تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حلقة الأمس من شاعر المليون: بلاغة المعنى وحرفة التصوير
نشر في ديما أونلاين يوم 18 - 01 - 2012


أصيلة المعمري وأحمد المنصوري يتألقان ويتأهلان
أبوظبي – ديما أونلاين
في أي بحر سيغوص جامعو درر الكلام؟
وهل سينجحون بالعودة إلى الشاطئ الذي سينطلقون منه في رحلة غوصهم؟
سؤالان يبرزان كلما حان موعد بث حلقة من حلقات مسابقة "شاعر المليون" في دورتها الخامسة، كما كان الحال ليلة أمس الثلاثاء.
ففي الساعة ال9 والثلث تقريباً ارتفعت موسيقى شارة المسابقة من خلال قناتي أبوظبي الإمارات وشاعر المليون إيذاناً ببدء الحلقة الثالثة التي حضرها سعادةمحمد خلف المزروعي مستشار الثقافة والتراث بديوان سمو ولي عهد أبو ظبي مدير عام هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، بالإضافة إلى جمهور محبي ومتابعي الشعر.
وكان أول من استهّل البرنامج التلفزيوني الذي استمر حوالي ساعتين ونصف المعد والمقدِّم عارف عمر الذي تحدث عن جائزة زايد لطاقة المستقبل التي تم تقديمها أمس للفائزين في مسرح قصر الإمارات بأبوظبي بحضور الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبوظبي.
ومن طاقة العالم إلى طاقة الشعراء انتقلت د. ناديا بوهنّاد التي تحدثت عن بعض الصفات السلوكية والشخصية لشعراء الحلقة الثالثة، والتي توصلت إليها من خلال الاختبارات التي كان قد خضع لها الشعراء.
وفي حلقة أمس اجتمع في ساحة الشعر ثمانية فرسان، سبعة منهم من الخليج العربي، وهم الشاعر الإماراتي أحمد بن هياي المنصوري، والشاعرة العمانية أصيلة المعمري، والشاعران الكويتيان بدر سعود الوسمي وفالح بن علوان العجمي، والشعراء سيف مهنا السهلي وصالح الخمشي العنزي وعبدالله سمران العصيمي من السعودية، وشاعر فقط من السودان هو حامد بن بركي الرشيدي.
ومما ذكرته د. ناديا أنه لدى أحمد المنصوري جاذبية جميلة، في حين أن أصيلة المعمري حساسة جداً وتميل إلى الحزن كثيراً، أما بدر الوسمي فهو اجتماعي وتلقائي وصاحب كاريزما، وحامد بن بركي إداري ومنظم، متزن وكفء، وفيما تتضخم الأنا عند سيف السهلي، فإن خيال صالح العنزي خصب جداً، إلى جانب أنه مرح وحساس، كما وجدت عبدالله سمران اجتماعياً وقاسياً على نفسه، بينما كانت شخصية فالح العجمي غامضة جداً، مع أنه يتأثر بسرعة، الأمر الذي يقوده إلى الاحباط أحياناً.
وبعد ذلك استعرض عارف عمر بعض التعليقات والملحوظات التي شارك فيها متابعو المسابقة من خلال موقع تويتر.
وعلى خشبة المسرح حيث تربعت وردة الصحراء صعد المقدِّمَين حصة الفلاسي وحسين العامري ليلقيا بعض ما في جعبتهما من كلام عذب، بدأها حسين بالشعر، وختمتها حصة بعذب الكلام.
وبحضور أعضاء لجنة التحكيم سلطان العميمي، ود. غسان الحسن، وحمد السعيد تم استعراض بعض المقاطع من المنافسة التي تمت بين الشعراء في الحلقة الماضية، وتعليقات اللجنة على ما قدمه الفرسان الثمانية، بالإضافة إلى الإعلان عن الشاعرين اللذين تأهلا من الحلقة الثانية من خلال تصويت جمهور المشاهدين، فجاء عبدالله بن مرهب البقمي أولاً بحصوله على 75%، فيما حلالسعودي علي الأكلبي ثانيا بحصوله على 52%.
