تعيين سفير في اندونيسيا    عملية صيانة كبرى في نقل تونس    استراتيجية تأمين الامتحانات    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    وزارة الداخلية تشرع في استغلال مقر جديد متطور للأرشيف    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب ودّي مختزل حول ملف اليسار
❊ بقلم: مازري مرتضى الزغيدي
نشر في الشعب يوم 27 - 03 - 2010

لاشكّ في أن تخصيص شطر كامل من صفحات صحيفة نقابية، للنظر في قضيّة شائكة للغاية، يمثّل من زاوية ما، إنجازًا توثيقيّا جسُورًا، وبادرة إعلامية ايجابية، تستحق بشأنها إدارة التحرير التنويه والثناء...
وبما أنّ موضوع اليسار ظلّ طيلة العقود الأخيرة قضية وطنية حسّاسة للغاية بجميع المقاييس وحجر الزاوية المركزي في تطوّر الحياة السياسية في بلادنا، فإنّ أيّ بحث منهجي متّزن ومسؤول لقضية اليسار، سواء ضمن كتاب أو محاضرة أو دراسة أو مقالة صحفية، يقتضي وُجُوبًا درجة عالية من الموضوعية والتجرّد النّزيه، وخزّانا ثريّا من المعرفة والإطلاع الواسع وتملّكا كاملا للمعطيات والمعلومات الثابتة، ومُعايشة مباشرة للأحداث من داخلها وليس من وراء البلور أو من خلف الستار، علاوة على تحكّم كامل في أقصى حدود الرصانة الموزونة، وتجنّب اللجوء إلى المناكفات الموغلة في الذاتية النرجسية والنّعرات النفسية وزرع ألغام الفتن الفكرية والسياسية والدينية التي لا تؤدّي إلاّ إلى تمزيق صفوف التونسيين أبناء وبنات الشعب الواحد المتضامن...
إلاّ أنّ قراءة هادئة ودقيقة ومتيقّظة لمجموعة النصوص التي تضمّنها الملف المذكور، تُجيزُ على أقل تقدير، الاستنتاجات الشكلية الفرعية التالية:
1 أنّ نشر الملف قد باغت الكثيرين، لا فقط في مضامينه المتحاملة، بل في توقيته أيضا، حيث لم يُعلن عنه مُسبّقا، على غرار ملف المرأة مثلا، فيكون هكذا قد فاجأ العديدين ووضع الجميع أمام الأمر المقضى.
2 أنّ النصوص التي لم تتضمّن سوى ترجمة أو تعريب لأقلام أخرى، لا يمكن اعتبارها وليدة اجتهاد فكري شخصي وُجهد تأليفي لأصحابها، وتظلّ هكذا مجرّد نقلٍ لأفكار الغير، وتكون بالتالي خارج دائرة التّعليق.
3 أنّ جميع بقيّة النّصوص (باستثناء نصّ وحيد من اللياقة عدم ذكر صاحبه) تُشعرُ المرأ بنوع من التوافق المسبّق بين أقلامها، بل وتُوحي بأنّها أقرب منها إلى ندوة منظّمة ببعض الاحكام، غايتها الأولى جلدُ حركة اليسار العربي والعالمي، ومحاكمة الإشتراكية وفلاسفتها وأهراماتها وروادها، والقدح المُتعصّب الموصوف والمتشنّج في جذور الثورة البلشيفية وتاريخها وإنجازاتها.
أمّا على مستوى المضامين المفصّلة التي وردت ضمن جميع النّصوص (دون اعتبار الحوار المنقول عن المفكّر الاقتصادي سمير أمين)، فإنّ الأمر يدعو على أقل تقدير إلى الاستياء، حيث تخلّصت جميع الأقلام المذكورة من الحدّ الأدنى من الإتّزان والمرونة والتواضع في البحث عن حقيقة جذور اليسار وتاريخ مسيرته العسيرة، والارهاصات والمصاعب التي عاشها طيلة العقود الأخيرة، والمنعرجات القاتمة التي مرّت بها جميع أجياله، والمحاصرة والتطويق والتشويه والمطاردة والملاحقة وكابوس المحاكمات الصورية التي تجرّع علقمها طيلة أكثر من نصف قرن، وجبال التضحيات الجسيمة والعطاء السّخيّ غير المحدود الذي قدّمته جميع أجيال اليسار العربي والعالمي، وماتزال تقدّمه بنفس السّخاء والعزم والحزم إلى حدّ اليوم...
