الترفيع في نسق نقل الفسفاط عبر السكك الحديدية بداية من جوان 2025    استكمال أشغال مشروع تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة أواخر ديسمبر 2025    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس    قصف متبادل بين الهند وباكستان يوقع قتلى وجرحى    الصين.. روبوت يخرج عن السيطرة و"يهاجم" مبرمجيه!    وزير التربية في ابتدائية أولاد بركة بفوسانة...المدرسة آمنة وسيقع التدخل على مستوى السور    تنصيب الأعضاء بمباركة الوزارة...تعاونية الرياضيين مكسب كبير    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    أخبار فلاحية.. أهم الاستعدادات لعيد الإضحى وتأمين أضاحي سليمة    لأول مرة: الدولة تتكفل جزئياً بتكاليف سفر الجالية التونسية من ذوي الدخل المحدود    المنزه السادس.. منحرف يعمد إلى مضايقة إمرأة ويهددها بواسطة آلة حادة    وزير الداخلية يلتقي المديرة العامة للمنظمة الدّوليّة للهجرة    البرلمان يصادق على قرض من البنك الإفريقي للتنمية قيمته 270 مليون دينار    ترامب: الحوثيون في اليمن استسلموا للولايات المتحدة    كاس العالم للاندية 2025: مباراة فاصلة بين لوس انجلس ونادي امريكا لتعويض ليون المكسيكي    عاجل/ الحملات الأمنية ضد مروّجي المخدرات: حصيلة جديدة للايقافات    انطلاق عملية تعشيب ملعب بوجمعة الكميتي بباجة    ديوان الحبوب : طاقة التجميع تصل ل 7.6 مليون قنطار    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    عاجل/ وزير اسرائيلي: "سكّان غزّة سيرحلون نحو دولة ثالثة"    السودان يقطع علاقاته الدبلوماسية مع الإمارات    مجموعة شعرية جديدة للشاعرة التونسية وداد الحبيب    عاجل/ الحوثيون يتوعّدون بالرد على العدوان الاسرائيلي والامريكي    فتحي النوري : 120 دولارًا شهريًا... تحويلات التونسيين بالخارج أقل من المعدل العالمي بكثير!!    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو التونسيين إلى الإقبال على الأدوية الجنيسة    روّعوا الأهالي: الاطاحة بوفاق اجرامي يسرق السيارات بهذه الجهة    عصام الشوالي:'' ليلة أخرى من ليالي الأبطال.. إنتر وبرشلونة على جوزيبي مياتزا''    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    المهدية: تقديرات بإنتاج حوالي 115 ألف قنطار من الحبوب خلال الموسم الحالي    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    اختتام الدورة العاشرة لمهرجان "سيكا جاز"    قيمتها تجاوزت ال450 ألف دينار: حجز صناديق موز مهرّب في نابل    قابس: وفاة شخصين وإصابة 8 آخرين في حادث مرور    منزل بوزلفة: القبض على قاصر وإحالته على التحقيق بتهمة إضرام النار في معهد ثانوي    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    الإعلان الرسمي المرتقب عن موعد عيد الأضحى    مؤسسة "فداء" تدعو جرحى الثورة ممّن لم يتسنّ عرضهم على اللجنة الطبية إلى الاتصال بها    بعد نقصها وارتفاع أسعارها: بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    وزارة الرياضة تعلن عن مشروع إصلاحي في علاقة بخطة المديرين الفنيين الوطنيين للجامعات الرياضية    انطلاق محاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة 2"    هام/ تطوّرات الوضع الجوي خلال الأيام القادمة..    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    الدورة الثامنة لتظاهرة 'الايام الرومانية بالجم - تيتدروس' يومي 10 و11 ماي بمدينة الجم    العائلة التُونسيّة تحتاج إلى أكثر من "5 ملاين" شهريًا..!!    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    نصف نهائي دوري الأبطال: موقعة إنتر وبرشلونة الليلة    خبراء يحذّرون و يدقون ناقوس الخطر: ''فلاتر التجميل'' أدوات قاتلة    قليبية: ايقاف المعتدي على النساء بشفرة حلاقة    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    رئيس الجمهورية: يجب فتح باب الانتدابات بعد تخليص الإدارة ممّن تسلّلوا إليها واعتبروا المسؤولية امتيازات وغنيمة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تكون اللغة أفضل من الناطقين بها
نشر في باب نات يوم 22 - 07 - 2014


محمد الحمّار
ليس ثمة مذلة ومهانة أقوى من تلك التي يشعر بها مدرس اللغة الأجنبية – وكذلك الذي يتعلمها- حين يتعرض بلده أو قومه أو ثقافته إلى عدوان من طرف الناطقين باللغة التي يعلّمها للناشئة في المدرسة. إنه لمن باب العذاب السادي أن يواصل المعلم العربي تدريس اللغة الانكليزية في توقيت مثل سنة 2003 أيان عرف الوطن العربي رجة عنيفة جرّاء استعمار الولايات المتحدة - الناطقة بالانكليزية- للعراق الشقيق.
