أبو ياسين عجبت لسنتين من حاضرنا وصفت بالعجاف والكارثة و الفشل، فحملت أوزار القوم السابقين والتابعين وتابع تابعيهم وانبرت صحافة النخاسة تذكرنا بطالبان والسودان وافغانستان و تسكت عن ماليزيا وايران وحضارات الشرق المتأصل في ذاته بصفة عامة. اقتصادات صاعدة حرمت من القروض لرفضها الاملاءات والبرامج الجاهزة وعولت عن نفسها فاحتاجت لتتفتق قريحة المبتكر والصانع والعامل فأنتجت وسائل النقل ولم تعقد صفقات الصدقات من حافلات وقطارات وطائرات و زرعت شعيرها وقمحها و أرزها وحنطتها ببذور مطورة في مخابرها فأطعمت فقيرها و مسكينها و ادخرت ما شاءت ان تدخر لسنين قحط و قلة مطر. دول نجحت بعد أن عولت على نفسها وتقاسم المواطن البسيط الادوار مع الحكام للنهوض بمستقبل بلاد وصناعة نمو حقيقي تقره الارقام والاحصائيات ويتحسسه المواطن بأم عينيه. لن ألوم حكومة الكفاءات فحجم العجز كبير ولو سخرت له جميع الطاقات والموارد ولو استجلبنا آلاف آلاف السياح و مئات الملايين من الدولارات كقروض معسّرة. هؤلاء قوم اجتهدوا بما لديهم من خبرة و جنّبوا البلد الصدام والفوضى بين منظومة قديمة متشعبة في الادارة ومراكز القرار و شعب اصطف باكرا في يوم مشهود ليسلك نهجا سياسيا ديمقراطيا رغم الجراح والجوع و التهميش وسياسات التفقير. هذه المنظومة "السرطانية" التي اتت على الاخضر واليابس من خيرات البلد فاستكرشت فيها مناطق لعقود من الزمن واهملت مدن وأقاليم بأسرها من منظومة التمدن والتحضر لما حرمت الماء الصالح للشراب والكهرباء و الطرق السيارة. لقد سلكت نفس المنظومة منذ الاستقلال سياسات عديدة فتنقلت بين الليبرالية والاشتراكية تبحث عن طريق بناء دولة حديثة ولكنها فشلت فشلا ذريعا فجوبهت بثورات وثورات سرعان ما أخمدت بالحديد والنار. نحن لا ننسى شطحات التعاضد و انتزاع أرزاق الناس بدون وجه حق ولم ننسى عديد المشاريع التي و لدت لتموت بعد ان نهبت الاموال المرصودة وبددت هنا وهناك في احتفالات "فرحة شعب". ان للتونسي ذاكرة لا يمكن ان تعبث بها سنوات الجمر لمّا عبثت ايادي الاصهار بمستقبل التجار واصحاب المصانع فخُيروا بين شراكة ضيزى او تهمة مخدرات فيقبعوا في السجن لسنين طوال. تلك قطرات من فشل أصاب البلد لسنين فعزلها عن مصاف الدول النامية و نكّل باقتصادها و جعله هشا لعقود حين ارتهن البلاد و خيراتها للأجنبي. ذاك فشل شرّد بلادنا و بدّع باقتصادها فاستوفى خيرات مناجمها دون أن يبحث عن مستقيل آمن لوطن في طور النمو فطبّقوا في كل مرّة مقولة "أنا وبعدي الطوفان". أصحاب الجرم الاقتصادي الذين عششوا لستين سنة عادوا اليوم بسياسييهم و محلليهم و رؤوس أموالهم و علاقاتهم الداخلية والخارجية يبكون عن اقتصاد تهاوى منذ أن اختار الشعب نوابا له عبر انتخابات حرة وشفافة. فأي كانت المهمة المناطة بعهدة النواب و مدة نيابتهم وأي كانت التحديات ان أحسنوا الاختيارات او أُفشلوا في رفعها، على رأي القصاص، فهم ناقصو تجربة بالحكم وان نجحوا في تسيير البلد لإيمانهم بحب وطنهم ولكنّهم وجدوا قاعا صفصفا و جيبا فارغا و صناعة مرتهنة وطاقات تنهب بالمجان. ذلك هو بيت القصيد ومربط الفرس لمن أراد أن يفهم واقع الاقتصاد اليوم و ترنحه بين الفشل والنجاح المزعوم، فنفس معاول التخريب والفشل التي استعملت لسنين لجمع ضرائب 26-26 هي التي تقيّم اليوم مرحلة السنتين وتصفها بالفشل دون أن اي اعتبار لخصوصية مرحلة انتقالية لبلد أفقر لستين سنة.