يكاد الجميع يعلمون بأن مسلسل الصراعات الدموية المدمرة بين أباطرة الامبريالية الامريكيةوالغربية وشبه المستعمرات الجديدة التي تدور في فلكها من ناحية، وجحافل السلفية «السياسية» ورموزها وأحفادها من ناحية ثانية، ليس وليد اليوم أو الأمس القريب... فالحرب الضارية بينهما بدأت خفية ثم معلنة منذ ثلاثينات القرن الاخير من الألفية الثانية المنقضية... ولكن تلك الحرب بين الامبريالية والسلفية (بجميع توجهاتها وألوانها وتعبيراتها وتشكيلاتها)، لم تكن دائما المرآة التي تعكس عداوة مبدئية ثابتة او تناقضا جذريا مطلقا بينهما، حيث انه لم توجد في تاريخ الشعوب والصراعات العالمية، علاقة اكثر تعقيدا وتشعبا وتشابكا من علاقة الامبريالية بالسلفية. منذ فجر انطلاقتها من عهد المفتى الأكبر حسن البنّا في مصر، مرورا بأبي الاعلى المودودي في الباكستان والقاعدة وطالبان في أفغانسان، وصولا الى حسن الترابي والصادق المهدي في السودان... 1 السلفية: زيغ عن إسلام الخلفاء الراشدين... تفيد ملفات تاريخ الأديان السماوية وأغلب دراسات الباحثين غير المتعصبين وغير المتحزبين والمتخصصين في علم اجتماع الأديان، بأن الابستمولوجيا والأنطرونولوجيا قد أجمعتا معا بأنه لا يجوز من الزاوية المعرفية البحتة، تصنيف اي دين أو ديانة ضمن خانة النظريات او الفلسفات او الاديولوجيات، اي ان الدين ليس اطلاقا فلسفة او نظرية او ايديولوجيا في حد ذاته، لأنه دين تحديدا، ولأنه دين لا غير... ولأنه لا يريد ولا يتحمل ان يتحول الى اقل او اكثر من دين!! فالمواقع الطبيعية الطاهرة الوحيدة لجميع الأديان دون استثناء (الاسلام واليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية وغيرها...) تتمثل في الكنائس والمساجد وكل انواع فضاءات التعبّد، وايضا في القلوب والنفوس والوعي واللاوعي والضمائر البشرية... ... ولكن في المقابل، فانه من الجائر اعتبار اي دين جزءا أو جناحا او خلية منصهرة ضمن تركيبة نظرية ما او فلسفة ما او ايديولوجيا ما او ثقافة ما... وبما أننا نحن العرب المسلمون نعيش في بلدان مسلمة وضمن شعب مسلم ونعتز بذلك سرا او جهرا (لأن الاسلام دين قاوم الاصنام والعبودية واللاهوت والغيبية والظلم والظلام...) ، فإن رواد ذلك الاسلام الواحد الوحيد الذين يجوز اعتبارهم الممثلين الفقهيين الوحيدين له، لا يمكن ان يكونوا سوى الأربعة خلفاء الراشدين، وهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان (الذي تزوّج تباعا ابنتي الرسول) وعلي بن أبي طالب، حيث ان دعواتهم وخطاباتهم وأحاديثهم لم تكن تندرج سوى في اطارها الديني المدني الطبيعي، وهو اطار النداء الى العفة والتسامح والطيبة وفعل الخير وحبّ الخير للغير والرأفة ومحبة الوالدين ومساعدة المحتاجين والمساواة ونبذ التعصب المدمر،، وهي وغيرها قيم انسانية نبيلة وتعاليم سامية ترجمتها أحاديث وآيات مختلفة على غرار «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وكذلك «وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت» وايضا «ولكم دينكم ولي ديني» وغيرها... ... ولكن (وهذا بيت القصيد) يبدو أن انهيار دولة الامبرطورية العثمانية قد شكّل ورما نفسيا وعصبيا لبعض المسلمين، دفع بهم مع مرور السنوات الطويلة الى صياغة ردّة فعل في منتهى التشنج والعنف والتعصب لم يتوقعها ملايين المسلمين أنفسهم، وهي ردة الفعل النفسية التي مثلت البذرة الاولى في زراعة السلفية، أو ما اصطلح عليه جزافا وتجاوزا «الاسلام السياسي» من طرف اقلامها وبعض الاقلام والاصوات التي تقاسم السلفية لخبطتها الحضارية المرتبكة التي تعيش