بحثت طويلا عن منطق المفاضلة الذي أقامه الشّاعر الصغيّر بين تقويمين ينتميان إلى المجال الدّيني الأوّل يؤرّخ بولادة نبيّ "السيّد المسيح" والثّاني يعتمد هجرة نبيّ الإسلام وصحبه... هل هو انحياز لميلاد المسيح و ما صاحبه من معجزات على حساب هجرة النبيّ محمّد و صحبه ؟ وما خلفيّة هذا الانحياز؟ حضريّة؟ يعني المدينة مقابل الصّحراء؟ لكن يثرب كانت مدينة و أصبح اسمها المدينة بالف ولام الاستغراق كناية عن انطلاق أوّل اجتماع بشريّ للإسلام من خلال المدينة لا البادية ... أم دينيّة والحال أنّ شاعرنا لادينيّ في وعيه التقدّمي رافضا للميتافيزيقا بكلّ أشكالها ومرجعياتها ؟ أم هو انحياز للسّبق الزّمني انتصارا للزّمن التقدمي حيث تجاوز التقدميّون القرن العشرين وانخرط في القرن الذي يليه بينما لم يتجاوز المسلمون القرن الخامس عشر بعد ؟ وهي مسالة لا تفاضل فيها و إلا لاخترنا تقويمات أقدم لثقافات وشعوب سبقت ميلاد المسيح أو ربّما هو انخراط في المسار الثقافي الحداثي الذي لم يقطع مع جذوره اليهودية المسيحية ؟ كيفما كان الأمر فإنّ اتّخاذ عمر بن الخطاب الهجرة أساسا للتّقويم دون ميلاد الرّسول أو وفاته و إقرار المسلمين له على ذلك تدلّ على تعلّق الضّمير الجمعي بالحدث الجماعي الذي غيّر وجه العالم في مقابل رهن التّاريخ بالفرد و لو كان نبيّا بينما اختار الضّمير الكنسي التّحقيب و التّأريخ بميلاد شخص النبيّ ... ربّما يستنكف الصغيّر من تاريخه و تاريخ أجداده أولاد أحمد النبيّ العربي الذي خاض مغامرة الهجرة الروحيّة و الحضاريّة بسبب ما عليه أمّته راهنا من انحطاط و تمزّق ... و ارتهن لتاريخ ليس تاريخه و لا تاريخ أجداده بسبب ما عليه راهنا من غلبة و استقواء ... و المغلوب مولع دائما باقتداء الغالب ... ليته قال أنّه مواطن كونيّ و شاعر إنسانيّ فوق الزّمان و المكان ... لكنّ الايديولوجيات الوثوقيّة الصّفويّة ترتكس دائما للثّنائيّات المانويّة ... نحن و هم ... الأخيار و الأشرار ... الأنواريّون و الظّلاميّون ... هكذا يعود شاعر القرن الواحد و العشرين أدراج الزّمن لما قبل التقويم الهجري الفحل الذي يذود عن القبيلة " الأيديولوجيّة " مثله مثل أي هجّاء مفاخر منافر ... فلا هو من الميلاد و لا هو من الهجرة ... سيرا على نهج مقاربة الشّبه الشّبه ...