في هاته الحلقة سأتحدث عن نضالات النقابيين من اجل الدفاع عن القيادة الشرعية السجينة. وأعتذر للقارئ مسبقا عن ان هذا الحديث قد لا يشمل ذكر أسماء العديد من النقابيين لأن هاته النضالات لم أكتب عنها في تاريخها، بل أنا أعود فيها هنا للذاكرة وما علق بها، وقد مرّ على يوم 26 جانفي 78 اثنان وثلاثون عاما ومهما أسعفتني الذاكرة فإنها لا تحتفظ الا بالقليل، فللزمن مفعوله. في بدء حديثي لابد لي ان أشيد بما قام به إبنا الحبيب عاشور ثامر وحبيّب فهما أول من قاما بتكوين جبهة مقاومة للقيادة المنصبة وتأييد القيادة الشرعية وذلك منذ اليوم الاول الذي تلى ايقاف والدهما يوم 29 جانفي 78 ، وقد انضم اليهما علي رمضان وأصبحت لهذا الشاب مع خليفة عبيد قيادة الحركة التضامنية بين النقابيين الذي بقوا خارج السجون. وكان ثامر وحبيّب قد تحمّلا مسؤولية النضال النقابي مما بوّأهما عن جدارة مكانة الصدارة في النضال النقابي معرضين أنفسهما للمتابعات والمضايقات والدعوة الى ادارة الامن، وقد بقي حبيّب يدعى بصفة شبه دورية كل بضعة ايام ليسلم بضعة أوراق ويطلب منه كتابة تاريخ حياته. وكنت على اتصال شبه يومي بهما، وعندما زار حبيّب مع والدته والده في ادارة الأمن سأله عن المحامي الذي سيهتم بقضيته فقال له بأنني من سيهتم بهاته القضية وأني بصدد التنسيق بين المحامين المتطوعين ويساعدني في ذلك زميلي وصديقي احمد شطورو الذي كان مثالا للشجاعة والاقدام. وقامت المرحومة المناضلة فطومة النملة زوجة المناضل الحاج محمد الدامي بالسعي الحثيث والمجهودات الكبيرة للاتصال بنساء السجناء وبرزت بدورها في تعبئة الجهود والنضالات. وهي المتمرسة بالعمل الوطني عندما كانت إحدى القيادات النسائية الوطنية في صفاقس الى جانب الشهيدة مجيدة بوليلة والى جانب المناضلة الوطنية مبروكة شعور قريبتها، وهو النضال الذي أدى بهما الى السجن من طرف السلطة الاستعمارية، ونضالات الحاجة فطومة النملة الوطنية والنقابية يجب ان لا تنسى، وكنت قد أشدت بموقفها في أزمة سنة 1965 فنضالها لم ينقطع وقامت بواجبها كاملا في جلد وصبر وشجاعة، وقد إنضمت اليها زوجة اسماعيل السحباني وكانت مناضلة صامدة لم تتوان عن حشد الدعم للنقابيين المسجونين وكانت نقابية تنتمي الى قطاع البريد. كان مكتبي يستقبل كل يوم العشرات من النقابيين المتضامنين مع القيادة الشرعية وكنت أقوم بذلك بكل اعتزاز، فقد كنت أعتبر نفسي منتميا لهاته العائلة النقابية وكنت أقول اني أنتمي لعائلتين، العائلة النقابية وعائلة المحاماة وهذا الانتماء فرض عليّ واجبات وتضحيات لم أتردد يوما في القيام بها. وكان صديقي المرحوم الحبيب عاشور قد أصدر مذكراته سنة 1989 وقد أهداني نسخة منها وكتب في كلمة الإهداء بالفرنسية (الى صديق الأيام الصعبة سي منصور الشفي) ولم تكن لي من غاية في وقوفي الى جانب النقابيين سوى استحقاقي لهذا الوصف صديق الايام الصعبة. وقد جلبت لي مواقفي مع النقابيين صداقات من طرف اعداد كبيرة منهم استمرت طيلة الحياة وسأبقى معتزا ومفاخرا بها وهذا جزائي على ما بذلت، كما ان هذا الوصف »صديق الايام الصعبة« كان ينطبق على وقوفي للدفاع عن القيادات اليسارية في محاكمة سنة 1968 امام محكمة أمن الدولة وليسمح لي القراء الكرام بهذا الاستطراد فقد ارتبطت آنذاك بصداقات استمرت طيلة حياتي ولازلت معتزا ومفاخرا بها، صداقات مع عبد الحميد بن مصطفى المحامي والقيادي بالحزب الشيوعي ورفاقه بلقاسم الشابي المحامي ايضا والذي ربطتني به صداقة