سرقة عينات من الذهب بقيمة 700 ألف دولار من متحف في باريس    فقدان 61 مهاجرا غالبيتهم سودانيون في انقلاب قارب ثانٍ قبالة ليبيا    الولايات المتحدة: إطلاق النار على العديد من ضباط الشرطة في مقاطعة يورك    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    تونس وكوريا: نحو شراكة في الابتكار الطبي والبيوصيدلة    مع الخريف: موسم الفيروسات يعود مجددًا وهذا هو التوقيت الأمثل للحصول على لقاح الإنفلونزا    منزل بورقيبة.. وفاة إمرأة إثر سقوطها من دراجة نارية    الاستاذ عمر السعداوي المترشح لخطة رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس ل" الشروق اون لاين ".. " ساعمل من أجل هياكل فاعلة تحفظ كرامة و تطور الممارسة اليومية للمهنة"    وزير التشغيل والتكوين المهني يعطي من قبلي اشارة انطلاق السنة التكوينية الجديدة    تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق البليغة ببن عروس    وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع التحدّيات والتهديدات والمخاطر السيبرنية    غار الدماء: وفاة أم أضرمت النار في جسدها بسبب نقلة ابنتها    الديوانة تحبط محاولة تهريب مخدرات بميناء حلق الوادي الشمالي    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    فتحي زهير النوري: تونس تطمح لأن تكون منصّة ماليّة على المستوى العربي    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    تسجيل تراجع في صابة "الهندي" الأملس    عاجل/ إسبانيا تلوّح بمقاطعة المونديال في حال تأهّل إسرائيل    إلغاء الإضراب بمعهد صالح عزيز    تحذير صارم: أكثر من 30 مصاب بالاختناق جراء تلوث المنطقة الصناعية في قابس...شفما؟    تونس تحدد مخزون الحليب الطازج المعقم    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    مروي بوزياني تحطم الرقم القياسي الوطني وتحتل المرتبة الرابعة في نهائي 3000 موانع سيدات باليابان    جريدة الزمن التونسي    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    بشرى سارة للتونسيين: أمطار الخريف تجلب الخير إلى البلاد..وهذا موعدها    الرابطة الأولى: تشكيلة شبيبة العمران في مواجهة النادي الإفريقي    سفينة "لايف سابورت" الإيطالية تنضم لأسطول الصمود نحو غزة كمراقب وداعم طبي    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة مستقبل قابس    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    عاجل/ الكيان الصهيوني يستهدف مستشفى للأطفال بغزة..    جريدة الزمن التونسي    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    أسطول الصمود: سفينتا ''قيصر- صمود'' و موّال-ليبيا تغادران في اتجاه القطاع    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة فيفري 72 إفتتحت معركة إستقلالية المنظّمات الوطنيّة عن الحزب الحاكم
الحبيب مرسيط:
نشر في الشعب يوم 15 - 05 - 2010

السيد الحبيب مرسيط هو من أبرز الوجوه التي قادت تحركات فيفري 72، حوكم اثر ذلك سنة 1974 في ما يعرف بمحاكمة »201« انشغل بعد ذلك بالعمل الحقوقي حيث ترأس فرع منظمة العفو الدولية بتونس ولا يزال ارتباطه بالجامعة وثيقا بصفته أستاذ تعليم عال.
❊ السيد الحبيب مرسيط، كنتم من أبرزالعناصر في حركة فيفري 1972، فهلاّ فسّرتم أسبابها وكيف وصلت الأوضاع في المنظمة الطلابيّة الى ذلك الحدّ؟
لقراءة حركة فيفري 1972، لابدّ من وضع الأمور في سياقها التاريخي والفكري لمعرفة جذورها فمنذ نهاية القرن 19 لعبت المدرسة دورا هاما في نشر الفكر النقدي والأفكار النيرة. حيث كانت البرامج التعليمية مرتبطة بالفكر الحداثي وهو ما زرع لدى الشباب التلمذي والطلابي، أحلام الجمهورية والاستقلال والتحرر الإجتماعي ويمكن القول أنّ هذه الأفكار جعلت الشباب المتعلم على يسار الحركة الوطنيّة في بداية الأمر وعلى يسار السلطة.