فإذا أعادت تلك الأقلامُ قراءة نصوصها بدقّة وتجرّد، فإنّها سوف تخلصُ إلى أنّها لم تفعل في نهاية المطاف سوى الإنخراط في هستيريا تنديديّة ساخطة غير طبيعية بالمرّة ضدّ حركة اليسار والفكر الاشتراكي والثّورة البلشيفيّة، وضدّ التراث الفكري والنقابي والسياسي العالمي للطبقة العاملة والجماهير الشّعبية العريضة في كامل أنحاء المعمورة...
... وبما أنّ كلّ خطاب يكون مشحونا تحاملاً وهستيريا وتجنّيا وتشنّجا، يفتقد بطبيعته للتحاليل المادية النقديّة والتفكيكات الجدلية المنهجية، فإنّ تلك النصوص المذكورة أسقطت نفسها مع الأسف في خانة ذلك الخطاب الخشبي المتحامل العتيق، وبالنتيجة فهي لم تقدّم للقارئ التونسي المطّلع على خفايا التاريخ ومنعرجات التحولات، لا الفائدة ولا الاضافة التي ظلّ طويلا متعطّشا لها...
كما أنّ ذلك الخطاب المتحامل لم يفعل سوى ترويج فقرات مُطوّلة ومختارة من خُطب وزراء الداخلية في البلدان العربيّة والغربية على حدّ السّواء وسموم أبواق الدعاية الرأسمالية والأنظمة العملية الإستبدادية، وإعادة انتاج فجّةٍ ومُتعجرفةٍ وقاحلةٍ لإسطوانةٍ امبريالية مشروخة تعود الى بدايات القرن الماضي، ومازالت متواصلة الى حدّ اليوم في صيغ متنوّعة وقنوات مختلفة ومصطلحات مُستحدثة للغرض ومنابر وأساليب جديدة قديمة...
... كما أنّ ذلك التعامل الفكري الفجّ مع موضوع اليسار العربي والعالمي من طرف تلك النّصوص المُتحاملة، لم يفعل سوى تذكير النقابيين وفصائل اليسار والقوى الوطنية والديمقراطية الأخرى وجميع قرّاء صحيفة »الشعب«، بتلك المقاربات المتكلّسة القاحلة التي اجترّتها طويلا عناصر التيار الغيبي السّلفي حول حركة اليسار والاشتراكية، سواء في بلادنا أو في بقيّة بلدان الوطن العربي، والتي خصّصت لها من أجل ترويجها الأموال الطائلة وبعض الجرائد الصفراء وبعض القنوات التلفزيّة العربية التي يساهم في رأسمالها وميزانياتها أسامة بن لادن وحسن نصر الله وأيمن الظواهري وهاشمي رفسنجاني والعديد من أباطرة النفط وتجّار الأسلحة..
1 لماذا التّغاضي عن عطاء اليسار وتضحياته؟!
لقد أجمعت أغلب النّصوص الواردة في الملف على توافق مشترك غير طبيعي بالمرّة وبعيد تماما عن الانصاف في حدّه الأدنى، تمثّل في التغاضي الكامل والمتعمّد عن خزّان العطاء وماراطون التضحيات الجسيمة التي قدّمتها بسخاء وإيمان جميع أجيال اليسار التونسي والعربي عموما خلال معارك التحرّر الوطني ومقاومة الاستعمار القديم المباشر، ثمّ انطلاقا من الستّينات وإلى حدّ اليوم وغدا وبعد غدٍ، في التصدّي للحكم الفردي القمعي وأنظمة من القصر إلى القبر الرأسمالية، العميلة للاستعمار الجديد، وفي مقاومة جميع التعبيرات الايديولوجية والاقتصادية والثقافية والسياسية للعولمة الرأسمالية وللغزو الامبريالي الغاشم...
