في خطاب يمكن وصفه بالمرتبك، حرص مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، على ان يمسك العصا من الوسط، بإعلانه دعوة مكتب المجلس للانعقاد في الأسبوع القادم، وهي خطوة إيجابية في اتجاه شريكيه في الحكم وخاصة حركة النهضة التي ثارت كتلتها على قرار تعليق الأشغال. ولكنها تركت الباب مواربا، حيث لم يرتق الخطاب الى المستوى المنتظر اي حسم الجدل حول وضعية المجلس، وأهلية رئيسه لتعليق النشاط. خطاب بن جعفر قد يكون أجل إعلان وفاة الترويكا، لأنه لم يقطع جسور التواصل مع النهضة والمؤتمر ولكنه في المقابل لم يوجه نقدا يذكر للمعارضة، بل لعله يعطي انطباعا بالمسؤولية المشتركة على الأزمة الحالية، رغم الإجماع على ان تعنت جبهة الإنقاذ هو سبب تعثر الحوار. مصطفى بن جعفر حرص على إظهار قراره يوم 6 اوت وكأنه منعرج حاسم أنقذ البلاد من ازمة بل من حرب أهلية، وهي قراءة مبالغ فيها، لان منسوب الاحتقان السياسي زاد بمفعول القرار المفاجئ الذي حقق مطلبا من اهم مطالب الانقاذيين وهو "حلّ" التأسيسي. ولو بتجميده. فالحوار لم يتقدم قيد أنملة ورئيس التأسيسي يتصرف منذ بداية الأزمة كطرف محايد، رغم انه جزء من منظومة الحكم، وهو ما يجعل موقفه الراهن جزءا من المشكل وليس نافذة للحل. بن جعفر ظهر اليوم في ثوب مرشح انتخابي، يدافع عن حظوظه، وليس كمسؤول وطني وشريك في الحكم. وهو ما قد يؤدي بعد هذا الخطاب المخيب للآمال، الى تصعيد الاحتقان، لان المعارضة تعتقد الان انها تتحكم بقرار التأسيسي، بما يشجعها على مزيد التشدد، أما الترويكا التي حافظت على توازنها الى حد الان فتبدو مقبلة على منطقة اهتزازية، قد تنتهي بإقالة بن جعفر الذي أظهر انه يفتقد الشجاعة السياسية التي دعا رؤساء الأحزاب للتحلي بها. بتردده في حسم عودة التأسيسي يكون بن جعفر، قد وضع ساقا في الترويكا وساقا في "النظام المستقل المحايد" الذي يبشر به الانقاذيون. فهل أضاع بن جعفر فرصة تاريخية ليستعيد زمام المبادرة، ويتحمل المسؤولية امام الشعب عن قرار لم يعد ثمة من مبرر لتأجيله؟ كيف سيكون رد حركة النهضة التي مازالت حريصة على وحدة الترويكا؟ الخطاب لم يحمل جديدا، ولكنه كرس الانطباع السائد بان التكتل والمؤتمر، ينتظران نتيجة الحوارات الجارية تحت إشراف اتحاد الشغل، وهو انتظار قد تكون له نتائج سلبية، على الحزبين، اللذين يتصرفان الان وكان تونس طوت صفحة حكم النهضة، رغم ان الشقيق الأكبر لم يرم المنديل، ولم يعد ينظر بارتياح لمناورات حليفيه، ولا لتحالفه معهما كزواج كاثوليكي مقدس.