السيد عادل الشاوش هو نائب وعضو في المكتب السياسي لحركة التجديد. إلتقيناه لمعرفة رأيه كسياسي في واقع الثقافة في تونس ومدى مسؤولية الأحزاب في دعم ثقافة بديلة، فكان معه الحوار التالي: ❊ السيد عادل الشاوش، كيف تقيمون الحركة الثقافية التونسية؟ في اعتقادي ان التقييم يجب ان يكون نسبيا وموضوعيا بعيدا عن مقولة الأزمة. فهناك حراك ثقافي واضح من مسرحيات وندوات ومهرجانات موسيقية منها الدولي والمحلي خاصة تلك التي تحظى بجمهور واسع. أما مسألة المضمون وما يسمى بالثقافة الراقية فهو ايضا موجود خاصة في المسرحيات. ❊ السيد النائب كلامكم هذا يؤكد ما ذهب اليه البعض من أن مجلس النواب لا يناقش قضايا الثقافة بعمق أو قد لا يتفطن إلى مشاكلها؟ أولا لابد من الاشارة الى أن مجلس النواب ليس هيئة متجانسة وأن اراء النواب متنوعة ومختلفة وفي ما يخصني شخصيا فقد أثرت مسألة الثقافة من زاوية نظر توسيع هامش الحرية أمام المبدع انطلاقا من حاجة الابداع للحرية وكنت في هذا الصدد أشرت الى قضية اضراب الجوع الذي قامت به رجاء بن عمار من اجل حقها في الفضاء، كما دافعت عن حق »شركة فاميليا« في عرض »خمسون« وعموما فهناك من النواب من يتناول مسألة الثقافة من الزاوية التنموية أي المطالبة ببناء وتهيئة دور الثقافة ودور الشباب والبنى التحتية اللازمة في حين البعض القليل وانا ضمنهم أثيرها في جانبها السياسي، ذلك ان تونس لا تمتلك إمكانات مالية هامة تجعلها قادرة على خلق حركة ثقافية تنافس الدول الكبرى أو دول المشرق ومع ذلك فقد حقق بعض المثقفين وخاصة المسرحيين انجازات جعلت من المسرح التونسي طلائعيا، ومن هنا وجب ترك هامش واسع من الحرية لهؤلاء ليواصلوا ابداعهم. ❊ ماذا لو تحدثونا عن تصور حزبكم للثقافة أو مشروعه البديل، الذي والحق يقال لم يصل بالوضوح اللازم الى الرأي العام؟ لابد من الاشارة أولا الى ان مقولة الثقافة البديلة هو شعار رفعته الحركات اليسارية في فترة تاريخية وهو شعار فيه التباس، ففي رأيي الخاص وبصفتي الشخصية عادل الشاوش وعضو في حركة التجديد لا أؤمن بالثقافة الارادوية التي تفرض من اجل خدمة الافكار أو البرنامج السياسي لأن الابداع مسألة عفوية ولا تأتي بالتخطيط، فالبنى الأساسية ضرورية ولكنها ليست الشرط الوحيد اذ أن الشرط الاساسي للابداع هو الحرية وهنا يأتي دور الحزب أما الحديث عن تصور مسبق للثقافة لا يتجاوز كونه شعار ويمكن القول أن التجارب اليسارية التي رفعت هذا الشعار عبر الاعتماد على الاغنية الملتزمة او الدعائية أدت الى تسطيح الابداع والرؤية الثقافية، بل أبعد من ذلك يمكن القول ان البلدان التي عملت على فرض ثقافة بديلة تتماشى مع اديولوجياتها صحرت الساحة الثقافية في بلدانها واصبح الفن وسيلة للدعاية، لذلك فإن التصور الحقيقي للثقافة والابداع يقوم على حرية المبدع. وبالنسبة لدور الدولة الحديثة في خدمة الابداع فإنه يسير في اتجاهين، يقوم الأول على توفير النسبة الاساسية كما قلت سابقا ويقوم الثاني على اعطاء الحرية للمبدع. ولا يجب ان تنتظر من المبدع الالتزام السياسي الضيّق فالمبدع يلتزم بقضايا شعبه وبرؤيته الفنية للأشياء، أما الزامه بتصور سياسي فيخنقه لأن الابداع حالة فردية استثنائية تموت اذا انعدمت الحرية. ❊ هل أفهم من كلامكم انه لا يجب على الاحزاب السياسية اعتماد الثقافة لإيصال برامجها وأفكارها؟ أجل هو كذلك لأن السياسة تضرّ الثقافة. وأود هنا التمييز بين المثقف والسياسي فلكل دوره الخاص، فالسياسي مطالب بتحقيق نتائج وأهداف محددة، والبحث عن التوازنات والتوافقات وهو يعمل في اطارها لذلك هو ملزم بمراعاتها في خطابه السياسي ولا أقصد هنا الكذب أو التزييف، ولكن أتحدث عن خصوصية الخطاب السياسي القائمة على مراعاة التوافقات السياسية أما المثقف فهو ليس مطالبا بإرضاء أحد عدى جمهوره لذلك فإن آراءه وأحكامه حول قضايا المجتمع أو العالم تكون عادة دون قيود. واذا أردنا دمج الادوار فإن المثقف يفقد دوره وابداعه، فحتى فكرة المثقف العضوي فهي لا تقوم على الارتباط المباشر بين المثقف والحزب إنما تقوم على تبني نفس التصور دون أن يصبح المثقف عضوا في خدمة الحزب او موظفا ثقافيا فالمثقف يجب ان يكون حرا في طرح أفكاره وتصوراته دون قيود حزبية. ❊ ولكن هناك من يرى ان الثقافة ترتقي بالوعي بما يخدم مصلحة الأحزاب السياسية في طرح برامجها فما هو تعليقكم؟ لنأخذ مثال فلاسفة التنوير فهم لم يكونوا منضّمين الى أحزاب ومع ذلك فقد خدموا الثورة الفرنسية ومهّدوا الطريق للساسة فالمقصود من كلامي اذن هو الفصل بين السياسي والمثقف تنظيميا وليس اجتماعيا فخدمة المجتمع هدف مشترك ولكن لكل دوره وطريقته. وفي تونس هناك أحزاب تدافع عن الحداثة كما أن هناك مثقفون يدافعون عن نفس القيمة رغم غياب الارتباط التنظيمي. وبعبارة اخرى فإن الاحزاب لا تخلق المثقفين بل هم حالات فردية داخل المجتمع سواء التقت مع تصورات الأحزاب أو لم تلتق. ❊ هناك من يرى ان ضعف الحراك الثقافي داخل الجامعة قد أضعف الحركة الثقافية ويحمل بذلك المسؤولية للدولة في عدم دعمها للعمل الثقافي الجامعي، فكيف تعلقون على هذا الرأي؟ يمكن هنا التفرقة بين الثقافة كمنتوج جماهيري يستقطب المستهلك كالحفلات الموسيقية التي لا يخلو منها أي مجتمع بقطع النظر عن مستواها فهناك حفلات مادونا في امريكا وهناك حفلات المغنين في لبنان أو مصر وهي تستقطب جمهورا واسعا وحفلات الفن الشعبي. وهذه النوعية موجودة وبكثرة وعدد المهرجانات الموسيقية لوحدها يتجاوز 200 في تونس وهناك الثقافة الهادفة أو الراقية وهي ليست مسؤولية الدولة ولا يمكن ضمانها بتطور العمل الثقافي داخل الجامعة لأن الابداع والثقافة الراقية جهد فردي بالأساس ولنأخذ مثالا من تاريخنا فإبن خلدون العالم الاجتماعي والتاريخي الكبير وصاحب النظريات ظهر في فترة الانحطاط الذي شهدته البلاد ولم تشرف الدولة آنذاك على تكوينه بمعنى ان المثقف ليس لاعب كرة قدم لتكوينه وصناعته، بل هو نتاج مرحلة تاريخية معينة قد تكون رديئة كما قد تكون جميلة ومزدهرة. ففي فترة العشرينات والثلاثينات برزت في تونس عديد الوجوه الثقافية البارزة وأنتج المجتمع رغم صعوبة الظروف مثقفين ومبدعين ملتصقين بقضايا شعبهم دون أن تكون هناك سياسة ثقافية. فأفكار الطاهر الحداد انتظرت عقدين لتظهر الدولة الحديثة وتطبقها فقد استقرأ الواقع وطرح الحلول دون ان يطبقها واكتفى بإنارة الطريق. فالمثقف هو ظاهرة فردية مرتبطة بالسياق التاريخي الذي يظهر فيه دون ان يكون للسياسة الثقافية دور في انتاجه وأقصد هنا الابداع تحديدا الذي لا تتحمل فيه الدولة سوى مسؤولية توفير الحرية. فالدولة كما قلت معنية وفق الامكانات التنموية بتوفير البنية الأساسية من دور ثقافة وقاعات سينما ودور عرض مسرحي أما مسألة الابداع فلا تعنيها لأنه لا توجد سياسة تنتج المبدعين ولعل فرقة الراشدية تمثل نموذجا لدور المبدع والمثقف فرغم غياب الدعم وظروف الاستعمار نجحت نخبة من المبدعين الذين طرحوا مسألة تردي مستوى الاغنية وأجتمعوا مع نخبة من الشعراء والملحنين المتميزين في تكوين فرقة الراشدية لإنقاذ الأغنية التونسية من الانحدار وقد نجحوا في ذلك بتميز.