نواب الغرفتين البرلمانيتين يشرعون في مناقشة المهمة الخاصة بمحكمة المحاسبات    محكمة المحاسبات تؤكّد تمسّكها بالرقابة والمساءلة للحفاظ على المال العام    قفصة: 6 سيارات إسعاف جديدة لتعزيز الخدمات الاستعجالية    191 تونسي في السجون بسبب النفقة: وزيرة العدل تكشف    ترامب يعلن عن موعد ومكان لقائه مع 'خصمه اللدود' زهران ممداني    فستان ميلانيا ترامب يثير الجدل: هل هو رسالة خاصة للسعودية؟    وثائق إبستين تفجر الجدل مجددا.. البيت الأبيض حاول التأجيل وترامب يغيّر موقفه    عاجل/ الإحتلال يستأنف المجازر في غزة    الدكتور ذاكر لهيذب: ''ملعقة زيت الزيتون... درعك الأوّل ضد الجلطات''    احالة بلحسن الطرابلسي وصخر الماطري على دائرة الفساد المالي    من 28 نقطة.. تفاصيل خطة واشنطن للسلام بين روسيا وأوكرانيا    كان المسؤول على شبكات التسفير... احالة الارهابي معز الفزاني على الدائرة الجنائية المختصة    "مقطع فيديو" يشعل أمريكيا.. دعوات لعصيان أوامر ترامب    تحرّك وطني للصحفيين في ساحة القصبة..#خبر_عاجل    اريانة:جلسة عمل حول النظر في أعمال اللجنة الجهوية لمتابعة تطور الأسعار وضمان انتظام التزويد    وزير الصحة يرد على تحركات الأطباء الشبان... ماذا قال؟    أشرف حكيمي يفوز بجائزة أفضل لاعب كرة قدم أفريقي لعام 2025    طقس اليوم: أمطار غزيرة ورعدية ورياح قوية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تحرّكات قطاع التعليم الأساسي تتصاعد.... وتوفيق الشابي يوضح    طقس الخميس: أمطار بالجنوب الشرقي ثم المناطق الساحلية الشمالية    ألمانيا تناور تحت الأرض.. تدريبات عسكرية خاصة بأنفاق مترو برلين    سيدي بوزيد : حجز 150 صفيحة من مخدر "القنب الهندي"    استعدادات مكثّفة لإعادة فتح المتحف الروماني والمسيحي المبكر بقرطاج يوم 2 ديسمبر 2025    أيام قرطاج المسرحية...مهرجان تجاوز الثقافة لينعش السياحة    المتحف المسيحي المبكر بقرطاج يفتح أبوابه من جديد يوم 2 ديسمبر 2025    وجوه الحبّ الأخرى    رونالدو يخرج عن صمته.. وينشر صورا مع جورجينا وترامب    للتوانسة: فجر وصباح السبت 22 نوفمبر...طقس بارد    اخر التطورات الصحية لتامر حسني    عاجل/ تونس تنجح في تسجيل تمورها ضمن المواصفة الدولية للدستور الغذائي    صادرات القطاع الفلاحي والصناعات الغذائيّة نحو المغرب تجاوزت 338 مليون دينار    مدنين: حركية هامة بالميناء التجاري بجرجيس ودخول نشاط تصدير الجبس الحجري وتوريد حجر الرخام    تطاوين: تواصل حملات التقصي المبكر عن مرض السكري والأمراض غير المعدية طيلة شهر نوفمبر    لماذا سمي جمادى الثاني؟ أصل التسمية والأحداث التاريخية    عاجل-وزارة التجهيز: بلاغ هام للمترشحين المقبولين..كل ما يجب معرفته قبل 7 ديسمبر    كرة اليد: المنتخب الوطني للسيدات يلاقي نظيره الكوري الجنوبي وديا    قمّة تغيّر المناخ 30: تونس ترفع من أهدافها المناخية في أفق سنة 2035    الترجي الرياضي: اصابة عضلية لكايتا وراحة ب21 يوما    عاجل/ الكشف عن عدد الحجيج التونسيين لهذا الموسم    ألعاب التضامن الاسلامي: مروى البراهمي تتوج بذهبية رمي الصولجان    انطلاق الدورة العاشرة ل" أيام المطالعة بالارياف " لتعزيز ثقافة القراءة والكتاب لدى الاطفال في المدارس الابتدائية بالمناطق الريفية    اتحاد الفلاحة: سعر الكاكاوية لا يجب ان يقلّ عن 6 دينارات    شنيا يصير لبدنك إذا مضغت القرنفل كل يوم؟ برشا أسرار    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي من جديد في التصنيف العالمي    عاجل/ منخفضات جوّية مصحوبة بأمطار خلال الأيام المقبلة بهذه المناطق..    فرصة باش تشري دقلة نور ''بأسوام مرفقة'' بالعاصمة...شوفوا التفاصيل    عاجل: تامر حسني يفجر مفاجأة بخصوص حالته الصحية..شنيا الحكاية؟    دراسة: التونسي ما يعرفش يتصرّف إذا تعرّض لإشكاليات كيف يشري حاجة    شنيا حقيقة فيديو ''الحمار'' الي يدور في المدرسة؟    الكحل التونسي القديم يترشّح لليونسكو ويشدّ أنظار العالم!...شنوا الحكاية ؟    طقس اليوم: أمطار غزيرة ورياح قوية بعدة جهات    كل ما يلزمك تعرفوا على حفل جوائز كاف 2025 : وقتاش و شكون المترشحين ؟    اختتام مهرجان تيميمون للفيلم القصير: الفيلم الجزائري "كولاتيرال" يتوج بجائزة القورارة الذهبية وتنويه خاص للفيلم التونسي "عالحافة" لسحر العشي    تأهل كوراساو وهايتي وبنما إلى كأس العالم    التونسية آمنة قويدر تتوج بجائزة الانجاز مدى الحياة 2025 بالمدينة المنورة    العلم اثبت قيمتها لكن يقع تجاهلها: «تعليم الأطفال وهم يلعبون» .. بيداغوجيا مهملة في مدارسنا    الكوتش وليد زليلة يكتب: ضغط المدرسة.. ضحاياه الاولياء كما التلاميذ    المعهد القومي العربي للفلك يعلن عن غرة جمادى الثانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الممارسات المحسوبة على التيار السلفي منذ سقوط النظام السابق
نشر في كلمة تونس يوم 01 - 03 - 2012

لم يكد نظام "بن علي" يسقط اثر التحركات الشعبية في أواخر السنة الماضية, حتى سارعت الأحزاب و الجماعات المقموعة في السابق إلى النزول للميدان لملء الفراغ و تعبئة الأصوات..و فيما اختارت أحزاب إسلامية كحركة "النهضة " العمل وفق تنظّم قانوني و تمّ رفض منح التأشيرة لأحزاب أخرى كحزب "التحرير" , فقد اختارت بعض الجماعات الإسلامية الأخرى طريقا مخالفا.. لا يغيب عنه العنف في بعض الأحيان..

مباشرة بعد رحيل الرئيس المخلوع, أخذت معالم جديدة وظواهر مستجدة تحتل الشوارع و الميادين.. ففي شارع الحبيب بورقيبة, بدأت جماعات من الملتحين المقصّري ثيابهم تجتمع لأداء صلاة الجمعة وسط الساحة ...كان الأمر يوحي بأنه مجرّد بداية لجسّ نبض الشارع و اختبار استعداده للالتحاق بالركب السلفي.. و قد التحق كثيرون...
العنف ..لأيّ غرض؟
شهدت مدينة "منزل بورقيبة" من ولاية بنزرت أحداث عنف خطيرة في شهر جويلية من العام الماضي أضرمت خلالها النار في مركز امن و أصيب جرّاءها 6 أعوان 4 منهم تعرّضوا لإصابات بليغة فيما أعتقل قرابة 100 شخص...
في البداية كانت القصبة3
بدأ كلّ شيء بالمواجهات بين الأمن و معتصمي القصبة 3 يوم الجمعة 15 جويلية 2011 عندما هاجمت قوات الأمن المعتصمين لتفريقهم و لاحقتهم إلى داخل مسجد القصبة أين يعتصم بعضهم لتعتدي عليهم بالعنف و من بينهم مواطنون و ناشطو مجتمع مدني و صحفيون ...حيث حاصر رجال الأمن ,اثر انتهاء صلاة الجمعة ,المصلين و المحتجين و منعوهم من الخروج الى الساحة للتجمهر ممّا أدّى إلى بعض المناوشات بين الجانبين..فقد عمد بعض المحتجين الى رشق قوات الأمن بالحجارة و الأحذية لتردّ الأخيرة عليهم باطلاق القنابل المسيلة للدموع التي سقطت بصحن الجامع...
