من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    موفى أكتوبر 2025: العجز التجاري لتونس يبلغ 18435,8مليون دينار    فيديو لقصر يهشمون منزل عمهم و يعتدون على زوجته يثير غضبا ... زوجة العم تروي التفاصيل    مع الشروق : ترامب ... وسياسة الأبواب الخلفية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): اسراء بالطيب تهدي تونس الميدالية الذهبية الثانية    عاجل: النيابة العمومية تأذن بفتح أبحاث تحقيقية ضد ثلاثة محامين    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    قابس: انطلاق فعاليات الصالون الأوّل للتقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية    عاجل/ رشق هذا القطار بالحجارة ووقوع اصابات    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    عاجل/ تونس تطرح مناقصة دولية لشراء القمح الصلب والليّن    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    القصرين: 126 ألف شتلة جديدة لتعزيز الغطاء الغابي خلال موسم التشجير 2025-2026    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    الإعلان عن الهيئة المديرة للدورة الجديدة لأيام قرطاج المسرجية    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يطالب بصافرة أجنبية في الكلاسيكو    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    أعضاء مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم يناقشون مهمة وزارة الشؤون الخارجية    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    المهد الوطني للرصد الجوي: ظهور ضباب محليا كثيف صباح غد الأربعاء    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تكون اللغة أفضل من الناطقين بها
نشر في باب نات يوم 22 - 07 - 2014


محمد الحمّار
ليس ثمة مذلة ومهانة أقوى من تلك التي يشعر بها مدرس اللغة الأجنبية – وكذلك الذي يتعلمها- حين يتعرض بلده أو قومه أو ثقافته إلى عدوان من طرف الناطقين باللغة التي يعلّمها للناشئة في المدرسة. إنه لمن باب العذاب السادي أن يواصل المعلم العربي تدريس اللغة الانكليزية في توقيت مثل سنة 2003 أيان عرف الوطن العربي رجة عنيفة جرّاء استعمار الولايات المتحدة - الناطقة بالانكليزية- للعراق الشقيق.
كما إنه من باب سخرية الأقدار أن يتدافع الناشئة في المجتمعات العربية على مراكز التكوين في اللغات الفرنسية والانكليزية وغيرها ليدفعوا مبالغ طائلة ابتغاء نيل مقعد شاغر يمكّنهم من تطوير مهاراتهم اللغوية من أجل مواكبة العصر عبر اللغات الحية، بينما حكومات الشعوب الناطقة بهذه اللغات يوظفون إعلاميا لغاتهم الحيّة تحديدا لتضليل الشعوب الناطقة بها عن المجازر التي تُقترف بقرار وبتزكية من هذه الحكومات على غرار العدوان الغاشم الذي يستهدف غزة وأطفالها نساءها وشيوخها وكهولها وكرامة شعبها والبنية التحتية للبلاد في غضون هذا الشهر الحرام.
فاللغة الانكليزية تُستعمل الآن كأداة لمنع كل خيط تواصلي من التشكل بين شعب مظلوم وشعوب متقدمة لكن يوعزها الإعلام المنصف والموضوعي. وبواسطة هذا اللسان يعمد تجار البروبغندا إلى التعتيم على ال 57،900 طفل طالتهم يد الغدر الصهيونية في غزة في العشرة أيام الأولى، إن قتلا أم إعاقة أم تشردا. وبواسطة الانكليزية يزوّر الإعلام التجاري حقيقة ال 22،000 متشرد في غزة و900،000 نفرا الذين لا يصلهم الماء في نفس الفترة.
فبالرغم من أنّ المجتمعات الناطقة باللغات الحية قد أثبتت استطاعتها على استعمال اللغة لوصف كل مجالات الحياة مع مواكبتها للعصر إلا أنّ حكومات هذه الشعوب المتقدمة- على الأخص تلك الناطقة باللغة الانكليزية - قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حين سمحت لنفسها عبر ما يسمى بإعلام الشركات الكبرى بأن توظف اللغة في تعمية الرأي العام داخل بلدانها حتى لا يطلع العامة على حقيقة الجرائم التي تقترف مرارا وتكرارا في حق الشعوب المستضعفة مثل الشعب الفلسطيني.
