بقدر ما تتراكم الرغبات اللامشعّة تتأكد فاعلية الاشهار قانون العولمة الناجع والوحيد:لا شيء غير لغة السوق والمال التقنيّة تختزل الانسان في بعد واحد وتُغيّبُ القيم الانسانية الكونيّة إبراهيم العميرييشهد الإنسان المعاصر تراكما معرفيا وتقنيا لا مثيل له في أحقاب سابقة، وقد طالت المكتسبات المعرفية كل واقعه المادي والرمزي وأصبح مصير الفرد رهينتها الى حد أن جوهره كذات حرة مفتوحة على كل ممكنات الوجود بات مهددا فهو لم يعد بعد قادرا على اختيار ما يلبس وما يأكل وما يسكن وما يتذوق، لقد صار الانسان اليوم وتلك ضريبة التقدم لعبة توجهها الآلة الإعلامية بما تملكه من تقنيات غاية في الدقة والتطور فرغباته ليست تحت سلطة أرادته اللامحدودة، وانتظاراته ليست من صنع عقله المفكر، ونسيج علاقاته مع الآخر والعالم ليست من نحت عوالمه الفنيّة والرمزية بل هي حصيلة سلطة أقوى وأعمق تغلغلت في كيانه إلى درجة أنها صارت كالدم الذي يسري في شريان كل حياته إنها سلطة منطق التسويق ومنطق تحويل العالم الإنساني الى سوق يقاس فيها كل شيء وفق صروف البيع والشراء كما تكرهه عليها الآلة الاشهارية التي لا ترى في الواقع الا بضاعة تنتج ربحا، الا قدرات على تنميط سلوك الانسان، على قتل كل ملكات الانسان الابداعية والنقدية والفكرية لتبقي على استعداد وحيد لديه بقدر ما يستهلك يكون وبقدر ما يكون تزداد الرغبات التي لا تتحقق وبقدر ما تتراكم الرغبات اللامشبعة تتأكد فاعلية آلة الاشهار. قد يبدو هذا التشخيص مبالغ فيه ومجانب للصواب إذ أن الاشهار في حد ذاته ليس الا تعبيرا عن اختيارات واعية للانسان وعليه فإنه المسؤول عن جعله قوة تقدم وقوة في خدمة انتظارات الانسانية في التحرر والتقدم والرفاه والعدالة، ان الاشهار حسب هذه الرؤية هو سبيل وعي (في المجال الصحي) وهو مسار يمكن ان يحمل الانسان الى عالم أرحب تكون فيه ذاته اكثر ابداع واكثر امل في صنع تارخ جدير بانسانيته ومعبرا عن مشروع بناء الانسان الكامل في كل ابعاده الاقتصادية والسياسية والاخلاقية والجمالية. ان مثل هذه الرؤية قد تكون مبررة في غير واقع الانسان الراهن على الاقل، واقع تحكمه عولمة قانونها الوحيد والناجع: لا شيء غير لغة السوق والمال والتجارة، لا شيء غير التقنية كأفق للتحكم والسيطرة لا على الشعوب بل على كل فرد في عالمه الخاص، ان العولمة والاشهار احد اهم وجوهها الواضحة تعمل من أجل تحييد كل ملكات الانسان ما عدى بعد واحد تبقي عليه وتصقله انه بعده الانتاجي الاستهلاكي.وفي الحقيقة ان تأمل أمر التقنية وأثرها على الوجود الانساني ليس وليد اليوم بل ان المبدعين والمفكرين قد انتبهوا الى امكانية انقلابها عليه منذ الثورة الصناعية ولنا في اعمال ماركس وزولا ومدرسة فرانكفورت وهيدجير ما يبين مدى خطر التقنية على الانسان اذا ما اختزلته في بعد واحد فالتقنية في ظلّ غياب القيم الانسانية الكونية في المعرفة (الحقيقة) وفي الاخلاق (الخير) وفي مختلف الفنون (الجميل) قد تكون بابا للوهم والاغتراب وفقدان القيمة وضياع المعنى.إنّ هذا الأمر قد انتبه إليه احد المفكرين الكبار وقدم في شأنه تشخيصا مازال يحتفظ براهنيته اليوم، بل لعله ينير سبيلنا في بلورة رؤية متكاملة حول واقع الفنون في ظل الثورة المعلوماتية، وحول ممكنات الابداعات الثقافية من رسم ونحت ومسرح وسينما ورواية شعر وأدب وإعلام في واقع سلطة السوق هذا المفكر تناول واقع تلك الابداعات الثقافية في »زمن إنتاجها التقني« أو »تصنيعها التقني« بالتحليل والنقد بحثا عن آفاق جديدة للابداع الإنساني انه »ولتر بنيامين«.