و أمام استنكار المجتمع المدني للاعتداء على المعتصمين و الصحفيين مثل "مروان فرحاتي" من "الصحيفة الأولى" و "خولة السليتي" من راديو6 ,و انتهاك حرمة دور العبادة, ردّ "هشام المؤدّب" الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الدفاع في اللقاء الإعلامي الثامن عشر لخلية الاتصال بالوزارة الأولى,قائلا إن المعتصمين داخل المسجد قد قاموا بتجاوزات عارضا صورا فوتوغرافية تبيّن ذلك...
و من جهتها,نفت "حركة النهضة" ما تداولته الألسن و الصحافة و المواقع الاجتماعية من كونها الداعية الى اعتصام القصبة 3 و ذلك حسب تصريح رئيس الحركة "راشد الغنوشي" خلال الندوة الصحفية التي عقدت يوم 19 جويلية 2011 بالعاصمة.حيث أكّد الغنوشي على الدفاع عن حرية التعبير السلمي و المدني مندّدا بالاعتداء على المعتصمين و انتهاك حرمة مسجد القصبة.
لكّن قمع الاعتصام أشعل فتيل الغضب في جهات عديدة حيث خرجت مظاهرات مندّدة بالعنف المرتكب في حق المعتصمين في عدّة ولايات كسوسة و قابس و قبلي و صفاقس و بنزرت حيث شهدت الأخيرة أحداث عنف رافقت الاحتجاجات...
العنف في منزل بورقيبة
يوم 16 جويلية 2011 ,قامت مجموعات من الشباب بإضرام النار في مركز للأمن في ساعة متأخّرة من الليل وسط مدينة "منزل بورقيبة" احتجاجا على قمع معتصمي القصبة 3 في اليوم السابق و ردّا على الهجوم ,أطلق أعوان الأمن الموجودون بالمركز النار في الهواء لتفريق المحتجين غير أنّ جهودهم باءت بالفشل الى حين تدخّل قوات الأمن, و ذلك وفق ما أوردته وكالة وات للأنباء..
و حسب وزارة الداخلية فانّ الخسائر شملت إصابة 6 أعوان 4 منهم تعرّضوا لإصابات بليغة, من قبل أشخاص ملتحين يشتبه في انتمائهم إلى تيار ديني متشدّد حسب تصريح "هشام المؤدب" الناطق الرسمي السابق باسم الوزارة. و قال "المؤدب" أيضا أن المجموعات كانت بحوزتها موادّ ممنوعة و حارقة (ماء فرق) مشيرا إلى أن هذه الأحداث تزامنت في التوقيت نفسه و هو يدلّ على أنّ هناك أطرافا بعينها تخطّط لاثارة البلبلة و هي التي قال بخصوصها أنها أطراف سياسية تعتمد العنف في الطريق العام للحصول على مكاسب سياسية.
و ردّا على تواصل الاحتجاجات المرفوقة بالعنف,فرض حظر تجول ليلا بالمدينة يوم 19 جويلية 2011,رافقته حملة مداهمات ليلية لعدّة منازل من بينها منزل "زينب شبلي" الناشطة الحقوقية في منظمة "حرية و إنصاف" و التي رجّحت أن يكون الاقتحام من أجل إيقاف ابنها الذي سجن في 2005 في ما عرف بقضايا الإرهاب.
و كانت منظمة حرية و إنصاف قد عرضت أشرطة فيديو توثّق بعضا من شهادات أهالي الموقوفين الذين بلغ عددهم 100 شخص, و من بين الشهادات شهادة "فضيلة غريب" الأمّ المسنّة التي تحدّثت عن اقتحام قوات الأمن لمنزلهم العائلي عند الساعة الثانية صباحا و اعتقالها لابنها العاري الاّ من "فوطة حمام" حسب قولها بسبب اشتباه الأمن في مشاركته في أحداث العنف بالمنطقة بسبب "طول لحيته"...
أهالي الموقوفين نظّموا من جهتهم اعتصاما للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم يوم 17 أوت 2011 بمساندة بعض مكونات المجتمع المدني على غرار المجلس الوطني للحريات و منظمة حرية و إنصاف, في حين دانت حركة النهضة أحداث العنف و نادت بضرورة التصدّي إلى كلّ محاولات التخريب و العنف داعية الحكومة إلى إطلاق سراح كلّ الموقوفين.
و في الروحية ...