بن هياي.. رمزية وتجريدية
كان أول الشعراء الذين تقدموا إلى المسرح أحمد بن هياي المنصوري من الإمارات، فألقى نصاً خاصاً بمسابقة "شاعر المليون" وبلجنة التحكيم، ومما جاء فيه:
شاركت في وضعن تواقد ناره من لجنة التحكيم لا شعّاره
الوضع حامي والمسافة تبغي رجل على الناقد وسيعٍ كاره
واليوم كل محترم ببياته ودّه قبول اللجنه وتختاره
لكن ترا هذى السنه لا يزعل اللي بيوته ما تضيع افكاره
ومع انتهاء الشاعر من الإلقاء أشار د. غسان الحسن إلى أن القصيدة انقسمت إلى ثلاثة أقسام، فجاء القسم الأول شرحاً للموقف، فيما جاء القسم الثاني رمزياً بشكل كلي، أما القسم الثالث فقد تميز بالانكشاف والتنوير.
وعن القسم الثاني أي "قلب القصيدة" أكد د. غسان أن الرمز كان الأسلوب الأمثل الذي استخدمه الشاعر في نصه، فلم يأتِ بصورة مباشرة إنما بصورة معادلة، وهنا يمكن القول بأن الرمز في قصيدته ينطبق على الحالة التجريدية، كما أن الشاعر أحسن بتطريز العبارات بصور شعرية جميلة، وبمحسنات بديعية، وخلاصة القول: إن النص مشرق للغاية.
من جهته وصف سلطان العميمي القصيدة بالتميز من ناحية موضوعها، وقد تحول الشاعر من متسابق إلى طائر، مع ارتباطه بهوية المكان، وما يرتبط به من هوايات، واللافت في النص تسلسل الأفكار الجميل من خلال التحدث في عدة موضوعات، كما تميز حضور الشاعر في قصيدته التي يمكن القول بأنها سهلة ممتنعة.
حمد السعيد بدأ بتقييم الشاعر قبل تقييم النص، فقال للشاعر: أنت بطل شعر، وأضاف: لقد عيّشني النص في جو حماسي، وتحديداً من خلال البيت الذي قلت فيه:
شفنا خلال الاربع اللي راحت شعّار ردت للشعر معياره
ثم إنك شاعر متزن لم تقلل من قدر الشعراء الذين شاركوا في الدورات الأربع السابقة من "شاعر المليون"، وكنت قد قدمت نصاً مترابطاً.
أصيلة.. أمطرت المساء شعراً
الشاعرة العمانية أصيلة المعمري هي أولى الفارسات اللائي صعدن إلى مسرح شاطئ، وألقت "أنا كل السحاب الجاي" النص الذي قالت فيه:
يضيق البوح يمّه داخلي وأسكب تعب دنياي على محل القصايد لي ظميناها بلا ساقي
واكتبني ولا أدري من الساهي وْمن القرّاي تموت الشاعره أو قبلها هالصوت بأبواقي
تباريح الحبر فيني مثل نبته تسم الماي وتقتل صايم المعنى وهوْ يفطر على أوراقي
تحاصرني الحروف أحيان تتسابق إلى جوّاي وتسألهم طوابير الحزن عن صادق أحداقي
سلطان العميمي رأى أن قصيدة أصيلة جميلة، وهي تستحضر الأنثى الشاعرة، وصراعاتها كي تكون شاعرة أو أديبة، معتبراً أنه يوجد في النص ثلاثة أطراف، أولها الشاعرة، وثانيها ذات الشاعرة محور الصراع، وثالثها المجتمع، وقد طغت ذات المتحدثة على القصيدة، ومن الناحية الفنية وجد العميمي أن النص متقن البناء، وجاءت صوره مكثفة، ولهذا فإن بعض تلك الصور يحتاج إلى وقفة تأمل، كما أشار إلى عدة مفردات وردت في القصيدة تشير إلى فعلي الكتابة والقراءة اللذين يبرزان الصراع بين الشاعرة والمجتمع، وهي: (اكتنبي، القرّاي، أوراقي،الحروف، جرايدهم، دفترها، يقروني)، وعلّق العميمي على مفردة (أبواقي) التي جاءت في النص، فلم يجدها شاعرية بما يكفي، وعقّب على الخاتمة التي اعتبرها لافتة، والتي تعلن الشاعرة فيها انتصارها، والتي جاء فيها:
