الجزائر تؤكد دعمها لإيران وتدين "العدوان الإسرائيلي"    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    انطلاق التسجيل بداية من يوم الخميس 19 جوان الجاري في خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على نتائج البكالوريا    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    لا تفوتها : تعرف على مواعيد مباريات كأس العالم للأندية لليوم والقنوات الناقلة    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    121 حريق تسبّبت في تضرّر أكثر من 200 هك منذ بداية جوان: إقرار لجان تحقيق مشتركة للبحث في ملابسات اندلاع الحرائق    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفقة الكيماوي: المخرج الذي يحتاجه أوباما؟

بعد مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق في 21 أوت 2013، دخل الملف السوري مرحلة جديدة، إذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في 1 سبتمبر عن قراره توجيه ضربة عسكريّة إلى النظام شرط تصديق الكونغرس على هذه الخطوة، وعلى الرغم من وجود معارضة واسعة ضمن شرائح الرأي العام الأميركي، ومن أعضاء في الكونغرس أيضًا، فإنّ احتمال تنفيذ الضربة العسكرية بقي قائمًا، ولم يتضاءل هذا الاحتمال إلاّ عندما أعلنت روسيا مبادرةً رحب بها النظام السوري، وهي تقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السوريّة تحت الرقابة الدولية وبسحبها وتدميرها في مرحلة لاحقة.
وفي تقرير للمركز العربي للأبحاث والدراسات استعرض المحلّلون كيفية تعامل إدارة الرئيس أوباما مع قضية استخدام السلاح الكيماوي.
تطور الموقف الأميركي من الأزمة السوريّة
أكّد التقرير أنّه بعد الاستخدام الواسع للسلاح الكيماوي بدأت إدارة أوباما تحضير ضربة عقابية للنظام السوريّ، الأمر الذي اعتبر تغيرًا نوعيًا في الاستراتيجية الأميركية تجاه الملف السوري الذي أبدت تجاهه لامبالاة متفاوتة الدرجة، منذ انطلاق الثورة السورية حتى استخدام الكيماوي، تلخّصت في الانكفاء عن التدخل المباشر، والاكتفاء بالضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية ضد النظام، بما يتوافق مع المحددات العامة لإستراتيجية إدارة أوباما في القضايا الخارجية، وعدم اعتبار الأزمة السوريّة تهديدًا للأمن القومي الأميركي والمصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، ما دامت تستطيع مع حلفائها في المنطقة إبقاء الصراع محصورًا داخل الحدود الجغرافية لسورية، وكذلك توصيف الصراع في سورية على أنّه "حرب أهلية" قد تستمر لفترات زمنية طويلة، ما يفرض ابتعاد الولايات المتحدة عن الانخراط المباشر، وبخاصة أنّ المعارضة السوريّة وفق النظرة الأميركية هي معارضة منقسمة ومشتتة، تضم "قوى متطرفة". ومن ثمّ، فإنه من غير المؤكد أن تشكل المعارضة السوريّة الحالية حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة في حال حسم الصراع وسقوط النظام، ثمّ وأخيرا رفض تسليح المعارضة السوريّة.
من الانحياز التدريجي إلى الضربة العقابيّة
فضّلت إدارة أوباما الانحياز التدريجي للتنسيق مع روسيا لإيجاد حلّ سياسي وفق اتفاق جنيف، كخيار بديل من خيارات أخرى غير مضمونة مثل تسليح المعارضة السوريّة، أو التدّخل المباشر بأنواعه المختلفة، ولضمان السير في هذا النهج، حذّر أوباما النظام السوري مبكرًا من استخدام السلاح الكيماوي، واعتبره "خطًا أحمر" لا يمكن تجاوزه، وأنّ ما أسماه "قواعد اللعبة" سوف تتغيّر بشكل كامل في حال لجوء النظام إلى استخدام هذا السلاح.