عرفت منطقة "الروحية" من ولاية "سليانة" في شهر ماي من العام المضي أحداث عنف أعادت إلى الأذهان حادثة منطقة "سليمان " التي تبعد 30 كلم عن العاصمة تونس و التي شهدت مواجهات دامية يومي 29 ديسمبر 2006 و 3 جانفي 2007 بين مسلّحين نسبوا إلى التيار السلفي الجهادي و بين قوات الأمن و الجيش..
ففي يوم 18 ماي 2011 بالروحية جدّت مواجهات صباحية بين عناصر مسلّحة و قوات الجيش و الحرس الوطني أسفرت عن مقتل مقدّم في الحرس الوطني و آمر ثكنة إضافة إلى إصابة اثنين آخرين من الجيش.. مقابل مصرع مسلّحين..
كانت البداية مع ركوب شخصين في سيارة أجرة و رفضهما وضع حقائبهما في الصندوق الخلفي للسيارة الأمر الذي أثار فضول بقية الركاب و شكّهم فتمّ استدعاء الشرطة ليتبّن ضلوعهما في التحضير لعملية إرهابية بتعبير وزارة الداخلية آنذاك.. و حسب تصريح خاص لكلمة من رئيس مركز حرس منطقة الروحية تأكد أنهما يحملان الجنسية التونسية ، الأول ملقب باسم "احمد التونسي" يبلغ من العمر ثمانية و عشرين سنة، تم العفو عنه مؤخرا عند إصدار قانون العفو التشريعي و الثاني اسمه عبد الوهاب حميد ملقب باسم منير يبلغ من العمر أربعين سنة أصيل منطقة " عوسجة " من ولاية بنزرت وهو محل تفتيش منذ سنوات على خلفية أحداث سليمان .
و كان المقدّم "هشام المؤدب" الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية قد تطرّق الى حادثة الروحية على هامش اللقاء الأول لخلية الإعلام بالوزارة الأولى موضّحا أن هذه العناصر إرهابية و فيها تونسيون و أجانب دخلوا التراب التونسي من جهة جبل الشعانبي .
و من جهتها أصدرت الأحزاب السياسية بيانات مندّدة بالواقعة و من بينها حركة " النهضة" التي "أدانت بكل شدّة كل اعتداء على حرمة البلاد و كل الجهات التي تقف وراءها مهما كانت هوّيتها" .

تصادم ديني؟
يوم 18 فيفري 2011 , عثر على القسّ البولندي "روبنسكي" (34 عاما) جثّة هامدة في إحدى المدارس الدينية بمدينة "منوبة" أين يعمل محاسبا و قد اتّهمت وزارة الداخلية بداية من أسمتهم "إرهابيين" بالضلوع في ذبحه ...لكن إصبع الاتهام توجه نحو الحركات السلفية المتشدّدة..
و جاء في بيان الوزارة "انّ وزارة الداخلية تدين هذا الفعل و تعرب عن أسفها للمقتل.و إنّها تعتقد بناء على التحقيقات الأولية ,بما في ذلك طريقة المقتل,أنّ مجموعة من الفاشيين الإرهابيين ذوي التوجهات المتطرّفة هي من تقف وراء هذه الجريمة."
بعض الجهات أدانت تسرع الداخلية في توجيه اتهامها لبعض الجهات دون انطلاق البحث و التحقيق و هو ما اعتبرته حركة النهضة مثلا "مناورة لتحويل أنظار التونسيين عن أهداف الثورة التونسية".و في ختام الأبحاث المجراة تبين ان دوافع إجرامية تتعلق بالشذوذ كانت وراء الجريمة من جهتها أفادت وكالة : رويترز وقتها أن ما يقارب 15 ألف متظاهر تونسي خرجوا إلى الشوارع ضدّ الحركات الإسلامية في تونس و دعوا إلى التسامح الديني. و كتب على لافتات رفعها المتظاهرون, الذين تجمّعوا في شارع الحبيب بورقيبة غداة مقتل القسيس تلبية لنداء "نعم لدولة علمانية" الذي أطلق عبر الفايسبوك ,شعارات متسامحة ك"أوقفوا الممارسات المتطرفة" و "العلمانية :حرية و تسامح".

تونسيون ينادون بالتسامح . رويترز

انتهاك للحريات...
