تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفقة الكيماوي: المخرج الذي يحتاجه أوباما؟

بعد مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق في 21 أوت 2013، دخل الملف السوري مرحلة جديدة، إذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في 1 سبتمبر عن قراره توجيه ضربة عسكريّة إلى النظام شرط تصديق الكونغرس على هذه الخطوة، وعلى الرغم من وجود معارضة واسعة ضمن شرائح الرأي العام الأميركي، ومن أعضاء في الكونغرس أيضًا، فإنّ احتمال تنفيذ الضربة العسكرية بقي قائمًا، ولم يتضاءل هذا الاحتمال إلاّ عندما أعلنت روسيا مبادرةً رحب بها النظام السوري، وهي تقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السوريّة تحت الرقابة الدولية وبسحبها وتدميرها في مرحلة لاحقة.
وفي تقرير للمركز العربي للأبحاث والدراسات استعرض المحلّلون كيفية تعامل إدارة الرئيس أوباما مع قضية استخدام السلاح الكيماوي.
تطور الموقف الأميركي من الأزمة السوريّة
أكّد التقرير أنّه بعد الاستخدام الواسع للسلاح الكيماوي بدأت إدارة أوباما تحضير ضربة عقابية للنظام السوريّ، الأمر الذي اعتبر تغيرًا نوعيًا في الاستراتيجية الأميركية تجاه الملف السوري الذي أبدت تجاهه لامبالاة متفاوتة الدرجة، منذ انطلاق الثورة السورية حتى استخدام الكيماوي، تلخّصت في الانكفاء عن التدخل المباشر، والاكتفاء بالضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية ضد النظام، بما يتوافق مع المحددات العامة لإستراتيجية إدارة أوباما في القضايا الخارجية، وعدم اعتبار الأزمة السوريّة تهديدًا للأمن القومي الأميركي والمصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، ما دامت تستطيع مع حلفائها في المنطقة إبقاء الصراع محصورًا داخل الحدود الجغرافية لسورية، وكذلك توصيف الصراع في سورية على أنّه "حرب أهلية" قد تستمر لفترات زمنية طويلة، ما يفرض ابتعاد الولايات المتحدة عن الانخراط المباشر، وبخاصة أنّ المعارضة السوريّة وفق النظرة الأميركية هي معارضة منقسمة ومشتتة، تضم "قوى متطرفة". ومن ثمّ، فإنه من غير المؤكد أن تشكل المعارضة السوريّة الحالية حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة في حال حسم الصراع وسقوط النظام، ثمّ وأخيرا رفض تسليح المعارضة السوريّة.
من الانحياز التدريجي إلى الضربة العقابيّة
فضّلت إدارة أوباما الانحياز التدريجي للتنسيق مع روسيا لإيجاد حلّ سياسي وفق اتفاق جنيف، كخيار بديل من خيارات أخرى غير مضمونة مثل تسليح المعارضة السوريّة، أو التدّخل المباشر بأنواعه المختلفة، ولضمان السير في هذا النهج، حذّر أوباما النظام السوري مبكرًا من استخدام السلاح الكيماوي، واعتبره "خطًا أحمر" لا يمكن تجاوزه، وأنّ ما أسماه "قواعد اللعبة" سوف تتغيّر بشكل كامل في حال لجوء النظام إلى استخدام هذا السلاح.
ولكن مثّل استخدام النظام السّوري للأسلحة الكيماوية على نطاق واسع في الغوطتين إحراجًا لأوباما وإدارته، ووضعه أمام استحقاق التعامل مع تجاوز النظام الخطوط الحمراء التي حددها بوصفها عتبة ضرورية لتغيير تعاطيها مع الأزمة السوريّة. وفي ضوء ذلك، أعلن أوباما قراره توجيه ضربة سريعة وعاجلة ضد النظام، بحيث تكون ضربة عقابيّة ومحدودة النطاق، لتجاوز النظام السوري "الخطوط الحمراء" المحددة، ليخرج أوباما من الحرج ويظهره رئيسًا حازمًا بعد الانتقادات الداخلية المتزايدة التي تصفه بالضعف والتردد، ثمّ تدمير القدرات الكيماويّة للنظام السوري للحيلولة دون استخدامها ضدّ حلفاء أمريكا والكيان الصهيوني ثمّ تحذير بعض "دول مارقة"، مثل إيران وكوريا الشمالية - برد عقابي حازم إذا سعت لامتلاك أسلحة الدمار الشامل أو تطويرها، فضلًا عن استخدامها، وبما يحافظ على "صورة" الولايات المتحدة ومكانتها بوصفها قوة عظمى تتحكم في مخرجات السياسة الدولية أو تؤدي دورًا مهمًا فيها.