استمرت حتى وفاته رحمه الله وهشام سكيك وصالح الزغيدي من مناضلي الحزب الشيوعي. واصداقائي من حركة »آفاق« المناضل والمحامي الفذ المرحوم محمد محفوظ وكانت لي به صداقة دائمة شبه يومية وقد جمعتنا بالخصوص ظروف النضال في الدفاع بالمحاماة والمرحوم محمد الشرفي وقد سررت كثيرا عندما تحدث عني في كتابه ووصفني بالصديق وقد كنا أصدقاء فعلا ولو تباينت بيننا أحيانا المواقف السياسية، ورشيد بللونة احد أبطال النضال في تونس ومحمد بن جنات والهاشمي الطرودي وخميس الشماري وحافظ ستهم ونور الدين بن خضر والذي كنت محاميه في كل محاكماته، بل اكثر من ذلك وليسمح لي القراء اذا تعرضت الى استطراد آخر فقد كنت شاهد زواجه بالمناضلة عائشة العابد عندما تم زواجهما بالسجن وكان الى جانبي في كل ذلك المحامي الكبير الحبيب العمري وهو يستحق هذا الوصف بكل المعايير وكان مخلصا شديد الاخلاص في صداقاته وكان صعبا جدا في مخاصمته رحمه الله رحمة واسعة والآن عندما اتحدث عنه امام زملائنا وجدت العديد منهم يجهلون نضالاته وكان ذلك يحزّ في نفسي كثيرا. ولا أنسى وقوفي ودفاعي منذ سنة 1968 عن الصديق وابن الصديق الاستاذ القدير احمد نجيب الشابي فقد طلب مني والده احد اصدقائي الكبار المرحوم العميد عبد العزيز الشابي بأن أدافع عنه وعن أخيه رشاد وقد ارتبطت منذ ذلك الحين بصداقة مع عائلة الشابي ولازلت اعتز بصداقتي للأستاذ احمد نجيب الشابي وقد دافعت عنه سنة 1985 عندما عاد الى تونس بعد غياب استمر سنوات طويلية بفرنسا وحاول تكوين الحزب الاشتراكي فأوقف بالسجن، فكنت أول من هبّ للدفاع عنه وكنت ولازلت معتزا بصداقته. وأعود الى ما كنت قد بدأت به في أول هاته الحلقة بأن سعي ثامر وحبيّب ابني الحبيب عاشور في حشد التضامن النقابي قد اتى بثمرته اذ اندفعت الالاف لتأييد النقابيين المسجونين وكل يوم يمرّ الا ويتعاظم مدّ هذا التضامن النقابي ليشمل حتى نقابيين قدامى نأت بهم ظروف الحياة عن النضال النقابي ففي هاته الفترة برز النقابي القديم محمد كريّم بنضالاته ومواقفه الى جانب القيادة الشرعية وخاصة الى جانب صديق عمره الحبيب عاشور وفي هاته الفترة ايضا والفترة التي تلتها كان الانسجام كاملا بين الرجلين ولم يحدث خلاف بينهما الا في فترة متأخرة عن هاته الفترة التي أؤرخ لها وقد كان محمد كريّم محقا في قوله بعد ذلك عندما دعا من طرف مؤسسة التميمي بأنه يعتبر الحبيب عاشور أبا روحيا له. ومن الذين برزوا في هاته الفترة بنضالهم النقابي الجسور كل من صالح الصيد ومحمد زعب من نقابة الكهرباء والغاز وكمال سعد من السياحة والمعاش ويونس الشهيدي من السياحة ورجب الزرقة والمختار الغريسي وعبد الرزاق كليلة والمرحوم الهاشمي عاشور ورشيد المبروك ومحمد الحداد في جامعة المعاش ايضا وهو من اصل جزائري ومحمد شندول ومصطفى المديني ومحمد الطرابلسي والهادي عبيد ومسعود ناجي وبرزت الى جانب هؤلاء ومعهم نقابات التعليم وبالخصوص نقابة التعليم العالي والتي كانت أول نقابة تعلن موقفا مساندا للقيادة الشرعية وتندّد بالقيادة المنصبّة وكان على رأسها مناضلون من الطراز الأول: الجنيدي عبد الجواد والمهدي عبد الجواد والمنصف بن سليمان وجلول عزونة ورشاد الحمزاوي، وقام المناضل صالح الزغيدي بتحسيس قطاع البنوك والتأمين، ومن رجالات التعليم العالي الطاهر التائب ومصطفى كريّم مؤرخ الحركة النقابية وهو الاخ الأصغر لمحمد كريم ومحمد الزواغي وعبد الجليل البدوي. وكان مع كل هؤلاء جماعة صحيفة الرأي (وأخص