في شهر جوان من السنة الماضية أصدر فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بجهة المهدية بيانا أدان فيه ما اعتبره تدخل عناصر سلفية في الحريات الشخصية للمواطنين.. و قد جاء البيان على اثر تعرّض المواطن "سالم الغاوي" للتعنيف على أيدي مجموعة تدّعي انتماءها للسلفية و ذلك لرفضه اجبار أخته على ارتداء الحجاب .و قد تسبّب هذا الاعتداء في كسر للمتضرّر على مستوى القدم اليمنى اضافة الى عدّة كدمات و جروح .
و لم يتوقّف التدخّل في الحريات الشخصية عند هذا الحدّ, بل انّه بلغ درجة تتّسم بالعدوانية المفرطة يوم الجمعة 5 أوت 2011 , عندما انطلقت مسيرة لعناصر سلفية من مسجد السلام بمدينة جندوبة للتنديد بما أسموه تنامي ظاهرة الإفطار في شهر رمضان. و قد توجّهت المسيرة الى "سوق القمل" أين يوجد عدد من المحلاّت المهجورة و بعض دكاكين بيع الموّاد الغذائية و المطاعم الصغيرة حيث قام المتظاهرون بنهب المحلات و حرق البعض منها.و لم يلبث أن التحق بالمسيرة عدد من المصلين من جوامع أخرى لتحصل مناوشات و تبادل للعنف بينهم و بين أصحاب المطاعم. و قد أكّد المواطنون المتضرّرون بأن هؤلاء الأصوليين كانوا إلى وقت غير بعيد منحرفين و مساجين رأي عامّ . بينما أكّدت بعض العناصر المحسوبة على التيار السلفي أن الإفطار في رمضان و الجهر به في دولة إسلامية إنما هو استفزاز لمشاعرهم و مشاعر عائلاتهم و المتسوّقين على حدّ سواء.
لكنّ النهي عن المنكر تحوّل إلى "نهي" عن المعروف عندما اعتدت جماعة سلفية مسلّحة يوم 14 أوت 2011 على مصلّين امنين في جامع "الرحمة" بسيدي بوزيد سعيا من المهاجمين لإحكام سيطرتهم على المسجد.
"نحّي يدّك ..."
في شهر جوان من العام الماضي, قامت بعض العناصر المحسوبة على التيار المتشدّد بمهاجمة المشاركين في تظاهرة "نحّي يدّك على مبدعينا" التي نظّمت بالعاصمة.
حيث اقتحمت مجموعة من الذين يدّعون انتسابهم إلى السلفية قاعة "سينما أفريكار" يوم 26 جوان 2011 , و من ثمّة قامت بالاعتداء بالعنف على بعض المشاركين في هذه التظاهرة من بينهم "الحبيب بالهادي" مدير قاعة السينما و "الصادق بن مهنّي" الناشط في مجال حقوق الإنسان.
و كانت المجموعة المؤلّفة من 60 شخصا تقريبا قد تجمّعت بادئ الأمر أمام قاعة السينما للمطالبة بالغاء عرض الفيلم السينمائي"لا ربّي لا سيدي" للمخرجة "نادية الفاني".
و في يوم محاكمة الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم على خلفية الاعتداء ,لم تتوانى بعض العناصر المنتمية لهذه الجماعات, عن مهاجمة محامين جالسين بإحدى المقاهي المجاورة لقصر العدالة و من بينهم "فخري القفصي" و 'عبد الناصر عوينة" و "ليلى بن دبّة".
اقتحام الاجتماعات..
يوم 2 جويلية 2011 ,اتهمت قادة القطب الحداثي عناصر محسوبة على حزب التحرير و السلفية اقتحام اجتماعا "للقطب الديمقراطي الحداثي" بمسرح الهواء الطلق بقليبية...وأمام وقوف قوات الأمن حائلا دون ذلك , اكتفى المهاجمون بتنظيم مسيرة مندّدة بما أسموه تعدّيا على مقدّسات الأمة و نيلا من هوية البلاد.: فيما اعتبر السيد عبد المجيد الحبيبي رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير ان تظاهرة أعلن عنها مسبقا في نفس المكان من الحزب كانت مخصصة لإحياء ذكرى سقوط الخلافة هو الذي أدى إلى بعض المشادات نافيا ان يكون تم الاعتداء على أي طرف مؤكدا أن أنصار حزبه تنازلوا عن المظاهرة حفاظا على الأمن العام
و من الغد, هاجمت مجموعات مجهولة تقدّر بالعشرات اجتماعا كان مقرّرا عقده من قبل حزب العمال الشيوعي التونسي بالقاعة المغطّاة ب"حيّ التضامن" ..و رشق المعتدون الحاضرين بالحجارة و القنابل المسيلة للدموع ممّا استوجب إلغاء الاجتماع.