يمّه بسألك رغم التعب، رغم الحسد ف عْداي وش أحلى اليوم م الراحه وشعري بين عشّاقي
حمد السعيد عبّر في تعليقه عن مدى إعجابه بحضور الشاعرة، كما تحدث عن البيت الذي قالت فيه:
تسد بْنبضها جوع البيوت وعاطفة محتاي قضت حلو العمر ما بين دفترها وْعنا الشاقي
مشيراً إلى جواز استخدام تلك القافية مع العلم أن (محتاي) أصلها محتاج، وحسبما قال فإن القافية في الشعر النبطي مكتسبة وهي تمثل الجرس الموسيقي، كما عبّر عن جمال البيتين اللذين قالت فيهما الشاعرة:
وأجي ألقى ف جرايدهم، حكي يتعشم بمثواي وأنا أحيا لَجْل روح الشعر، والناس، وأخلاقي
رموا جناحي ف سما أوهامهم يمكن تصيب أحشاي وأنا يمّه ب دعائك أنتشي وأبعد ف آفاقي
وألمح إلى عنوان القصيدة التي اعتبرها جميلة جداً، والتي أمطرت المساء شعراً
من جهته وصف د. غسان القصيدة بالجمال، وأشار إلى امتلاك الشاعرة إبداعاً راقياً قادها إلى قصيدة رائعة لم تحرمها من التصوير ومن التحليق، حيث أن الموضوع برأيه بحاجة إلى صور شعرية لأنه شائك، ولولا الصور التي جاءت في النص ما وصل إلى التألق الذي وصل إليه، كما عبّر عن مدى إعجابه بمفردة ( يَ يمّه) التي تؤكد وجود الأنثى بكل ما تحتاجه من حنان وحب.
أما في البيت الأخير:
ي يمّه بسألك رغم التعب، رغم الحسد ف عْداي وش أحلى اليوم م الراحه وشعري بين عشّاقي
فقد استخدمت أصيلة فن التورية من خلال مفردة (الراحة) التي قد تعبر فيها عن راحتها من المجادلات، أو عن شاطئ الراحة، وهذه التورية قلما تأتي على ألسنة الشعراء.
الوسمي.. تدوير وتوظيف
مرة أخرى بوعزيزي بطلاً ليس في ثورة تونس فقط، إنما في الشعر أيضاً، وهذا ما لفت إليه الشاعر بدر سعود الوسمي في قصيدته التي بدأها بالأبيات التالية:
عاشوا وعشنا على التاريخ لو هو قديم ما فيه ما حد نفض عن دفتيه الغبار
عاشوا على معتقد كل لنفسه خصيم وعشنا على معتقد بعد انكسار انتصار
كانوا هم النار وارضونا نكون الهشيم ما فكروا باننا في يوم بنكون نار
من وقت تاريخنا كنا نظنه عقيم لين انجب اللي نسف مفهوم ذل وحصار
بعد الخريف الطويل اليوم هب النسيم واعاد للأرض بهجتها ربيع الديار
كرامة البوعزيزي عز في عز ضيم كنّه يقول لظلام الظالم: حان النهار
بداية تحدث حمد السعيد بقوله: لكأن بدر الوسمي تطرق من خلال القصيدة إلى مقارنة بين الحكام العرب وحكام دول الخليج، حين قال:
ويبقى الوفا للعدل ولكل حاكم حكيم يؤمن بان العدالة عز والظلم عار
حكامنا الستة اضفونا بخير ونعيم وحكامهم خلّو الاحلام تلبس خمار
كما أعجبه توظيف الوسمي للكلمات التي قالها رؤساء تونس ومصر وليبيا السابقون، (فهمكتم، من أنتم، فات القطار)، مؤكداً أن تناول موضوع البوعزيزي كان جميلاً جداً، كما هو الحال بالنسبة للنص.