لا مبالاة بالثورة والشعب
أوباما لم يلتفت إلى أهداف الثورة السوريّة، ولا قضايا الشعب السوري في خطابه السياسي في هذه المرحلة، كما لم يتطرّق إلى نشر الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب أو الاستبداد، بل قصر خطابه على قضايا العلاقات الإقليمية والدولية المتعلقة بالضرر الذي يمكن أن يلحق بالولايات المتحدة وحلفائها، وفي ضوء الأهداف السابقة، حرصت إدارة أوباما على طمأنة الداخل والخارج، وبخاصة حلفاء النظام السوري بأنّ الضربة المحتملة ستكون محدودة، ولا تهدف إلى إسقاط النظام، أو تغيير موازين القوى على الأرض. وفي هذا السياق يمكن فهم قيام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان بصفته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة طهران في 26 أوت 2013، إذ سعى لاحتواء رد فعل إيران، ودفعها إلى عدم التصعيد في حال حصول الضربة العسكرية.
الحشد الأميركي للضربة
خلال الأيام التي سبقت عودة الكونغرس من إجازته الصيفية، بدأت إدارة أوباما مساعي دبلوماسية حثيثة لبناء تحالف دولي واسع للمشاركة في العمل العسكري، أو تأييده فتحالف "الراغبين" المصغّر الذي كان يضم بريطانيا وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة لم يعد قائمًا بعد خروج لندن منه في أعقاب تصويت مجلس العموم البريطاني على رفض المشاركة في العمل العسكري ضد نظام الأسد، وبالفعل، فقد نجح أوباما خلال قمة العشرين في تجاوز المعارضة الشديدة لخطوته من قبل روسيا والصين فضلًا عن القوى الصاعدة المتحالفة معها وصدر على هامش القمة بيان ل 12 دولة تحدّث عن ضرورة القيام برد قوي لردع النظام السوري عن استخدام الكيماوي. كما نجحت مشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في ليتوانيا في 7سبتمبر، وصدر بيان ختامي طالب برد قوي رادع ضد النظام السوري. وعلى الرغم من أنّ كيري فشل في إدراج الاتحاد الأوروبي في قائمة المشاركين في الضربة، فإنّه نجح في ثني ألمانيا وإيطاليا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى عن مطلبها بضرورة الحصول على موافقة مجلس الأمن على القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري. وكانت حصيلة جهد الدبلوماسية الأميركية موافقة 33 دولة على المشاركة في الضربة المزمعة ضد النظام.
الرأي العام الغربي يشكّك في نوايا حكوماته
رد فعل الرأي العام الغربي الذي لا تصدق بعض فعالياته محدودية الضربة، وتشكك في نيات حكوماته بسبب الأثر الذي خلّفه العدوان الأميركي على العراق بحجج كاذبة. ومن الواضح أنّ الرأي العام الغربي لم ينقسم في هذا الموضوع إلى يسار ويمين، أو ليبراليين ومحافظين، إذ نجد عناصر من أقصى يمين الخارطة السياسية تعارض توجيه ضربة جنبًا إلى جنب مع حركة السلام، إمّا من منطلق الحرص على مصالح الكيان الصهيوني أو من منطلق عداء الإرهاب. فقد نجحت دعاية النظام الروسي في تأكيد مواقفه ضد الإسلام، ودعاية النظام السوري في خلخلة مواقف قوى سياسية تثير أساليب النظام السوري القمعية اشمئزازها، ولكنها لا تتعاطف مع البديل منه، وفشلت دعاية المعارضة السورية في وضع معاناة الشعب السورية في المقدمة، وفي نقد جرائم القوى المتطرفة في سورية، وتفنيد الصورة التي ينشرها النظام عن الثورة. وبالمقابل، نجد في صف المؤيدين للضربة قوى ليبرالية ويسارية ويمينية، لدواعٍ وأسباب مختلفة.
"صفقة" في الوقت المستقطع
بموازاة الاستعدادات للضربة، نشطت الجهود الدبلوماسية لتجنب الخيار العسكري، فإيران لم تكن بحكم حجم مصالحها في سورية ودورها في الصراع الدائر فيها في موقع يسمح لها بتمرير ضربة ضد حليفها، وبالمقابل، لم تكن القيادة الإيرانية الجديدة راغبة في دخول مواجهة مبكرة تقضي على فرص انفتاحها على الغرب وبخاصة مع الولايات المتحدة. وقد بدا أنّ إيران سلمت بالضربة، وبدأت الإعداد لامتصاصها والحفاظ على ماهو قائم في إيران والعراق ولبنان، فبادرت بالتعاون مع حلفائها في المنطقة لعرض مخارج تجنّب النظام السوري الضربة، فجاءت مبادرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ذات النقاط الثماني في 4 سبتمبر 2013، وهي تدعو الى وقف فوري للقتال، وانتظار نتائج تحقيق فريق المراقبين الدوليين في استخدام الكيماوي، وإلزام النظام والمعارضة موعدًا محددًا لإجراء مفاوضات، وتشكيل حكومة مؤقتة تُجري انتخابات بإشراف عربي وأممي، يعقبها تداول سلمي على السلطة.