ولكن مثّل استخدام النظام السّوري للأسلحة الكيماوية على نطاق واسع في الغوطتين إحراجًا لأوباما وإدارته، ووضعه أمام استحقاق التعامل مع تجاوز النظام الخطوط الحمراء التي حددها بوصفها عتبة ضرورية لتغيير تعاطيها مع الأزمة السوريّة. وفي ضوء ذلك، أعلن أوباما قراره توجيه ضربة سريعة وعاجلة ضد النظام، بحيث تكون ضربة عقابيّة ومحدودة النطاق، لتجاوز النظام السوري "الخطوط الحمراء" المحددة، ليخرج أوباما من الحرج ويظهره رئيسًا حازمًا بعد الانتقادات الداخلية المتزايدة التي تصفه بالضعف والتردد، ثمّ تدمير القدرات الكيماويّة للنظام السوري للحيلولة دون استخدامها ضدّ حلفاء أمريكا والكيان الصهيوني ثمّ تحذير بعض "دول مارقة"، مثل إيران وكوريا الشمالية - برد عقابي حازم إذا سعت لامتلاك أسلحة الدمار الشامل أو تطويرها، فضلًا عن استخدامها، وبما يحافظ على "صورة" الولايات المتحدة ومكانتها بوصفها قوة عظمى تتحكم في مخرجات السياسة الدولية أو تؤدي دورًا مهمًا فيها.
لا مبالاة بالثورة والشعب
أوباما لم يلتفت إلى أهداف الثورة السوريّة، ولا قضايا الشعب السوري في خطابه السياسي في هذه المرحلة، كما لم يتطرّق إلى نشر الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب أو الاستبداد، بل قصر خطابه على قضايا العلاقات الإقليمية والدولية المتعلقة بالضرر الذي يمكن أن يلحق بالولايات المتحدة وحلفائها، وفي ضوء الأهداف السابقة، حرصت إدارة أوباما على طمأنة الداخل والخارج، وبخاصة حلفاء النظام السوري بأنّ الضربة المحتملة ستكون محدودة، ولا تهدف إلى إسقاط النظام، أو تغيير موازين القوى على الأرض. وفي هذا السياق يمكن فهم قيام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان بصفته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة طهران في 26 أوت 2013، إذ سعى لاحتواء رد فعل إيران، ودفعها إلى عدم التصعيد في حال حصول الضربة العسكرية.
الحشد الأميركي للضربة
خلال الأيام التي سبقت عودة الكونغرس من إجازته الصيفية، بدأت إدارة أوباما مساعي دبلوماسية حثيثة لبناء تحالف دولي واسع للمشاركة في العمل العسكري، أو تأييده فتحالف "الراغبين" المصغّر الذي كان يضم بريطانيا وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة لم يعد قائمًا بعد خروج لندن منه في أعقاب تصويت مجلس العموم البريطاني على رفض المشاركة في العمل العسكري ضد نظام الأسد، وبالفعل، فقد نجح أوباما خلال قمة العشرين في تجاوز المعارضة الشديدة لخطوته من قبل روسيا والصين فضلًا عن القوى الصاعدة المتحالفة معها وصدر على هامش القمة بيان ل 12 دولة تحدّث عن ضرورة القيام برد قوي لردع النظام السوري عن استخدام الكيماوي. كما نجحت مشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في ليتوانيا في 7سبتمبر، وصدر بيان ختامي طالب برد قوي رادع ضد النظام السوري. وعلى الرغم من أنّ كيري فشل في إدراج الاتحاد الأوروبي في قائمة المشاركين في الضربة، فإنّه نجح في ثني ألمانيا وإيطاليا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى عن مطلبها بضرورة الحصول على موافقة مجلس الأمن على القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري. وكانت حصيلة جهد الدبلوماسية الأميركية موافقة 33 دولة على المشاركة في الضربة المزمعة ضد النظام.