د. غسان الحسن رأى أن مفردة (لو) في مطلع البيت (لو استبدوا هل الظلم وتجبّر زعيم) مستعارة، وقد جاءت في غير مكانها، أما البيت ما قبل الأخير:
شكراً لحضرة جنابك يا الربيع الكريم غيّرت تاريخهم وأصبح بكل اختصار
فقد جاء مدوراً، أي أن معناه لا ينتهي إلا في البيت التالي، الذي كان جميلاً، وقلما استعمله شعراء المسابقة:
فيما مضى يصنع التاريخ فارس عظيم واليوم من يصنع التاريخ بايع خضار
سلطان العميمي رأى أن القصيدة جيدة بشكل عام، وهي مكتوبة بلسان شاعر رأى نفسه جزءاً من التغيير، لكن كمراقب، كما تحمل القصيدة ثلاثة شخوص هم الشاعر والشعب والحكام، وقد أبرز الشاعر من خلالها تنوعاً في الحديث وفي الأدوار، ومع ذلك لم يعتبر عضو لجنة التحكيم القصيدة صرخة كبيرة، لكنها موفقة.
حامد.. "راوح مكانك"
من نص"بقاع الشقاوات" قال الشاعر السوداني حامد مبارك بن بركي الرشيدي:
يالّي هويتك والهوى بعض الآفات يومٍ عيني منك حظي حرمها
ما عاد لي غير التباريح وآهات تنفث من أعماق الضماير حممها
يا أول غرام القلب وأحلى العلاقات قبلك وبعدك ما عرفنا طعمها
يا ليت لي منك لقا لو للحظات واسألك تبعث مهجتي من عدمها
وقد اعتبر د. غسان الحسن أن القصيدة أضعف من المستوى المتوقع من الشاعر، وكلها تدور حول ذات الفكرة من خلال مفردات معينة وهي: (حممها، حطمها، عدمها، سقمها، قتلت عاشق، خرمها، هدمها)، فكان الشاعر يجتر القتل مرة وراء أخرى، والقصيدة بمجملها أضعف من مستوى الشاعر في الجولات.
وهو الأمر الذي أشار إليه سلطان العميمي الذي قال للشاعر: إنك شاعر جميل، لكنك وقعت في فخ سوء الاختيار، فجاءت المعاني والصور تراوح في نفس المكان، ولم تتطور الفكرة، بل وقعت في الصياغات التقليدية التي لم تقدم مستوى الشاعر الحقيقي.
فيما أشار حمد السعيد إلى نص الفراق الذي جاء على وزن المسحوب، ورأى أن الجمالية المتواجدة في البيت:
واتغيث صحراي بمزونٍ مهلات عشان ينبت في عظامي لحمها
تعالج ما سبقها بسبب الموت، مع العلم أن الصورة الشعرية فيها تقصير.
السهلي.. ودرع الجزيرة
إلى درع الجزيرة توجه الشاعر السعودي سيف السهلي بقصيدة فخر قال في مطلعها:
ما يروي مداهيل الطروق الجزال غير غرا" تعاقب داوي رزامها
روحت واسفهلّت واستهلت زلال وفطرت كل روضه طوّل صيامها
روحت والله اكبر يوم جالي مجال الفخر غيثها والعز قدامها
ساقها فجر نصراً "ثبتوه الرجال في مسيرة صفوفٍ" يرهب اقدامها
وعن النص قال سلطان العميمي إنه قلما تطرق شعراء المسابقة إلى هذا الموضوع الذي تجلت فيه موهبة الشاعر كثيراً، وخصوصاً عندما قال:
خلت الدمع دم ذوب احلامها وفي مصاب المنامه شال ما لا يشال
لكن العميمي تمنى لو أن الشاعر اتخذ مدخلاً آخر للقصيدة غير ذلك الذي استخدمه، كما قدم ملحوظات أخرى على بعض الصياغات الجاهزة التي طرحها الشاعر مثل (السحايب، بياض الفعول، عاش درع)، حيث رأى عدم توافر الشاعرية فيها، خاتماً كلامه بوصف القصيدة بأنها جميلة ومنبرية، وبأن حضور الشاعر متميز وجميل.