ولم تجد مبادرة المالكي صدىً واسعًا على الصعيد الدولي الذي كان يركّز على معاقبة النظام على استخدام السلاح الكيماوي فحسب، ما جعل الأنظار تتجه نحو كواليس قمة العشرين في انتظار مفاوضات اللحظة الأخيرة، فتمخضت المساعي الدبلوماسية التي قادها عدد من الدول وعلى رأسها ألمانيا خلال القمة عقد لقاء قصير بين أوباما وبوتين على هامش القمة، ويبدو أنّ القيادة الروسية كانت قد اقتنعت بجدية الأميركيين في تنفيذ تهديدهم، وبأنّ تجنب وقوع الضربة يتطلب تقديم "تنازلات" مهمّة في موضوع السلاح الكيماوي، إما لإيجاد مخرج لأوباما، أو ربما لإضعاف موقفه أمام الكونغرس والرأي العام المعارض للضربة العسكرية من خلال مبادرات تسحب منه ما تعتبره "الذريعة" المباشرة للقيام بالضربة، وهي حيازة السلاح الكيماوي وإمكانات استخدامه.
وهنا بدا من الواضح أنّ روسيا ومن ورائها ألمانيا التي كانت تجري اتصالات مع دول أوروبية ومع إيران تحضران ل "صفقة" قبل عودة الكونغرس من إجازته في 9 سبتمبر، وقبل كلمة أوباما للشعب الأميركي في اليوم التالي.
انضمام سوريا لحظر الأسلحة الكيماوية
قُبيل ساعات من مناقشة الكونغرس للضربة العسكريّة، أعلنت روسيا عن "مبادرة" تنصّ على وضع السلاح الكيماوي السُوري تحت الإشراف الدولي، وعلى تدميره لاحقًا بعد انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. وبصورة فورية، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موسكو عن "ترحيب القيادة السورية بالمقترح الروسي حرصًا منها على أمن مواطنيها وبلادها".
وجاءت المبادرة الروسية لتحقق أهداف الإدارة الأميركية من "الضربة العقابية"، وبذلك عززت قوة الجناح المتحفِّظ عن الضربة أصلًا في داخل الحكومة الأميركية، كما أنها أخلّت بتماسك المؤيدين للضربة في الولايات المتحدة، وبخاصة اللوبي الصهيوني المتحمّس فقط لتدمير المخزون الكيماوي السوري بوصفه أحد أهم أهداف الأمن العبري في الوقت الذي يفضل فيه الحفاظ على النظام ضعيفًا لأنّ البديل منه إمّا الفوضى أو ما هو أسوأ للكيان الصهيوني.
الحسابات الجديدة واحتمالات التسوية
أعادت "صفقة الكيماوي" خلط الأوراق على كل المستويات في الأزمة السوريّة، فقد تراجع احتمال الضربة العسكرية الأميركية بعد أن كان شبه مؤكّد. وظهر ذلك جليًا في خطاب الرئيس أوباما للشعب الأميركي يوم الثلاثاء 10 سبتمبر، فعلى الرغم من أنّ أوباما أبقى الضربة خيارًا قائمًا، ومناشدته الشعب الأميركي وأعضاء الكونغرس تفويضه القيام بذلك، فإنّه أعلن أنّ الأولويّة هي للخيار الدبلوماسي، ولذلك طلب تأجيل التصويت في الكونغرس. وبناء عليه، فإنّ تطورات الملف السوري والحراك الدولي بشأنه تقع في المدى المنظور ضمن ثلاثة احتمالات وتتمثل في تسوية تقتصر على قضية الكيماوي، حيث يمكن لأوباما أن يروّج أمام الرأي العام الأميركي والكونغرس أنّ المبادرة الروسية تمثل "انتصارًا" شخصيًا له ولإدارته، وبخاصة في ضوء اتهامه بالضعف والتردد، فخيار اللجوء إلى القوة والتهديد بالتدخل العسكريّ أثبت "نجاعته"، وأجبر روسيا والنظام السوريّ على التراجع خطوة إلى الوراء. وقد تُشكِّل هذه الخطوة "المخرج" الذي ينشده أوباما لتجنّب العمل العسكري الذي يضعه وحزبه في مواجهة مع الرأي العام، فضلًا عن أنه يتعارض مع إستراتيجية الانكفاء التي اتبعها في حملاته الانتخابية، وكذلك منذ توليه السلطة. فانطلاقًا من ذلك، قد تبادر روسيا إلى تسريع تنفيذ هذه "الصفقة" بما يعيد الأزمة السوريّة إلى مرحلة ما قبل مجزرة الكيماوي، وليستمر الصراع قائمًا في انتظار أن تنضج ظروف ملائمة داخليًا وخارجيًا لبلوغ "تسوية". وإنّ تركيز الولايات المتحدة على مسألة السلاح الكيماوي، وتجاهلها الكامل للمأساة السورية في جوانبها الأخرى أكثر من عامين، يجعل هذا الخيار "الأكثر رجحانًا". وقد ترجم هذا الخيار عمليًا في الاتفاق الذي جرى بين كيري ولافروف في جنيف 14 سبتمبر، والذي نصّ على إطارٍ لتدمير المخزون الكيماوي السوري بحلول منتصف عام 2014.