... إنّ سجّلات نضالات اليسار ضمن أو في طليعة المواقع السياسية والنقابية والثقافية والمدنية، وتضحيات كوادره ومناضليه ومناضلاته طيلة الخمسة عقود الأخيرة بالخصوص من أجل الحقوق الأساسية والحريات العامة والانعتاق الإجتماعي والتحرّر الوطني المناهض للامبريالية ومناصرة قضايا الحق والعدل في العالم، هي سجّلات ثريّة ضخمة لا يسمح هذا الحيز المحدود الآن بالإطناب في تفصيلها وتبويبها، فضلا على أنّها سجلاّت تفضّل التحدّث عن نفسها بنفسها عبر شواهدها العديدة، بما أنّها مُوثقة بالتفصيل داخل الذاكرة الفردية والجماعية، ومُدونّة بدقة مخابراتية ضمن جميع مواقع أجهزة المطاردة والمباحث والتعذيب والتحقيق والمحاكم، بل أنّ صداها ينبعث حتّى من شقوق الجدران العاتية الخرساء للسّجون والمعتقلات القاتمة.
كما أنّه من التجنّي المجحف المتعمّد، التغاضي الفجّ عن احدى حقائق التاريخ المُدوّن وهي المتعلّقة بأنه اليسار هو أوّل من صاغ الشعارات المركزية الأساسية والفرعية التي ترفعها اليوم إلى جانبه مكوّنات الحركات المدنية والنقابية والديمقراطية، بل أنّ الحزب الحاكم نفسه وأحزاب الطاعة الكرطونيّة وحتّى طواقم التيار الغيبي السّلفي المُعادي للمدنية، قد إلتقوا في اللجوء الإنتهازي التضليلي المدروس إلى رفع بعض شعارات اليسار والتظاهر المخادع بتبنّيها اللّفظي من أجل غاية وحيدة وهي شراء الوقت لا غير.
كما أنّه من باب التجنّي والتّنكر الفجّ وخلط الأوراق أن يتناسى هذا الطرف أو ذاك أنّ اليسار هو الابن البيولوجي الشرعي للحركة الطلابيّة المجيدة عند انطلاقتها الأولى، وفي ذات الآن، الطّليعة المناضلة الأكثر إلتزاما وثباتا وحيويّة وحزمًا داخل الاتحاد العام لطلبة تونس وهياكله وقواعده، وهي الحالة البنّاءة التي ساهمت بقدر وافر في صمود الاتحاد عبر قياداته وهياكله المتعاقبة منذ برنامج 73 الشّهير والهياكل النقابية المؤقتة وإلى حدّ إعتقال مناضليه ومناضلاته وكوادره ومحاكمتهم وسجنهم في أكتوبر 2009 والاحتفاظ بمهم داخل المعتقلات إلى حدّ اليوم...
2 الملف: لائحة اتّهام ضدّ الإشتراكية العمّالية
إنّ ظاهرة الدراسات والكتابات النّقديّة لليسار وللإشتراكية ومؤسّسيها الأوائل وأهراماتها ونوابغها وروّادها، ليست ظاهرة جديدة على الاطلاق، ولم تبدأ اليوم ولن تنتهي غدًا... فالمجلدات والمراجع الناقدة في هذا الغرض تعود إلى بدايات القرن الماضي، ولم تقتصر تلك الزوابع الناقدة على مؤلفات فلاسفة ومفكري اليمين الرأسمالي العالمي، بل انخرطت فيها أيضا صحافته وقنواته الأخطبوطية، وحتّى أقلام الأدب والمسرح والسّينما... إضافة إلى منابر الفتاوي الغيبية وأقلام أمراء السّلفية القدامى والجدد، التي تتجاهر أكثر من غيرها بقليل بعدائها الشّديد المتأصّل في بنيانها الفكري والنّفسي نحو اليسار والاشتراكية العمّالية، بل وتفاخر علنا بذلك العداء وتنافس فيه دوائر الرأسمالية والعولمة الامبريالية وأدواتها وأقلامها...
