يبحث الفلسطينيون في هذه المرحلة، وبصوت عالٍ، عن "مفتاح الحل" لما يمرون به من أوضاع، إن كان على مستوى مستقبل القضية الفلسطينية أو على المستوى المعيشي، الذي تم زجهم به زجًا، لشغلهم عن قضيتهم الأم، وهو ما يتيح للعدو تنفيذ مخططاته التوسعية بأقل مستوى من المقاومة. هناك انطباعات واقعية تظهر أن السلطة الفلسطينية القائمة حاليًا هي العقدة فعلًا، في ما تعيشه القضية الفلسطينية من أوضاع أقلّ ما يمكن أن توصف بأنها صعبة. فلم يعد يختلف الفلسطينيون كثيرًا في عدم جدوى وجود السلطة الفلسطينية، بعد أن أعطوها مجبرين مهلة تمثّلت بثمانية عشر سنة، كانت نتائجها واضحة للعيان وبالواقع الملموس، إن كان على المستوى الحياتي للمواطنين أو على مستوى الحقوق والثوابت التي أصبحت موضع تفاوض مع المحتل. بل أكثر من ذلك فقد كانت عمليًا أداة بيد الاحتلال تخدمه في إنجاز مشاريعه التوسعية. بعد مرور عقدين على اتفاق "أوسلو" وإنشاء السلطة الفلسطينية، كان واضحًا ما حققته السلطة من "إنجازات"!، كان آخرها تقديم تنازلات جديدة بالموافقة على ضم الكتل الاستيطانية بالضفة للكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين، في حين كان بداية هذا التنازل الاعتراف بالمُحتل بما سرقه عُنوة دون أن يعترف هو بوجود دولة فلسطينية. ولا يغيب عن الأنظار هنا أنه في عهد السلطة الميمونة؛ فرض الاحتلال من الوقائع على الأرض ما فرض، فبنى جدار فصل عنصرياً، وحوّل الضفة الغربية إلى كانتونات، وارتكب سلسلة من المجازر ضد كل ما هو فلسطيني، وحدث ولا حرج عن تهويد القدس ... أضف إلى ذلك تواصل تجريف الأراضي وحرق المساجد ودور العبادة إسلامية كانت أم مسيحية. وفي عهد السلطة أيضًا زاد الاستيطان بصورة مخيفة. ويتضح الارتباط الوثيق بين السلطة والاحتلال، خاصة عبر "التنسيق الأمني"، وإصرار "السلطة" ورئيسها على تقديم ولاء الطاعة وتأكيد استمرار هذه "الخدمات" مهما حدث وإن أغلقت الأبواب السياسية في وجه المفاوضات، لا سيما وأن هذا التنسيق يحوّل السلطة إلى خط دفاع أول عن المُحتل، في حين أصبح الشعب أسيرًا بين سجن الاحتلال وسجن السلطة. وتظهر الأرقام وجود المئات من عمليات التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي كل عام، نجم عنها اعتقال 2900 مقاوم فلسطيني بين عامي 2009 و2011 بحسب قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال؛ كما ترتّب على هذا التنسيق ابتلاع الاحتلال 80 في المائة من أراضي الضفة الغربية. في الوقت ذاته؛ لا بد من الحديث عما فعلته هذه السلطة إزاء سلسلة الجرائم الإسرائيلية المتواصلة حتى يومنا هذا والتي تشهد تصاعدًا غير مسبوق، وكأنّ الاحتلال يسابق الزمن ويسعى لاستغلال وجود السلطة بشكل بشع. لم يتعدّ تحرّك السلطة "الظاهرة الصوتية"، ذات التأثير المعاكس الذي يعطي العدو دافعًا قويًا للاستمرار في عدوانه. بل إنه في كثير من الأحياء كانت شكاوى السلطة تخفي خلفها كثيراً من التنازلات المتعلقة بالثوابت. وليس بعيدًا عنّا ما كشفته وثائق رسمية نشرتها قناة "الجزيرة" وأقرّت بها السلطة، وحاولت دون جدوى إيجاد مبرِّرات لما قدّمته من تنازلات، لم يُعرَف بعد حجم الثمن الذي قُبض مقابلها. وبالمحصلة؛ فإن السلطة بمفهومها العام، لها مهمتان رئيسيتان: الأولى حفظ الأمن والسلم الداخلي، والثانية الدفاع عن المجتمع أو الكيان السياسي ضد التهديدات الخارجية، لكن في المفهوم الخاص للسلطة الفلسطينية، فقد كانت التجربة عبارة عن أداة يستخدمها الاحتلال لتنفيذ مخططاته، إذ مثّل وجودها إشغالاً للفلسطينيين بلقمة عيشهم من حيث السياسات المتبعة، في حين مثّلت خط الدفاع الأول عن الاحتلال في منع أي تحرّك ضد الاحتلال وقمعه، وهو ما يعطي العدو مجالًا أوسع للتحرّك وتنفيذ مخططاته. وبهذا أصبحت المهمّة المباشرة للشعب الفلسطيني وقواه السياسية والاجتماعية، وضع الجميع أمام مسؤولياته في مجابهة الاحتلال ومخططاته لتصفية القضية الفلسطينية، في ظل الصمت والتواطؤ الرسمي الشامل .. ويكون ذلك بدايةً باستخدام "مفتاح الحلّ"، وهو حل السلطة.