كما إنه من باب سخرية الأقدار أن يتدافع الناشئة في المجتمعات العربية على مراكز التكوين في اللغات الفرنسية والانكليزية وغيرها ليدفعوا مبالغ طائلة ابتغاء نيل مقعد شاغر يمكّنهم من تطوير مهاراتهم اللغوية من أجل مواكبة العصر عبر اللغات الحية، بينما حكومات الشعوب الناطقة بهذه اللغات يوظفون إعلاميا لغاتهم الحيّة تحديدا لتضليل الشعوب الناطقة بها عن المجازر التي تُقترف بقرار وبتزكية من هذه الحكومات على غرار العدوان الغاشم الذي يستهدف غزة وأطفالها نساءها وشيوخها وكهولها وكرامة شعبها والبنية التحتية للبلاد في غضون هذا الشهر الحرام.
فاللغة الانكليزية تُستعمل الآن كأداة لمنع كل خيط تواصلي من التشكل بين شعب مظلوم وشعوب متقدمة لكن يوعزها الإعلام المنصف والموضوعي. وبواسطة هذا اللسان يعمد تجار البروبغندا إلى التعتيم على ال 57،900 طفل طالتهم يد الغدر الصهيونية في غزة في العشرة أيام الأولى، إن قتلا أم إعاقة أم تشردا. وبواسطة الانكليزية يزوّر الإعلام التجاري حقيقة ال 22،000 متشرد في غزة و900،000 نفرا الذين لا يصلهم الماء في نفس الفترة.
فبالرغم من أنّ المجتمعات الناطقة باللغات الحية قد أثبتت استطاعتها على استعمال اللغة لوصف كل مجالات الحياة مع مواكبتها للعصر إلا أنّ حكومات هذه الشعوب المتقدمة- على الأخص تلك الناطقة باللغة الانكليزية - قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حين سمحت لنفسها عبر ما يسمى بإعلام الشركات الكبرى بأن توظف اللغة في تعمية الرأي العام داخل بلدانها حتى لا يطلع العامة على حقيقة الجرائم التي تقترف مرارا وتكرارا في حق الشعوب المستضعفة مثل الشعب الفلسطيني.
في المقابل لا أشك في أنّ هذه الشعوب الغربية، انكلوسكسونية كانت أم جرمانية أم "غولية" أم كيلتية، ستغيّر موقفها من القضية الفلسطينية وستعدل نظرتها إلى العرب والمسلمين لو يتمّ السماح للغاتهم الحية بأن تقوم بمهمتها الطبيعية والمتمثلة في تسهيل التعارف بين الأقوام والشعوب والقبائل. أما في حال يتواصل التغاضي عن هذه المهمة فيمكن القول إنّ اللغات الحية أضحت أفضل من الناطقين بها.