حمد السعيد أشار إلى موضع الذكاء والتفرد في الموضوع الذي تناوله النص، وأكد أن النص حبكة شاعر بدءاً من البيتين الأول والثاني، فالمدخل كان متميزاً ومتناسباً مع الموضوع، وبرأيه أن أبيات القصيدة جميلة، وهي مترابطة، وجاءت من شاعر متميز، كان حضوره حماسياً.
د. الحسن أشاد بتلك القصيدة الحماسية، وبموضوعها المتميز، وقد أوضح مكامن جمالها بدءاً من مدخلها العكسي، حيث أبدع الشاعر بكتابة صورة شعرية جميلة، ثم تدرج بالسامع إلى أن وضعه أمام درع الجزيرة، وكمنت قمة الشاعرية حين استناد الشاعر على صور بليغة أدت أدوارها، وقد تمثلت بالبيت:
فوق هام السحايب رفة اعلامها اشرقت شمس عزه والجزيره شمال
وعلى الرغم من أن القصيدة لم تخل من المباشرة وخصوصاً في أبياتها الأخيرة، إلا أن ذلك مُبَرَّر من أجل إيصال الفكرة.
العنزي.. معادلة متألقة
"باردو الفقير" كان عنوان النص الذي ألقاه الشاعر السعودي صالح الخمشي العنزي، ومما جاء في مقدمته:
بين المنايا والخطايا والحزن واسبابه الشمس من غرب اشرقت وانهت قبول التوبه
الحق له وجهٍ يبين اليا كشفت حجابه في فكر شاعر تعتبر صراحته عذروا به
ضاقت معاليقه صبر واشعل فتيل أعصابه تنفس الغيره وشريانه يسيل عروبه
طيّر رماد الياس عن جمر الأمل وانتابه إحساس يوحيله رجوع حقوقه المسلوبه
وعما جاء في النص أشار حمد السعيد إلى إعجابه بالمعادلة التالية:
معادله سهله.. نظام الحل شرّع بابه قيمة سين فيها ماهي ابمطلوبه باليد
خمسه طُرح منها ثلاثه.. غير سبع الغابه واحد.. صاروا اربع.. لا كذا مقلوبه
لو نطرح الخامس.. بقا واحد يضيع حسابه تدرون.. خلونا نفك الشفرة المحجوبه ثلثين
بالإضافة إلى إعجابه بالبيت الأخير كذلك:
الظاهر ان باص العروبة علته ركابه كل ما وقفله في محطه.. سايقه ظحوبه
وكأن الشاعر أرجع السبب فيما تعانيه الأمة إلى الشعوب، والقصيدة بمجملها جميلة جداً، وقد جاءت على وزن الطرق المميز أصلاً، وقد أبرز الشاعر جمالية النص من خلال عدة مفردات جاءت في البيت الذي يقول فيه:
بين المنايا والخطايا والحزن واسبابه الشمس من غرب اشرقت وانهت قبول التوبه
أما في البيت:
أحيا الضمير الميت حيٍ جردوه ثيابه نفسه تكسر مالقاً قوته ولا حسّوبه
فقد جاءت القافية مركبة، وهي قوافٍ جائزة، وقد لا تشبه القوافي الأخرى، لكنها جميلة؛ حالها في ذلك حال النص الجميل والمتألق من شاعر متألق.
د. غسان رأى أن الفكرة طُرحت من قبل أكثر من شاعر منذ بداية المسابقة، لكن الفارق يبدو دائماً من خلال أسلوب التناول والطرح، وهنا أبدع صالح، فقصيدته تنم عن تجربة شعرية ناضجة، وخصوصاً عندما قال:
الحق له وجهٍ يبين اليا كشفت حجابه في فكر شاعر تعتبر صراحته عذروا به
ثم إن الشاعر ذهب بعد الطرح الوصفي إلى الطرح القصصي، ثم ذهب إلى الرمزية المعادلة التي كانت واجبة برأي د. غسان، حيث أن الموضوع يتطلب ذلك، فيما جاء البيت الأخير تمثيلياً متحركاً، كما لجأ الشاعر إلى تدوير المعنى في المعادلة، وهذا جائز وصحيح.
