منذ إنبعاثه كان الإتحاد العام التونسي للشغل يضطلع بجسيم المسؤوليات و تحمل رجالاته العبء الأكبر من هموم الوطن و حملوها على أكتافهم و بين أضلعهم و داخل ضمائرهم رغم طابعها النقابي العمالي غير أن مؤسسي هذه المنظمة آلوا على أنفسهم أن تكون رسالتهم أبلغ ممن يتصوره البعض و مسؤولياتهم أعمق و ابعد من أي وجهة نظر خاصة في تلك الظروف الحالكة التي كان يعيشها الوطن و هو مسلوب كل مقومات الحرية و الفرد التونسي كل أسباب الكرامة و العزة و الشعور بالإنتماء لوطن يحتمي بظله يمارس فيه حريته الفردية و الجماعية و يتعاطى كل النشاطات الثقافية و الإجتماعية و السياسية دون قيد أو شرط و في ظل تلكم الظروف رفض رواد الإتحاد العام التونسي للشغل الإستكانة و القبول بالذل و الهوان للفرد التونسي من أي كان مهما كانت درجة سلطته و قوة سطوته و جبروته و كانت إنطلاقة العمل النقابي وطنية صرفة قبل أن تكون مطلبية عمالية حيث طالب حشاد و رفاقه المساواة في الحقوق و المكاسب و الحريات بين الجميع و لا مجال بأن يعتبر التونسي درجة ثانية في بلاده في حين ينعم الآخرون بكل خيراته و موارده الطبيعية على إختلاف تنوعها قبل المطالب النقابية المهنية و قدم لأجل ذلك كل التضحيات و الدماء و الشهداء و لم يستكن يوما و لم يتراجع أو يصيبه الوهن حتي عند إغتيال حشاد العظيم لم ينزعج النقابيون و العمال صحيح تألموا و زعزعوا لكنهم لم يضعفوا و لم يستكينوا بل العكس هو الصحيح حيث كانت عملية إغتياله نقطة البداية و دافع قوي للمضي قدما و تكثيف كل أشكال النضال بجميع ألوانه و مكوناته حتي عند مرحلة الإستقلال الداخلي كان الإتحاد العام التونسي للشغل و رجالاته أقروا العزم على مواصلة المشوار النضالي و التصدي للمستعمر الذي أراد أن يكون له في وطننا موطئ قدم يتحكم من خلاله في رقابنا و كانت مشاركة الزعيم و القائد المدني العسكري أحمد التليلي في معركة الجلاء في رمادة التي كان النواة الأساسية لخروج آخر جندي فرنسي من أرض الوطن و التي بها تحقق الجلاء التام عن بلادنا و التي إهتز لها كل الشعب التونسي بكل مكوناته لأن الإستقلال إنما هو زحزحة المستعمر عن الوطن و قطع جذوره منه و لم يستكن رواد الإتحاد العام التونسي للشغل و لم يركنوا للراحة إنما واصلوا عملهم الذي بدأه رفيق دربهم حشاد شهيد الوطن و الشعب الذي أحبه و آمن به فبادله الشعب الأبي حبا بحب و وفأ بوفاء و أكن له رفاقه عهدا تواصوا فيما بينهم عليه أن لا يخونوه و لا يحيدوا عنه حيث واصل الجميع من داخل الإتحاد العام التونسي للشغل هذا الصرح العظيم الذي لم يوجد في تاريخ الأمة العربية و القارة الإفريقية ما هو أعظم منه شأنا و لا أعمق منه جذورا و أنبل منه أهدافا و إيمانا من قادة الإتحاد في تلك الفترة بانصراف العديد نحو المآرب الشخصية و تفكير بعضهم في الزعامة و كل ما تؤدي إليها عكف النقابيون على وضع برنامج إقتصادي و إجتماعي يمكن أن تتحسس به البلاد و هذا الشعب طريقه نحو الخروج من التخلف و نفض غبار الفقر و التجهيل و التغريب التي فرضها عليه المستعمر عن قصد و مع سبق الإضمار لكن للوطن رجال لا تلههم المناصب و لا الصدارة مهما كن نوعها و قد إعتمدت الحكومة في ذلك الوقت العصيب تصور الإتحاد العام التونسي للشغل الإقتصادي و الإجتماعي و الذي كان بوابة النجاة و قارب الأمل للجميع و رغما عن المؤامرات التي حيكت ضد المنظمة و إستهداف كوادرها غير أن قيمها و ثوابتها الوطنية الخالصة لم تمنعها من مواصلة العمل من أجل محاربة التخلف و الأمية و الفقر فأنشأ الإتحاد عديد المشاريع الإقتصادية و التعاضديات العمالية للمساهمة في تطوير البلاد و إثبات أن التونسي أهل للإستقلال و قادر على كسب كل التحديات و تخطي كل المؤامرات التي تحاك خيوطها في الداخل و الخارج و لم يبالي بكل ذلك بل واصل طريقه حتى بعد أزمة 1978 المفتعلة و ما صاحبها غير أنه و بعيد إسترجاعه لمكانته و مؤسساته و مناضليه و قيادته بادر بإصدار مشروع برنامجا إقتصاديا و إجتماعيا