هكذا كانت ضربة الانطلاق للدورة 23 لأيّام قرطاج السينمائية. ❊ الخبر: يوم الجمعة الفارط، 22 أكتوبر، عشية انطلاق المهرجان، لم يتمكن ضيوف عرض سينمائي مبرمج من دخول قاعة أفريكا. في قلب العاصمة، على الرصيف، تجمّع الصحفيون والنقاد والمخرج والممثلون والذين اشتغلوا على الشريط وأصدقاؤهم وأهل المهنة ومحبّي الفنّ السابع، ولم يتمكّنوا من مشاهدة شريط »شاق واق« للمخرج الشاب الواعد نصر الدين السهيلي، وكان العديد منهم قد تابع في الأيّام السابقة عروض أفلام تونسية في إطار نفس البرمجة. ودبّت الحيرة وانتفض السؤال يريد جوابا وإذا بالقوم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون. وسرى الخبرُ: جهات أمنية اتصلت بإدارة القاعة ومنعت العرض، وحضرت وفود عن هذه الجهات تمركزت على الرصيف المقابل وتابعت الموقف: وقفة مُحبِّي السينما أمام القاعة لمدّة تجاوزت... مدّة العرض. »أهو دا الّي كان وهو دا الّي صار!« ❊ التعليق: »الخبر مقدّس والتعليق حرّ«، هكذا تقول مبادئ أخلاقيات المهنة الصحفية. ولكنّنا سوف نُحْجِم عن التعليق، ولأنّ التعليقَ حرّ فنحن أحرار في أن نُعلِّق على الخبر أو نُعَلِّقَ التعليقَ. وبالحريّة الممنوحة لنا مِنَّةً اخترنا تعليقَ التعليقِ إلى حين يكتمِلُ الخبر. والخبرُ، إذا لم ينشر كاملا، شاملا، تحت الأضواء الكاشفة وتحت نور الشمس يختَمِرُ، يتَخَمَّرُ وتتناسل فيه الخمائر فينتفخ حتّى يصبح... حكاية. الخبر غير مكتمل وحوله، ومنه تتوالد الأسئلة: من؟ وما؟ وأيّ؟ وكيف؟ وماذا؟ متى؟ وأين؟ ولعلّ لماذا هو سيّد الأسئلة. ❊ اللّماذا؟! نصرالدين السهيلي هو ممثل وقف أمام الكامرا وصعِد على خشبة المسرح ومخرج سينمائي عرفناه مع شريطه الذي لا يمكن أن يُنسى أو يمرّ هكذا وهو المتميّز، أوّلا، بعنوانه »بوتلّيس« ولكنّ نصر الدّين، كما يعرّفه أصدقاؤه وكلّ الذين عرفوه، يبقى أوّلا وآخرا إنسانا مهووسا بالسينما. والجمهور التونسي العريض يعرفه، إن لم يعرفه بعد مخرجا سينمائيا نظرا لصغر سنه 27 سنة وحداثة تجربته وهو في الخطوات الأولى، في دور »محرز أو حروز« أخو »الشُكُو« لمّا سئل، أمام قاعة أفريكا، عمّا يحدث بقي واجما وقد ضربته البهتة. للإجابة عن هذا اللّماذا، للإجابة عن دفعة الأسئلة المتزاحمة، لا بدّ لنا من مشاهدة الشريط. ولكن أنّى لنا ذلك وقد ارتأى من رأى الشريط من العيون السّاهرة على الذّوق العام أن يمنع رؤيته دون سابق تبرير أو لاحق تعليل؟. ولا يمكن لعاقل أن يتنازل عن حقّه في التفكير واختيار فرجته مع حريته في التمييز بين الغثّ والسمين، بين الصالح والطالح وتقول الحكمة السائرة:»كلّ مشاهد يعرف ما يصلح به«. فمن يتنازل عن هذا الحقّ الطبيعي لغيره ليفكّر عوضا عنه وليقرّر بدلا منه فيما يمكنه أن يشاهد؟ ولأنّه لا يوجد جمهور قاصر نعلن عن رغبتنا في مشاهدة شاق واق. وإذا تواصل منعه، فإنّه مشاهدته، وبفضل التقدّم العلمي والتطوّر التكنولوجي (يحيا العلم)، سوف يقبل عليه النّاس أفواجا إقبال ابن آدم وحواء على الممنوع. ❊ تحليق فوق وكر الواق واق إذن نحن مع »شاق واق« حتّى ينجَلِيَ القيْدُ على الشاشة في بلاد »الواق واق« وفي انتظار »شاق واق« أقترح عليكم مشاهدة شريط »تحليق فوق وَكْرِ الواق واق«Vol au-dessus d'un nid de coucou وهو شريط رائع من إنتاج المخرج الأمريكي، ذي الأصل التشيكي، »ميلوس فورمان«، سنة1975، وهو يصوّر انتفاضة بمستشفى للأمراض النفسيّة بتدبير أحد المرضى وقد فهم أنّ المقيمين في هذه المؤسسة يعانون... فضلا عمّا يعانون... من قساوة رئيسة مصلحة التمريض... ولقد حصد هذا الفلم خمسة أوسكارات مجتمعة: أحسن منتج »مايكل دوقلاس« أحسن مخرج »ميلوس فورمان« أحسن ممثل »جاك نيكول سون«أحسن ممثلة »لويز فلاتشر« أحسن سيناريو للثنائي »بو قولدمان ولورانس هوبن«. والجدير بالملاحظة أنّه عاد إلى الشاشات وأدرج في برمجة التوزيع في الموسم الثقافي الفارط، سبتمبر 2009. عرفت عشرات وربّما مئات من الذين شاهدوا هذا الفلم (باعتبار أنّه أُدْرٍجَ في برمجة نوادي السينما. يا حسرة يا زمان!) ولم أعرف واحدا أحسّ بالغربة صحبة ر.ب . ماك مورفيلد . عسى أن نجد فيه مجددا بعض عناصر إجابةٍ.