... وضمن هذا المضمار، يظلّ من الحيوي للغاية عدم الخلط بين جلد اليسار والتجربة الاشتراكية السوفياتية بقيادة البلاشفة من منطلقات اليمين الرأسمالي الامبريالي ومقاييس الغيبية السّلفية، وبين نقد اليسار وثورة أكتوبر وستالين وروزا لوكسمبور من داخل الفكر الماركسي اللينيني نفسه وضمن ثوابت الاشتراكية العمّالية دون سواها...
ففي الحالة الأولى، لا يجوز إطلاقا اعتبار ذلك نقدًا (ولا حتّى لوْمًا أو مؤاخذة)، بل أنّ ذلك يشتمل تماما على جميع أركان الحرب السياسية والنفسية المدروسة التي تشنّها الرأسمالية الامبريالية منذ عقود على قوى اليسار والاشتراكية بتسخير أدواتها ومنابرها وقنواتها وأقلامها للغرض من داخل صفوف فئة محدّدة من المتعلّمين الذين خلعُوا جلدتهم، والمهلّلين للعولمة الرأسمالية والمتواطئين معها (في أغلب الأحيان) بدون مقابل يستحقّ الذكر...
وضمن ذلك المنظور، فإنّ كلّ منْ يقرأ جيّدا النّصوص المنشورة في الملف المذكور، وخصوصًا ما بين السّطور (بما في ذلك أصحاب النصوص أنفسهم)، سوف يُدرك دون عناء كبير أنّها نصوص أدرجت نفسها بإرادتها ليس إطلاقا ضمن الدراسات النقدية المنهجية بل ضمن خانة الطعن والقذف والشتم والتقزيم وبثّ الشكوك وزرع الاحباط والحرب السياسية والنّفسية التي تلتقي في شنّها داخل خندق واحد، دوائر الرأسمالية وخفافيش السّلفية على حدّ السّواء، ضدّ اليسار اللينيني والإشتراكية العلمية، خصوصا بعد إلتحاق رموز التحريفيّة المتخاذلة (القدامى والجدد) بركب تلك الحرب القذرة...
وبآعتبار أنّ الزمان يدُرّ الكثير من المفارقات والتوافقات والشطحات والطبخات ذات الاثارة المذهلة، فإنّ ذلك المجال من الحرب السياسية والنفسية على اليسار الوطني وثورة أكتوبر المجيدة وعلى كارل ماركس وفريديريك إنڤلز وفلاديمير لينين وجوزاف ستالين وحتّى على أرنستو ڤيفارا وفيدال كاسترو،،، ذلك المجال أصبح يمثّل خليطا من الفقاقيع والزبيب والحمص يجمع بين ميشال فوكو وحسن البنّا ومحمد النافع وجورج مارشي والصادق المهدي ودونالد رامسفيلد وأحفاد الخميني وخالد مشعل والمُلاّ عمر وهيلاري رايس وغيرهم، ضمن خانة المعاداة الدموية المتأصّلة لليسار الثوري وللإشتراكية العمّالية المنشودة تحت راية الطليعة البروليتارية المناضلة والقادة الثوريين...
3 اليسار: ليس راية شخصيّة أو عائليّة أو عشائريّة موروثة...
لقد شهد مصطلح »اليسار« في بلادنا، أمواجًا عاتية من اللخبطة والفوضى والبلبلة والغموض، وحتّى بعض الديماغوجيا، حيث وصلت الحالة إلى إختلاط الحابل بالنابل بصورة تدعو إلى اليقظة الحازمة وحتميّة إبراز خطوط التباين ونقاط التّماس... فمنذ تأسيس الجامعة التونسية سنة 1958 ومع مرور سنوات نشأتها الأولى، شقّ مصطلح اليسار طريقه من داخل منابر الحركة الطلابية المجيدة، وترعرع بين أحضان تربة الاتحاد العام لطلبة تونس، وصولا إلى بعض التنظيمات والأحزاب النّاشئة ذات التوجهات العامة القريبة من الماركسيّة، على غرار حركة آفاق وتنظيم العامل التونسي ومنظمة الشعلة والتجمع الماركسي اللينيني التونسي...