في المقابل لا أشك في أنّ هذه الشعوب الغربية، انكلوسكسونية كانت أم جرمانية أم "غولية" أم كيلتية، ستغيّر موقفها من القضية الفلسطينية وستعدل نظرتها إلى العرب والمسلمين لو يتمّ السماح للغاتهم الحية بأن تقوم بمهمتها الطبيعية والمتمثلة في تسهيل التعارف بين الأقوام والشعوب والقبائل. أما في حال يتواصل التغاضي عن هذه المهمة فيمكن القول إنّ اللغات الحية أضحت أفضل من الناطقين بها.
من جهة أخرى، أعتقد أنّ الشعور بالذل والإهانة لدى معلم اللغة الأجنبية (الواعي) ومتعلمها (الواعي) قد يتقلص سرعان ما يثبت لديهما أنّ اللغة العربية هي الأخرى أفضل من الناطقين بها. فالبرغم من أنها قادرة على وصف المعارف والعلوم والتجارب والتكنولوجيا إلا أنّ العرب على العكس من ذلك لا يستطيعون إلى التوظيف الحضاري للعربية سبيلا. نحن في تونس مثلا لا نزال تحت رحمة أرباب الفضاءات التجارية الكبرى حين تعرض علينا الفواكه والخضار وهي تحمل أسماءها باللسان الفرنسي (تقريبا في كل المغازات الكبرى). ولا نزال نتبادل أرقام الهاتف بالإفرنجي، وتعيرنا كتابة الصك المصرفي باللغة العربية.
للحوصلة أقول إنه مثلما يجوز القول إنّ الفرنسية أفضل من الفرنسيين والانكليزية أفضل من البريطانيين والانكليزية الأمريكية أفضل من الأمريكان، يصح أيضا التأكيد على أنّ اللغة العربية أفضل من العرب. ونخلص إلى القول إنه كما أنّ اللغات الأجنبية أحب إلى العرب من الفرنسيين والانكليز والألمان وغيرهم فإنّ اللغة العربية أحب إلى العرب من أنفسهم.
كما اتضح لدي أيضا أنّ مصدر الذل والهوان إنما هو داخلي من جهة وخارجيّ من جهة ثانية لكنه في كلتا الحالتين - وربما في كل الحالات- يبرّأ اللغات ويجرّم الناطقين بها أو الحكومات التي تمثلهم.
في ضوء كل ما سبق أعتقد أنّ العرب من جهتهم مطالبون بأن يرتقوا إلى مستوى لغتهم عوضا عن التمادي في تحقيرها دونما علم بأنهم هم المتسببون في تقهقرها في المجال المعرفي والعلمي والتكنولوجي وحتى المدني والثقافي. لكن هل بإمكانهم تحقيق هذا الهدف بمنأى عن اللغات الأجنبية للبلاد المتقدمة؟ فأين الفرنسية التي كنا نتلقاها في المدرسة وكان حتى الكسالى منا يحاولون مغازلتها؟ وأين انكليزية 'ماري بوبنز" والأناشيد وكِتاب "انڤلش وايز"؟ هل ذهبت تلك الفرنسية وتلك الانكليزية أدراج الرياح أم أنهما ذهبتا بفعل فاعل؟
ما من شك في أنّ السياسة والإعلام في البلدان المهيمنة على العالم قد لعبا دورا قذرا، أولا في مسخ صورة الفرنسيين والانكليز والأمريكان (الشعوب) لدى العرب، ولكن في الآن ذاته ترى حكومات هذه البلدان تسارع وتتسابق في نشر لغاتها في البلاد العربية، ما حمل العرب- في غياب استطاعة ذاتية لتفعيل اللغة العربية- على قبول وضعية فُصامية ذات وجهين اثنين: إما التعلق بالفرنسية والانكليزية وغيرها بمعزل عن أيّ تعلق بالشعوب الناطقة بها، مما لا يساعد على اكتساب شامل ورصين للمهارات اللغوية والميتا- لغوية. وإما التعلق باللغات الأجنبية مع الاعتقاد - الخاطئ- أنّ الصورة التي يعطيها ثنائي السياسة والإعلام العالميين عن الفرنسيين والانكليز والأمريكان وغيرهم ممن يحبون لغاتهم، إنما هي صورة جميلة ومقبولة مهما كانت رديئة وخاطئة وفاسدة.