من جهة أخرى، أعتقد أنّ الشعور بالذل والإهانة لدى معلم اللغة الأجنبية (الواعي) ومتعلمها (الواعي) قد يتقلص سرعان ما يثبت لديهما أنّ اللغة العربية هي الأخرى أفضل من الناطقين بها. فالبرغم من أنها قادرة على وصف المعارف والعلوم والتجارب والتكنولوجيا إلا أنّ العرب على العكس من ذلك لا يستطيعون إلى التوظيف الحضاري للعربية سبيلا. نحن في تونس مثلا لا نزال تحت رحمة أرباب الفضاءات التجارية الكبرى حين تعرض علينا الفواكه والخضار وهي تحمل أسماءها باللسان الفرنسي (تقريبا في كل المغازات الكبرى). ولا نزال نتبادل أرقام الهاتف بالإفرنجي، وتعيرنا كتابة الصك المصرفي باللغة العربية.
للحوصلة أقول إنه مثلما يجوز القول إنّ الفرنسية أفضل من الفرنسيين والانكليزية أفضل من البريطانيين والانكليزية الأمريكية أفضل من الأمريكان، يصح أيضا التأكيد على أنّ اللغة العربية أفضل من العرب. ونخلص إلى القول إنه كما أنّ اللغات الأجنبية أحب إلى العرب من الفرنسيين والانكليز والألمان وغيرهم فإنّ اللغة العربية أحب إلى العرب من أنفسهم.
كما اتضح لدي أيضا أنّ مصدر الذل والهوان إنما هو داخلي من جهة وخارجيّ من جهة ثانية لكنه في كلتا الحالتين - وربما في كل الحالات- يبرّأ اللغات ويجرّم الناطقين بها أو الحكومات التي تمثلهم.
في ضوء كل ما سبق أعتقد أنّ العرب من جهتهم مطالبون بأن يرتقوا إلى مستوى لغتهم عوضا عن التمادي في تحقيرها دونما علم بأنهم هم المتسببون في تقهقرها في المجال المعرفي والعلمي والتكنولوجي وحتى المدني والثقافي. لكن هل بإمكانهم تحقيق هذا الهدف بمنأى عن اللغات الأجنبية للبلاد المتقدمة؟ فأين الفرنسية التي كنا نتلقاها في المدرسة وكان حتى الكسالى منا يحاولون مغازلتها؟ وأين انكليزية 'ماري بوبنز" والأناشيد وكِتاب "انڤلش وايز"؟ هل ذهبت تلك الفرنسية وتلك الانكليزية أدراج الرياح أم أنهما ذهبتا بفعل فاعل؟
ما من شك في أنّ السياسة والإعلام في البلدان المهيمنة على العالم قد لعبا دورا قذرا، أولا في مسخ صورة الفرنسيين والانكليز والأمريكان (الشعوب) لدى العرب، ولكن في الآن ذاته ترى حكومات هذه البلدان تسارع وتتسابق في نشر لغاتها في البلاد العربية، ما حمل العرب- في غياب استطاعة ذاتية لتفعيل اللغة العربية- على قبول وضعية فُصامية ذات وجهين اثنين: إما التعلق بالفرنسية والانكليزية وغيرها بمعزل عن أيّ تعلق بالشعوب الناطقة بها، مما لا يساعد على اكتساب شامل ورصين للمهارات اللغوية والميتا- لغوية. وإما التعلق باللغات الأجنبية مع الاعتقاد - الخاطئ- أنّ الصورة التي يعطيها ثنائي السياسة والإعلام العالميين عن الفرنسيين والانكليز والأمريكان وغيرهم ممن يحبون لغاتهم، إنما هي صورة جميلة ومقبولة مهما كانت رديئة وخاطئة وفاسدة.