أمّا "وائل نوّار" عضو الهيئة التأسيسية لحزب العمال فقد أفاد في تصريح لراديو كلمة أن المهاجمين و لئن بدوا من أتباع السلفية إلاّ أنّ جانبا من الحضور اكتشف وجود عناصر من الأمن السياسي ملتحية من بينهم.
و قد جاء في بيان نشرته جريدة "البديل " التابعة للحزب أنّ عددا من العناصر التي وقع التعرّف عليها ينتمي الى التيار السلفي, و البعض الاخر مرتبط بحزب التجمّع الدستوري المنحلّ, آخرون ليسوا سوى مجرمين و منحرفين بينما يشكّل البوليس السياسي الجانب الأكبر من بين المهاجمين.


زوبعة "بلاد فارس"
"بلاد فارس" فيلم إيراني ملأ الدنيا في تونس و شغل أناسها و له ثارت ثائرة أتباع التيار السلفي الذين خرجوا الى الشوارع تنديدا بالشريط و بقناة "نسمة" التي عرضته بما يرونه استفزازا لمشاعرهم الدينية و اعتداء على مقدّسات الإسلام و نواهيه التي تتعارض مع تجسيد الذات الإلهية ..

يوم التاسع من أكتوبر 2011 , نشبت في عدّة أحياء بالعاصمة ك"ابن خلدون" و "الرمانة" و "المنار" و المركب الجامعي مواجهات بين متظاهرين ملتحين و قوات الأمن احتجاجا على تدنيس القناة لمقدّسات المسلمين الدينية. و قد تبادل المتظاهرون و قوات الأمن إطلاق القنابل المسيلة للدموع ..
كما اختار آخرون التجمّع أمام قناة "نسمة " محاولين حسبما أفاد به مديرها "نبيل القروي" إحراق المقرّ و مهدّدين إياه بالقتل. و قد ردّت قوات الأمن باعتقال ما يقارب 100 شخص من بينهم للتحقيق معهم في الحادثة...


اجتياح الجامعات..
وبلغ المدّ السلفي رحاب الجامعات, حيث وقعت ب"كلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة" يوم 5 أكتوبر 2011 حادثة تسبّبت فيها طالبة منقّبة رفضت كشف وجهها أمام موظّفة بإدارة الكلية. و كانت الموظفة قد طلبت من المنقّبة كشف وجهها لتيسير إجراءات الترسيم لكن الطالبة رفضت ذلك و غادرت الكلية لتعود اليها لاحقا مصحوبة بأشخاص قال عميد الكلية انهم مسلّحون حاولوا اقتحام الحرم الجامعي و مقابلة العميد كما هدّدوا الطلبة و الأساتذة بالتعنيف و القتل حسب تصريح بعض الطلبة.
"أعدّوا قبوركم" هي العبارة التي تذكرها "صوفية حنازلة" (طالبة و ناشطة صلب الاتحاد العامّ لطلبة تونس) جيّدا من بين عبارات التهديد العديدة التي أطلقتها المجموعة المعتدية.. و من الغد, عادت المجموعة السلفية مجدّدا مدعومة بعشرات الأشخاص لتتمكن بالفعل من اقتحام الكلية...
و يوم الاثنين 28 نوفمبر 2011 , أفاقت كلية "الآداب و الفنون و الإنسانيات "بمنوبة على اعتصام لمجموعة مكوّنة من -عناصر تدّعي انتماءها للسلفية و أغلبها لا تحمل صفة طالب بل قدمت من خارج الكلية للاعتصام بناء على نداء أطلقته الصفحة الرسمية لأنصار الشريعة التابعة للتيار السلفي ...و حسب البيان الذي نشرته الجامعة حينئذ فانّ " مجموعة من السلفيين قاموا باكتساح الكلية و اقاموا حواجز بشرية أمام مداخل قاعات الدروس مدافعين عن ما أسموه حق المنقبات في إجراء الامتحانات."

و أفاد عميد الكلية في تصريح له لراديو كلمة أن المعتصمين قاموا بتعنيف الأساتذة و الإدارة و اكتساح قاعة درس لوضع أغراضهم و ثيابهم و إقامة الصلاة داخلها...لكنّ المجلس العلمي بالكلية أصرّ على رفض دخول المنقبات لقاعات الامتحان الأمر الذي اضطرّ عميد الكلية إلى تعليق الدروس نزولا عند قرار المجلس...