في ضوء التواطؤ الموصوف بين المجتمعات المتقدمة من جهة والمجتمعات العربية من جهة أخرى في تردّي الوظيفة اللغوية فإنّ الواجب أضحى مضاعفا ويستدعي التعاون بين الطرفين الاثنين :
من جهة أولى، ليست المجتمعات المتقدمة والمهيمنة وحدها مطالبة بالارتقاء إلى مستوى لغاتها وذلك بفضل تصحيح مقاربتها التواصلية إزاء العرب والمسلمين و تعديل سياساتها للغرض نفسه. بل وليس بمقدورها أن تحقق هذا الهدف من دون إسهام المجتمعات العربية في توعية الإنسان الفرنسي والانكليزي والأمريكي والأوروبي وغيره لكي يكون هذا الإنسان في مستوى لغته الأصلية والتي يتهافت شبابنا على تملكها ولكي تستحق اللغات الأوروأمريكية مثل هذه الحظوة لدى العرب.
هكذا ستكون المجتمعات العربية محفَّزة لتعلم لغات المجتمعات الأخرى و يكون مدرّسو اللغات الأجنبية في المدارس العربية محفَّزين هم بدورهم لجعل المتعلمين العرب يكنّون الحب والاحترام للناطقين بهذه اللغات - غصبا عن الفاسدين من بين حكامهم-، مما سيضع كل حاكم أوروأمريكي أمام مسؤولية حضارية تستبطن تجنب أيّ استهداف عدائي للشعوب المتعلمة للغاتهم وللإنسانية قاطبة.
من جهة ثانية، سرعان ما يثبت تحرر البلدان المتقدمة من عقدة التعالي ومن العنجهية فإنّ المجتمعات العربية ستجد الطريق معبدة أمامها للارتقاء هي بدروها إلى مكانة لغتها العربية. ويتجسد هذا الهدف في اعتزاز العرب بلغتهم كنتيجة لاستطاعة توظيفها بصفة طبيعية في التنمية السياسية والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية دونما أيّ سقوط في فخ التبعية للأخر. وهذا مما سيعطي دفعا للغة العربية كي تنتشر عالميا بجدارة واستحقاق.
عندئذ سيتسنى للعرب وللأوروأمريكيين ولسائر الأجناس والمجتمعات التشارك مع بعضهم بعضا، بكل ندية ودون عقد، في صياغة التصورات لنظام عالمي جديد يتسم بأكثر احترام وعدل واتزان.
محمد الحمّار
حين تكون اللغة أفضل من الناطقين بها
ليس ثمة مذلة ومهانة أقوى من تلك التي يشعر بها مدرس اللغة الأجنبية – وكذلك الذي يتعلمها- حين يتعرض بلده أو قومه أو ثقافته إلى عدوان من طرف الناطقين باللغة التي يعلّمها للناشئة في المدرسة. إنه لمن باب العذاب السادي أن يواصل المعلم العربي تدريس اللغة الانكليزية في توقيت مثل سنة 2003 أيان عرف الوطن العربي رجة عنيفة جرّاء استعمار الولايات المتحدة - الناطقة بالانكليزية- للعراق الشقيق.
كما إنه من باب سخرية الأقدار أن يتدافع الناشئة في المجتمعات العربية على مراكز التكوين في اللغات الفرنسية والانكليزية وغيرها ليدفعوا مبالغ طائلة ابتغاء نيل مقعد شاغر يمكّنهم من تطوير مهاراتهم اللغوية من أجل مواكبة العصر عبر اللغات الحية، بينما حكومات الشعوب الناطقة بهذه اللغات يوظفون إعلاميا لغاتهم الحيّة تحديدا لتضليل الشعوب الناطقة بها عن المجازر التي تُقترف بقرار وبتزكية من هذه الحكومات على غرار العدوان الغاشم الذي يستهدف غزة وأطفالها نساءها وشيوخها وكهولها وكرامة شعبها والبنية التحتية للبلاد في غضون هذا الشهر الحرام.