فأي مكانة للابداعات الثقافية في ظل هيمنة شروط السوق؟ وهل يمكن للآثار الفنية الحفاظ على عناصر فرادتها وعلى صور تعبيرها على نسيج العلاقات الانسانية وتعقيداتها؟ وهل يبقى للسمات الفنية من قيمة في ظلّ واقع التطور المذهل اليوم حيث أصبحت السوق وقوانينها قاعدة كل حكم وكل نجاعة؟ وكيف يؤدي الإنتاج التقني الى اختزال القيم الثقافية للأثر الفني. الاثر الفني زمن انتاجه التقنييكتب »ولتربنيامين«: »انه لمن جوهر الاثر الفني أن يكون دائما قابلا للانتاج فما أنجزه بعضهم يمكن للآخرين دائما إنتاجه وهكذا مارس هذا الفعل التلاميذ لتعلم الفن، والمعلمون لنشر آثارهم ومارسه أيضا طرف ثالث حبا في الربح ويمثل الانتاج التقني للاثر الفني في علاقة بتلك التمشيات، أمرا مستحدثا، وظاهرة تنمو بشكل متواتر في صيرورة التاريخ، وهي تنمو بقفزات متلاحقة تفرق بينها مساحات طويلة، ولكنها تتطور بكثافة تصاعديّة.لم يكن الإغريق يعرفون غير تمشيين تقنيين لإعادة الانتاج: الصهر والختم وتتمثل الآثار الفنية الوحيدة التي يستطيعون اعادة انتاجها في سلسلة متماثلة في البرونز، الفخار والنقود اما الآثار الفنية الاخرى فهي لا تتوفر الا في مثال واحد وهي لا تقبل اية تقنية انتاج وقد سمح النقش على الخشب، ولاول مرة من إعادة انتاج الرسم منذ فترة طويلة وذلك قبل ان تنجح الطباعة في إعادة انتاج الكتابة والكل يعرف التحولات الهائلة التي طالت الادب تحت تأثير الطباعة، لا تمثل الا حالة خاصة من الظاهرة التي نفحص هنا على سلم التاريخ الكوني. وسيضيف العصر الوسيط النقش على الفضة، والحفر، والنقش بواسطة تدفق الماء القوي، وستظهر في بداية القرن التاسع عشر الطباع الحجرية.وتعد الطباعة الحجرية علامة على المنزلة الجديدة التي بلغتها تقنيات اعادة الانتاج فقد مكن التمشي المباشر، الذي يميز انجاز الرسم على حجر عن قطعة في الخشب، ولأول مرّة، فن التخطيط من عرض انتاجاته في السوق وهذا العرض لا يتم فقط في عدد كبير(...) بل في اشكال متجددة في كل مرة لقد صار الرسم، بفضل الطباعة الحجرية حاضرا في الحياة اليومية لتلك التجسيدات لقد بدا يسير في نفس الخطوة كالطباعة ولكن لم تكد تمضي بعض عشرات السنين منذ اكتشاف الطباعة الحجرية حتى حل التصوير الشمسي عوضا عنه ومع هذا الفن تجديد الانسان لاول مرة، نفسها مبعدة في اطار مسار اعادة انتاج الصور، عن المهمات الفنية الاكثر اهمية والتي ستختص بها العين المثبتة على العدسة ولما كانت العين تدرك بسرعة اكثر مما ترسم اليد ستكون وتيرة اعادة انتاج الصور اسرع الى درحة تصل فيها الى متابعة ترددات الكلام. ان الفاعل السينمائي يثبت الصور في الاستيديو بنفس سرعة قول الممثل نصه. فاذا كانت الطباعة الحجرية تحتوي افتراضيا الصحيفة المزينة بالرسوم فان التصوير الشمسي يحتوي افتراضيا السينما.