نعود مرة أخرى الى ملف اتحاد الطلبة الذي كنا فتحناه أواسط السنة الدراسية والجامعية 2009 2010 ونفسح المجال الى مناضل نقابي طالبي برز خلال أحداث فيفري 1972 بشكل لافت انه السيد لخضر لالة الذي شارك مؤتمر قربة 71 وكان ضمن شق الديمقراطيين الذين رفضوا نتائج المؤتمر وأعتبروه انقلابا، وكان السيد لخضر لالة أحد الوجوه البارزة في قيادة حركة فيفري 72. واصل اهتمامه بالشأن العام صلب حركة التجديد، كما نشط بشكل كبير ضمن جمعيات الهجرة حيث يقيم الى الان في العاصمة الفرنسية، التقيناه فكان الحديث التالي: ❊ السيد لخضر لالة لماذا رفضتم نتائج مؤتمر قربة 1971 وما هي الظروف التي أدت الى ذلك الموقف؟ رفض نتائج قربة 71 كان من كل من له نفس ديمقراطي لأن المؤتمر يقرر من طرف النواب الحاضرين، وقد كانت غالبية الحاضرين غير منتظمين بإستثناء بعض التنظيمات كالطلبة الشيوعيين والبعثيين والافاقيين والقوميين العرب وكانت اسباب الرفض بروز اغلبية من معارضين وجزء هام من الدستورين من الذين كانوا في قيادة اتحاد الطلبة في المكتب التنفيذي أو الهيئة الادارية كانت متجة نحو استقلالية الاتحاد وكانت هذه الاستقلالية مطلبا لكل المكونات بدرجات متفاوتة كما ان مطلب الاستقلالية ليس وليد ذلك المؤتمر انما هو نتاج لصراع خاضته الحركة الطلابية ضد السلطة وكان هذا النفس يشق الطلبة الدساترة ودليل ذلك ان المؤتمر 17 خلق هياكل وسطى لها استقلالية القرار عن المكتب التنفيذي (هذا وتجدر الاشارة الى ان بعض الاطراف كانت رافضة للنضال داخل الاتحاد ولم تحضر المؤتمر أصلا). المهم ان هذه الاغلبية المدافعة عن الاستقلالية اصطدمت مع الدساترة وبعض القوميين وبعض المحسوبين على التيار الليبيرالي. ولم تكن المسائل واضحة ومحسومة خاصة مسألة الاغلبية الا ان هناك ملامح عامة تدل على أغلبية النفس الاستقلالية خاصة عند التصويت على بعض اللوائح المنادية بالاستقلالية هذا الواقع أخاف السلطة وهو ما دفع الى التدخل العنيف وايقاف أشغال المؤتمر وتنصيب قيادة ووقع تعنيف بعض النواب ووقع الضغط على رئيس المؤتمر للاستقالة. ❊ كيف تعاملتم مع هذا الواقع؟ كما هو معروف صدرت عريضة ال 105 في نفس اليوم للمطالبة بمواصلة اشغال المؤتمر وعريضة اخرى أمضاها 81 شخصا لأن الاغلبية (خاصة بعد مغادرة المؤتمرين) رفضت الانتخابات ونتائج المؤتمر وكونت لجنة للاتصال بالسلط واعلام الرأي العام الوطني والطلابي بالوقائع. بعد عديد اللقاءات بين هذه اللجنة والوزارة التي كانت ردة فعلها سلبية وتمكست بنتائج المؤتمر، قامت هذه اللجنة بندوة صحفية في مقر اتحاد الطلبة ووقع اعلام النواب والطلبة بموقف السلطة وأنحلت هذه اللجنة وما نلاحظه هو انعكاف اعضائها الدساترة ولم يشاركوا في الاحداث اللاحقة. بعد ذلك انطلقت عديد الاجتماعات بين نواب المؤتمر من معارضين منتسبين الى احزاب او غير منتظمين ووقع اجتماعان ضما ممثلين عن كلية الآداب والحقوق والطب لتدارس كيفية مواجهة الهيئة المنصّبة وموقف السلطة المساند لها فبرز موقفان، موقف طرحه الطلبة الشيوعيون والمنادي بالتواصل داخل الهياكل القاعدية ومواصلة النضال ضد الهيئة المنصبة من داخل الهياكل. وفي الحقيقة فإن هذا الموقف يقر التعامل مع المكتب التنفيذي الذي يترأسه حبيب الشغال باعتبار ان السلطة لن تتراجع عن مساندتها لهذا المكتب التنفيذي المفروض. وموقف ثان يحمل تصورين التصور الاول يتمسك بالهياكل القاعدية والوسطى لشرعيتها وينادي بمقاطعة الهيئة المنصبة وكنت من بينهم وكنت كاتب عام لفرع منتخب والتصور الثاني كان رافضا لكل الهياكل المتواجدة وكان الطلبة الشيوعيون لا يريدون المغامرة أما الرافضون للهياكل فقد