بقلم: شكري بن عيسى (*) لا يمكن بحال التغاضي او نسيان معاداة المخابرات الاماراتية لما افرزه الصندوق في تونس في انتخابات 23 اكتوبر ومناداتها بسقوط احزاب الحكم التي انبثقت عنها، وبمناهضة دولة الامارات للربيع العربي وتدخلها المباشر المعلن سواء في الشأن الداخلي المصري او الليبي عن طريق الادوات العسكرية والمالية والاستخباراتية، ولا يمكن عزل ما حدث في تونس في 24 جويلية بنزول طائرة خاصة محملة بسيارتين فاخرتين مصفحتين عن هذا الاطار. الهبة الاماراتية للسبسي التي وقف عليها الجميع وعرف اغلب تفاصيلها لا تزال تلقي الاسئلة الحارقة ليس حول مضمونها ولكن اساسا في خصوص اجراءاتها وغاياتها وبدرجة اولى ابعادها خاصة وانها مست في العمق مشاعر التونسيين الاحرار على اختلاف انتماءاتهم وفئاتهم. هذه الهبة تطرح اسئلة موجعة حول التدخل السافر للامارات في الشأن الداخلي التونسي سواء الامني او السياسي وخرقها بكل صلف للعرف الدبلوماسي. المراسلة المكشوفة وضعت تونس في وضع العاجز داخليا ودوليا عن توفير ابسط وسائل الحماية لسياسييها وهو اول وظائف اية وزارة امن ، والضرر حقا بات بليغا بعد ان كشفت المسألة على كل شاشات العالم. الوثيقة المتداولة اظهرت تجاوزا دبلوماسيا شائنا بتجاهل القنوات الرسمة وتوجه سفارة الامارات مباشرة الى الديوانة دون اعتبار لسلطة الاشراف المتمثلة في وزارة الاقتصاد والمالية وفي تحد صارخ لقناة التعامل الدبلوماسية الاساسية التي تتعامل معها السفارات الاجنبية: وزاة الشؤون الخارجية. طريقة التخاطب الواردة صلب المراسة الموجهة في نفس تاريخ وصول السيارتين (اي 24 جويلة) تبرز خللا فضيعا في القناة المرسلة (اي السفارة) والقناة الموجهة لها المراسلة (اي الديوانة) ولا نعلم لحد اللحظة هل تمت الاستجابة للطلب المختل اجرائيا وجوهريا وتم تسلم السبسي السيارتين!؟ البلاغ الصادر عن نداء تونس بتاريخ 5 اوت انتهج طريقة التضليل والتهميش على التدخل الشائن في السيادة الوطنية، والاساءة البالغة للأمن التونسي، والخرق السافر للاجراءات البروتوكولية، والتجاوز الحاصل من الديوانة والاعتداء الجسيم على مشاعر التونسين، بالانحراف الى عبارات "اشاعة مغرضة" و"تسريب وثيقة رسمية" و"انتهاك معطيات شخصة" و"الاساءة وبث البلبة" و"الاختراق الحزبي لمؤسسات الدولة"، وتبرير تلقي السيارتين المصفحتين "لحماية السبسي وحماية الفريق الساهر على حمايته من الامن"، محاولا شرعنة العملية "باتباع الاجراءات القانونية"، مدعيا ان الامر تم بعد "الاعلام الرسمي للجهات المسؤولة"، وهي تبريرات مردودة وُضِعت اساسا للتغطية على التعدي المشترك على الكرامة الوطنية. جهاز الامن وجهاز الديوانة هي اجهزة تمثل سيادة الدولة، والتدخل الاماراتي كان وقحا ومهينا ويصب في ابراز محدودية مؤسساتنا الرسمية السيادية وكأن هناك "ملحقا" في اطار "خطة" متكاملة لم يكشف بعد، ولكن يمكن كشف معالمه من خلال ما صار في مصر. المواطن 'التونسي' الذي حصل من دولة الامارات على سيارات مجهزة استخباراتيا وامنيا لحراسته هو "رئيس تونس" المفترض او "المنتظر" بالنسبة لهذه الدولة، وقبل انطلاق الحملة الانتخابية تم توفير الحماية والغاء اعتبار الداخلية، ومع انطلاق الحملة يبدو ان السيناريو جاهز باعلان مرشح الرئاسة باستعداد الامارات لضخ عشرات المليارت من الدنانير وتحويل تونس الى "جنة" للتأثير على كثير من الناخبين وشراء الذمم، وبالتالي نقل البلاد لا قدر الله الى مستعمرة تحكمها ارادة اجنبية بدل ارادة الشعب. النموذج المصري بات لا يحتاج الى اشارة للتدليل على وجود سيناريو محبك يخص بلدنا. الاعتداء فعلا صارخ على اجهزة الدولة وعلى السيادة الوطنية، وعلى مشاعر شعب قام بثورة منذ اقل من اربع سنوات، وننتظر بالفعل الفتح الفوري للتحقيقات الصارمة الجدية وتوجيه المساءلات نحو السفارة الاماراتية التي لا يقبل بغير طرد سفيرها، قبل التوجه الى الداخل لمحاسبة كل من اجرم في حق الشعب والوطن ولطّخ قيم الجمهورية الديمقراطية من ادعيائها المزيفين!!