بمناسبة مؤتمره الرابع عشر الذي إنتظم بتونس سنة العاصمة 1984 و الذي جاء متكاملا و شاملا حيث أتى على كل القطاعات و مكامن الضعف و تقدم بالحلول لها ثم واصل الطرف الآخر مقابلة الوفاء للوطن بالجحود للمنظمة فكانت أزمة 1985 حيث لاقى النقابيون و العمال ما لاقوا من تنكيل و طرد تعسفي و مضايقات و إفتكاك لدور الإتحاد بالقوة و المليشيات و السجون ثم و كعادته متجاوزا لكل الأزمات بفضل صبر رجاله الذين حنكتهم الأيام و قوت عزائمهم الأزمات و المصائب مستلهمين من إرثهم و مخزونهم الذي لا ينضب و الذي لا تزيده الأيام و الأزمات سوى وفرة وقوة وشدة و صلابة فتجاوب مع الوضع السياسي الجديد بالبلاد و إنصهر في دعم الإستقرار الإقتصادي و الإجتماعي بها رغم عن أنه من مميزات هذه الفترة و التي تعتبر الأصعب في مراحل حياة العمال و الحراك النقابي بصفة عامة بالبلاد حيث أغلقت المؤسسات و أطرد العمال و خصخص القطاع العام و دخلنا نفق هشاشة التشغيل و المناولة و السمسرة باليد العاملة و إنعدام العمل اللائق خاصة في القطاع الخاص الذي لا يعترف بأي منطق للقانون أو التشريعات المنظمة للعمل و للعلاقة الشغلية كل ذلك تحت غطاء ما يسمى بالعولمة مما إنجر عنه شبه إنهيار لكل ما هو إجتماعي عمالي بداية بالصناديق الإجتماعية التي لم تكن وضعيتها الحرجة وليدة اليوم بل منذ سنوات و هي تشكو العجز و تشارف على الإفلاس و كل مرة يكون العمال هم من يدفع فاتورة ترميم الوضع المالي لها بالزيادة في المساهمات رغما عما يعانيه الجميع من تدهور في المقدرة الشرائية و رغما عن كل ذلك يواصل الإتحاد العام التونسي للشغل محاولاته التي لا تفتر في النهوض بالوضع العام بالبلاد و طرح عديد البدائل و التي تتمثل في البرنامج الإقتصادي و الإجتماعي الثالث الذي يقدمه الإتحاد للوطن و كان ذلك في ديسمبر من سنة 2001 ثم لم يتوقف عند هذا الحد بل قام بعديد الدراسات و البحوث في ميدان التنمية الجهوية لوضع الإصبع على مكمن الداء و التقليص من الفوارق التنموية الجهوية و كانت الدراسة التي تقدم بها قسم الدراسات حول الوضع العام بجهة الكاف متميز جدا و أتى على أمهات المشاكل و طرح لها الحلول و كذا الدراسة التي إهتمت بمنطقة سيدي بوزيد و مازال في جعبة الإتحاد و العمال و الإطارات النقابية ما تقدمه لو أنها أعطيت الفرصة كاملة إن ما جرني للحديث عن كل هذه المواضيع و الدور الكبير الذي لعبه الإتحاد العام التونسي للشغل عبر التاريخ هو ما تطرحته وزارة الشؤون الإجتماعية لمراجعة برنامج الصناديق الإجتماعية و طرحها للحلول دون الرجوع للأسباب و المسببات و هنا يكمن المشكلة برمتها لو أن وزارة الشؤون الإجتماعية طلبت و بكل ترو و موضوعية من الإتحاد العام التونسي للشغل القيام بدراسة مشتركة تحلل فيها كل الإشكاليات و الصعوبات للإيجاد الحلول المناسبة للخروج بالصناديق مما تردت فيه من ضائقة مالية لوجدت المنظمة و كل طاقاتها مستعدة و لوجدت عندها الحلول المناسبة و الملائمة لكن أن تترك الأسباب جانبا و لا يعالج سبب النزيف المخيف الذي أصاب الصناديق و نطلب من العمال الإسعاف دون أن يسأل أحد عن أسباب و مسببات هذا الوضع المخيف و طرق إصلاحه فان ذلك يعتبر إستفزازا لمشاعر العمال و إستخفافا بالمنظمة و مكانتها داخل البلاد فلا بد إذا من العودة للتاريخ و مراجعة الدور الكبير و الهام الذي لعبه النقابيون منذ العهد البعيد و البلاد في ظروف أكثر قساوة مما هي عليه اليوم و كان الإتحاد في مقدمة القوى الحية بالبلاد بل كان الوحيد فيها الذي مد يد المساعدة و أخرج البلاد و العباد مما تردوا فيه دون أن تكون له يد في ذلك لا من قريب و لا من بعيد إذا لا مخرج للصناديق الإجتماعية مما هي فيه اليوم دون المرور عبر بوابة الإتحاد العام التونسي للشغل و دون بصمة العمال و النقابيون الذين قدرهم تحمل مسؤولية الوطن كلما مر بأزمة و عجز الآخرون عن الخروج منها إذا فالإتحاد قادر على إخراج الصناديق مما تردت فيه لو تجاوب معه الطرف المقابل.