في الأثناء , قامت مجموعة أخرى ممّن يدّعون انتماءهم الى التيار السلفي باقتحام "كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و التصرف" بجندوبة .. و كان الطالب "أنيس البوسيني" (كاتب عام المكتب الفيدرالي للكلية التابع للاتحاد العام لطلبة تونس) قال بالخصوص أن الأفراد المتهجّمين لا ينتمي أغلبهم إلى المؤسسة الجامعية و لا إلى الوسط الجامعي أساسا ...وقد أدّت ممارسات المجموعة المهاجمة الاستفزازية إلى نشوب مناوشات بينهم و بين عموم الطلبة كادت أن تتحوّل إلى مواجهات و تبادل للعنف.
بالعودة الى كلية منوبة , كان الاعتصام لا يزال مستمرّا "على قدم و ساق" و قد حدث يوم الثلاثاء 6 ديسمبر 2011 أن تعرّض الأستاذ ب"كلية منوبة للآداب و الفنون و الإنسانيات" السيد " محمد الحبيب الملاّخ" إلى الاعتداء بالعنف من طرف المجموعة المعتصمة داخل الكلية ممّا استوجب نقله الى المستشفى ...و من الغد قرّر المجلس العلمي للكلية غلقها حتى أجل غير مسمّى إلى أن يتمّ فكّ الاعتصام

..و قد تواصل اعتصام السلفيين المطالبين بحرية ارتداء النقاب و حق المنقبة في إجراء الامتحانات و بإقامة مصلّى جامعي إلى غاية 5 جانفي 2011 حيث قام "هشام المؤدب" ممثل وزارة الداخلية بالتفاوض مع المعتصمين بحضور تعزيزات أمنية مشدّدة للتوصل أخيرا إلى إقناعهم بنقل مكان اعتصامهم إلى خارج الكلية......لتتحرّر كلية الآداب بمنوبة أخيرا..

إمارة إسلامية في سجنان؟
فكّ المعتصمون اعتصامهم بكلية "منوبة" ليضربوا حصارا أشدّ حول الصحيفة اليومية المستقلّة "المغرب" حيث قال المستشار برتبة رئيس تحرير السيد "الهاشمي الطرودي" أنه كان تلقّى يوم الأربعاء 4 جانفي 2011 اتصالات هاتفية صادرة عن "جهات سلفية " تضمّنت تهديدات بالشنق و الحرق .. كما تشهد صفحة الجريدة على الموقع الاجتماعي الفايسبوك حملة مشابهة منذ ذلك الوقت...
الحملة "السلفية" على الجريدة انطلقت مع نشر "المغرب" تقريرا عن تأسيس إمارة سلفية بقرية سجنان من ولاية بنزرت و الذي جاء فيه أن السلفيين هناك قد قاموا باضطهاد المواطنين و إرهابهم. و في تصريحه لراديو كلمة قال "أبو أيوب التونسي" أحد شيوخ السلفية أن " جريدة المغرب منذ أسّست و هدفها هو ضرب الإسلام و المسلمين."

لكن التقرير أثار ضجة كبرى و دفع أعين الناس و عدسات الإعلام نحو القرية الريفية الصغيرة الواقعة بولاية "بنزرت" و التي قدّر لها أن تشتهر بفضل المدّ السلفي.. فمن جهته,أكّد (رابط 8) السيد "عبد الستار بن موسى" رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعيد وصوله إلى سجنان على رأس وفد من الرابطة أنّ مجموعات سلفية مسلّحة بالسيوف و غيرها من الأسلحة البدوية قد قامت باستنطاق عدد من المواطنين و محاكمتهم و ذلك تحت التهديد و استعمال العنف.
في المقابل نقل الراديو عن مجموعة من السلفيين المتشدّدين قولهم أنهم قد شاركوا بالفعل في "مقاومة أشكال الفساد و كلّ ما من شأنه أن يعيق التنمية في المدينة". و أكّدوا أنهم من تعرّضوا إلى التعنيف الأمر الذي استدعى منهم اللجوء إلى الجبال للاحتماء.