الرأي العام الغربي يشكّك في نوايا حكوماته
رد فعل الرأي العام الغربي الذي لا تصدق بعض فعالياته محدودية الضربة، وتشكك في نيات حكوماته بسبب الأثر الذي خلّفه العدوان الأميركي على العراق بحجج كاذبة. ومن الواضح أنّ الرأي العام الغربي لم ينقسم في هذا الموضوع إلى يسار ويمين، أو ليبراليين ومحافظين، إذ نجد عناصر من أقصى يمين الخارطة السياسية تعارض توجيه ضربة جنبًا إلى جنب مع حركة السلام، إمّا من منطلق الحرص على مصالح الكيان الصهيوني أو من منطلق عداء الإرهاب. فقد نجحت دعاية النظام الروسي في تأكيد مواقفه ضد الإسلام، ودعاية النظام السوري في خلخلة مواقف قوى سياسية تثير أساليب النظام السوري القمعية اشمئزازها، ولكنها لا تتعاطف مع البديل منه، وفشلت دعاية المعارضة السورية في وضع معاناة الشعب السورية في المقدمة، وفي نقد جرائم القوى المتطرفة في سورية، وتفنيد الصورة التي ينشرها النظام عن الثورة. وبالمقابل، نجد في صف المؤيدين للضربة قوى ليبرالية ويسارية ويمينية، لدواعٍ وأسباب مختلفة.
"صفقة" في الوقت المستقطع
بموازاة الاستعدادات للضربة، نشطت الجهود الدبلوماسية لتجنب الخيار العسكري، فإيران لم تكن بحكم حجم مصالحها في سورية ودورها في الصراع الدائر فيها في موقع يسمح لها بتمرير ضربة ضد حليفها، وبالمقابل، لم تكن القيادة الإيرانية الجديدة راغبة في دخول مواجهة مبكرة تقضي على فرص انفتاحها على الغرب وبخاصة مع الولايات المتحدة. وقد بدا أنّ إيران سلمت بالضربة، وبدأت الإعداد لامتصاصها والحفاظ على ماهو قائم في إيران والعراق ولبنان، فبادرت بالتعاون مع حلفائها في المنطقة لعرض مخارج تجنّب النظام السوري الضربة، فجاءت مبادرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ذات النقاط الثماني في 4 سبتمبر 2013، وهي تدعو الى وقف فوري للقتال، وانتظار نتائج تحقيق فريق المراقبين الدوليين في استخدام الكيماوي، وإلزام النظام والمعارضة موعدًا محددًا لإجراء مفاوضات، وتشكيل حكومة مؤقتة تُجري انتخابات بإشراف عربي وأممي، يعقبها تداول سلمي على السلطة.
ولم تجد مبادرة المالكي صدىً واسعًا على الصعيد الدولي الذي كان يركّز على معاقبة النظام على استخدام السلاح الكيماوي فحسب، ما جعل الأنظار تتجه نحو كواليس قمة العشرين في انتظار مفاوضات اللحظة الأخيرة، فتمخضت المساعي الدبلوماسية التي قادها عدد من الدول وعلى رأسها ألمانيا خلال القمة عقد لقاء قصير بين أوباما وبوتين على هامش القمة، ويبدو أنّ القيادة الروسية كانت قد اقتنعت بجدية الأميركيين في تنفيذ تهديدهم، وبأنّ تجنب وقوع الضربة يتطلب تقديم "تنازلات" مهمّة في موضوع السلاح الكيماوي، إما لإيجاد مخرج لأوباما، أو ربما لإضعاف موقفه أمام الكونغرس والرأي العام المعارض للضربة العسكرية من خلال مبادرات تسحب منه ما تعتبره "الذريعة" المباشرة للقيام بالضربة، وهي حيازة السلاح الكيماوي وإمكانات استخدامه.
وهنا بدا من الواضح أنّ روسيا ومن ورائها ألمانيا التي كانت تجري اتصالات مع دول أوروبية ومع إيران تحضران ل "صفقة" قبل عودة الكونغرس من إجازته في 9 سبتمبر، وقبل كلمة أوباما للشعب الأميركي في اليوم التالي.