أما سلطان العميمي فقد رأى أن القصيدة واضحة، وقد اعتمد الشاعر من خلالها على المراوحة بين الترميز والتورية والمباشرة، وبرزت في النص دلالات الصور مثلما جاء في البيت: (الحق له وجهٍ يبين اليا كشفت حجابه) ثم ألغى الشاعر الرمزية، مستخدماً أساليب بلاغية لإضافة المزيد من الجمال على النص، فأخذ المتلقي إلى موضوعه.
من جهة أخرى ركز العميمي على مدخل النص الذي وجد فيه استحضاراً للقيامة، ورأى في ذلك قوة وصدمة، أما البيت التاسع فقد انتقل من الحديث عن الآخر إلى تقمص صوت الشعب، مما شكل انعطافة ذكية، الأمر الذي أعطى للقصيدة صفة الجميلة، كما في البيت:
قالوا "هرمنا" يازمن وقلوبنا مرتابه وعيوننا متعوده.. نمشي وهي معصوبه
العصيمي.. والبوح بمرثية
باح الشاعر السعودي عبدالله سمران العصيمي ب "دمع الأساطير"، فقال في بداية بوحه الذي جاء مرثية في الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز آل سعود جاء فيها:
للحزن بعيون الأساطير جلاد والدمع سلطانه ليا طاح منها
يترك على وجه التواريخ ميلاد عن شاهد الاحداث ينبيك عنها
الطايره قفت وهي تحمل بلاد تنقل على غر السحايب وطنها
طوح لها صوتٍ من الوجد رعاد هز الفضا والروح داخل بدنها
د. غسان الحسن رأى أنه حتى وإن تناول النص البكاء والرثاء إلا أن الجمال لا يمكن أن تعبر عنه إلا اللغة، ومن هنا كان الجمال واضحاً في كل بيت، في حين كانت كل الأبيات شاهدة على شاعرية الشاعر، وعلى التصوير الشعري، وعلى التخييل، وجاء التصوير من البيئة الذي لم يقتصر على مصدر واحد، وهنا تكمن قوة القصيدة وثرائها، كما يكمن إبداع الشاعر، وقد وصف د. الحسن بناء القصيدة بأنه جميل ومتماسك، وفيه مجموعة دلالات، فكما استخدم الشاعر الطائرة رمزاً للآمال، كذلك استخدمها للدلالة على النهاية.
أما سلطان العميمي فقد اعتبر أن القصيدة مؤثرة، وهي تختلف عن قصائد الرثاء التقليدية، حيث لم يعدد الشاعر فيها مناقب الراحل كما يرد عادة في نصوص الرثاء، إنما وصف النص حالة الحزن منذ ما قبل الوفاة وحتى إلى ما بعده، الأمر الذي أعطى النص تميزاً، كما لفت سلطان الانتباه إلى وجود مفردات سيميائية في عدة مواضع من النص، وتحديداً في (منهو يقول) تلك العبارة التي أعطت النص جمالية وقوة في التعبير، وله حضورها في الثيمة.
أما حمد السعيد فقد رأى أن فكرة النص كانت غريبة، إذ أن الشاعر لم يذكر مآثر الأمير الراحل، وهذا الأسلوب قليلاً ما يستخدمه الشعراء، ولم يقدم الشاعر على ذكر اسم الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز إلا من خلال مفردة جاءت في البيت أول وه:
للحزن بعيون الأساطير جلاد والدمع سلطانه ليا طاح منها
وهنا قد يأتي تأخير مفردة (فنها) مبرراً بسبب الألم والحزن، لكن المثير للدهشة كذلك أن الشاعر لم يذكر اسم الأمير إلا (الدمع سلطانه).
العجمي.. الفقر هم إنساني
طال الشاعر الكويتي فالح بن علوان العجمي موضوع "الجوع" من خلال نص حمل العنوان ذاته، والذي جاء في مطلعه:
غفت عيني ولكن ما كحل عين الهموم نعاس ليا غارت مقادير الليالي جات ملتمه
تسامرني على نار التعب لاذعذع النسناس واعاتبها لوإن جروحي من الريح مشتمه
قضى صبرالخفوق ولابقالي غير دمعة ياس يهل ابها الرجا والصبر يمسحها طرف كمه
ابحطب للفرح شجرة همومي مالقيت الفاس مدام الفاس حظٍ ماوقف لو أنثني يمّه
وقد قال سلطان العميمي أن القصيدة جميلة وإن كانت مغرقة في الحزن، وفيها توازن ووضوح في التصوير، ولم تخل من تصوير شعري بدءاً من البيت الأول.