كما أنّ مصطلح اليسار توفّق إلى حدّ كبير في الإشعاع غير المسبوق داخل النقابات وجمعيات المجتمع المدني المستقل وفي صفوف الطلبة والعمّال والتلاميذ والمحرومين من الشغل والمهمّشين، بل وصل إشعاعه الواسع إلى قطاعات الأدب والمسرح والسّينما والإدارة والمهن الحرّة وحتّى داخل صفوف القوات المسلّحة...
... ولكن مع إحتدام الصراع الطبقي وتصاعد وتيرة الاستغلال الرأسمالي وتبلور الوعي الاقتصادي والطبقي والسياسي للطبقة العاملة والجماهير الشعبية العريضة، ومع تفاقم الغطرسة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية للعولمة الامبريالية على الشعوب والأمم في العالم (بعد مؤامرة تغييب الاتحاد السوفياتي وتفكيك أوصاله)،، ومع إنتعاش روح المقاومة الوطنية وحركات التحرّر من ربقة الاستعمار الجديد الغاشم والصّهيونية العنصريّة الاستيطانية، ومع موجة الإرتداد والتراجع والتخاذل والتخلّي والتحريف والصّمت والتواطؤ والمبايعة،، كان لابدّ أن تنتهي اللخبطة الشّديدة التي عانى من ويلاتها طويلا مصطلح اليسار، ودفعت فصائل اليسار لوحدها ثمنا باهظا لتلك اللخبطة المزمنة!!
... كما أنّه بسبب تلك اللّخبطة المدمّرة التي وقفت وراءها طويلا أطراف محدّدة مثل الشجرة التي تخفي الغابة، فإنّ مكاسب اليسار الوطني المناضل وإنجازاته اليوم، لم تكن إطلاقا في حجم عطائه السّخي وتضحيّاته الجسيمة وفدائه الغزير وجبال المعاناة والمآسي المريرة التي تجرّع علقمَها طويلا وإلى حدّ اليوم جميعُ أبنائه وبناته وكوادره ومناضليه وقادته...
فمثلما أنّ اللّينيّة هي ماركسيّة عصر الإمبريالية، فإنّ عصر العولمة والتحريفيّة والسّلفية يحتّم وجوبا حصر اليسار وفكر اليسار وحركة اليسار نفسها في قوى الثورة الإشتراكية العمّالية وتراثها البلشيفي الثوري وجذورها الماركسيّة وثوابتها اللّينينية...
... غير أنّ هذا الحصر الحازم لماهية حركة اليسار وجذورها وثوابتها وأهدافها، لا يعني إطلاقا ومهما كانت الأحوال والظروف، إعتبار اليسار »ملكية خاصة« موروثة لهذا الطرف أو ذاك، ولاراية شخصيّة أو عائلية أو قبليّة متوارثة، ولا أيضا نفقا دامسًا منعزلا عن الصراع الميداني...
كما أنّه من الخور السياسي إعتبار حركة اليسار فوق الطبقات أو فوق التاريخ أو فوق الوطن أو فوق بقيّة القوى الوطنية والديمقراطية وحركات المقاومة الاجتماعية والمدنية المناهضة لأنظمة من القصر إلى القبر الإستبداديّة و»كرتال« أحزاب الطّاعة البرلمانية الكرطونيّة وللعولمة الامبريالية والصهيونيّة العنصريّة الاستيطانيّة...
... كما أنّه لا يُمكن لأيّة قوّة فكريّة وسياسية إعتبار نفسها عن جدارة حركة يسار لينيني أصيل إلاّ إذا برهنت على أرض الصراع الفكري والاجتماعي (وليس على الورق فقط) على أنّها:
تتمسّك بحزم شديد وإيمان مبدئي راسخ بجذورها العمّالية وثوابتها الاشتراكية الماركسية.
