بأي جهة من جهات البلاد سيرسي قلم كاتب سيناريو المسلسل التليفزيوني التونسي القادم؟ و بأي طريقة ووسيلة سيعمل منتجو الأعمال الدرامية التلفزيونية الرمضانية على اشمئزاز جمهور المتفرجين عوضا عن جعلهم يشعرون بالمتعة و الفائدة في نفس الوقت؟ عشنا سنوات طويلة و نحن نشاهد و نسمع مسلسلاتنا التونسية أو المسرحيات سواء الإذاعية أم التلفزية التي عملت جاهدة على إضحاك المستمع أو المشاهد و ذلك من خلال شخصية الريفي و بصفة عامة الذين يسكنون في المدن الداخلية للبلاد حيث »البلادة و السذاجة و التخلف مقصور عليهم« فهو العامل الأبله الذي لا يفقه شيئا لا في الصناعة و لا في التجارة و لا في الحياة كلها يطلب منه أن يفعل كذا فيقوم بالعكس تماما فينتفض الجمهور مقهقها ضاحكا و هي كذلك الخادمة التي تعمل في أحد بيوت العائلات الميسورة فيأتي بها منتج السيناريو عمياء صماء لا تفقه من تدبير شؤون الحياة شيئا و كأنه لكي يضحكنا و يسلينا يريد أن يقنعنا بأنها لا تختلف كثيرا عن مرتبة الحيوانات والدواب التي كانت تعيش معها في مسقط رأسها و يأتي بها و هي لا تحسن اللياقة و اللباقة أثناء الحديث فتتدخل فيما لا يعنيها خاصة عند حضور الضيوف في بيت مؤجرها فيتخذونها هزء وسخرية. فهل هذه فعلا صورة الريفي و البدوي؟ و هل هذا هو الجميل الذي نرده له و نعترف له به؟ و قد عرف أهل الريف بنقاوة سريرتهم و كرم ضيافتهم و صعدوا الجبل يدافعون عن تونسنا العزيزة لم يهدأ لهم بال حتى أخرجوا المستعمر من ديارنا مقدمين في سبيل ذلك قوافل الشهداء، وهل هذا هو فعلا الفلاح الريفي الذي قال فيه شاعرنا الكبير أحمد اللغماني: »من جدا كفك يحسو الأغنياء / يا أخا المحنة يا ألف الشقاء«؟ وفي هذه الأيام و بالتحديد في سيتكوم »نسيبتي العزيزة« يبدو أنه عن لكاتب السيناريو أن يحط رحاله في ربوع مدينة صفاقس كي يتخذ من لهجة أهلها مادة للسخرية و قد ذهب في ظنه بأنه سيدخل الضحكة على المتفرج و ينعش سهرته بعد صوم يوم كامل بحرارته و طول ساعاته و لكنه لم يفلح و خاب ظنه و فشل سعيه فشلا ذريعا. كيف لا؟ و قد تحول السيناريو من التهكم - من أهالي عاصمة الجنوب قال عنهم رجل اقتصاد تونسي معروف بحنكته و استشرافه للمستقبل : »نحمد الله بأن لنا في تونس رجالا اسمهم صفاقسية؟« والتطاول على حرمتهم في حين أنه نسي أو تناسى بأنهم في العليين يرنون للعمل و الاجتهاد من أجل عزة تونس و كرامتها هازئين بالجاهلين و إذا مروا بهم قالوا سلاما. كيف لا؟ و نتائج أبناء هذه الجهة متميزة و متألقة في مختلف مستويات التعليم و قد شهد بذلك القاصي و الداني و بهت عند سماعها الذين في قلوبهم مرض حسدا من عند أنفسهم. فأهالي صفاقس كانوا و لا يزالون في مقدمة بناة المجتمع في كامل ميادين الحياة. كذلك لا بد أن أفصح عما بداخلي من استغراب و تعجب من الذين يصنعون في لحظة ما شهرتهم و سمعتهم التي اكتسبوها بعد عناء طويل و حرفية بشهادة الجميع و أعني هنا بالتحديد السيدة منى نور الدين، كيف سمحت و سولت لها نفسها بأن تنزل إلى هذا المستوى المتدني و إلى هذا الحضيض؟ .وأسألها بالله عليك، قفي عند دورك و تمعني في محتواه، فما هي الرسالة التي بلغتها للمشاهد و ماهي الإضافة التي قدمتها له؟. قارني بين عملك هذا و ما قدمته من أعمال كبيرة و على سبيل المثال لا الحصر »الخطاب على الباب«. هل يصل بنا الجري وراء »الكاشي« إلى حد التفاهة و الإسفاف و عوض أن نسعى للتقدم بالخلق و الإبداع و فرض الآراء الجدية و المواضيع التي تنهض بالوعي الجماعي، نخرب آفاق و ذوق المتفرج. إلى هذا الحد فعلت بنا المادة فعلتها الشنيعة كالذين باعوا همتهم واستهانوا بكرامة الأمة من أجل الدولار فغنوا لزعيم الإجرام و العلوج في فلسطين المحتلة