وتتنفس ضمن دائرتها الضيقة والتكلّس التاريخي المتأصل الذي تعاني من تبعاته وتداعياته... وضمن ذاك السياق تحديدا، يظل من الحيويّ للغاية، الاشارة الى ان السلفية، بصفتها تيارا دينيا مستحدثا وزيغا مطلقا عن اسلام الخلفاء الراشدين، تعرف اكثر من الجميع أن حشر الأديان في السياسة يمثل تدنيسا لطهارة تلك الأديان نفسها، وأن ممارسة السياسة من داخل الأديان وحشرها بين جدرانها الفولاذية يمثل بالضبط قرعا لطبول الحروب الدينية الصليبية الجديدة المدمرة للنشر والحجر والشجر، والناسفة لمنابع الحياة البشرية... 2 التناسل الأخطبوطي للسلفية: إن الدراسة الميدانية والبحوث الموضوعية الجريئة والمتابعة اليقظة لمسار بذرة السلفية ونشأتها، تجيز الاعتقاد بأن السلفية بجميع تعبيراتها وتلاوينها وخطاباتها المزدوجة هي جوهريا سلفية واحدة وذات جذور واحدة وغايات واحدة... كما ان رصد نشأتها ونموّ أخطبوطها يوحيان بأن السلفية ليست فقط وليدة الزيغ المطلق عن اسلام الرواد الأوائل (عبد الرحمان الكواكبي جمال الدين الأفغاني محمد عبده وغيرهم)، بل هي ايضا وليدة موضوعية غير مباشرة للرأسمالية العالمية والعولمة الامبريالية بما أنتجت سياساتها الطبقية المجحفة من استغلال للعرق والأنفاس ونهب لثروات الشعوب والأمم والأقليات ومسخ منهجي لثقافاتها الوطنية وفسخ لتاريخها وحضاراتها ونسف لكياناتها وسيادتها وعدوان آثم على بلدانها واحتلال لأراضيها وترويج الفساد المالي والأخلاقي، وتكديس الفقر داخل صفوف الشعوب والثراء الفاحش لدى الأقليات، وإحلال الأمية والأوبئة والأمراض الجنسية الفتاكة... كما ان سياسات الطغيان والقمع والاستبداد والحكم الفردي والعائلي والطائفي والقبلي، ساهمت الى حد بعيد في ظهور السلفية (بجميع تعبيراتها وانتشارها على الأصعدة المحلية والعالمية... ولكن كل ذلك لا يعني اطلاقا وبأية صورة من الصور، ان السلفية سوف تفقد سبب وجودها بمجرد انتصار الشعوب والأمم، وإحلال مناخ من التحرر الاجتماعي والانعتاق الديمقراطية والوطني وتقرير الشعوب لمصائرها بنفسها... وإطلاقا لا،، وقطعا لا : فالسلفية بجميع رموزها ومدارسها، من شمال افريقيا الى أفغانستان والعراق الشقيق وايران الفارسية واليمن والسودان، مرورا بمصر وفلسطين المحتلة ولبنان، لم تدرج ضمن أولوياتها الاساسية سوى الحرب الدينية الصليبية المدمرة في وجه كل من يناهض توجهاتها السلفية الرئيسية، اي ولاية الفقيه وفرض نظام الخلافة في صوره المستحدثة: (المُلاّ عمر، آية الله الخميني ومشتقاته، الأمير الأوحد أيمن الظواهري، المرشد العام محمد بديع...) فالحرب الضارية التي تدور رحاها منذ سنوات طويلة بين الامبريالية والسلفية لا علاقة لها اطلاقا بنضالات الشعوب والأمم والأقليات ومطامحها الشرعية نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية والانعتاق الاجتماعي والثقافي والتحرر الوطني... وبالعودة الى أرشيفات الكتابات السلفية (القديمة منها والحديثة)،، يطلع المرء على تعابير ومصطلحات لا يستعملها سوى أقطاب ومنابر وحناجر السلفية (حسن البنّا سيد قطب الظواهري خالد مشعل حسن الترابي الملاّ عمر محمود أحمدي نجاد الصادق المهدي حسن نصر الله...) على غرار : «مقاتلة الشيطان الأكبر» و «الكفّار واليهود» و «قوى الاستكبار» و «جيوب العلمانية» وغيرها... ... وهكذا، وككل حرب دينية ماضيا وحاضرا ومستقبلا فان الحرب الضروس بين الامبريالية والسلفية والتي يؤججها الطرفان معا ومن ورائها أباطرة شركات الاسلحة الأخطبوطية، لا يكتوي بألسنة نيرانها الحارقة وصواريخها وديناميتها فوسفورها ومتفجراتها سوى