يمكن أن نتفهم الاعتراض على القول بدكتاتورية الذوق السليم التي صدح بها وزير الثقافة الحالي ردا على الحط من السمعة الفنية والرمزية لمهرجان قرطاج ساعيا إلى إعادة الاعتبار للركح التاريخي الذي اعتلاه كبار فناني العالم عندما لم تكن سمعة الدولة موضوع مساومة لدى تجار الفن والسياسة. لقد اعترض البعض على لفظ الدكتاتورية فيما اعترض البعض على عبارة «على جثتي» وأخرجت من رمزيتها لتصبح دعوة للعنف الصريح (وألبست لباسًا أصوليا). وجاءت الاعتراضات من الخارج وتجرأت بعض المطرودات على القول أن تنازلها للمجيء إلينا يشرفنا مما فتح باب المزايدة الوطنية. وتاه النقاش عن أصل المسألة مثلما هو الأمر هذه الأيام في بلادي فأجواء الحرية المنفلتة فتحت الباب على كل أنواع الكلام الجيد و «والتخلويض» أصل المسالة أن هناك مسرح له تاريخ وأن هذا التاريخ قد احترمه الأولون إلى حد كبير ولم يسمحوا باعتلائه إلا لفنانين كبار محليين ودوليين من العرب وغيرهم. حتى صار للمسرح اسم كبير يرفع من قيمة من يغني عليه و يرتد رفعة على البلد وثقافة أهله وذوقهم. ولم يجعلوا الربح غايتهم المركزية فجعلوا مسرحهم مقياسا للرقي الفني ومارسوا به دكتاتورية الذوق الرفيع. لكن جاء على المسرح والمهرجان الذي ارتبط به حين من الدهر استولي عليه تجار الفن ومتعهدي الحفلات المغرمين بحساب الحصيلة الليلة للحفلة أي الربح المباشر السريع. فانهارت سمعة المسرح ولم تعد تميزه عن أي كباريه رخيص. وليس عجبا أن الذين انحطوا بسمعة البلد هو الذين بدؤوا بالحط من سمعة قرطاج التاريخ و المكان والمهرجان. فرحة شباب تونس هي شركة الطرابلسية التي حولت قرطاج إلى ما يشبه الماخور تحت سماء مفتوحة منذ 1994. من هنا كان تدخل وزير الثقافة الجديد يكمل ما حاوله الفنان و الزميل مراد الصكلي قبله بسنتين حين أراد استعادة رفعة المهرجان فأسقط متعهدو الحفلات مشروعه. وجاء رفض الوزير أخيرا موجها لنوعية محددة من الفن الغنائي عبر بعض ممثليه وممثلاته ممن صنًّعت قنوات النفط المتغطية بقنوات الفتوى لبيع الترهات. إنها محاولة جادة ورسمية هذه المرة لاستعادة المهرجان لسمعته ولدوره في توجيه الذوق العام نحو الفن الابقى ذلك أيضا كان الوزير مشغولا بجلب الفنانة الكبيرة فيروز قبل غيرها. وانتبه الغاضبون من كل شيء لاسم المطرودات وجعلن منهن ضحايا وشهيدات الفن الراقي بينما تجاهلوا جهد ترقية الذوق بفيروز. وهو نقد يثير العجب والاستغراب فكثير من الناقدين يزعمون رفعة ذوقهم ويخجلون من سهرات صاخبة كانت فيها بنات تونس يرمين بملابسهن الداخلية على راغب علامة ووليد توفيق. لقد تجاوب فنان كبير من حجم مرسال خليفة مع تقديرات الوزير.ولا شك أن كل فنان يحترم فنه سيكون في صف مرسال ووزير ثقافتنا الجديد. ونأمل أن يواصل الوزير ضرباته الاستباقية ضد الفن الهابط وأن لا يولي بالا لمن يطالبه باعتذار لجراثيم الفن(لمجرد تسجيل تراجع على وزير). وليفتح الطريق أمام فيروز العظيمة فمن عار قرطاج أن لا نرى عليه فيروز تصدح بما تبقى من الفيروز في حنجرتها الربانية..وأن لا نتداول مقطوعات فنها تحت سماء خضراء...