تلوح حكومة السيد حمادي الجبالي منذ أيام بالكشف عن تسجيلات ووثائق تؤكد تورط بعض رموز المعارضة في عمليات تستهدف تخريب الاقتصاد الوطني، بل وتستهدف أمن البلاد بشكل عام، من خلال اتصلات تقول الحكومة أن بعض الأسماء المعروفة في المشهد السياسي التونسي تجريها مع سفارات دول أجنبية ورحلات مكوكية يقوم بها البعض الآخر إلى عواصم بعينها قصد وقف تعاون تلك الدول مع الحكومة الحالية والضغط على فرص الاستثمار الممكنة. ولئن خيّرت الحكومة المؤقتة عدم الإعلان عن تلك الأسماء مبررة ذلك بالحفاظ على السلم الإجتماعية، لأن البلاد كما يرون لا تتحمل رجات أكبر. فإن نفس الحكومة تمارس صمت غريبا عمّا تقترفه جماعات متطرفة محسوبة على تيّارات معينة مثل السلفية أو الجهادية أو تنظيم القاعدة في المغرب العربي. ولنا أن نسأل هنا وأمام تنامي مظاهر العنف اللفظي والجسدي التي يمارسها هؤلاء الذين يدعون انهم يمثّلون الإسلام والمسلمين، لماذا يصاحب كل تصرفاتهم صمت غريب وغير مبرر من حكومة من المفروض أنها حكومة منتخبة؟ وّإن كانت مؤقتة فدورها لا يقتصر على تصريف الأعمال بل إنّ دورها في هذه المرحلة هام وخطير وحساس جدا. ربما تعللت الحكومة المؤقتة برئاسة السيد حمادي الجبالي بالحفاظ على السلم الاجتماعية في هذا الملف أيضا، ولكنّ بالمقابل نود أن ندرك مفهوم السلم الاجتماعية عند حكومتنا الموقرة، وكيف يمكن لبلد أن يواصل في سبيل الإصلاح والتنمية وفيه من يشد إلى الخلف باسم الدين وباسم السلف الصالح وباسم الجهاد في سبيل الله وكأنّ هذا البلد هو بلد الروم أو الفرس في عهد الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، وكأننا اليوم إزاء إعادة فتح تونس إسلاميا. إنّ هذا المد الخطير لتلك المجموعات التي تختفي حينا لتظهر على واجهات الأحداث أحيانا يجعل النظرة الاستشرافية لبلادنا تبدو ضبابية الملامح، وإذا أضفنا للتجاوزات الخطيرة التي تقوم بها تلك الجماعات صمتا حكوميا نرجو ألاّ يكون متعمدا، فإن الوضعية هنا تبدو سوداوية سواد العلم الذي يحملونه ينما حلّوا والذي انتزعوا علم بلادنا المفدّى واستبدلوه به. لا نريد ان نكون متشائمين جدا وسنترك الباب مواربا لبعض التفاؤل الذي يجب أن يكون في حجم ما نعيشه. إنّ مشكلة هؤلاء أنهم لا يستمعون لغير صوتهم ولا يقبلون الحوار ولا يفقهون لغة غير لغتهم التكفيرية ولا يتعاملون مع الآخر مهما كان إلاّ بعقلية المؤامرة والسعي لقمعهم (مع أنهم يصولون في البلاد طولا وعرضا كما يشتهون). لقد سعى علماء تونسيّون أجلاّء إلى توضيح بعض المفاهيم لتلك المجموعات ولكن دون جدوى، فهم يرفضون التعامل مع المنتوج الفكري المحلي بل ويصل بهم الأمر إلى حد نفيهم لوجود علماء في تونس يمكنهم أن يمهدوا الطريق أمام الناس لفهم دينهم العظيم، ولا يتعاطون إلاّ مع أفكار يستوردونها من خلف الحدود وفي أغلبها أفكار تحمل كمّا كبيرا من الحقد والغلّ لكل من يخافهم الرأي أو يسعى للحوار معهم أو مناقشتهم في هذا الموقف أو ذاك. يبدو أنّ الوقت قد حان لتتخذ الحكومة التونسية المؤقتة موقفا واضحا مع هاته الجماعات التي باتت تمثّل خطرا حقيقيا على السلم الإجتماعية للبلاد، هذه السلم التي تمثّل هاجسا لدى حكومة السيد الجبالي. واٍن يبدو تدخل الحكومة أكثر أهمية من اي وقت بعد أن قام بعض المتطرفين بانتزاع العلم التونسي رمز سيادة البلاد من على مؤسسة علمية واستبداله بعلم أسود يحمل مرجعية دينية متطرفة. الآن تحديدا على الحكومة التونسية أن تبدي موقفا واضحا مما يحدث لأن مواصلة سياسة الصمت سيكون لها تفسير واحد فقط لدى الشعب التونسي وهي أنّ الحكومة الحالية تدعم هاته الجماعات من خلال صمتها أمام كلّ التجاوزات التي تقترفه باسم الدين والحرية. نرجو أن يكون للحكومة تفسير واضح لصمتها، كما نرجو ألاّ تتعلل بالسلم الاجتماعية لأنها اصلا مهددة من هؤلاء قبل غيرهم، كما نرجو وهذا آخر دعوانا ألاّ تكون الحكومة المؤقتة تخشى مواجهة هؤلاء... فقط للتذكير سبق أن صرح السيد لطفي زيتون للجزيرة أن الحكومة "لن تحاسب أي سلفي لمجرد نواياه" واليوم نسأل السيد لطفي زيتون ومن خلاله الحكومة هل ستحاسبون من استهزأ بالعلم الوطني؟؟؟