المدنيين الابرياء بدرجة اولى مطلقة، من اطفال وصبايا ونساء وشيوخ، وخصوصا في أفغانستان وباكستان واليمن ولبنان وفلسطين المحتلة والعراق الشقيق، فيما يظل القادة العسكريون وضباط المخابرات والقلاع العسكرية وقواعد الجنود ومخازن العتاد والذخيرة والمطارات في شبه أمان: فتنظيم القاعدة (مثالا لا حصرا) لم يطلق منذ تأسيسه ولو رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني، في حين تسبب أحفادها الانتحاريون الحاملون لأحزمة ناسفة او من داخل سيارات مفخخة، في محق أرواح الآلاف من أبرياء الشعب العراقي في الطريق العام وفي المدارس والجامعات والاسواق والمساجد والمراكز الثقافية والفضاءات المسكونة والآهلة بالنساء والاطفال والمستشفيات وحتى داخل الحدائق العمومية!! 3 «الإسلام السياسي» الطريق الجديد للسلفية... لقد وضعت أرشيفات مسار السلفية امام الباحثين الموضوعيين غير المتحزبين والدارسين والمتابعين، سلسلة من الحقائق الناطقة التي دعّمتها الاحداث والتحولات والتحالفات والصراعات التي عاشها القرن الاخير من الألفية الثانية المنقضية... ومن أبرز تلك الحقائق الصادرة من أحد منابع السلفية نفسها، هي الحقيقة الفقهية الأصلية للسلفية... ولقد عبّر عنها بإطناب مفصّل علني الشيخ عزام التميمي، مؤسس مركز الفكر الاسلامي السياسي (ومقره العاصمة البريطانية) ضمن خطاباته الواردة في برنامج تلفزي بقناة الحزيرة، حين أعلن امام الجميع بأن التيار العام للسلفية الذي نسج خيوطه خلال العشرينات من القرن الماضي كل من سيد قطب وحسن البنّا في مصر، لم يكن عند بذرته الأولى سوى تيارٍ أخلاقيّ عامٍ يدعو الى العفّة والطهارة والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتيان الحسنات، وفي نفس الوقت يدعم بالهداية ومحبة الوالدين والحث على الصلاة والصوم والزكاة والحجّ لمن استطاع اليه سبيلا... ولأنه تيار دعوة حسنة.. فلقد حاز تيار السلفية مؤازرة ملايين المسلمين ومساندتهم الطبيعية البريئة، لا فقط داخل البلدان العربية المسلمة، بل وايضا في البلدان غير العربية التي يعيش فيها مسلمون بالمئات او بالالاف او بالملايين، على غرار الهند، والصين والاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية وغيرها... كما انه مع البدايات الاولى لظهورها، كانت حركة «الإخوان» في مصر وسوريا وفلسطين المحتلة والأردن عبارة عن مجموعات شيوخ متناثرة تدعو الى لأخلاق الفاضلة والتسامح الديني والاصلاح التربوي والاجتماعي... كما ان نفس ذلك التوجه المدني الاجتماعي ينسحب ايضا على بقية المجموعات السلفية الأخرى (سواء كانت سُنيّة أو شيعيّة) في الجزائر وتونس والمغرب والسودان والصومال وأفغانستان ولبنان... وفي هذا السياق تخصيصا،، فإن مسار نشأة تنظيم (القاعدة)، بصفته حامل لواء السلفية السياسية ورأس قيادة الأركان، يمثل نموذجا معبرا لما أفادنا به الشيخ عزام التميمي في أحاديثه، حيث أن البداية الأولى كانت عند تأسيس «هيئة النصيحة والاصلاح، على أيدي الشيخ عبد الله العزام (وجميع قادة طالبان والقاعدة من تلاميذه الأوائل، ثم غيّر اسم الهيئة وحوّلها «الجبهة الاسلامية»، واثر وفاته، خلفه بن لادن في منصب قيادة الجبهة لمدة سنوات قليلة، ثم أسس بدلا عنها ما يسمى اليوم «تنظيم القاعدة». ... فالأحداث والصراعات المحلية والاقليمية والعالمية تمثّل المحك الرئيسي الناطق، وهو الذي أيقظ العالم بأسره من الغفوة والبلبلة المربكة التي افترست الأذهان طويلا واقتحمت بعض العقول (حتى المتنوّرة منها). فالاحداث بجميع تفاصيلها واسرارها وخفاياها، برهنت بما لا يدع اي