كنت أمنّي النفس أن يعيش سنوات أخرى حتى أراه في الجزائر، كنت أدعو الله أن يحفظ لنا ذلك الرجل الكبير بكل المقاييس منذ سقط مريضا، ولكنه ارتأى أن يودّعنا في اليوم الثاني من رمضان مخلفا لي حسرة وأسى. فالرّجل أناديه في الجزائر وفي رسائلي الذاهبة الى الجزائر ب «عمّي الطاهر». من حق الشعب الجزائري الشقيق أن يحزن أعواما من أجل فقدان «عمّي الطاهر وطّار» الذي عاش حياته مناضلا من أجل الجزائر والفكرة المغاربية مؤمنا بالعروبة ناذرا حياته للفكر والأدب والفنّ والثقافة. ومن حقّ الشعب الجزائري الشقيق أن يذرف دمعًا ودما لفقدانه خيرة الرجال طوال نصف قرن من الاستقلال فالرجل أرفع روحا وأكثر نبلا وأعلى شأنا وأوسع ثقافة في تاريخ الجزائر الحديثة. رجلٌ يقول كلمته بلا خوف... لم أر الطاهر وطّار خائفا يوما من رئيس أو وزير أو كاتب دولة أو رجل أمن، فكل الجزائريين كانوا على باطل وعمّي الطاهر كان مرفوع الرأس على حق لا يخشى فيه لومة لائم. إنه من طينة «ادوارد سعيد» و «سعد الله ونّوس» كان الرجل منتصرا للحق والعدالة ونصيرا لكل قضايا الأمة العربية، جلدا صبورا يلبس الكوفيّة الفلسطينية و «الكدرون العربي» وسط أولئك المدنيين ذوي اللباس المتأنق. كان الرجل منحازا الى النور والجمال بتأسيسه للجمعية الثقافية «الجاحظيّة» نسبة الى الجاحظ، وهي أهم جمعية ثقافية في المغرب العربي لعشرين عاما تقريبا، إضافة الى تأسيسه لمجلتي «التبيين» و «القصيدة» الأدبيتين. استطاع الطاهر وطّار أن يُجمّع حوله مئات من الشعراء الشباب في المغرب العربي طيلة إشرافه على أهم جائزة شعرية للشعراء الشباب في المغرب العربي لمدة عشرين عاما. كانت أسعد أيام حياتي أن أكون ضيفا على جمعية «الجاحظية» يوم الرابع عشر من نوفمبر 7991. كان الرجل يشرف على الإصدارات وإخراج المجلات وتنظيم الجائزة... كان يجلس أمام الكمبيوتر للعمل بثبات وإصرار وعزيمة. فجميع الشعراء الشباب في المغرب العربي هم مدينون حقا لهذا الرجل العظيم. لا أحد يستطيع في العالم أن يكون الطاهر وطّار لأنه مختلف عن الجميع، مثقف حقيقي نوراني، ثوري ونصير للقضايا المصيرية، يساري الروح والدم واللحم والعظام. انتصر الرجل للغة العربية ضدّ الفرنكفونية الطاغية في الجزائر، انتصر للغة الضّاد وللفكر الحرّ البنّاء حيث جعل شعارا على مدخل الجمعية الثقافية الجاحظيّة بخطّ كبير «لا إكراه في الرأي»، هذا هو الطاهر وطّار. أشعر بخوف هذا اليوم لأن الثقافة العربية خسرت قلعة من قلاعها في عصر تكالبت فيه الشعوب الهمجيّة على الأمة العربية من كل حدب وصوب. لكن علينا نحن جميعا أبناء الطاهر وطّار أن نواصل معركة الالتزام في معناه الأنبل والأعمق بعيدا عن الانغلاق لأن الرجل رحمه الله كان نورا يمشي في الظلام، وكان كلمة إلاهيةً عربيًا. لقد فقدنا نحن العرب سندا كنا في حاجة إليه، فقدنا روائيا كبيرا ومثقفا شموليا ورجلا فذا في عصر فقدت فيه الأمة العربية هيبتها وسقطت ثقافتها في الكذب والنفاق والتدجيل والشعارات الزائفة. رحم الله «عمّي الطاهر وطّار» الذي وافاه الأجل يوم الثاني من رمضان الموافق للثاني عشر من أوت هذا العام.