وعند الدخول إلى الجامعة، يكون الشباب متعطّشا للأفكار النيرة ومملوء بالحماسة. لذلك فقد تغلغل الفكر اليساري في الأوساط الجامعيّة وهو ما أهلها لتكون منطلقا لعديد الحركات الفكرية والسياسية اليسارية »كآفاق« وهي تجربة سياسيّة إنطلقت من الجامعة أو المجموعات الترتسكية والطلبة الشيوعيين والقومييّن.
المهم إذن أنّ المدرسة المتأثرة بفكر الثورة الفرنسية ربّت الشاب على أفكار الجمهورية والديمقراطية والعدالة وهو ما أسس لحركة فكرية طلابية قويّة، وحتى قبل الإستقلال نلاحظ وجود عديد الأسماء التي صاغت أفكار نيّرة وتقدميّة أمثال محمد علي الحامي والطاهر الحداد والشابي وحتى المدرسة الزيتونيّة كانت مدرسة نيّرة ولم تكن الحركات الاسلاميّة بالشكل الحالي من التطرف والفكر الجهادي بل كانت حركات حداثيّة ونيرة.
كل هذه العوامل وفّرت أرضيّة لنمو الفكر اليساري وظهوره كقوة، خاصة مع بداية الستينات وكان الإتحاد العام لطلبة تونس هو مهد هذه الحركة أو البؤرة حيث تواجد الطلبة المنتمون الى اليسار في الهياكل الوسطى للمنظمة وافتكت تلك العناصر مواقع عدة بإستثناء المكتب التنفيذي. هذا التيار اليساري لم يكن في البداية واضح المعالم وصاحب برنامج إلا أنّه تدريجيا بدأ في تشكيل برامجه حيث نجد في تلك الفترة طلبة الحزب الشيوعي الذين كانوا أكثر تنظما و أكثر نضجا من بقيّة التيارات الى أن جاءت »حركة آفاق« وأخذت موقعا متقدما في الحركة الطلابيّة أساسا، والآن بعد مرور عقود أقول أنّ طلبة الحزب الشيوعي كانوا أكثر واقعية سياسيا ورغم أنهم لم يفرضوا رؤاهم مع ذلك فقد كانوا متمسكين بالشرعيّة والقانونيّة في حين كنّا أكثر حماسة وتوهما مع بعض اليسراوية الحالمة.
وساهم نشاط العناصر اليساريّة المكثف في تجميع الطلاب حولهم خاصة مع إهتمامهم بالمشاكل النقابيّة العادية اضافة الى الحركة الفكرية والثقافية الكبيرة التي رافقت الحركة السياسية والنقابية فقد كنّا ننظم التظاهرات والندوات بكثافة وكانت فرصا لتعميق القراءات من ناحية ولتكميل التكوين فقد أخذ الطلاب في تلك الفترة وفي مقدمتهم المنتمون الى الفكر اليساري على عاتقهم مسألة التكوين الأكاديمي فكانت العديد من نشاطاتنا تكمل الدرس أو تعوضه.
❊ الجامعة والمدرسة مهّدتا لبروز الفكر اليساري إلا أنّ الأوضاع كانت عادية، متى إنفرجت العلاقة بين السلطة والطلبة؟ ولماذا؟
مع بداية الستينات ظهرت لدى الحزب الحرّ الدستوري إرادة قويّة في السيطرة على منظمات المجتمع المدني (وهي تسمية حديثة) من إتحاد المرأة وإتحاد الشغل وإتحاد الطلبة وإتحاد الفلاحين عبر تسيير وإدارة هذه المنظمات وفقا لإرادته ووجد الحزب مقاومة في مختلف هذه المنظمات إلاّ أنّ أشرسها كانت في إتحاد الطلبة وفي الواقع فإن الوضع في الإتحاد لم يستقر مطلقا لفائدة طلبة الحزب الحاكم حيث جدت عديد الخلافات في إنتخاب الفروع نظرا لحضور غير الدساترة ومن أشهر هذه الخلافات ما وقع في إنتخاب فرع باريس سنة 63 عندما اختطف الطلبة الدساترة الصندوق وأعلنو تركيبة لم يقع إنتخابها.
❊ ماهي طبيعة الخلافات بين الدساترة والديمقراطيين في تلك الفترة؟
كانت جلها تدور حول تسيير المنظمة، ولم تكن الخلافات واسعة من حيث رؤية العمل النقابي الا انها كانت عميقة في علاقة بالمواقف السياسية العامة وهو ما يفسر الصراعات الكبيرة التي تحدث داخل المؤتمرات حول اللوائح وخاصة اللائحة السياسيّة فقد كنا (أيّ اليسار والطلبة الدساترة) نختلف كثيرا وفي أبسط التفاصيل إذ كنا نريد مواقف ثورية، وكانوا يريدون مواقف تتماشى مع رؤى حزبهم.