سنواجه في نهاية القرن المنقضي المشكل الذي يطرحه انتاج الاصوات تقنيا، وكل هذه الجهود المتظافرة تسمح بتوقع وضعية حدد خصائصها »فاليري« كما يلي: »مثلما كان الماء، ومثلما كان الغاز، ومثلما كان التيار الكهربائي، يأتي من بعيد الى منازلنا، استجابة لحاجاتنا، بأقل جهد ممكن، سنتغذى هكذا بصور مرئية أو سمعية، تتوالد وتتوارى في ادنى حركة، في اشارة تقريبا« لقد بلغ الانتاج التقني، في حدود 1900، درجة اصبح فيها قابلا للتطبيق، تبعا لذلك، لا فقط على أثار الماضي الفنية وعلى تحوير طرق الممارسة، بشكل عميق جدا، بل على أن يحوز هو نفسه مكانا ضمن التمشيات الفنية. في هذا الاطار يبدو انه لا شيء أكثر بيانا من الطريقة التي يؤثر بها التمظهر الثنائي: الانتاج التقني للاثر الفني والفن السينمائي، بالمقابل، على الاشكال الفنية التقليدية.IIسيفتقر دائما اكمل انتاج تقني الى شيء: لحظة وملابسات خلق الاثر الفني، وحدة وجوده في المقام الذي يوجد فيه. ان هذا الوجود الفريد، وبقدر ما يدوم، هو وحده الذي يكون، رغم ذلك، عرضة لعمل التاريخ ونعني بذلك التلف الذي يطال بنيته المادية ومالكيه المتعاقبين. ان اثر التلف المادي لا يمكن الكشف عنه الا بفضل التحاليل الفيزيائيّة / الكيميائية، وهو أمر مستحيل على النسخة المصنعة تقنيا، وللوقوف عند الايادي المتعاقبة التي مر بها الاثر الفني وجب إتباع تقليد كامل ينطلق من المقام الذي يوجد فيه الأصل.ان لحظة وملابسات الأصلي تكون ما نسميه أصالته لتحديد أصالة برونزا ما، يجب، أحيانا، الاستنجاد بتحاليل كيميائية لعجينة، لبيان أصالة مخطوط للعصر الوسيط، يجب أحيانا إثبات أن مصدره الفعلي هو مخزون أرشيف للقرن 15. إن كل ما يرتبط بالأصالة يفلت على كل نقل أو نسخ له وهذا ينسحب بالطبع على الإنتاج التقني. لكن أمام النسخة المنجزة بأيدي الانسان، والتي تعد بصفة عامة مزيفة، يحافظ الاصلي على سلطته، لا يسير الآمر كذلك مع الانتاج التقني، وهذا لسببين، أولا لان الانتاج التقني اكثر استقلالية عن الأصلي من النسخة اليدوية، ففي حالة التصويرالشمسي، مثلا يمكن للانتاج التقني ان يبرز ملامح من الاصلي تفلت عن العين المجرد، وهي ملامح لا يمكن تحديدها الا بواسطة عدسة متحركة بحرية للحصول على مختلف زوايا النظر، وبفضل تمشيات مثل التكبير أو الابطاء، يمكن ان نصل أشياء تجهلها كل رؤية طبيعية هذا بالنسبة للنقطة الاولى. ثانيا يمكن للانتاح التقني ان ينقل عملية الانتاج الى وضعيات لا يمكن ان يتواجد فيها الاصلي البتة فهو يستطيع جعل الاثر الفني قريبا من المتلقي بواسطة صورة شمسية أو قرص مضغوط وبذلك تغادر الكاتدرائية موقعها الفعلي لتستقر في استيديو هاو، كما يمكن لمولع بالموسيقى الاستماع في بيته للجوقة للمؤداة في حفلة موسيقية أو في الهواء الطلق.لاتضع الشروط الجديدة التي يوجد فيها منتوج الصناعة التقنية، ربما، موضع تساؤل وجود الأثر الفني نفسه، انها تحط من قيمة لحظة وملابسات إبداعه الفريدة والأمر سيان بالنسبة لاي شيء آخر غير الأثر الفني، كالمشهد الطبيعي الذي يتعاقب. مثلا، أمام مشاهد لفيلم ولكن اذا تعلق الامر بأشياء الفن يضرب هذا الحط من القيمة الاثر الفني في عمقه، هناك حيث يكون هشا أكثر من أي شيء طبيعي: إن هذا الحط من القيمة يطال الاثر في أصالته وما يكون اصالة شيء هو كل ما يملك تبليغه عن مصدره، ديمومته المادية وقوة شهادته التاريخية. ولما كانت قيمة الشهادة التاريخية تقوم على ديمومته المادية في حالة الانتاج التقني للأثر، اين يفلت العنصر الاول الديمومة المادية عن البشر، فإنّ العنصر الثاني الشهادة التاريخية للشيء تجد نفسها، هكذا، أيضا مزعزعة. لا شيء أكيد، ولكن ما زعزع هكذا هو سلطة الشيء، هيبته (16).