الحديث عن قفة المواطن يستدعي بالضرورة الحديث عن مشكلة الاسعار، هذه التي بدأت مؤشراتها ترتفع من سنة الى أخرى وبشهادة أهلها اي المصادر الرسمية، وهذايعني ان الدراسات التي أنجزت ضمن قسم الدراسات باتحاد الشغل والتي قدمت خلال المفاوضات الاجتماعية الاخيرة كانت على حق، فما يردده الناس عن غلاء المعيشة أمر واقع، ولعل الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا المستوى هل ساهمت وفرة الانتاج في تخفيف حدة الاسعار؟ وهل ساهم فتح أبواب المنافسة في المجال التجاري في الضغط على الاسعار أم ان تعدد مسالك التوزيع وظهور الفضاءات التجارية الكبرى لم يستفد منه المواطن؟ وهل تزامن رمضان مع فصل الصيف قد يزيد المقدرة الشرائية ضغطا؟ العودة الى الارقام الرسمية تعطينا دائما فكرة واضحة عمّا بلغته الاسعار في بلادنا من ارتفاع وذلك منذ سنة 2000، فقد جاء على موقع الاعلام التجاري وهو موقع رسمي (ناطق باسم وزارة التجارة) أن تضخم الاسعار ارتفع من 9،2٪ سنة 2000 ليصل الى 5٪ سنة 2008 فيما انتقل انزلاق الاسعار من 3،2٪ الى 1.4٪ سنة 2008، ويصل في النصف الاول من سنة 2010 الى 8،4٪، وما تشير اليه الارقام التي تصدر عن المعهد الوطني للاحصاء وهو مؤسسة رسمية ايضا ان اسعار مختلف المواد الغذائية ترتفع صيفا ويمكن التأكيد ان مؤشرات هذه المواد تحقق قفزات كبرى خلال هذا الفصل الامر الذي يجعل المواطن يكتوي بنارين نار الحرارة الطبيعية ونار الاسعار. تغذية وفي مقابل هذا الارتفاع فإن دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية هو بصدد التراجع من سنة الى أخرى وهذه الارقام تؤكد ما نقوله. وقد انعكس هذا على أهم المواد كالخبز ومشتقاته التي ارتفع مؤشرها عند الاستهلاك العائلي نحو 18 نقطة اي بمعدل يناهز ثلاث نقاط ونصف في السنة، أما اللحوم والاسماك فهي أكثر القطاعات ارتفاعا في الاسعار خلال السنوات الماضية ولن يكون رمضان هذا العام استثناء بسبب استمرار تراجع الانتاجة ونقص التزويد في الاسواق، وقد قفز مؤشر اسعار اللحوم والاسماك عند الاستهلاك العائلي بنحو 22 نقطة كاملة خلال الفترة 2006 2010 اي بمعدل يناهز الأربعة نقاط ونصف في السنة، اذ انتقل من 3،106 الى 9،128 خلال الفترة المذكورة، وقد ارتفع مؤشر اللحوم ب 5،14 نقطة كاملة بين جوان 2009 وجوان 2010 وهذا يعني استمرار تكبد العائلة للزيادة في الاسعار، لكن اذا كانت هذه المواد تشكو من نقص وهو ما يبرر ارتفاع اسعارها، فهل ساعدت وفرة الانتاج في قطاعات أخرى؟ وفرة وارتفاع لا تقترن الوفرة بإعتدال الاسعار، خاصة عندما يتعلق الامر بجيب المواطن، فرغم توفر مخزونات من الحليب والبيض فإن مؤشر اسعارها قد عرف قفزة كبرى تساوي 32 نقطة كاملة خلال خمس سنوات اي بمعدل يتجاوز 6 نقاط في السنة والغريب ان 17 فقط تم تسجيلها بين 2009 و 2010 (منتصف السنة الجارية) ويمكن ان نقيس على هذا الامر مؤشرات الغلال التي ارتفعت بنحو 25 نقطة نصفها سجل في السنة الماضية فيما ارتفع مؤشر الخضر ب 18 نقطة، اما ما يخصّ السكر ومشتقاته فقد سجلت المؤشرات أقصى درجات الارتفاع مقارنة ببقية المواد الاستهلاكية إذ تم تسجيل 41 نقطة بين 2006 و 2010 ، أكثر من نصفها (24 نقطة) سجلت بين 2009 ومنتصف السنة الحالية وهذا يعني ان حلويات رمضان هذ العام سيكون مذاقها مرا، بما انه ليس هناك مؤشرات على ايجاد حلول لمشكلة مادة السكر. لا فرق وسواء كانت المواد منتجة محليا او مورّدة فإن الاسعار تكاد تكون موحدة اذ الفوارق بين الاسعار لا تكاد تذكر ، وهو ما يدفعنا للتساؤل ماذا جنى المواطن من حذف الأداءات الجمركية؟ وهل حقق فتح ابواب التوريد ما سبق الحديث عنه من تنوّع في الاختيار؟ الجواب قد يكون بسيطا، وهو أن التوريد ربما انتفع منه قلة قليلة هم الموردون أمّا المستهلك فلم يجن من تحرير التجارة (توريدا وأسعارا) غير الزيادة في أثمان البضاعة، وما يثير الانتباه ان مناطق الانتاج للمواد الفلاحية مثلا او الصناعية لا تختلف فيها اسعار المواد المنتجة عن المناطق التي لا تنتجها، وقد نشر المرصد الوطني للتزويد والأسعار تفصيلا للموارد ولأسعارها حسب المناطق، فلنأخذ مثلا مادة البرتقال (رغم انه ليس منتوجا صيفيا، فهي في ولاية نابل في حدود 747 مي للكلغ الواحد، و 850 مي في قبلي والطماطم وقع بيعها ب 140 في نابل (ولاية انتاج) و 105 مي في تونس (ليست منطقة انتاج)، والبطاطا وقع بيعها ب 511 مي في ولاية بنزرت (منطقة انتاج) و 507 مي في قابس رغم انها (ليست منطقة انتاج) ، ووقع بيع لحم الضأن في اريانة ب 13 دينارا، وفي المهدية ب 12236 مي، وفي سيدي بوزيد ب 12100 وهي (مناطق انتاج وبيع) بأقل من هذه الاسعار في قفصةوقبليوقابس وهي (ليست مناطق انتاج تقليدية). تنافسية !؟ الحديث عن الاسعار يأخذنا ايضا الى طرح جملة من الاسئلة تتعلق بالاضافة التي حققتها الفضاءات التجارية الكبرى للمستهلكين؟ فهذه الفضاءات على كثرتها، ورغم قدرتها على الشراء من المصانع بأسعار تفاضلية، فإن مساهمتها في الضغط على الأسعار يبقى محدودا، وذلك لعدة اسباب، أولا وجود سلع أساسية اسعارها محددة ولا يمكن لأحد أن يغيرها، وهي في حدود 13٪ من مجموع السلع التي يقع ترويجها، اما بقية السلع أي تقريبا 87٪ محررة، فإن تحرير الاسعار قد فهم في الممارسة التجارية في بلادنا على انه زيادة في الاسعار ولا شيء غير ذلك، والسبب الثاني يخص المواد الموردة التي تثير جملة من الاشكاليات فكلما ارتفعت اسعارها قيل للمستهلك انها أوضاع السوق العالمية ونحن لا نتدخل فيما (انظروا السكر والأرز...) بقية المواد تباع في كل الفضاءات تقريبا بملاليم زائدة أو ملاليم ناقصة، اي ان المنافسة هنا ليست سوى منافسة شكلية لم يستفد منها المستهلك.