ليست "رمانة" بل إن القلوب ملآنة" كما يقول المثل اللبناني الشهير، فلم يعد ممكناً متابعة ما جرى ويجري في مدينة صيدا اللبنانية اليوم بمعزل عن ما جرى في مدينة القصير السورية بالأمس القريب، فمشاركة "حزب الله" اللبناني خارج حدود بلاده وبعيداً جداً عن حدوده مع العدو الصهيوني، ودون أن ننسى ضجيج الاحتفالات التي عمت مناطق الحزب، وقواعده الشعبية فرحاً بالانتصار. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، هنا كان وقوف الجيش اللبناني -و من ورائه الدولة اللبنانية- موقف المتفرج على من كل ذلك. فانفجر الموقف جنوباً هذه المرة وبمنطقة "عبرا" في مدينة "صيدا" معقل أنصار الشيخ اللبناني "أحمد الأسير" إمام مسجد الصحابي الجليل بلال بن رباح. الشيخ الذي أُشتهر بمواقفه المناصرة للثورة السورية والمناهضة لحزب الله في لبنان عامة وفي سوريا خاصة. بدأت الأحداث يوم 18 جوان الجاري على خلفية إشكال فردي تطور إلى اشتباكات مسلحة بين مناصرين للشيخ الأسير وعناصر ما يعرف "بسرايا المقاومة" التابعة لحزب الله في صيدا خلف قتلى وجرحى من الجانبين. ميدانياً أيضاً، تفاقمت الأحداث بعد محاولة الجيش اللبناني التدخل لضبط المسلحين المناصرين للشيخ الأسير دون أن يحرك ساكناً تجاه الطرف الآخر، ثم ما لبث الوضع أن انقلب إلى اشتباكات مسلحة ومعارك حقيقية بين الجيش اللبناني الذي دفع بتعزيزات كبيرة إلى "عبرا" ومناصري "الأسير" اُستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية بالرغم من محاولات الوساطة والتهدئة التي قامت بها "هيئة العلماء المسلمين" في لبنان والتي منيت بفشل ذريع. واشتدت المعارك في صيداً يوم 23 و24 جوان مع اقتراب الجيش اللبناني من المقاتلين المتحصنين بمسجد بلال، حيث دارت معركة سرعان ما انتهت بسيطرة الجيش اللبناني على المربع الأمني للشيخ الأسير يوم الثلاثاء 25 جوان في مسجد "بلال" واختفاء "الشيخ الأسير" الذي صدرت مذكرة توقيف بحقه بعد مقتل شقيقه بالمعارك التي خلفت عشرات القتلى والجرحى من الطرفين. حقيقة لا نعلم إن كانت تداعيات مشاركة حزب الله في القصير والمعركة التي انتهت بسيطرة الجيش اللبناني على معقل الشيخ الأسير نهاية الأزمة في لبنان، لكن المراقبين متخوفون من انتقال أحداث العنف شمالاً إلى طرابلس، أكثر من ذلك أصبح البعض يراهن أن تكون المخيمات الفلسطينية مسرحاً لهذا العنف الذي يدفع ثمنه المواطن اللبناني، خاصة مع الأنباء التي تتحدث عن مشاركة جديدة لحزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري في معارك ريف دمشق بسوريا، وهذا يدفعنا –حكماً- إلى السؤال الجوهري عن دور ومسؤولية الدولة والجيش اللبناني عن كل ذلك؟