وهنا لابدّ من التوقف عند مسألة هامة وهي الخلافات الداخلية في الحزب الحاكم نفسه خاصة بين جناح بن صالح وجناح نويرة التي ألقت بضلالها على المنظمة، ثم شيئا فشيئا مع تنامي عدد الطلاب وتزايد أبناء الطبقة الشعبيّة من ناحية وعدد الفروع من ناحية، وهو ما وسّع إنتشار الفكر اليساري الذي تبناه أغلب الطلاب مما جعل الشباب الطلابي على يسار السلطة القائمة، بل على خلاف معها ومثلت حركة فيفري 1972 أقصى مراحل الصراع بين الحركة الطلابيّة والسلطة.
❊ ماهي مظاهر الخلاف بين الحركة الطلابيّة والسلطة؟
في آواخر الستينات وتحديدا في 1967 ، برزت عديد المظاهر المؤشرة للتباين بين الشباب الطلابي والسلطة ففي تلك السنة شهدت الجامعة تحركات كبيرة إثر »حرب 67« وجدّت عديد الأحداث التي قادها الطلبة، وإثر حرق كنيس الجاليّة اليهودية في تونس وعديد المتاجر والمباني، ألصقت التهمة بهم وحوكم عدد منهم ونال محمد بن جنات حكما قاسيا بالسجن 20 سنة أشغال شاقة مما وتّر الأوضاع مع العودة الجامعيّة سنة 1968 وشهدت الجامعة عديد التحركات خاصة في إطار الدفاع عن بن جنات وفي 5 مارس 1968 جدت عديد الأحداث من جديد تمت على إثرها محاكمة عدد كبير من الطلاب والقيادات اليسارية وسجنهم.
وفي سنة 1969 عندما دخل جيلي للجامعة وجدناها مفرغة من الكوادر وكانت الحركة في تراجع ومرت السنة دون أحداث هامة، وفي السنة التاليّة 69/70 دخلنا الجامعة بروح جديدة، وقد تزامن ذلك مع إنتخابات الفروع فشاركنا وتمكنا من الفوز بأغلبها (كليّة الطبّ، كليّة العلوم وكليّة الآداب) وهو ما أفرز خلافا مع المكتب التنفيذي إلا أنّ الجسور لم تكن مقطوعة فقد كان أعضاؤه مجموعة حوار وليسوا سيئين ومنهم من شارك في حركات سياسية ستظهر لاحقا وهو ما مكّن من الوصول الى مؤتمر قربة 71 دون مشاكل (إلغاء إنتخابات أو تشكيك أو إنقلاب) إلا أنّ المؤتمر لم يدر بصفة طبيعية ووقع الانقلاب.
❊ هل يعني هذا أن اليسار كان مرشحا للفوز بنتائج المؤتمر لو سارت الأمور بصفة عادية؟
نعم كان سيفوز بالقيادة، ربما لن ينفرد بالهيئة الإدارية والمكتب التنفيذي إلا أنّه كان حتما سيحرز على أغلبية داخل هاذين الهيكلين ولم نكن نطرح التفرد بل كنا نريد الوفاق بين مختلف المكونات وكان الدساترة مؤهلين للمشاركة في القيادة دون إقصاء إلا أنهم لم يقبلوا بوضع الأقليّة داخل الهيئة الإدارية ومن هنا جاء القرار بمنع المؤتمر من التواصل وتنصيب قيادة لم تنتخب.
❊ بعد المؤتمر، هل كانت حركة فيفري ردّة فعل طبيعية أو عفوية أم كانت هناك نقاشات وإتفاقات بين المؤتمرين الرافضين لنتائج المؤتمر؟
أوّل من قام بردّة الفعل هم المؤتمرون أنفسهم منذ وقوع الإنقلاب حيث تم الاتفاق في قربة على إعلام الطلبة والقواعد بما حدث وقد تكونت لجنة خماسيّة للإتصال والإعلام.
