تونس – بناء نيوز- أنيس العرقوبي حين تذكر ساقية سيدي يوسف التونسية حتما ستخطر بذهنك الجزائر ومقاومتها للاستعمار الفرنسي الغاشم وكيف كان لمعتمدية صغيرة تقع على حدود البلدين أن تكسر الحواجز ورسوم الخرائط لتجمع شمل شعبين أنهكا واستنزفا من قبل جلاد وماكينة استعمارية واحدة، فرنسا بلد برج ايفيل وموطن تمثال الحرية الأمريكي. إن مجزرة 8 فيفري 1958 التي وقعت أحداثها بساقية سيدي يوسف كانت رد فعل فرنسيا على الدعم التونسي للثورة الجزائرية والتي سقط فيها العديد من الشهداء الجزائريينوالتونسيين حيث امتزجت دماؤهم لتشكل وحدة أرهقت العدو. كان يوم 8 فيفري 1958 موافقا ليوم السبت موعد السوق الأسبوعية للمعتمدية أين يتدفق السكان من كل فج عميق سواءً كانوا تونسيين من المعتمديات الأخرى التابعة لولاية الكاف أو الوافدين من القطر الجزائري،وذلك لأن المنطقة كانت المتنفس الوحيد للتزود ولمعالجة جرحى الثوار الجزائريين، فلم يكن المستعمر الفرنسي يجهل هذا المعطى حين فكر بقصف ساقية سيدي يوسف بل ارتأى أن يشن غارته الوحشية في هذا التوقيت حتى يحصد أكثر عددا من الرؤوس. عند الساعة الحادية عشرة تبدّل أمن المتواجدين في ساقية سيدي يوسف خوفا ورهبا حين داهمت أسراب الطائرات المنطقة تدكها دكا لتستمر في قصفها زهاء الساعة لا فرق بين مدرسة ومنزل أو بين طفل وشيخ، لتخلف ورائها 68 شهيدا بينهم 12 طفلا و9 نساء و87 جريحا. لم تكن حادثة ساقية سيدي يوسف هي الأولى من نوعها فقد سبقتها تحرشات فرنسية في 1 و2 اكتوبر1957 و30 جانفى 1958 بعد تعرض طائرة فرنسية لنيران جيش التحرير الوطني الجزائري. نددت الصحف في مختلف أرجاء العالم بهذا العدوان الغاشم فكان حصاد فرنسا إدانة المجتمع الدولي لجريمتها النكراء ولمحاولتها تجنيد قوة عسكرية هائلة والاستعانة بالحلف الأطلسي وبمرتزقة من دول أخرى إضافة لاستعمالها كافة الأسلحة بما فيها الأسلحة المحظورة كالنابلم الحارقة وإنشاء مناطق محرمة في الأرياف الجزائرية واتباع سياسة القمع والإيقاف الجماعي. في مقابل ذلك تطرح اليوم عديد الأسئلة أهمها كيف لفرنسا أن تجرم كل من ينكر حقوق الأرمن الذين تعرضوا للإبادة من قبل العثمانيين حسب وصفها وتنسى جرائمها في حق الشعب التونسيوالجزائري وكل المستعمرات؟ هل نسيت فرنسا سريعا أحداث 17 أكتوبر 1961 أحد أهم الأحداث في تاريخ الثورة الجزائرية، التي اقترف فيها محافظ شرطة باريس موريس بابون مجزرة فضيعة في حق المهاجرين الجزائريينبفرنسا بعد أن فرض عليهم حظر تجول قتل على إثرها قرابة 200 جزائري وألقى البعض منهم في نهر السين؟ أنسيت أحداث الجلاء ببنزرت سنة 1961...؟ إن المتفحص للتاريخ الفرنسي الاستعماري حتما سيقف على حقيقة مرعبة لا تكمن في عدد القتلى والمشنوقين بل إن السياسة التي اعتمدتها كانت أشد وطأة بيد أنها جوعت العباد وقمعتهم وطالبتهم بدفع ضرائب لا يقدرون على تسديدها واستنزفت خيرات الشعوب ومواردها طبيعية.