في ضوء التواطؤ الموصوف بين المجتمعات المتقدمة من جهة والمجتمعات العربية من جهة أخرى في تردّي الوظيفة اللغوية فإنّ الواجب أضحى مضاعفا ويستدعي التعاون بين الطرفين الاثنين :
من جهة أولى، ليست المجتمعات المتقدمة والمهيمنة وحدها مطالبة بالارتقاء إلى مستوى لغاتها وذلك بفضل تصحيح مقاربتها التواصلية إزاء العرب والمسلمين و تعديل سياساتها للغرض نفسه. بل وليس بمقدورها أن تحقق هذا الهدف من دون إسهام المجتمعات العربية في توعية الإنسان الفرنسي والانكليزي والأمريكي والأوروبي وغيره لكي يكون هذا الإنسان في مستوى لغته الأصلية والتي يتهافت شبابنا على تملكها ولكي تستحق اللغات الأوروأمريكية مثل هذه الحظوة لدى العرب.
هكذا ستكون المجتمعات العربية محفَّزة لتعلم لغات المجتمعات الأخرى و يكون مدرّسو اللغات الأجنبية في المدارس العربية محفَّزين هم بدورهم لجعل المتعلمين العرب يكنّون الحب والاحترام للناطقين بهذه اللغات - غصبا عن الفاسدين من بين حكامهم-، مما سيضع كل حاكم أوروأمريكي أمام مسؤولية حضارية تستبطن تجنب أيّ استهداف عدائي للشعوب المتعلمة للغاتهم وللإنسانية قاطبة.
من جهة ثانية، سرعان ما يثبت تحرر البلدان المتقدمة من عقدة التعالي ومن العنجهية فإنّ المجتمعات العربية ستجد الطريق معبدة أمامها للارتقاء هي بدروها إلى مكانة لغتها العربية. ويتجسد هذا الهدف في اعتزاز العرب بلغتهم كنتيجة لاستطاعة توظيفها بصفة طبيعية في التنمية السياسية والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية دونما أيّ سقوط في فخ التبعية للأخر. وهذا مما سيعطي دفعا للغة العربية كي تنتشر عالميا بجدارة واستحقاق.
عندئذ سيتسنى للعرب وللأوروأمريكيين ولسائر الأجناس والمجتمعات التشارك مع بعضهم بعضا، بكل ندية ودون عقد، في صياغة التصورات لنظام عالمي جديد يتسم بأكثر احترام وعدل واتزان.
محمد الحمّار
حين تكون اللغة أفضل من الناطقين بها
ليس ثمة مذلة ومهانة أقوى من تلك التي يشعر بها مدرس اللغة الأجنبية – وكذلك الذي يتعلمها- حين يتعرض بلده أو قومه أو ثقافته إلى عدوان من طرف الناطقين باللغة التي يعلّمها للناشئة في المدرسة. إنه لمن باب العذاب السادي أن يواصل المعلم العربي تدريس اللغة الانكليزية في توقيت مثل سنة 2003 أيان عرف الوطن العربي رجة عنيفة جرّاء استعمار الولايات المتحدة - الناطقة بالانكليزية- للعراق الشقيق.
كما إنه من باب سخرية الأقدار أن يتدافع الناشئة في المجتمعات العربية على مراكز التكوين في اللغات الفرنسية والانكليزية وغيرها ليدفعوا مبالغ طائلة ابتغاء نيل مقعد شاغر يمكّنهم من تطوير مهاراتهم اللغوية من أجل مواكبة العصر عبر اللغات الحية، بينما حكومات الشعوب الناطقة بهذه اللغات يوظفون إعلاميا لغاتهم الحيّة تحديدا لتضليل الشعوب الناطقة بها عن المجازر التي تُقترف بقرار وبتزكية من هذه الحكومات على غرار العدوان الغاشم الذي يستهدف غزة وأطفالها نساءها وشيوخها وكهولها وكرامة شعبها والبنية التحتية للبلاد في غضون هذا الشهر الحرام.