بالذكر منهم أحمد المشيري وحسيب بن عمار ومحمد بنور وقد انضم لهم فيما بعد المناضل النقابي فرج منصور وهو زميلنا الآن في المحاماة، وعبد الحميد عاشور والمختار بوبكر. وقد وقفت جامعة النقل بكل اعضائها وقفة صامدة فقد بقيت وفيّة للقيادة الشرعية وكانت متضامنة كل التضامن مع كاتبها العام الاخ عبد السلام جراد. أما علي رمضان الذي كان من قيادة جبهة التصدي للقيادة المنصبة والذي كان كاتبا عاما لجامعة الفلاحة قبل 26 جانفي فمنذ الايام الاولى التي تلت ذلك التاريخ قام المعادون للقيادة الشرعية وخاصة ممن إنتموا الى ميليشيا الحزب بإزاحته من جامعة الفلاحة ونصّبوا هيئة منذ يوم 2 فيفري 1978 وأصدروا بلاغا في الصحف يعلنون فيه عن قيامهم بتغييره وطالبوه بتسليم أوراق جامعة الفلاحة. وفي صفاقس وبعد الزجّ بالمناضل النقابي الكبير صديقي الاخ محمد شعبان بالسجن اندفع المناضل الصديق رمضان تقيّة لقيادة جبهة المؤيدين للقيادة الشرعية للاتحاد ووقف الى جانبه المرحوم الهاشمي الساسي كاتب عام نقابة العاملين بالسينما والمسرح والمختار العقربي وعبد الكريم العزابو من نقابة التعليم ومحمد الفهري من نقابة الكهرباء والغاز بصفاقس وزوجته حبيبة الفهري وقد نشطت هاته الاخيرة نشاطا كبيرا في نقابتها وهي نقابة السكك الحديدية وقامت بدور كبير في تحميس وتشجيع النقابيين ودعوتهم الى الالتفاف حول القيادة الشرعية. وقد قامت هاته النسوة الثلاث المرحومة الحاجة فطومة النملة كما أسلفت الذكر في تونس وحبيبة الفهري في صفاقس ومنيرة جمال الدين من نقابة التعليم الثانوي بسوسة بدور جبّار في دفع النضال النقابي فتحية تقدير وإكبار لهن وقد قام مناضلوا صفاقس بالدفع الى حركة تضامنية بكافة البلاد شمالها وجنوبها، وللاعلان عن التضامن مع النقابيين المسجنونين بسوسة وعلى رأسهم الاخ الحبيب بن عاشور قام مناضلوا صفاقس بإعداد قطعة ڤاطو كبيرة ذهبوا بها الى سوسة وتمكنوا من إدخالها للنقابيين المساجين بسوسة. كما نشط ضمن مجموعة صفاقس المناضل المرحوم عبد الحفيظ العربي والذي كان طيلة حياته مناضلا صلدا لم يضعف ولم يخف والمرحوم عبد الرحمان الكامل وأخوه المرحوم محمود الكامل في تونس، كما نشط بصفاقس محمد عاشور نشاطا كبيرا ونشطت بها نقابة السكك الحديدية ونقابة النقل وكان من بين اعضائها جمال طلوس وكان صلبا وقادرا على التجميع وبعث روح الحماسة في صفوف النقابيين وكنت كثير التردد على مدينة صفاقس وكنت صديقا لهم جميعا وكان لقائي بهم منعشا حقا فتحية إكبار وتقدير لنضالاتهم الأحياء منهم والاموات وفي صفاقس ومنذ ايقاف المناضل محمد شعبان وصحبه وقف للدفاع عنه ثلة من المحامين بصفاقس تميزت بمقدرتها وعلى رأسهم صديقي الكبير الاخ الاستاذ إلياس القرقوري والذي بقي لسنوات رئيسا لفرع المحامين بصفاقس وهو الآن يشغل منصب الامين العام لاتحاد المحامين العرب كما وقف معهم المناضل الحقوقي الاستاذ الهادي محفوظ كبير عائلة محفوظ المناضلة أخ الاستاذين محمد محفوظ والبشير محفوظ المحامين بتونس وصديقي وهو والد الصديق الاستاذ محمد الفاضل محفوظ الرئيس الحالي لفرع هيئة المحامين بصفاقس، كما وقف للدفاع عنهم الاستاذ عبد الحميد العموري والطيب الغريبي وكانت وقفة هؤلاء شجاعة وصامدة فتحيتي لهؤلاء المناضلين تحية تقدير وإكبار لمواقفهم الصامدة وتحية إكبار وإعجاب لزملائي المحامين بصفاقس فبهم وبأمثالهم في سوسةوتونس العاصمة سجلت المحاماة تلك الصفحة البطولية. وسوف أتحدث عن ذلك في الحلقة القادمة.