في حدود الثامنة والنصف من مساء الاربعاء الماضي، وصل الأستاذ عبد الناصر نهار المدير الإعلامي لهيئة الثقافة والتراث إلى الفندق الذي كنّا نقيم فيه أنا والصحفي العراقي عدنان حسين أحمد، ليرافقنا إلى مسرح شاطئ الراحة الذي يبعد قرابة 20 دقيقة. انطلقت بنا السيارة وكان الحديث حول مسابقة «أمير الشعراء وما طرأ عليها من تعديلات وإضافات، وحول إشعاعها عربيا وعالميا.. وصلنا باب المسرح تسلّمنا شارات الدخول وولجنا البهو، ثم قاعة العروض، لم يكن الجمهور قد دخل بعد، بل كان المسرح أشبه بورشة مفتوحة وخلية من نحل، شباب وشابات هنا وهناك، كلّ منشغل بعمل معيّن، لا مجال للنسيان أو الخطإ أو التغافل، كل شيء هنا بحساب. كان الشعراء هنا وهناك، فرادى وجماعات، بعضهم يقف أمام الركح متفرجا، والأخر يجلس في كراسي الجمهور، وآخرون يتحدثون بصوت مسموع عن بعض الطرائف من الحلقات السابقة أو عن أجواء النزل الذي يقيمون فيه، في الأثناء كان سعيد بشار المصور الرسمي لهيئة الثقافة والتراث يلتقط ما تيسّر من كواليس الحلقة الثالثة متجولا بيننا بابتسام.. أما الفنان باسم ياخور مقدم الموسم الرابع فكان يتجول فوق الركح في لمسة أخيرة قبل البثّ المباشر. حضور عُماني ملفت في حدود الساعة العاشرة فتحت أبواب المسرح وبدأت الأعداد الأولى من الجماهير في الدخول، وبدا واضحا الحضور العُماني، ربما لقرب المسافة بين البلدين ما يجعل الحضور سهلا ويسيرا، وصل أعضاء لجنة التحكيم وأعضاء اللجنة الاستشارية للمسابقة، امتلأ المسرح وبدأ العد التنازلي (ثلاثة، اثنان، واحد)، انطلقت الحلقة الثالثة من برنامج أضخم مسابقة للشعر الفصيح في العالم، توسط باسم ياخور ركح مسرح شاطئ الراحلة معلنا بداية الحلقة والتي استهلت بعرض مقتطفات من الأمسية الثانية من المسابقة التي حصل فيها الشاعر علي النحوي على بطاقة التأهل من قبل لجنة التحكيم، فيما ظل الشعراء الثلاثة ينتظرون أسبوعاً كاملاً بكثير من القلق والوجل نتائج تصويت الجمهور التي أضيفت إليها درجات لجنة التحكيم، ليتأهل كل من الشاعر عبدالعزيز الزراعي من اليمن بنتيجة إجمالية 72%، والشاعر محمد علي الخضور من سوريا بنتيجة إجمالية 51%، ولتودّع بذلك الشاعرة المغربية صباح الدبي المسابقة، والتي كانت سعيدة رغم ذلك معتبرة أن الجميل في الأمر هو حضورها ذلك الاحتفال الشعري الهام، متمنية لزملائها التوفيق في عوالم الكلمة والشعر. وقبل أن تنطلق المنافسة عُرض تقرير عن زيارة المتنافسين الأربعة الجدد لجامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي، وقيامهم بجولة في رحاب المسجد الذي يأتي رابعاً على مستوى مساجد العالم من حيث المساحة، فيما تعد قبته الأكبر بين قباب المساجد في كل دول العالم، والذي يحتضن أول مكتبة في مئذنته، وبعد انتهاء الجولة أدوا صلاة الجمعة فيه. مجدي بن عيسى.. المسكون بأطياف الأسلاف انطلقت رحلة التنافس في الحلقة الثالثة مع صوت شعري جاء من تونس الخضراء، وهو صوت الشاعر مجدي بن عيسى الذي ألقى قصيدة بعنوان «مواجيد الفقر»، فقال له د. صلاح فضل إنه مسكون بأطياف الأسلاف من الشعراء، الأمر الذي يذكرنا بنظائرنا في التراث الشعري، ولعل ذلك مأزق القصيدة العمودية التي لا يمكن أن تتبرأ من تأثير ذلك التراث، أو من شبح قصائده، وأضاف فيما يتعلق بعنوان القصيدة: (لكن لا نعرف عن أي نوع من الفقر تتكلم، الفقر المتعلق بالمال؟ أم بالفكر؟، أم بالحب؟ ثم إنك في الشطر الأخير الذي تقول فيه «آنست حق الحب في حلل الرضا/ ووجدت عذب العشق في الإملاق» لم تختم به القصيدة، كما أن القافية فتنتك وأسكرتك). أما الدكتور علي بن تميم فقد علّق بقوله: (يسعى مجدي في هذا النص إلى أن يكون صوفياً، لأن الفقير هنا هو الصوفي، ويستطيع القارئ أن يرد تكدس المفردات إلى المعجم الصوفي، غير أن القصيدة كانت تفتقر إلى الابتكار، كما كانت محدودة اللغة لدرجة أن القوافي بدأت تتكرر، وقد كانت القصيدة تحاول استعادة عصر ابن الفارض، لكنها خلت من رموز الصوفية، ومن شطحاتها الفكرية، فكنتَ والكلام موجه للمتسابق تمشي على دروب الآخرين، وتلك أزمة فكرنا المعاصر، عصر الاستنساخ من دون ابتكار، فالجميل في الصوفية هو الصفاء، لكنك لم تأخذ منها إلا الصوف الخشن). الدكتور عبد الملك مرتاض أشار إلى الأفعال التي أخطأ فيها المتسابق، مثل «خُملتُ» و»قَنِعتُ»، كما أشار إلى البيت الذي يقول فيه بن عيسى: «مكنت للعشاق في أرض المحبة/ والهوى وقَنِعتُ بالأشواق»، وهنا قال د. مرتاض: (يمثل هذا البيت صورة فنية جميلة، تجسد نبل الشخصية الشعرية ويأسها، لكن في النص ذاتية مفرطة). الشاعر الثاني الذي أطلّ على ركح مسرح الراحة هو اللبناني محمد غبريس، الذي قرأ قصيدة «غرام الأقلام»، وعلى الرغم من الإلقاء الجميل للمتسابق، إلا أن الدكتور صلاح فضل اعتبر أول القصيدة كفرا، حيث كانت بدايتها «هجرت عيون أوطاني / وكلّ الغيم أكفاني / فجئت إليك تواقا/ غدا إن طال هجراني»، وتساءل فضل «من يجرأ على ذلك؟». الشاعر العماني منتظر الموسوي الذي جاء مدججا بجمهور غفير يحمل صوره ويهتف باسمه، ألقى قصيدة بعنوان «موعد آخر لموت مؤجل» التي قال عنها الدكتور علي بن تميم انها «قصيدتك تتقنع صوت المتنبي، وتحاول أن ترسمه بكبريائه، وبروحه الوثابة، وبالسعي الدائم نحو التجدد، وحين قلت «أرقى إلى سكن النجمات مرتعشاً/ كأنني لم أجد في الأفق من سكن» يذكرني بالبيت «أي محل ارتقي أي عظيم أتقي»، إن المتنبي نقطة لجذب الشعراء، وهذه النقطة قد تكون مضيئة وقد تكون قاتلة، وكانت هذه النقطة في القصيدة مضيئة إلى أبعد الحدود، فقد أعدت إنتاج المتنبي في سعيه وبحثه عن الأملاك، أعدته وأعدت إنتاج ذاتك دون أن تتراجع ولو للحظة، وكان المتنبي يحلق معك باستمرار، أحييك على النفس الشعري الخلاق، فلقد شنّفت آذاننا بنص رائع مسح ما علق فيها). المتسابق الأخير في الحلقة كان العراقي نجاح مهدي العرسان الذي ألقى قصيدا بعنوان «عودة ابن زريق» رأى الدكتور عبد الملك مرتاض أنه «كان حزينا وقاتما، وقد وقع ذكر ابن زريق البغدادي الذي توفي سنة 420ه، وهو الذي سافر من بغداد إلى المغرب العربي، وقيل إنه توفي في الأندلس، فهو شاعر يمثل العروبة كلها، وفي البيت الذي تقول فيه: «تلوّن الموت واخضرت حقائبه / وحين أعجبني أسميته سفرا» إن صورة الموت هنا تتلون بشاعتها حتى تخضر حقائبها التي تعجب، ومع ذلك فإن الشخصيات الشعرية تجعل من السفر اسما لها، وهذه صورة بودليرية قاتمة جنائزية، ولكنها من أجل ذلك فهي بديعة أسرة..» وككل حلقة من «أمير الشعراء» في موسمه الرابع، أطلق العنان لشاعرين، أحدهما يكتب الشعر الفصيح، والآخر يجود بالشعر النبطي، وقد جمعت الحلقة الشاعرين السعوديين محمد إبراهيم يعقوب الذي شارك في الموسم الثاني من «أمير الشعراء»، وخالد العتيبي الذي شارك أيضا في «شاعر المليون»، فتألق كل واحد منهما بقصيدين جاريا فيهما بعضهما البعض بإلقاء جميل وعذب. العماني يتأهل.. والآخرون على جمر الانتظار لم يتمكن الشاعر مجدي بن عيسى من المرور المباشر بتزكية لجنة التحكيم لذلك فهو رهين التصويت عبر الموزع الصوتي للبرنامج حتى مساء الاربعاء موعد الحلقة الرابعة والتي سيتم الاعلان في بدايتها عن الشاعرين اللذين سيلتحقان بالشاعر العماني الذي ترشح مباشرة بتصويت لجنة التحكيم، ولم يحصل مجدي بن عيسى إلا على 34٪ من نقاط لجنة التحكيم.