كان شعارهم تعبئة الجماهير الطلابية للدفاع عن استقلالية المنظمة. والآن وبعد مرور 38 سنة عن تلك الاحداث اودّ الاشارة الى ان الاحداث التاريخية كما الصراع الطبقي لا يمكن تحديد مسارها منذ البداية، لذلك فإني اعتبر ان ما حصل من مغامرة كان ضروريا لصناعة احداث لم تكن قط سلبية رغم تأثيرها على سير الحركة الطلابية فيما بعد، بعد هذا الخلاف وقعت موجة من الاجتماعات العامة في الكليات في الآداب والحقوق والعلوم تمخضت عنها لجان في كل كلية كلفت بإعادة الكرة والاتصال بالوزارة من جديد وتبليغها بآراء الاجتماعات العامة الرافضة لتنصيب الهيئة الادارية واجتمعت هذه اللجان مع السيد حامد الزغل كاتب الدولة للتربية انذاك وفي ثالث لقاء أبلغنا موقف الحكومة المذكور، اثر ذلك توالت الاجتماعات في الكليات وفترت الحركة وبدأ التفكير في تكوين لجنة جامعية تضم الكليات الاربع والتفكير في كيفية عقد المؤتمر وجدّت بعض الاحداث المطلبية وفي نفس الوقت تمت معارضة كل محاولة كان يقوم بها المكتب التنفيذي لتجديد الهياكل القاعدية، ومقاطعتها بما في ذلك محاولة لبعض الطلبة الشيوعيين في كلية الآداب. ❊ كيف اتجهت الأمور نحو حركة 1972؟ تكونت لجان في كل كليّة وحصلت عديد اللقاءات والنقاشات بين مختلف المكونات بإستثناء الطلبة الشيوعيين حول الاعداد للمؤتمر وكانت الرؤية العامة تصب في اتجاه انجازه في فيفري، ووقع تحرير عريضة داعية لإنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة أمضاها اكثر من 5000 طالب وكان لها دور هام في تعبئة الطلبة خاصة امام تراكم المشاكل الطلابية. وجاءت في الاثناء عودة »سيمون للوش العثماني« لزيارة زوجها احمد العثماني فألقي عليها القبض وقامت السلطة بحملة ضدها واتهامها بالصهيونية مما أنتج مظاهرة انطلقت من كلية الاداب تضامنا مع احمد بن عثمان و »سيمون للوش« ومنددة بخطاب صحافة السلطة. وامام نجاح المظاهرة والتعبئة الكبيرة اتفقت في نفس اليوم اللجنة الجامعية لنداء الطلبة لاجتماع عام في كلية الحقوق بحكم موقعها للمطالبة بعقد مؤتمر خارق للعادة اثر ذلك الاجتماع الناجح تحركت العديد من المعاهد العليا في نفس الاتجاه وأرسلت من يمثلها في اللجنة الجامعية كلية الطب والمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ومدرسة ترشيح الاساتذة المساعدين وغيرها من المدارس وتقرر تواصل الاجتماعات وانقسمت الاجتماعات الى حلقات نقاش كل حول موضوع معين (السياسة الخارجية، الثقافة، المسألة الاقتصادية...) والذين افتتحوا الاجتماع في 2 فيفري كانوا عبد الله داي الشابي، حبيب مرسيط، عبد الملك السلامي، فرج بن منصور ومحمد لخضر لالة ورضا زغدود، وتواصلت هذه الاجتماعات الى يوم 4 فيفري حيث تقرر عقد المؤتمر يوم 5 فيفري اي انتخاب قيادة جديدة للاتحاد والتصويت على لوائح عندها قررت السلطة ضرب الحركة. يجب ان لا تحصر حركة فيفري في الطلبة فقد كانت لها امتدادات كبيرة داخل المعاهد الثانوية. وبالعودة للظروف المحيطة بمؤتمر قربة 71 نجد ظهور حركية تعددية بين 69 و 70 شكلت مدّا مدافعا عن الديمقراطية وقد ترعرعت هذه الحركية بفضل المؤتمر 17 الذي فرض استقلالية المكاتب الفيدرالية عن المكتب التنفيذي واعطائها هامشا كبيرا من الحرية في اتخاذ القرارات. هذا المدّ الديمقراطي الذي اخذ في غرس فكرة الديمقراطية في الاتحاد وفي البلاد دفعت بالسلطة الى تكسير النهج الديمقراطي الذي نشأ داخل الجامعة. وحركة فيفري 72 هي ردة فعل على تكسير وتعطيل هذا النهج الديمقراطي وكانت ذات طابع عفوي مفعمة بحراك ايديولوجي وتتضمن مبادئ عامة ودخلت الحركة في صدام مع طلبة الحزب الحاكم اختلفت درجاته حسب الكليات. وعلى العموم فإن حركة فيفري 72 لا يمكن ان تكون الا بالشكل الذي كانت عليه وبالعودة الى الاحداث فإن قيادة فيفري 72 تشبثت بالهياكل القاعدية للاتحاد وكان من الممكن حل الازمة الا ان إصرار السلطة على الاعتراف والتمسك بالهيئة الادارية المنصبة دفع في اتجاه خلق هياكل جديدة وتشكل اللجنة الجامعية المؤقتة واتخذ بعد ذلك قرار انجاز المؤتمر في 5 فيفري 1972 بعد النجاح الكبير الذي عرفته الاجتماعات العامة والحركات الطلابية. ❊ لماذا رفضتم ايجاد حل مع الهيئة الادارية؟ هذا غير صحيح فنحن لم نرفض اي حلول قدمت لنا والهيئة الادارية المنصبة لم تقترح اي حل الى غاية فيفري 72 وكانت كل المحاولات تصب في اتجاه شق الصفوف وامالة جانب من الطلبة. وأول محاولة لطرح الحلول كانت في جوان 72 وكانت متأخرة لأن السنة الجامعية انتهت وكانت غير ممكنة لأنها تطالب بإتمام المؤتمر بنفس النواب فقبرت تلك المحاولة. المحاولة الثانية هي عبارة عن مبادرة من الوزير الاول الهادي نويرة الذي أرسل لنا المسؤول عن الاعلام وكان اللقاء في مقهى تونس بشارع الحبيب بورقيبة وضم كل من العروسي العمري ورشيد مشارك والحبيب مرسيط ولخضر لالة ومنصف بن سليمان واقترح مبعوث الوزير الاول عقد مؤتمر جديد للاتحاد تحت اشراف المكتب التنفيذي المنصب وتتكون لجنة تحت اشراف المكتب التنفيذي تمثل كل الاطراف، فرفض الجميع الفكرة الا رشيد مشارك، والآن وبعد مرور هذه السنوات أرى اننا تسرعنا في الردّ وانه كان من المكن تطوير النقاشات. بعد تلك الفترة تم تسريح اغلب الطلبة المعتقلين واستجاب وزير التربية لمطلب قديم رفعته هياكل المنظمة وهو انتخاب من يمثل الطلبة في المجالس العلمية وكانت التجربة الأولى في كلية العلوم وعممت بعد ذلك في كل الكليات واصبحت هذه الهياكل تمثل فضاءا لإعادة التنظم النقابي وفي اطارها بدأ التفكير جديا في البحث عن حل ومواصلة النضال من اجل انجاز مؤتمر »18 خ ع«. عند هذا الحد توقف الحوار الذي أجريناه مع السيد الاخضر لالة نظرا لظروفه الخاصة الا انه مدنا بحوار كان قد أجراه مع الزميلة »لوطون«رأى فيه اجابات على أسئلتنا وجاء في الحوار ان ما بقي من حركة فيفري 72 كو نها. أولا مدرسة تعلمت خلالها نخبة كبيرة ممن يسيرون البلاد في مختلف المجالات قيم المصلحة العامة والوطنية و حماية مكتسبات شعبنا. ثانيا مكنت حركة فيفري 72 من نشر قيم الديمقراطية والحداثة والرقي الاجتماعي وحقوق الانسان في الاحياء والمدن والقرى التونسية بما في ذلك تلك القرى النائمة. ثالثا ساهمت الحركة في الدفاع عن استقلالية المجتمع المدني عن الحزب الحاكم وعن كافة الاحزاب. وعن الواقع اليوم ذكر السيد لخضر لالة أنه تعيس بسبب ما يراه فرغم تضحيات الاجيال السابقة تعيش الحركة الطلابية حالة مرضية جعلتها غير قادرة على الدفاع عن استقلالية الاتحاد من الاحزاب والمجموعات السياسية وجعلت المنظمة غير قادرة على تجميع الطلبة وتحريك هذه القوى الشبابية من اجل الانخراط في معركة الديمقراطية والمواطنة... وغير قادرة على الدفاع عن مستوى التعليم العالي الذي ينحدر باستمرار فضلا عن عدم قدرتها على الدفاع عن تشغيل أصحاب الشهائد. كما اعتبر السيد لالة ان مسؤولية ما يحدث لا تقع كلها على عاتق مسيري الاتحاد وهياكله بل رأى ان للسلطة دور في افراز هذا الوضع معتبرا ان قمع مناضلي الاتحاد يوفر أرضية ملائمة لتعدد المجموعات السياسية المشكوك فيها ودعا كل الاطراف المعنية بالاتحاد العام لطلبة تونس الى احترام استقلالية الاتحاد ورغبة الطلبة. وعبّر في الاخير عن تفاؤله بأن تتجاوز المنظمة واقعها الحالي واعادة الاعتبار لاستقلالية الاتحاد بفضل ذكاء هياكلها ومسيريها.