فاللغة الانكليزية تُستعمل الآن كأداة لمنع كل خيط تواصلي من التشكل بين شعب مظلوم وشعوب متقدمة لكن يوعزها الإعلام المنصف والموضوعي. وبواسطة هذا اللسان يعمد تجار البروبغندا إلى التعتيم على ال 57،900 طفل طالتهم يد الغدر الصهيونية في غزة في العشرة أيام الأولى، إن قتلا أم إعاقة أم تشردا. وبواسطة الانكليزية يزوّر الإعلام التجاري حقيقة ال 22،000 متشرد في غزة و900،000 نفرا الذين لا يصلهم الماء في نفس الفترة.
فبالرغم من أنّ المجتمعات الناطقة باللغات الحية قد أثبتت استطاعتها على استعمال اللغة لوصف كل مجالات الحياة مع مواكبتها للعصر إلا أنّ حكومات هذه الشعوب المتقدمة- على الأخص تلك الناطقة باللغة الانكليزية - قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حين سمحت لنفسها عبر ما يسمى بإعلام الشركات الكبرى بأن توظف اللغة في تعمية الرأي العام داخل بلدانها حتى لا يطلع العامة على حقيقة الجرائم التي تقترف مرارا وتكرارا في حق الشعوب المستضعفة مثل الشعب الفلسطيني.
في المقابل لا أشك في أنّ هذه الشعوب الغربية، انكلوسكسونية كانت أم جرمانية أم "غولية" أم كيلتية، ستغيّر موقفها من القضية الفلسطينية وستعدل نظرتها إلى العرب والمسلمين لو يتمّ السماح للغاتهم الحية بأن تقوم بمهمتها الطبيعية والمتمثلة في تسهيل التعارف بين الأقوام والشعوب والقبائل. أما في حال يتواصل التغاضي عن هذه المهمة فيمكن القول إنّ اللغات الحية أضحت أفضل من الناطقين بها.
من جهة أخرى، أعتقد أنّ الشعور بالذل والإهانة لدى معلم اللغة الأجنبية (الواعي) ومتعلمها (الواعي) قد يتقلص سرعان ما يثبت لديهما أنّ اللغة العربية هي الأخرى أفضل من الناطقين بها. فالبرغم من أنها قادرة على وصف المعارف والعلوم والتجارب والتكنولوجيا إلا أنّ العرب على العكس من ذلك لا يستطيعون إلى التوظيف الحضاري للعربية سبيلا. نحن في تونس مثلا لا نزال تحت رحمة أرباب الفضاءات التجارية الكبرى حين تعرض علينا الفواكه والخضار وهي تحمل أسماءها باللسان الفرنسي (تقريبا في كل المغازات الكبرى). ولا نزال نتبادل أرقام الهاتف بالإفرنجي، وتعيرنا كتابة الصك المصرفي باللغة العربية.
للحوصلة أقول إنه مثلما يجوز القول إنّ الفرنسية أفضل من الفرنسيين والانكليزية أفضل من البريطانيين والانكليزية الأمريكية أفضل من الأمريكان، يصح أيضا التأكيد على أنّ اللغة العربية أفضل من العرب. ونخلص إلى القول إنه كما أنّ اللغات الأجنبية أحب إلى العرب من الفرنسيين والانكليز والألمان وغيرهم فإنّ اللغة العربية أحب إلى العرب من أنفسهم.
كما اتضح لدي أيضا أنّ مصدر الذل والهوان إنما هو داخلي من جهة وخارجيّ من جهة ثانية لكنه في كلتا الحالتين - وربما في كل الحالات- يبرّأ اللغات ويجرّم الناطقين بها أو الحكومات التي تمثلهم.