انضمام سوريا لحظر الأسلحة الكيماوية
قُبيل ساعات من مناقشة الكونغرس للضربة العسكريّة، أعلنت روسيا عن "مبادرة" تنصّ على وضع السلاح الكيماوي السُوري تحت الإشراف الدولي، وعلى تدميره لاحقًا بعد انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. وبصورة فورية، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موسكو عن "ترحيب القيادة السورية بالمقترح الروسي حرصًا منها على أمن مواطنيها وبلادها".
وجاءت المبادرة الروسية لتحقق أهداف الإدارة الأميركية من "الضربة العقابية"، وبذلك عززت قوة الجناح المتحفِّظ عن الضربة أصلًا في داخل الحكومة الأميركية، كما أنها أخلّت بتماسك المؤيدين للضربة في الولايات المتحدة، وبخاصة اللوبي الصهيوني المتحمّس فقط لتدمير المخزون الكيماوي السوري بوصفه أحد أهم أهداف الأمن العبري في الوقت الذي يفضل فيه الحفاظ على النظام ضعيفًا لأنّ البديل منه إمّا الفوضى أو ما هو أسوأ للكيان الصهيوني.
الحسابات الجديدة واحتمالات التسوية
أعادت "صفقة الكيماوي" خلط الأوراق على كل المستويات في الأزمة السوريّة، فقد تراجع احتمال الضربة العسكرية الأميركية بعد أن كان شبه مؤكّد. وظهر ذلك جليًا في خطاب الرئيس أوباما للشعب الأميركي يوم الثلاثاء 10 سبتمبر، فعلى الرغم من أنّ أوباما أبقى الضربة خيارًا قائمًا، ومناشدته الشعب الأميركي وأعضاء الكونغرس تفويضه القيام بذلك، فإنّه أعلن أنّ الأولويّة هي للخيار الدبلوماسي، ولذلك طلب تأجيل التصويت في الكونغرس. وبناء عليه، فإنّ تطورات الملف السوري والحراك الدولي بشأنه تقع في المدى المنظور ضمن ثلاثة احتمالات وتتمثل في تسوية تقتصر على قضية الكيماوي، حيث يمكن لأوباما أن يروّج أمام الرأي العام الأميركي والكونغرس أنّ المبادرة الروسية تمثل "انتصارًا" شخصيًا له ولإدارته، وبخاصة في ضوء اتهامه بالضعف والتردد، فخيار اللجوء إلى القوة والتهديد بالتدخل العسكريّ أثبت "نجاعته"، وأجبر روسيا والنظام السوريّ على التراجع خطوة إلى الوراء. وقد تُشكِّل هذه الخطوة "المخرج" الذي ينشده أوباما لتجنّب العمل العسكري الذي يضعه وحزبه في مواجهة مع الرأي العام، فضلًا عن أنه يتعارض مع إستراتيجية الانكفاء التي اتبعها في حملاته الانتخابية، وكذلك منذ توليه السلطة. فانطلاقًا من ذلك، قد تبادر روسيا إلى تسريع تنفيذ هذه "الصفقة" بما يعيد الأزمة السوريّة إلى مرحلة ما قبل مجزرة الكيماوي، وليستمر الصراع قائمًا في انتظار أن تنضج ظروف ملائمة داخليًا وخارجيًا لبلوغ "تسوية". وإنّ تركيز الولايات المتحدة على مسألة السلاح الكيماوي، وتجاهلها الكامل للمأساة السورية في جوانبها الأخرى أكثر من عامين، يجعل هذا الخيار "الأكثر رجحانًا". وقد ترجم هذا الخيار عمليًا في الاتفاق الذي جرى بين كيري ولافروف في جنيف 14 سبتمبر، والذي نصّ على إطارٍ لتدمير المخزون الكيماوي السوري بحلول منتصف عام 2014.
ثمّ تسوية كبرى يشكل فيها الكيماوي مدخلًا لإطار شامل للحل، إذ تفتح مسألة استخدام السلاح الكيماوي الباب لترتيبات أوسع، وقد تمنع تعقيدات الصراع داخل سورية من أن تقتصر "الصفقة" على موضوع الكيماوي فحسب. كما أنّ الضغوط التي تمارس على الإدارة الأميركية من بعض الدول العربية والإقليمية والأوروبية والمتحمسة لمعاقبة النظام السوري، تصب في مصلحة عدم اقتصار الصفقة على السلاح الكيماوي، وربما يشكل ذلك فرصة لتسريع الحل السياسي وفق اتفاق "جنيف 1"، وتشكيل حكومة مؤقتة كاملة الصلاحيات مكونة من النظام والمعارضة، بحيث تكون خطوة أولى على طريق الانتقال السياسي في سورية. ولكن، ثمة صعوبات عدة تعترض هذا الاتجاه؛ أبرزها عدم جاهزية طرفي الصراع، وبخاصة النظام للدخول في عمليّة سياسيّة؛ فقد وافق النظام على "الصفقة" على أنها ثمن لبقائه كما هو في معادلة الصراع داخليًا، وإعادة تأهيله طرفًا " شرعيًا" معترفًا به دوليًا. لذلك، من غير المتوقع أن يذهب النظام إلى عملية سياسيّة وهو يشعر بالضعف أو تحت التهديد كما هو الحال الآن. ويمكن استذكار كيف أنّ النظام وحلفاءه سعوا منذ أفريل 2013 إلى قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لتجنّب الذهاب إلى مؤتمر "جنيف 2" من منطلق ضعف.
وثالثا قد يساهم تضارب مصالح القوى الدوليّة والإقليمية وتقلّب موازين الربح والخسارة في فشل هذه الصفقة، أو على الأقل صعوبة تنفيذها في المدى المنظور. الأمر الذي قد يعيد المشهد الدولي إلى ما قبل الإعلان عن المبادرة الروسية؛ بمعنى أن تستمر الإدارة الأميركيّة في سعيها للحصول على تفويض الكونغرس، من خلال حشد دور جماعات الضغط الرئيسة المتحمّسة للضربة وتفعيلها، ومن خلال التأكيد على المصالح الوطنية والهيبة والصدقية الأميركية. إلا أنّ ما يضعف هذا الاحتمال هو صعوبة التكهن بنتيجة تصويت الكونغرس الأميركي في ضوء التباينات والانقسامات الموجودة داخله، والمعارضة الواسعة من قبل الرأي العام. كما أنه من المستبعد أن يقوم أوباما بتوجيه ضربة للنظام السوري إذا رفض الكونغرس تفويضه.
ولخّص المركز العربي للأبحاث السياسية، ما تسلف ذكره، يجعل المبادرة الروسية تمثل مخرج الحد الأدنى الذي تسعى له القوى الكبرى الرئيسة المهتمة بالصراع بعد التصعيد الكبير الذي أعقب استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه. واللافت أنّ قوى المعسكرين تعاونت بشدة للتوصل إلى الاتفاق للحيلولة دون وقوع الضربة العسكرية الأميركية.
فهل يمثل هذا التعاون نموذجًا يمكن أن يتكرر في إطار تسوية أشمل تؤدي إلى إنهاء المأساة السورية، وتساهم في وضع حد لنظام دمر مدن سورية وارتكب في حق شعبها جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية؟.
أم هل أنّ إدارة الأزمة ومنع انتشارها سيستمر نهجًا في التعامل مع الموضوع؟ مؤكّدا أنّ الشعب السوري مضطر لمواصلة الاعتماد على نفسه في هذه المرحلة، وللارتقاء بدرجة التضامن الداخلي وبأداء قواه السياسية والمقاتلة.


المصدر: تقرير المركز العربي للأبحاث والدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.