تتلخص كل تلك السمات في مفهوم الهالة المميزة للعالم الذي يضيفه الاثر الفني الى الوجود الانساني (بما تحيل عليه من قداسة وفرادة ونفوذ)، ويمكن القول في زمن الصناعة التقنية، أن ما يتلف في الاثر الفني هو هالته ولهذا يأخذ التمشي التقني قيمة العلامة ودلالته تتجاوز حقل الفن، يمكن القول وبصفة عامة، ان الانتاج التقني يفصل الشي ء المصنوع عن مجال التقليد فهو يعوض من خلال مضاعفة الامثلة حدوثه الفريد بوجوده الغزير والمتكرر والمماثل وهو يحين الشيء المنتوج بتقديمه للمتقبل حيث ما كان. يؤدي هذان التمشيات الى رجة حادة للشيء المنقول، رجة للتقليد التي يمثل العنصر المقابل للازمة التي تواجهها حاليا الانسانية ولراهنية استعادتها انهما في ارتباط متبادل ومتين مع الحركات الجماهيرية المعاصرة والعامل الاكثر قوة هو الفيلم ولا يمكن الوقوف عند الدلالة الاجتماعية للسينما، وهذا حتى في صورتها الاكثر ايجابية وبدقة تحت هذه الصورة اذا أهملنا جانبها التحطيمي وجانبها التطهيري: تصفية القيمة التقليدية للموروث الثقافي تبرز هذه الظاهرة خصوصا في الافلام التاريخية الكبيرة فهي تدمج في مجالها مناطق جديدة دائما وعندما يصيح »ابل قانس« (Abel Gance) بكل حماسة سنة 1927: »سيفعل »شكسبير«، و»رامبرند«، و»بتهوفن« السينما (...) إن كل السير، وكل الميثيولوجيا وكل الاساطير، وكل مؤسسي الدين وكل الديانات نفسها (...) تنتظر انتفاضتها المضيئة، وسيتدافع الأبطال أمام بيوتنا للدخول«، (ص 18) فهو يدعونا دون شك الى الانتباه إلى هذه التصفية الواسعة.IIIنرى أيضا على امتداد فترات التاريخ الطويلة، ومع كل شكل وجود للمجموعات الانسانية تبدلا في طريقة ادراكهم الحسي. إن طريقة اشتغال الإدراك الحسي الوسط الذي تنفذ فيه لا يرتبط بالطبيعة البشرية فحسب، ولكن أيضا بالتاريخ، ونحن لا نجد فقط، في فترة الغزوات الكبرى. في الصناعة الفنية للإمبراطورية السفلى (ص (18 ولدى مؤلفي »Genese de Vienne« (ص (18، فنا مختلفا عن فن القدامى، ولكن نجد طريقة أخرى في الإدراك الحسي. إنّ علماء مدرسة »فيينا ريقل« (Riegl) و»وييكوف« ((Wickhoff بمعارضتها لكل ثقل التقليد الكلاسيكي الذي وضع هذا الفن تحت طائلة النسيان، كان أهملا سبق فكرة استنتاج الخلاصات فيما يتعلق بشكل الادراك الحسي الخاص بالزمن الذي حظيا فيه بالشرف ومهما كان انعكاس اكتشافهما فانه بقي محدودا لان الباحثان اكتفيا بتوضيح السمات الشكلية الخاصة بالادراك الحسي للامبراطورية السفلى. ولم يحاولا ربما كان الامل ممنوعا عليهما بيان التبدلات الاجتماعية التي اظهر تغيرات الادراك الحسي ونحن اليوم في وضع أفضل لفهم ذلك وإذا كان صحيحا أن التغيرات التي نواكبها في مستوى الادراك الحسي يمكن أن تفهم باعتبارها انحطاطا للهالة المميزة للاثر الفني فنحن قادرون على تحديد أسبابها الاجتماعية.لقد طبقنا مفهوم الهالة على الاشياء التاريخية فيما سبق ولكن وجب النظر الى هالة شيء طبيعي كي تتضح دلالتها اكثر، يمكن تعريف الهالة باعتبارها تجل فريد لبعيد، ولو كان قريبا جدا، ان نتابع بالنظر ذات ظهر صيف، خط سلسلة من الجبال في الافق الذي يلقي فيه غصن ظله عليه، فهذا بالنسبة للانسان الذي يرتاح، معنى تنفس هالة تلك الجبال أو ذلك الغصن يمكن هذا الوصف من سهولة إدراك الشروط الاجتماعية المسؤولة عن الانحدارالراهن للهالة فهي تعود الى ظرفين مرتبطين الواحد والآخر بالاهمية التصاعدية للجماهيرفي الحياة الراهنة، ذلك أن جعل الاشياء فضائيا وانسانيا »اكثر قرب« منا، هو عند جماهير اليوم (20) تعبير عن رغبة جامحة لميل نحو نزع فرادة كل ظاهرة من