لقد ميزت المحرمات المتمثلة في اقصاء غذاء ما من الاستعمال العام، والوازع الديني ، بوصفه ضرورة معنوية ووجوبية في السلوك الغذائي منذ عصور، غذاء المجموعات الانسانية. يعود هذا الامر لعدة اسباب ارتبطت في أغلب الاحيان بمعطيات طبيعية او اجتماعية كالفقرو نقص الموارد .كما قد يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعتقدات بهدف الحفاظ على الخلف الصالح او احيانا بالسحر خوفا من التسمم... الخ. ربما كان التحريم احيانا ضروريا للمحافظة على الاغنام و الدواب بالقدر اللازم لبقاء مجموعة ما في ظل العيش في ظروف غير مستقرة. أما الوازع الديني فمن المفترض انه يحمي و يعالج بعض الأمراض المرتبطة ببعض انواع السحر. فكان بذلك يعوض العلاجات المادية الصعبة المنال أحيانا. ٭ الاخلاق الغذائية مع مجيئ الاديان التوحيدية اكتسبت الاخلاق الغذائية الاهمية الاكبر في حياة الانسان حيث اصبحت مقننة اكثر، واكثر وضوحا واحيانا اكثر صرامة. حيث مرت من مطلب معنوي الى واجب ديني . فالديانة اليهودية بوصفها اقدم ديانة توحيدية كانت الاولى التى تضع معالم القاعدة الغذائية الدينية باستحضارالمحرمات القديمة من عدة قرون محولة اياها الى مذهب ونمط عيش. فتصبح المائدة الغذائية أشبه بمعبد /مذبح حقيقي كل ما له علاقة بالعادات له علاقة بالمائدة. تنقسم المأكولات الى قسمين كبيرين النقي والفاسد او ما يوازي في الاسلام الطاهر والنجس اوأيضا الرجس. ولكي يعتبر الطعام نقيا ينبغي ان يكون محفوظا وان يستجيب لجملة من القواعد المكونة «للكشروت» (الطعام) حسب التقاليد اليهودية المجمعة في التلمود المكمل للتوراة . حيث يحرم على اليهود أكل الخنزير والجمل والاسماك بلا زعانف .هذا وتجدر الإشارة إلى ضرورة الفصل بين الحليب واللحم وبالتالي بين مشتقات الحليب ومشتقات الللحوم. اما المسيحية فهي لم ترث ، عند تطورها التاريخي ,الكثير من التقاليد اليهودية. ربما يعود ذلك الى أن التوسع المسيحي شمل شعوبا وبلدانا ذات ارث ثقافي مختلف عن تلك التي في الشرق الاوسط مكان نشأتها. فالخنزير هو حيوان نجس لانه حيوان يقتات من الفضلات و لأنه كالإنسان الا انه غير محرم. كما ان استهلاك الخمر مباح الا ان المكثرين منه يعتبرون مرتكبي معاصي، وهناك طبعا فترة الصوم الكبير التي لا يؤكل فيها الا القليل دون بلوغ الصيام الكلي كما هو الحال في شهر رمضان عند المسلمين. مع ظهور الإسلام تم تقنين العادات الغذائية باستعادة بعض المحظورات من العبرانية مع تعديلها لمزيد ملاءمتها، غير ان الامور حسمت بشكل واضح مع المسيحية إذ برزت حدود غذائية حقيقية من مكوناتها لحم الخنزير والخمر والدم. حيث حرم لحم الخنزير والدم بشكل قاطع دون اية امكانية للتاويل .بينما بقيت مسالة تحريم الخمر لمدة طويلة مسالة مثيرة للجدل ,ذلك ان القرآن لم ترد به عقوبات لشاربي الخمر. فكان ينبغي الانتظار الى غاية عهد خلافة عمر كي يتم ذلك ,مع أن هذه العقوبات لم تكن شديدة الصرامة حيث كانت عشرون جلدة كافية على غرار العقوبة المسلطة على العبيد الزناة. هذا وقد بشّر المؤمنون الصادقون في الإسلام بالخمر أيضا، حيث سيشربون منه قدر ما يشاءون في جنات الخلد، الا انه بالنسبة للصوفية، تماما كما هو الحال عند المسيحيين، للخمر نفس الرمزية في كليهما، اذ يعتبر مشروبا يختزل المعرفة ويقرب المخلوق من خالقه. طبعا يتجه التاكيد هنا على ان الخمر الذي يقصده الصوفية ليس الخمر الذي يحتسيه عامة الناس، فهي ذات بعد أسطوري. هذا لا يمنع ان الخمر والخبز عنصران يكونان في الآن ذاته الغذاء المادي و الروحي، و هو ما يتضح جليا في رباعيات قطب الصوفية، الشاعر الفارسي عمر الخيام. أما في الحياة اليومية فإن الأمور تسير بشكل مختلف. حيث ان التعايش في البلدان التي يتواجد فيها على نفس الارض مجموعات مختلفة الديانات كما هو حال لبنان يعد النموذج الامثل لذلك. يعيش المسيحيون المارونيون والمسلمين الشيعة في لبنان في توافق ,ففي الحفلات الدينية يتعاون الجيران على تحضير الحفلات حتى تلك ذات الطابع الشعائري كقربان عيد الميلاد. في بعض القرى يحبذ المارونيون ان يتكفل أحد جيرانهم الشيعة بعملية الذبح حيث قد يكون ذلك عمليا بالنسبة لهم أو قد يدعم طابعها القدسي. وكل هذا يقام دون اشكاليات حيث ان الله واحد بالنسبة للجميع والكل يعتقد في وجوده. السؤال الجوهري هنا هو ثقافي اساسا . ففي هذه المنطقة التي تشمل الشرق والشرق الاوسط قاعدة ثقافية تمجد الخروف على حساب باقي الحيونات كالخنزير. فتتطابق القاعدة الدينية بذلك مع القاعدة الثقافية. الدليل على ذلك ان المسيحيين اللبنانيين لم يعرفوا الخنزير وان كان مباحا بالنسبة لهم الا مع قدوم الحماية الفرنسية في 0291. كما ان الاقباط مثلا لا يكثرون من شرب الخمر وان كان غير محرم بالنسبة لهم بل وربما يستهلكون منه اقل من المسلمين من المصريين المحرم عليهم. وفي النهاية فانه من المهم الاشارة الى ان علماء الاثار اليهود لم يجدوا اثارا للخنزير عن الفترات السابقة لظهور العبرانية ويبقى كل ذلك مدعاة للتفكير.