل«الشروق» ان الفتاة ستمثل أمام قاضي التحقيق كمتهمة للمرة الثانية يوم 2 أكتوبر القادم للتحقيق معها بتهمة القيام بفاحشة في الطريق العام وفق الفصل 222 من المجلة الجزائية قائلة «مثول الضحية كمتهمة حولت القضية الى عملية انتقام هنا ومن مرافقها وما استغربه كيف يتحول الجناة الى شهود فأقوالهم لا قيمة لها لأنهم من قاموا بالجريمة وكما ادعوا أن الفتاة هي التي راودتهم وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. وتطرقت الحقوقية راضية النصراوي الى تصريحات خالد طروش واعتبرتها غير مسؤولة وكأنها تبريرات من المؤسسة الأمنية لعملية الاغتصاب.
لا تسامح مع أعوان الأمن
خالد طروش أطلق تصريحات نارية حين أعلن ان الفتاة المغتصبة كانت في وضع لا أخلاقي تمارس الجنس مع صديقها حين مرّت دورية الأمن، هذا التصريح أغضب الرأي العام معتبرين اياه تبريرا لعملية الاغتصاب وكأن الفتاة غير محترمة واغتصابها ليس جريمة واتصلنا بطروش التي أكد انه لا يقصد اهانة هذه الفتاة ووظفت تصريحاته لمصالح سياسية وهو يرفض مثل هذه التصرفات من بعض الجمعيات والمنظمات مؤكدا ان وزارة الداخلية تعتبر ان الفتاة ضحية ومتضررة ولا تسامح مع أعوان الامن الذين اتهموا باغتصابها مضيفا ان القضية أصبحت من مشمولات القضاء.
وأكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية ان أعوان الأمن لم يتعاطفوا مع الجناة وإن أثبتت إدانتهم فالقانون سيد الموقف وعلى كل شخص يتحمل مسؤولية تصرفاته ولا تسامح مع الجناة.
4 شهود
رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير أكد أن القضية مرجعها قضائي وهو الفيصل فيها مطالبا بعدم توظيف هذه الحادثة الخطيرة في حسابات سياسية ضيقة فعملية الاغتصاب جريمة أخلاقية لا يجب التشهير بها في وسائل الاعلام والندوات الصحفية، وهنا نلاحظ وجود خطإ ما جعل القضية تتحوّل الى قضية رأي عام وتصل تفاصيلها الى الجميع. وأضاف بلحاج أنا أستغرب سهولة التعامل في هذه القضية وهي مسألة شرف وحين ينتهك الشرف يجب ان يكون هناك 4 شهود وهذه القضية أصبحت فضيحة للفتاة وهذا لا يجوز دينيا.
جسدنا...
«الاغتصاب هو اهانة لجسد المرأة ولا تسامح مع هذه الجريمة الخطيرة» هكذا قالت ليلى العرفاوي ربة بيت مضيفة «منذ سمعت بهذه الجريمة الشنيعة وأنا خائفة على ابنتي التي تبلغ من العمر 13 سنة وأصبحت أراقب كل تصرفاتها»، أما سنية اللافي طالبة جامعية فقد أكدت ان المرأة سواء كانت محجبة أو سافرة فإنها ستتعرض للتحرش الجنسي والاغتصاب قائلة «شكرا لهذه الفتاة الشجاعة التي دافعت عن كرامتها وتتبعت الجناة قانونيا».
عندما سألنا التلميذة ايمان الفارحي عن رأيها في قضية الاغتصاب التي تعرّضت لها الفتاة أجابت بغضب «دائما نحن المتهمات بالانحلال الاخلاقي وبعدم احترامنا لقيم هذا المجتمع الذي قيدنا بأفكار سائدة، وتضيف بحرقة عندما سمعت تصريحات وزارة الداخلية شعرت بحالة من القهر والحزن واليأس على مستقبل المرأة التي تغتصب وتتحول الى متهمة في مجتمع ذكوري وساندتها في هذا الرأي سيدة الميموني صاحبة محل تجاري قائلة «هل أصبح الاغتصاب أمرا هيّنا على أعوان الأمن بصراحة لم أعد أثق في هذا الجهاز الأمني الذي انتهك جسد فتاة لا ذنب لها إلا أنها رافقت صديقها في نزهة فعلا لك ا& يا تونس.
الاعلام الاجنبي
تناقلت وسائل الاعلام الاجنبية حادثة الفتاة التي تم اغتصابها من قبل عوني أمن في حين كان ثالثهما يبتز مرافقها، متصدّرة بذلك الصفحات الأولى لأهم الصحف العالمية مثل «le monde» و«تلقراف» و«Jeune afrique» و«ر. تي. ل» و«مترو الفرنسية» وغيرها من وسائل الاعلام الاخرى على غرار «تي. ف. 1» و«تي في 5» و«سويس أنفو». الفتاة مهددة بالسجن مدة ستة أشهر والمؤبّد للأعوان المغتصبين وجه قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس تهمة المجاهرة عمدا بالفحش للفتاة التي تعرضت لعملية اغتصاب من قبل عوني أمن على معنى أحكام الفصل 226 من المجلة الجزائية.
وينص الفصل 226 من المجلة الجزائية على أنه: «يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وخطية قدرها ثمانية وأربعون دينارا كل من تجاهر عمدا بفحش». فيما وجه قاضي التحقيق تهمة مواقعة أنثى دون رضاها على معنى أحكام الفصل 227 من المجلة الجزائية الذي تم في مارس 1985 وتم تنقيحه في فيفري 1989 لأعوان الأمن المتهمين باغتصاب الفتاة، وفي حالة القضية تنطبق الفقرة الثالثة من الفصل 227 الذي ينص على أنه يعاقب بالإعدام 1- كل من واقع أنثى غصبا باستعمال العنف والسلاح أو التهديد به. 2- كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو دون استعمال الوسائل المذكورة. ويعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى دون رضاها في غير الصور المتقدمة. ويعتبر العقاب المذكور هو الحد الأقصى بما يعنى أن للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقاب ويبقى العقاب المذكور بالمجلة الجزائية حدا لتجريم الواقعة». م- خ