في ضوء كل ما سبق أعتقد أنّ العرب من جهتهم مطالبون بأن يرتقوا إلى مستوى لغتهم عوضا عن التمادي في تحقيرها دونما علم بأنهم هم المتسببون في تقهقرها في المجال المعرفي والعلمي والتكنولوجي وحتى المدني والثقافي. لكن هل بإمكانهم تحقيق هذا الهدف بمنأى عن اللغات الأجنبية للبلاد المتقدمة؟ فأين الفرنسية التي كنا نتلقاها في المدرسة وكان حتى الكسالى منا يحاولون مغازلتها؟ وأين انكليزية 'ماري بوبنز" والأناشيد وكِتاب "انڤلش وايز"؟ هل ذهبت تلك الفرنسية وتلك الانكليزية أدراج الرياح أم أنهما ذهبتا بفعل فاعل؟
ما من شك في أنّ السياسة والإعلام في البلدان المهيمنة على العالم قد لعبا دورا قذرا، أولا في مسخ صورة الفرنسيين والانكليز والأمريكان (الشعوب) لدى العرب، ولكن في الآن ذاته ترى حكومات هذه البلدان تسارع وتتسابق في نشر لغاتها في البلاد العربية، ما حمل العرب- في غياب استطاعة ذاتية لتفعيل اللغة العربية- على قبول وضعية فُصامية ذات وجهين اثنين: إما التعلق بالفرنسية والانكليزية وغيرها بمعزل عن أيّ تعلق بالشعوب الناطقة بها، مما لا يساعد على اكتساب شامل ورصين للمهارات اللغوية والميتا- لغوية. وإما التعلق باللغات الأجنبية مع الاعتقاد - الخاطئ- أنّ الصورة التي يعطيها ثنائي السياسة والإعلام العالميين عن الفرنسيين والانكليز والأمريكان وغيرهم ممن يحبون لغاتهم، إنما هي صورة جميلة ومقبولة مهما كانت رديئة وخاطئة وفاسدة.
في ضوء التواطؤ الموصوف بين المجتمعات المتقدمة من جهة والمجتمعات العربية من جهة أخرى في تردّي الوظيفة اللغوية فإنّ الواجب أضحى مضاعفا ويستدعي التعاون بين الطرفين الاثنين :
من جهة أولى، ليست المجتمعات المتقدمة والمهيمنة وحدها مطالبة بالارتقاء إلى مستوى لغاتها وذلك بفضل تصحيح مقاربتها التواصلية إزاء العرب والمسلمين و تعديل سياساتها للغرض نفسه. بل وليس بمقدورها أن تحقق هذا الهدف من دون إسهام المجتمعات العربية في توعية الإنسان الفرنسي والانكليزي والأمريكي والأوروبي وغيره لكي يكون هذا الإنسان في مستوى لغته الأصلية والتي يتهافت شبابنا على تملكها ولكي تستحق اللغات الأوروأمريكية مثل هذه الحظوة لدى العرب.
هكذا ستكون المجتمعات العربية محفَّزة لتعلم لغات المجتمعات الأخرى و يكون مدرّسو اللغات الأجنبية في المدارس العربية محفَّزين هم بدورهم لجعل المتعلمين العرب يكنّون الحب والاحترام للناطقين بهذه اللغات - غصبا عن الفاسدين من بين حكامهم-، مما سيضع كل حاكم أوروأمريكي أمام مسؤولية حضارية تستبطن تجنب أيّ استهداف عدائي للشعوب المتعلمة للغاتهم وللإنسانية قاطبة.
من جهة ثانية، سرعان ما يثبت تحرر البلدان المتقدمة من عقدة التعالي ومن العنجهية فإنّ المجتمعات العربية ستجد الطريق معبدة أمامها للارتقاء هي بدروها إلى مكانة لغتها العربية. ويتجسد هذا الهدف في اعتزاز العرب بلغتهم كنتيجة لاستطاعة توظيفها بصفة طبيعية في التنمية السياسية والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية دونما أيّ سقوط في فخ التبعية للأخر. وهذا مما سيعطي دفعا للغة العربية كي تنتشر عالميا بجدارة واستحقاق.
عندئذ سيتسنى للعرب وللأوروأمريكيين ولسائر الأجناس والمجتمعات التشارك مع بعضهم بعضا، بكل ندية ودون عقد، في صياغة التصورات لنظام عالمي جديد يتسم بأكثر احترام وعدل واتزان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.