خلال تلقيها مصنوعة تقنيا ومن يوم لاخر تفرض الحاجة بطريقة اكثرتسلط لامتلاك الشيء بالقرب منا أكثر ما يمكن في صورة أوبالأحرى في انعكاسه في المنتوج الصناعي ولا احد يشك ان المنتوج صناعيا يتميز عن الصورة، ففي هذه الاخيرة ترتبط الفرادة والديمومة ارتباطا متينا مثلما يرتبط في تلك الزوال وإمكانية التكرار. ان اخراح الشيء عن هالته، تحطيم هالته، هو علامة إدراك حسي يكون فيها »معنى الفرد في العالم« (21) قد شوه الى حد أن هذا الادراك ينجح في تنميط الفريد (21) بواسطة إعادة التكوين أو الصناعة.ويتجلى، هكذا، في مجال الحدس (21) شيء مماثل لما نلاحظه في المجال النظري مع الأهمية التصاعدية للاحصاء. يمثل تراصف الواقع على الجماهير والجماهير على الواقع مسارا له اثر ضخم، على الفكر كما على الحدس.IVليست وحدة الأثر الفني واندماجه في التقليد إلا شيئا واحدا ولكن هذا التقليد نفسه هو واقع حي، شديد التغير. إن تمثالا قديما، »لفينوس« (آلهة الحب والجمال عند الرومان) مثلا، ينتمي إلى تقليد آخر عند الإغريق، الذين يحولونه الى موضوع عبادة، أما رجال الدين للعصر الوسيط فإنهم يرون فيه نذير شؤم. ولكن الاثنان يجدان أمامهما وحدة هذا التمثال، بعبارة أخرى هالته تمثل العبادة الشكل الذي يتم به الإدماج البدائي للأثر الفني في التقليد ومعلوم ان أقدم الآثار الفنية نشأت لخدمة طقوس أسطورية بداية ثم دينية، غير أن هذا يعدّ أمرا بالغ الاهمية لان هذا النمط من الوجود للأثر الفني، المرتبط بالهالة، لا ينفصل إطلاقا عن وظيفته الطقسية (22) بعبارة أخرى تتأسس القيمة الفريدة للأثر الفني »الاصلي« على هذه الطقوس التي تحدد قيمته الاستعمالية الاصلية والأولية ورغم انه غير مباشر فإنّ هذا التأسيس معترف به كطقس فقد قدسيته حتى في الأشكال الأكثر دنيوية لعبادة الجمال (23) ويكشف عن هذا التأسيس الرجة الخطيرة التي تعرض لها التعبد الدنيوي للجمال، الذي نشأ في عصر النهضة وبقي فاعلا طيلة ثلاثة قرون.وعندما ظهر حقا أول نمط ثوري من أشكال الانتاج التقني التصوير الشمسي (المعاصرة هي نفسها للبدايات الاشتراكية)، شعر الفن بقرب مجيء الازمة التي لا يستطيع احد نفيها، بعد مضي مائة عام، واجهها بنظرية »الفن للفن« التي ليست غير ثيولوجيا للفن، لقد نتج عن الأزمة ثيولوجيا سلبية في شكل فكرة فن »خالص«، يرفض لا فقط كل وظيفة اجتماعية، بل أيضا كل ذكر لموضوع ملموس (ومالارميه هو أوّل من أخذ هذا الموقع في الأدب).يجب أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار في دراسة العاثر الفني في عهد إنتاجه التقني. ذلك أن هذه الظروف تبرز معطى حاسما هنا: يتحرر الأثر الفني، لأوّل مرة، من الوجود الطفيلي الذي منح له في إطار طقوس التعبد أصبح الأثر الفني المنتج تقنيا، أكثر فأكثر، إنتاجا لآثر فني صمم ليكون قابلا للانتاج (24) يمكن نسخ اكبر عدد ممكن من الصور من لوحة صورة شمسية، مثلا وسيكون من العبث التساؤل أي من الصور هي الاصلية، ولكن منذ اللحظة التي أصبح فيها معيار الأصالة غير مطبق على الإنتاج الفني، انقلبت وظيفة الفن. وعوض ان يقوم على التعبد أصبح يتأسس على ممارسة أخرى السياسة. ملاحظة: النص المقدم (الصفحات من 9 إلى 38) هو فصل من ترجمة كتاب يعده صاحب المقال للنشر لاحقا، وهو التالي:Walter Benjamin, L'oeuvre d'art à l'epoque de sa reproductibilité technique, trad. Maurice De Gandillac, ed. Allia, Paris, 2003.