فيما أكد حمد السعيد أن طرح هكذا موضوع بذات الطريقة لم يحدث في المسابقة، ولم يسبق له مثيل، فالحزن هيج الجروح لكن بحبكة شعرية جميلة، وبصور شعرية متميزة.
فيما أشار د. غسان إلى البناء الموضوعي لنص الشاعر الذي انتقل إلى الحديث عن الجماعة متمثلة بالضمير نحن، ثم انتقل للحديث عن الآخرين المتمثلين بجميع الناس، وقد حشد في نصه الكثير من المفردات التي توصل معنى الهم وآلامه، حيث حمل النص حوالي 35 كلمة تدل على المآسي.
مجلس عارف عمر
في ختام الحلقة وقبل إعلان نتائج اللجنة عادت الكاميرا إلى مجلس المعد والمقدِّم عارف عمر، ومن هناك تحدثت د. ناديا بو هنّاد عن أداء الشعراء بعد الانتهاء من إلقاء قصائدهم، فقالت: كان فالح جيداً، وجاءت حركاته معبرة عن التفاعل مع النص، كما اتسم بالهدوء أثناء تقييم اللجنة نصه، فيما جذب أحمد بن هياي المنصوي الجمهور الذي اعتبره أحد نجوم الليلة، أما الشاعر العصيمي فقد كان حضوره جيداً وحماسياً، لكنه ارتبك قليلاً.
فيما بدا صالح العنزي خجولاً، بحيث أنه لم يظهر المرح إلا في آخر بيت، وقد كان مستعداً للجنة، غير أن إمساكه الساعة مرتين أظهره وكأنه يريد الخلاص من اللجنة، وقد أكد سيف السهلي من خلال نصه أناه المتضخمة، المتمثلة باعتزازه بعائلته وبقبيلة، وبدرع الجزيرة، فهو من الأشخاص الذين يفخرون بألقابهم وبخلفياتهم الاجتماعية، ومن جهة أخرى بدا حامد بن بركي جيداً، فكسر الأبيات بشيء من المرح، لكنه كان يهز رأسه للجنة دليل أنه كان يريد الخلاص، أما بدر فقد كان حضوره جيداً، وهادئاً ومتقبلاً رأي اللجنة، وأخيراً كان حضور أصيلة جيداً، وثقتها عالية بذاتها، لكنها كانت خجولة وقد اتضح ذلك من خلال حركة الجسد.
وقبل ختام الحلقة الثالثة من "شاعر المليون" تم الإعلان عن الشاعرين المتأهلين من قبل لجنة التحكيم وهما الشاعر الإماراتي أحمد بن هياي المنصوري الذي منحته اللجنة 48 درجة من أصل 50، كما حصل على 11% من ترشيح الإنترنت، فيما منحت بطاقة التأهل الثانية للشاعرة أصيلة المعمري التي حصلت على 46 درجة، والتي فازت أيضاً بترشيح جمهور الإنترنت بدرجة 29 %.
فيما حصل بقية الشعراء على الدرجات التالية من لجنة التحكيم، ومن جمهور المسرح:
الشاعر الكويتي بدر سعود الوسمي: اللجنة 41 درجة، جمهور المسرح7%.
الشاعر السوداني حامد مبارك بن بركي الرشيدي: اللجنة 29 درجة، جمهور المسرح 41%.
الشاعر السعودي سيف مهنا السهلي: اللجنة 41 درجة/ جمهور المسرح 9%.
الشاعر السعودي صالح الخمشي العنزي: اللجنة 45 درجة/ جمهور المسرح 20%.
الشاعر السعودي عبدالله سمران العصيمي: اللجنة 44 درجة/ جمهور المسرح 7%.
الشاعر الكويتي فالح بن علوان العجمي: اللجنة 44 درجة/ جمهور المسرح 16%.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.