فاللغة الانكليزية تُستعمل الآن كأداة لمنع كل خيط تواصلي من التشكل بين شعب مظلوم وشعوب متقدمة لكن يوعزها الإعلام المنصف والموضوعي. وبواسطة هذا اللسان يعمد تجار البروبغندا إلى التعتيم على ال 57،900 طفل طالتهم يد الغدر الصهيونية في غزة في العشرة أيام الأولى، إن قتلا أم إعاقة أم تشردا. وبواسطة الانكليزية يزوّر الإعلام التجاري حقيقة ال 22،000 متشرد في غزة و900،000 نفرا الذين لا يصلهم الماء في نفس الفترة.
فبالرغم من أنّ المجتمعات الناطقة باللغات الحية قد أثبتت استطاعتها على استعمال اللغة لوصف كل مجالات الحياة مع مواكبتها للعصر إلا أنّ حكومات هذه الشعوب المتقدمة- على الأخص تلك الناطقة باللغة الانكليزية - قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حين سمحت لنفسها عبر ما يسمى بإعلام الشركات الكبرى بأن توظف اللغة في تعمية الرأي العام داخل بلدانها حتى لا يطلع العامة على حقيقة الجرائم التي تقترف مرارا وتكرارا في حق الشعوب المستضعفة مثل الشعب الفلسطيني.
في المقابل لا أشك في أنّ هذه الشعوب الغربية، انكلوسكسونية كانت أم جرمانية أم "غولية" أم كيلتية، ستغيّر موقفها من القضية الفلسطينية وستعدل نظرتها إلى العرب والمسلمين لو يتمّ السماح للغاتهم الحية بأن تقوم بمهمتها الطبيعية والمتمثلة في تسهيل التعارف بين الأقوام والشعوب والقبائل. أما في حال يتواصل التغاضي عن هذه المهمة فيمكن القول إنّ اللغات الحية أضحت أفضل من الناطقين بها.
من جهة أخرى، أعتقد أنّ الشعور بالذل والإهانة لدى معلم اللغة الأجنبية (الواعي) ومتعلمها (الواعي) قد يتقلص سرعان ما يثبت لديهما أنّ اللغة العربية هي الأخرى أفضل من الناطقين بها. فالبرغم من أنها قادرة على وصف المعارف والعلوم والتجارب والتكنولوجيا إلا أنّ العرب على العكس من ذلك لا يستطيعون إلى التوظيف الحضاري للعربية سبيلا. نحن في تونس مثلا لا نزال تحت رحمة أرباب الفضاءات التجارية الكبرى حين تعرض علينا الفواكه والخضار وهي تحمل أسماءها باللسان الفرنسي (تقريبا في كل المغازات الكبرى). ولا نزال نتبادل أرقام الهاتف بالإفرنجي، وتعيرنا كتابة الصك المصرفي باللغة العربية.
للحوصلة أقول إنه مثلما يجوز القول إنّ الفرنسية أفضل من الفرنسيين والانكليزية أفضل من البريطانيين والانكليزية الأمريكية أفضل من الأمريكان، يصح أيضا التأكيد على أنّ اللغة العربية أفضل من العرب. ونخلص إلى القول إنه كما أنّ اللغات الأجنبية أحب إلى العرب من الفرنسيين والانكليز والألمان وغيرهم فإنّ اللغة العربية أحب إلى العرب من أنفسهم.
كما اتضح لدي أيضا أنّ مصدر الذل والهوان إنما هو داخلي من جهة وخارجيّ من جهة ثانية لكنه في كلتا الحالتين - وربما في كل الحالات- يبرّأ اللغات ويجرّم الناطقين بها أو الحكومات التي تمثلهم.