❊ هل توجد وثائق تؤكد أن اليسار كان أغلبيّة داخل قاعة المؤتمر؟
نعم وثائق المؤتمر نفسه والأكيد أن البعض مازال يمتلكها وهو حدث وطني (المؤتمر) يعني أن أرشيف الدولة يمكن أن يحتوي وثائقه وإثبات الأغلبية لا مشكل فيه وغير قابل للشكّ ومن الأدلة العريضة التي أمضتها الأغلبية الساحقة من المؤتمرين والمطالبة بإنهاء أشغال المؤتمر، رغم التلاعب في النيابات حيث عمد الدساترة الى قبول وفود غير حقيقية داخل المؤتمر مثل فروع أوروبا الشرقيّة لعلمهم أننا غير قادرين على التثبت من صحّة إنتخابهم إلاّ أننا قبلنا لثقتنا في حيازة الأغلبيّة.
❊ بعد »الإنقلاب« عدتم للجامعة والطلبة، فماذا حدث؟
قمنا بعديد المحاولات لإيجاد مخرج حيث إتصلنا بوزارة التربيّة إلا أنّ كل المحاوّلات باءت بالفشل وحافظنا على الهياكل والفروع التي وقع إنتخابها قبل المؤتمر وواصلنا النضال ضدّ النتائج وهنا حصل جدل بين المؤتمرين أساسا بين طلبة الحزب الشيوعي والأطراف السياسيّة الأخرى حيث لم تفضل المجموعة الأولى الدخول في القطيعة والمواجهة ودعت الى تراجع تكتيكي والقبول بالنتائج على أمل إعادة إفتكاك الأغلبية في المؤتمرات القادمة، في حين دعت المجموعة الثانيّة إلى خيار الرفض والدخول في صراع من أجل ذلك.
❊ كيف تعامل المكتب التنفيذي الذي وقع إنتخابه في المؤتمر »الإنقلاب«؟
حاول دخول الكليّات، إلاّ أنّه فشل وضرب عليه حصار سياسي وإنحسر وجوده في المعاهد والكليّات الصغرى ومٌنع أعضاؤه في عديد المناسبات من أخذ الكلمة في التجمعات العامة (بالطبع ليس باستعمال العنف).
❊ كيف جرت الأحداث؟
كما قلت سابقا وقع جدل حول شكل التعامل مع الأوضاع وحسم الأمر لفائدة القطيعة والمواجهة وكنا نأمل آنذاك أن نفرض إرادتنا بوضع السلطة أمام الأمر الواقع وذلك عبر إنجاز المؤتمر أمام الطلبة وتحت حمايتهم وتوافق في تلك السنة أن جدتْ أحداث سياسية خارج الجامعة كمحاكمة »سيمون للوش« مما فجرّ الأوضاع داخل الجامعة ومهد لحركة قويّة في المركب الجامعي إثر دعوتنا لإنهاء المؤتمر وقد لاقت دعوتنا إلتفافا جماهيريا كبيرا لم نكن نحن نتوقعه كما إلتحقت بنا عناصر من الحركة التلمذية خاصة المنتمين للأقسام النهائية وهو ما أقلق كثيرا النظام الذي تخوف من الحركة وفي اليوم الثاني تدخلت قوات »الأمن« وأجهضت العمليّة بالقوّة ورغم العنف الكبير لم تقع أيّ ضحيّة فقد لعبت لجنة النّظام دورا كبيرا في تفادي الفوضى والتنطعات وحمت الطلبة ثم تفرقنا وبعد ذلك اعتقل عدد كبير من العناصر القياديّة وغيرهم.
❊ ماهي الدروس التي يمكن الخروج بها من حركة فيفري 1972؟
أولا حركة فيفري هي بالأساس معركة إستقلاليّة الإتحاد العام لطلبة تونس عن الحزب الحاكم وهي إفتتاح لمعركة إستقلال المجتمع المدني، والمشكل في توقيتها الذي جعلها حركة معزولة عن باقي الحركات الاجتماعيّة وربما قد يكون ذلك بسبب قدرة السلطة على محاصرتها ومن الدروس أيضا هو أنّ الحركة، كانت ناقصة من حيث الرؤية الإستراتيحية إلاّ أنّ ذلك لا يعيبها.
وللتعلم من تلك الحركة، لابد من بناء علاقة نقديّة معها فالسؤال المطروح حول الحركة هو مدى إسهامها في بلورة إستراتيجية خاصة بإدارة معركة تحرير المنظمات الوطنية وإستقلال المجتمع المدني، ومن المؤسف أنّ الحركة الديمقراطية لم تعتمد دروس حركة فيفري ولم تستخلص منها الدروس في كيفيّة إدارة المنظمات فرغم الوحدة في الهدف وهي إستقلاليّة المجتمع المدني نجد إنعزلا في كل قطاع، وإدارة المعركة بصفة فرديّة في ظلّ غياب جبهة مدنية موّحدة.