مجال للارتباك او الحيرة او البلبلة او اشتباه السبل، على ان شجرة السلفية، شجرة واحدة وحيدة، مقدسة لدى روادها ولا تتحمل اطلاقا اية «مراجعات فكرية» موهومة ومزعومة، لأنها شجرة غير أرضية وغير وضعية... كما ان جذور جميع التنظيمات السلفية وأبواق «الاسلام السياسي» بالخصوص، تمثّل جذورا مرجعية واحدة لا تنفصم وغير قابلة للتجزئة إطلاقا، وان السلفية السياسية مهما تلونت وركبت القضايا الاجتماعية والمدنية تظل سلفية واحدة من موريتانيا الى أفغانستان... أما مناداة بعض الاصوات السلفية مما تسمى نفسها «الاسلام السياسي» (في بعض الصحف المشرقية وبعض القنوات النضالية المعروفة) بقبولهم التعايش و «العمل المشترك» مع ما أسموه «العلمانية الجزئية» الموهومة، فهي لا تندرج سوى في خانة ذر الرماد القاتم على العيون وضمن اختيار الشجرة التي تخفي الغابة، وهو ما يمثل أبشع نوع من انواع المخاتلة المدروسة بدهاء ومكر شديدين... 4 بصمات السلفية على نضالات الجماهير والشعوب: مثلما يعلم رواد السلفية قبل غيرهم، ومثلما تعلم مكونات المجتمع المدني المستقل وجميع فصائل الحركة الديمقراطية في اي بلد من بلدان الوطن العربي (وحتى في البلدان غير العربية)، فإن الخطاب السلفي العام من حيث ماهيته الفقهية الصرفة لا يدرج اطلاقا ضمن أولوياته الثابتة أيّة قضية من القضايا المدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لأنه يفتقر تمام لأية استراتيجيا في الغرض خارج ولاية الفقيه ونظام الملالي... ولأن ذلك الخيار يمثّل فعلا احدى الثوابت الاساسية للسلفية، فان أحفادها لم يضيفوا اي دفع ايجابي في مسار نضالات الجماهير الشعبية وتعبيراتها المنظمة، بل العكس هو الذي حصل، حيث ان الذاكرة الوطنية (الفردية والمشتركة) في اي بلد عربي، قد سجلت بمرارة كبيرة إساءات السلفية البالغة لمسيرة الحركات النقابية (العمالية والطلابية على حد السواء) ومنظمات المجتمع المدني المستقل والاحزاب السياسية الوطنية ذات السيادة... كما يذكر الجميع مدى استهتار السلفية وروادها وأحفادها القدامى والجدد بمكانة تلك الحركات والمنظمات والاحزاب الوطنية، وتشويه صورتها وتخريب نضالاتها والتشهير الاستخباراتي بقادتها ورموزها ومناضليها ومناضلاتها، رغم انه مع مرور السنوات، وفي نطاق طبخة جديدة مخاتلة ومعدة فقط للاستهلاك وشراء «الوقت» وتعديل الأوتار واستعادة الموقع الضائع، وصلت التعلميات الجديدة من العاصمة البريطانية حيث مركز الفكر الاسلامي السياسي (ومؤسسه الشيخ عزام التميمي) والمنادية بترويج ثقافة ركوب القضايا المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية، من اجل مزيد من البلبلة في الأذهان وخلق اكبر قدر من الارتباك الفكري والسياسي داخل المجتمع، وبدرجة أولى صلب الحركات والنقابات والاحزاب والاتحادات والمنظمات الوطنية ذات السيادة... أما بصمات السلفية المباشرة وغير المباشرة على نضالات الشعوب والأمم والاقليات من أجل التحرر والانعتاق، فالصورة العامة تصرخ بمشهد مفزع يبعث على الانشغال الشديد... فقضية الثورة الفلسطينية المجيدة تمثّل نموذجا مريرا مرارة العلقم، حيث ان التيار السلفي داخل المقاومة الفلسطينية (رغم صلابته العسكرية الميدانية وطاقة صموده امام العدو الصهيوني)، قد غلّب جذوره الفقهية تماما على الطابع التحرري الوطني لقضية الشعب الفلسطيني، وانغمس كليّا في حوض تحالفات سلفية خالصة غير وطنية تزيد من تهميش القضية الفلسطينية ولا تقدم اي شيء للشعب الفلسطيني المحاصر تحت الاحتلال... كما ان إضفاء الطابع السلفي التام على قضية الشعب الفلسطيني والزيغ بها عن ماهيتها التحررية الوطنية، أضاف مزيدا من التنافر والاقتتال مع اليمين الفلسطيني الماسك بسلطة ورقية موهومة، وزاد من تأجيج نيران السلفية اليهودية الشوفينية والمزيد من العداء الصهيوني للشعب الفلسطيني وتقليص دائرة الاصدقاء والمناصرين للقضية الفلسطينية العادلة... كما ان نفس المشهد العام تقريبا ينسحب بصورة او بأخرى والى هذا المدى او ذاك، على مجمل الأوضاع الميدانية في العراق الشقيق، حيث يكاد الطابع الطائفي يطغى على المضمون التحرري الوطني لحركات المقاومة العراقية المناهضة قولا وممارسة للاحتلال العسكري الامريكي وعملائه في الطغمة الحكومية الحالية والنفوذ الايراني الكامل الذي اكتسح الارض والاجهزة والمؤسسات وأهم دواليب النظام العميل في العراق الشقيق... 5 مرجعية السلفية: النمط الرأسمالي الإيراني: يكاد يكون الاجماع عاما وشاملا بأن الثورة الشعبية العارمة التي فجرها ابناء، وبنات الشعب الايراني سنة 1979، قد مثّلت تحوّلا استراتيجيا في المنطقة وفي العالم، ما دامت قد أطاحت بأعتى الديكتاتوريات الرأسمالية نهبا واضطهادا التي عرفها التاريخ الحديث، حيث ان انهيار شاه ايران الاول (حارس مصالح الامبريالية) قد مثل انتصارا نوعيا رائعا غير مسبوق للشعب الايراني بجميع طبقاته وجماهيره الشعبية وقواه الوطنية، ولشعوب المنطقة وشعوب العالم بأسره... ... ولكن، رغم ان كافة الطبقات الشعبية وجميع القوى السياسية من اليمين الديني وغير الديني الى قوى الليبرالية وصولا الى مكونات اليسار الاشتراكي قد قدمت مساهمات فاعلة واساسية يسرت انتصار الثورة الشعبية المناهضة للشاه الدموي، فإن مجموعة الخميني وهاشمي رفسنجاني وموسوي وخامني وأتباعهم من الأوليڤارشيا المالية الضخمة والأرستقراطية الدينية الشوفينية، قد استأثروا بالنفوذ والثروة والسلاح وتغطرسوا على أجهزة الدولة ودواليبها وشيّدوا نظاما سلفيا استبداديا، لا يقل قمعا ودموية عن ديكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوي والجنرال فرانكو في اسبانيا والجنرال بينوشي في الشيلي... ويتذكر المرء بقرف واستياء نوعية الانجازات الأولى للخميني واتباعه، وهي المبادرة بتصفية القوى الشعبية والسياسية المناهضة للتوجه السلفي الخالص الذي قام بتحويل وجهة الثورة الشعبية عن مسارها الطبيعي، عبر سلسلة طويلة من المحاكمات والاعدامات، اضافة الى إقصاء عديد الضباط العسكريين والجنود من الخدمة، وغلق جامعتين اثنتين لمدة ثلاث سنوات متتالية، تحت تعلة انها معقل لطلبة اليسار الايراني، في الوقت الذي كانت فيه قيادة الخميني تغدق الاموال الطائلة من ثروات البلاد على تدريب قادة التنظيمات السلفية في أفغانستان والباكستان وبلدان الخليج، وتمويل صفقات الأسلحة التقليدية وغير التقليدية لفائدة حركة طالبان وتنظيم القاعدة بصفتها رأس حربة السلفية في المنطقة وفي العالم... ... إن تتالي الأحداث الاقليمية والعالمية في منطقة الخليج العربي وفي العالم، ونوعية التحولات والصراعات والحروب الراهنة، تبرهن على ان الزواج العرفي الاستراتيجي المعلن بين الأرستقراطية الدينية الشوفينية في ايران وتنظيم القاعدة وحركة طالبان وجميع التنظيمات والاحزاب السلفية في الوطن العربي وافريقيا واسيا، يمثل عقدا مقدسا لا ينفصم في أي ظرف، الا في حالة الخيانة، وان ذلك الزواج ليس وليد اليوم فقط، بل منذ انعقاد اللقاء الشهير المرجعي بين الخميني وأبو الأعلى المودودي في باريس سنة 1979، وهو اللقاء الفقهي الاستراتيجي الذي أسس اللّبنات الأولى للسلفية السياسية الجديدة، وأهدافها ومناهجها ونمط تفكيرها وتحالفاتها...