في ضوء كل ما سبق أعتقد أنّ العرب من جهتهم مطالبون بأن يرتقوا إلى مستوى لغتهم عوضا عن التمادي في تحقيرها دونما علم بأنهم هم المتسببون في تقهقرها في المجال المعرفي والعلمي والتكنولوجي وحتى المدني والثقافي. لكن هل بإمكانهم تحقيق هذا الهدف بمنأى عن اللغات الأجنبية للبلاد المتقدمة؟ فأين الفرنسية التي كنا نتلقاها في المدرسة وكان حتى الكسالى منا يحاولون مغازلتها؟ وأين انكليزية 'ماري بوبنز" والأناشيد وكِتاب "انڤلش وايز"؟ هل ذهبت تلك الفرنسية وتلك الانكليزية أدراج الرياح أم أنهما ذهبتا بفعل فاعل؟
ما من شك في أنّ السياسة والإعلام في البلدان المهيمنة على العالم قد لعبا دورا قذرا، أولا في مسخ صورة الفرنسيين والانكليز والأمريكان (الشعوب) لدى العرب، ولكن في الآن ذاته ترى حكومات هذه البلدان تسارع وتتسابق في نشر لغاتها في البلاد العربية، ما حمل العرب- في غياب استطاعة ذاتية لتفعيل اللغة العربية- على قبول وضعية فُصامية ذات وجهين اثنين: إما التعلق بالفرنسية والانكليزية وغيرها بمعزل عن أيّ تعلق بالشعوب الناطقة بها، مما لا يساعد على اكتساب شامل ورصين للمهارات اللغوية والميتا- لغوية. وإما التعلق باللغات الأجنبية مع الاعتقاد - الخاطئ- أنّ الصورة التي يعطيها ثنائي السياسة والإعلام العالميين عن الفرنسيين والانكليز والأمريكان وغيرهم ممن يحبون لغاتهم، إنما هي صورة جميلة ومقبولة مهما كانت رديئة وخاطئة وفاسدة.
في ضوء التواطؤ الموصوف بين المجتمعات المتقدمة من جهة والمجتمعات العربية من جهة أخرى في تردّي الوظيفة اللغوية فإنّ الواجب أضحى مضاعفا ويستدعي التعاون بين الطرفين الاثنين :
من جهة أولى، ليست المجتمعات المتقدمة والمهيمنة وحدها مطالبة بالارتقاء إلى مستوى لغاتها وذلك بفضل تصحيح مقاربتها التواصلية إزاء العرب والمسلمين و تعديل سياساتها للغرض نفسه. بل وليس بمقدورها أن تحقق هذا الهدف من دون إسهام المجتمعات العربية في توعية الإنسان الفرنسي والانكليزي والأمريكي والأوروبي وغيره لكي يكون هذا الإنسان في مستوى لغته الأصلية والتي يتهافت شبابنا على تملكها ولكي تستحق اللغات الأوروأمريكية مثل هذه الحظوة لدى العرب.
هكذا ستكون المجتمعات العربية محفَّزة لتعلم لغات المجتمعات الأخرى و يكون مدرّسو اللغات الأجنبية في المدارس العربية محفَّزين هم بدورهم لجعل المتعلمين العرب يكنّون الحب والاحترام للناطقين بهذه اللغات - غصبا عن الفاسدين من بين حكامهم-، مما سيضع كل حاكم أوروأمريكي أمام مسؤولية حضارية تستبطن تجنب أيّ استهداف عدائي للشعوب المتعلمة للغاتهم وللإنسانية قاطبة.
من جهة ثانية، سرعان ما يثبت تحرر البلدان المتقدمة من عقدة التعالي ومن العنجهية فإنّ المجتمعات العربية ستجد الطريق معبدة أمامها للارتقاء هي بدروها إلى مكانة لغتها العربية. ويتجسد هذا الهدف في اعتزاز العرب بلغتهم كنتيجة لاستطاعة توظيفها بصفة طبيعية في التنمية السياسية والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية دونما أيّ سقوط في فخ التبعية للأخر. وهذا مما سيعطي دفعا للغة العربية كي تنتشر عالميا بجدارة واستحقاق.
عندئذ سيتسنى للعرب وللأوروأمريكيين ولسائر الأجناس والمجتمعات التشارك مع بعضهم بعضا، بكل ندية ودون عقد، في صياغة التصورات لنظام عالمي جديد يتسم بأكثر احترام وعدل واتزان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.