تقاوم بشدّة فولاذيّة داخل صفوفها وحول صفوفها جميع الأطروحات والتيّارات التحريفية المهزومة والمهزوزة في نمطها القديم وفي نمطها الجديد، أي التحريفيّون الجدد والقدامى على السّواء.
تُجيدُ تبوّؤ موقع طليعة الفكر الوطني والقومي العلماني المناهض للرأسمالية وأنظمتها السياسية وللعولمة الامبريالية والصهيونية الفاشية الإستيطانية، وتجسّدُ كلّ تلك المهام اليومية على أرض النّضال الحازم، وليس فقط في البيانات الموسمية والكتب والمقالات الصحفية، حتى تكون فعلا وممارسة إحدى طلائع التغيير الاجتماعي الجذري...
تُحاربُ بعزم حديدي لا يلين منابع الفكر اللاّهوتي الغيبي الاستبدادي المنافي للمدنيّة، وجميع تشكيلات السلفية بمختلف طواقمها وإفرازاتها المعادية بنفس المقياس للديمقراطية والاشتراكية على السواء، وأنّها شرعت في التخلّص بحزم من سراب »الاسلام السياسي« المُخاتل، حتى تضمن لنفسها وللأجيال القادمة تحصينا كاملا من مخاطر الإنزلاق نحو متاهات السلفيّة وأنفاقها المظلمة، وبوجه أخصّ، التحصّن من أوهام التعويل عليها ولو يومًا واحدًا في إنجاز مهام القوى المدنيّة الوطنيّة وتوسيع آفاق الحركة الديمقراطية المناهضة لأنظمة الاستبداد الوضعي وغير الوضعي على السّواء.
تضعُ في سُلّم إهتماماتها الأساسيّة في المرحلة الراهنة، مهمّة إنجاز جبهة وطنية موحّدة لجميع فصائل اليسار ومكوّناته ورموزه، من أجل توحيد الصفوف وتجميع الطاقات، ووضع نهاية لحالة التشرذم والتفرقة السّائدة منذ سنوات طويلة على أساس أرضية سياسيّة مشتركة وبرنامج سياسي مرحلي جماعي...
تُجيدُ توظيف خبرات تلك الجبهة الوطنيّة لليسار الموحّد ضمن الحركة الديمقراطية الواسعة وخدمة لمهامّها وأهدافها، بعيدًا تماما عن النّعرات »الفصائليّة« الضيّقة الأفق...
تتدرّب على الإقتناع التدريجي الجريء بأنّ مسيرتها ومنعرجاتها وتحالفاتها وأساليب نضالها وآليات تواصلها الجماهيري غير معصومة بتاتا من الأخطاء والإنزلاقات، وكذلك أيضا كوادرها ومناضلوها وقياداتها، والاقرار بأنّ الخطر الكبير لا يكمن في الخطإ في حدّ ذاته،، بل في عدم الاعتراف به أوّلا، وعدم مراجعته ثانيا، وعدم التعلّم منه ثالثا، وعدم الاتعاظ به رابعا، وعدم إستخلاص العبرة والدروس منه خامسا...
تُواجهُ برباطة جأش عالية وحازمة كلّ أنواع الحملات السياسية المعادية لفكر اليسار وللاشتراكية العلمية ولمصالح الطبقة العاملة الحيوية ولثورة أكتوبر المجيدة الجبّارة، مع اعتبار تلك الحملات الدعائيّة المتحاملة (مهما كان مصدرها) مجرّد حرب نفسيّة ومعنويّة خشبيّة وفجّة غير مستغربة إطلاقا من جانب أبواق الآلة الاعلاميّة الأخطبوطية للرأسمالية الامبريالية، يُؤازرُها في ذلك الثالوث السيء الصيت والسّمعة المتشكّل في عصر العولمة من أنظمة العمالة والاستبداد والتحريفيّة المرتدّة والسّلفية الظلاميّة، ضمن تحالف موضوعي مُعلن غايته الأساسية حماية الرأسمالية الامبريالية وإطالةُ عمرها، ومحاربة الاشتراكية والانعتاق الإجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.