ثمّ تسوية كبرى يشكل فيها الكيماوي مدخلًا لإطار شامل للحل، إذ تفتح مسألة استخدام السلاح الكيماوي الباب لترتيبات أوسع، وقد تمنع تعقيدات الصراع داخل سورية من أن تقتصر "الصفقة" على موضوع الكيماوي فحسب. كما أنّ الضغوط التي تمارس على الإدارة الأميركية من بعض الدول العربية والإقليمية والأوروبية والمتحمسة لمعاقبة النظام السوري، تصب في مصلحة عدم اقتصار الصفقة على السلاح الكيماوي، وربما يشكل ذلك فرصة لتسريع الحل السياسي وفق اتفاق "جنيف 1"، وتشكيل حكومة مؤقتة كاملة الصلاحيات مكونة من النظام والمعارضة، بحيث تكون خطوة أولى على طريق الانتقال السياسي في سورية. ولكن، ثمة صعوبات عدة تعترض هذا الاتجاه؛ أبرزها عدم جاهزية طرفي الصراع، وبخاصة النظام للدخول في عمليّة سياسيّة؛ فقد وافق النظام على "الصفقة" على أنها ثمن لبقائه كما هو في معادلة الصراع داخليًا، وإعادة تأهيله طرفًا " شرعيًا" معترفًا به دوليًا. لذلك، من غير المتوقع أن يذهب النظام إلى عملية سياسيّة وهو يشعر بالضعف أو تحت التهديد كما هو الحال الآن. ويمكن استذكار كيف أنّ النظام وحلفاءه سعوا منذ أفريل 2013 إلى قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لتجنّب الذهاب إلى مؤتمر "جنيف 2" من منطلق ضعف.
وثالثا قد يساهم تضارب مصالح القوى الدوليّة والإقليمية وتقلّب موازين الربح والخسارة في فشل هذه الصفقة، أو على الأقل صعوبة تنفيذها في المدى المنظور. الأمر الذي قد يعيد المشهد الدولي إلى ما قبل الإعلان عن المبادرة الروسية؛ بمعنى أن تستمر الإدارة الأميركيّة في سعيها للحصول على تفويض الكونغرس، من خلال حشد دور جماعات الضغط الرئيسة المتحمّسة للضربة وتفعيلها، ومن خلال التأكيد على المصالح الوطنية والهيبة والصدقية الأميركية. إلا أنّ ما يضعف هذا الاحتمال هو صعوبة التكهن بنتيجة تصويت الكونغرس الأميركي في ضوء التباينات والانقسامات الموجودة داخله، والمعارضة الواسعة من قبل الرأي العام. كما أنه من المستبعد أن يقوم أوباما بتوجيه ضربة للنظام السوري إذا رفض الكونغرس تفويضه.
ولخّص المركز العربي للأبحاث السياسية، ما تسلف ذكره، يجعل المبادرة الروسية تمثل مخرج الحد الأدنى الذي تسعى له القوى الكبرى الرئيسة المهتمة بالصراع بعد التصعيد الكبير الذي أعقب استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه. واللافت أنّ قوى المعسكرين تعاونت بشدة للتوصل إلى الاتفاق للحيلولة دون وقوع الضربة العسكرية الأميركية.
فهل يمثل هذا التعاون نموذجًا يمكن أن يتكرر في إطار تسوية أشمل تؤدي إلى إنهاء المأساة السورية، وتساهم في وضع حد لنظام دمر مدن سورية وارتكب في حق شعبها جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية؟.
أم هل أنّ إدارة الأزمة ومنع انتشارها سيستمر نهجًا في التعامل مع الموضوع؟ مؤكّدا أنّ الشعب السوري مضطر لمواصلة الاعتماد على نفسه في هذه المرحلة، وللارتقاء بدرجة التضامن الداخلي وبأداء قواه السياسية والمقاتلة.


المصدر: تقرير المركز العربي للأبحاث والدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.