❊ كيف تقيّمون الوضع الحالي للمنظمة؟
بالعودة الى »حركة فيفري 72« نجد أنّ السلطة عملت على مواجهتها بعد قمعها على عدّة أصعدة. ورأت آنذاك أنّ المدرسة وما تعلمه للشباب من فكر نيّر كان أساس نشأة حركة يساريّة معادية لها، لذلك قامت بتعديل البرامج التعليمية وأحلت الفكر الميتافيزيقي مكان الفكر الحداثي وهو ما مهد لبروز وتطور الحركة الاسلامية السلفية، وفي فترة الثمانينات توسعت الحركة الإسلامية في الجامعة ونشأت بذلك عديد الصراعات بينها وبين الحركات اليساريّة، وهو في نظري عامل أدى إلى إضعاف الحركة الطلابيّة بالصراع الداخلي، ومن ناحية ثانية نجد أن السلطة عمدت أيضا الى توسيع الرقعة الجغرافيّة للجامعة عبر خلق الجامعات في الجهات والمناطق الداخليّة وهو ما أضعف قدرة الإتحاد على السيطرة على الطلبة لأنّه لم يكن يملك خطة لمسايرة هذه الاجراءات.
كما نجد أنّ الطلبة اليوم لا يملكون المبادرة ووقعوا في حالة ردّ الفعل التي لا يمكن ان تؤثر في مجرى الاحداث، وكل هذه العناصر تمثل نقاط ضعف الحركة والإتحاد.
❊ من الواضح أن معركة إستقلاليّة الإتحاد قد إنتهت بعد إنجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة سنة 1988 دون تدخل السلطة وبموافقتها فكيف آلت الأمور في المنظمة الى الأوضاع الحاليّة؟
في الحقيقة إن الحركة الطلابيّة ليست معزولة عن الحركة الديمقراطية، وللاسف فإن هذه الأخيرة مازالت لم تضع رؤية واضحة لكيفية إدارة العلاقة مع الدولة ولا تملك آفاقا واضحة وهو ما يجعلها تفقد مكتسباتها التي تدفع ثمنا باهظا لتحقيقها أي أنها فشلت في المراكمة وبناء إستراتيجية عمل، عكس الدولة التي تملك برنامجا واضح الآفاق ولذلك نجد الحركة الديمقراطيّة تكتفي برد الفعل في حين تصنع الدولة الأحداث وتقوم بالفعل كما ظلّت الحركة الديمقراطية منحسرة في النخب في حين تغلغلت الحركات الإسلاميّة في الأوساط الشعبيّة.
وفي هذا السياق أود أن أقول أننا أخطأنا في الماضي بتغليب الشرعيّة الجماهيرية على الشرعية القانونيّة أما الآن فالخطأ معكوس لأننا نغلب شرعيّة القانون على شرعية الجماهير والأصل أن الشرعية تقوم على تكامل العنصرين.
❊ بالنسبة للطلبة الموجودين الآن في هياكل المنظمة وأمام أوضاعهم، بماذا تنصحهم للخروج من أزمتهم؟
أولا كأستاذ جامعي وكمناضل سابق في الإتحاد، أتألم لوضعه الحالي ولحالة الطالب عموما، ولابد من تقييم لهذا الوضع بموضوعية وتجرد وهو ما يستوجب دراسة. إلا أنّ الأكيد أن الجامعة دون حركة ثقافية قويّة غير قادرة على تحقيق المكاسب وهنا لابدّ للإتحاد من إعادة الإعتبار للعمل الثقافي والفكري لإعادة الصلة مع الطلبة ولتطوير العلاقة معهم إذ أن أحد أمراض الإتحاد هي سقوطه في السياسوية والتجريبية الضيقة وغياب الوهج الفكري والثقافي والإبداعي، وأذكر هنا أن خيرة المبدعين والمفكرين في تونس هم من جيل 1972.
كما يجب الفصل بين النضال النقابي والنضال السياسي وإعطاء كل فضاء خصوصيته لأن الخلط يعكس حالة الفقر الفكري وفي الخلاصة يجب الخلط بين الحسابات السياسية والذكاء في التعامل مع الواقع والأحلام الجميلة والأفكار النيرة، أي الجمع بين تفاؤل القلب وحذر العقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.