و كان "راديو كلمة" قد تطرّق إلى موضوع "إمارة سجنان " من حيث التناول الإعلامي له في حصة "حديث في السياسة" بتاريخ 18 جانفي 2012 ,حيث أكّد كلّ من "علي الزيدي" و "صلاح الدين الجورشي" على "حصول اعتداءات" على مواطنين في سجنان بالفعل من قبل مجموعة تدّعي انتماءها للسلفية..و قال "الجورشي" أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" قد قامت بكتابة تقرير توخّت فيه "الأمانة و الموضوعية" حيث تحدّث وفد الرابطة إلى الأهالي و إلى "إمام جامع سجنان السلفي في ظلّ تعذّر الوصول إلى "أمير" الجماعة حينها". و حسب "الجورشي" فان "الإمام ,الذي نصّب نفسه و لم تعيّنه الدولة, قد أكّد على وجود مجموعة من المنحرفين ممّن يلقون قوارير الخمر على المصلّين" و لذلك كانت المجموعة السلفية في حالة دفاع عن النفس...
لكن "الجورشي" عاد للقول بأنه أيّا كانت الممارسات التي تدّعي الجماعة السلفية القيام بها في إطار "الدعوة إلى المعروف و النهي عن المنكر" أو "المساعدات العينية" فإنها تكون بذلك قد "منحت لنفسها سلطة أمنية و نصّبت نفسها فوق الدولة".
الإمارة الإسلامية الثانية
في الليلة الفاصلة بين الثلاثاء 31 جانفي 2012 و الأربعاء 1 فيفري 2011 ,وقعت مواجهات بين الجيش و قوات الأمن من جهة و عناصر محسوبة على السلفية المتشدّدة من جهة أخرى و ذلك بمنطقة "طلاب" الواقعة في معتمدية "بئر علي بن خليفة" من ولاية "صفاقس"..و قد استمرّت المواجهات حتى يوم الخميس 2 فيفري عندما تمّ القبض على أحد العناصر المسلّحة و مقتل اثنين آخرين في حين لاذ الآخرون,الذين تبيّن في وقت لاحق أنّ عددهم يبلغ 9 أشخاص, بالفرار الى ليبيا على المرجّح و ذلك بحسب تصريح "علي العريض " وزير الداخلية على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الاثنين 13 فيفري 2012 .
و قال "العريض" في المؤتمر الصحفي أيضا أن 34 قطعة سلاح من نوع "كلاشينكوف" و 2278 عيارا تابعا لها قد تمّ ضبطهم,إضافة إلى 62 ألف دولار و 1250 جنيه ليبي و 3 ألاف دينار تونسية.
و حسب تصريح "العريّض" فانّ أحداث بئر علي بن خليفة كان الهدف من ورائها "إنشاء إمارة إسلامية في تونس...
و لم تنتهي المواجهات بين العناصر التي تدّعي انتماءها الى السلفية و قوات الأمن عند ذلك الحدّ, بل إنها امتدّت الى الشمال الغربي للبلاد و تحديدا ولاية "جندوبة",حيث قامت عناصر سلفية بحرق مركز الأمن بحي "زهوة" في جندوبة الشمالية يوم 22 فيفري 2012 بعد اتهامها لقوات الامن بتدنيس "جامع الحوايلية" و اعتقال عدد من الأفراد كانوا يتهجدون فيه ثمّ سارعت بالهرب محتمية داخل الجوامع و المساجد أين قامت بالدعوة إلى الجهاد عبر مضخّمات الصوت وذلك حسب بلاغ وزارة الداخلية . هذه العناصر السلفية قد تسلّحت بالسكاكين والهراوات والزجاجات الحارقة في مواجهتها لقوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريقهم.
هذه الأحداث التي عرفت بضخامتها و سلّط عليها الإعلام الكثير من الضوء تضاف إليها كل حين بعض أحداث صغيرة هنا و هناك ليزداد حضور السلفية تأكّدا ..حضور قال فيه زعيم حركة النهضة "راشد الغنوشي" في تصريحه السبت 4 فيفري لجريدة الأهرام المصرية ( أنه ليس لتيار واحد بل لتيارات متعدّدة و أن السلفيين في تونس جزء من أبناء تونس و قد تعرّضوا للقمع و التعذيب و أن نصيبهم من القمع هو الأوفر بعد حركة النهضة..
لكن مواقف الأطراف السياسية الأخرى تبقى متباينة بخصوص السلفية و إشكالاتها في تونس و هي ما سنتناوله في الجزء المقبل و الثالث من الملفّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.