هذه مقتطفات مطولة من كلمة الأخ حسن جمام، الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، والتي القاها في مستهل المؤتمر العام الثاني عشر للاتحاد، الذي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم 1 فيفري 2010، لكأنه بها يرسم خطة عمل، أو يضع وصية، للحركة النقابية العربية، كي تستلهمها في محاولاتها النهوض بأوضاعها... في هذا المؤتمر قال جمام: أحييكم أطيب التحيات.. في مستهل مؤتمرنا الثاني عشر.. الذي يأتي انعقاده تأكيدا على حيوية حركتنا النقابية، وفاعليتها، وقدرتها على مراجعة أوضاعها وتجديد شبابها.. فلنعمل معا، في هذا المؤتمر، بجدية ومسؤولية، للارتقاء بحركتنا النقابية المجيدة..كي نثبت للقادة النقابيين الأوائل الذين بنوا هذا الصرح الكبير ولقواعدنا العمالية، بأننا على الدرب سائرون..وعلى العهد قابضون، ندافع عن الحقوق النقابية والاقتصادية والاجتماعية، وعن حقنا كعمال في العيش الكريم..ندافع عن حقنا في التنظيم النقابي، وعن استقلاليتنا..ندافع عن قضايا امتنا العربية..وعن حقها في غد مشرق، في وطن ينعم بالحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة والديمقراطية.. لهذه الكلمة التي القيها اليوم مكانة خاصة وعزيزة عندي، لن أقول إنها بمثابة كلمة وداع، ذلك إنني سأبقى مناضلا في صفوف الحركة النقابية العربية، ومدافعا عن قضايا العمال ومصالحهم، ولكنها بمثابة كلمة وداع بالنسبة لي من موقعي كأمين عام في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب..وهي كلمة أود أن أقدم فيها، وبكل إخلاص وشفافية، تجربتي الخاصة في العمل النقابي في الإطار العربي، وأن أقدم من خلالها أيضا نوعا من التقييم الموضوعي والبناء لمسيرة الحركة النقابية، وهي كلمة اضمنها أهم التحديات التي تواجه الطبقة العاملة والحركة النقابية العربية في هذه المرحلة..فليس ثمة ما هو أهم من مناسبة انعقاد مؤتمر اتحادنا لأقدم فيها هذه الكلمة.. نعم ..فهذه هي مهمة المؤتمرات، التي يجب أن نحولها معا إلى ورشات عمل، وحلقات دراسة، نراجع فيها تجربتنا، بكل جوانبها، مراجعة نقدية مسؤولة، مراجعة تتوخى مواكبة المستقبل، والارتقاء بأوضاعنا وخطاباتنا وعلاقاتنا وأشكال نضالنا من اجل عالم أفضل للعمال..عالم تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.. وباعتقادي، وعلى الرغم الشوط الطويل الذي قطعته الحركة النقابية العربية، فمازالت أمامها تحديات وتعقيدات كبيرة ينبغي الاهتمام بها والاستعداد لمواجهتها، في سبيل تعزيز مكانتها وتطوير دورها خدمة لقضايا العمل والعمال. ولكن اسمحوا لي بالقول، ومن خلاصة تجربتي، بأن الحركة النقابية العربية حتى تستطيع ذلك فهي معنية بنفض التكلس عن خطاباتها، ونبذ الجمود في بناها، والتحرر من البيروقراطية في أشكال عملها، كي تستطيع مواكبة التحولات والتطورات في واقع الطبقة العاملة، وفي ظروف العمل، وهي تحولات ناجمة، أيضا، عن التحديات التي تفرضها التطورات العلمية والتكنولوجية، والآثار السلبية للعولمة، والتي تتمظهر بهجمة الليبرالية المتوحشة، والانقضاض على مكاسب العمال، وتراجع التقديمات الاجتماعية، وتزايد نسبة الفقر والبطالة والتهميش في مجتمعاتنا. إن التحديات الجديدة والقديمة التي تواجه حركتنا النقابية، تتطلب منا صوغ استراتيجية نقابية جديدة، تتطلب منا خطابات جديدة، وبني حيوية جديدة، وأشكال عمل جديدة، تضاف إلى مافي حركتنا النقابية من ايجابيات، كي نستطيع مواكبة التطورات والتغيرات، ونحافظ على مكانتنا كحركة نقابية معنية بتمثيل العمال والدفاع عن حقوقهم. الأخوات والأخوة الأعزاء أوضاعنا صعبة ومعقدة، ولايمكن الاستكانة إلى أحوالنا الراهنة، وإنما ينبغي العمل بدأب وإخلاص ومسؤولية من اجل نبذ الترهل والبيروقراطية في أحوالنا، وهذا يتطلب المزيد من العمل والنضال، والمزيد من التمسك بالمرتكزات الأساسية لفاعلية الحركة النقابية..فحتى تكون حركتنا النقابية حيوية وقادرة وفاعلة ينبغي لها أن تتمثل بالمرتكزات التالية: أولا: استقلالية الحركة النقابية: وهو المبدأ الذي حرصنا العمل على أساسه برغم كل التحديات والعقبات والتقييدات. وبسبب ذلك فقد بات اتحادنا شخصية اعتبارية يحسب لها الحساب، في المواقف النقابية والاجتماعية والقومية..لذلك أيتها الأخوات والأخوة يجب أن نتمسك باستقلاليتنا، وأن نعمل على صيانتها وحمايتها..وإلا فمن دون ذلك ستتحول الحركة النقابية إلى مجرد ملحق أو تابع على هامش الحكومات وأصحاب الأعمال، فتضيع ملامحها، وتتبدد منجزاتها، وتذهب ريحها..فالاستقلالية هي شرط عافية وقوة، وهي الأساس لحيوية الحركة النقابية وهويتها.. ولاشك أن أحد أهم معايير، أو مقاييس، استقلالية الحركة النقابية هو وضعها قضية الحقوق والحريات النقابية على رأس جدول أعمالها، في علاقاتها مع الحكومات وأصحاب الأعمال، وقد قمنا بترجمة ذلك باعتبار العام 2008 عاما من اجل الحقوق والحريات النقابية في الوطن العربي، كما تم تجسيد هذا الأمر في خطابات وأدبيات الأمانة العامة، وفي الشكاوي التي قدمتها بهذا الخصوص في إطار منظمتي العمل العربية والدولية، طوال السنوات السابقة. ثانيا: الارتباط بمصالح العمال: وهذا بيت القصيد..فلا يمكن الحديث عن حركة نقابية، بدون ارتباط هذه الحركة بعمالها، بمصالح قواعدها..بحقوقهم النقابية والاجتماعية والاقتصادية..وبتأهيل نفسها وتوطين قدراتها على الدفاع عن حقهم في العيش الكريم ومن اجل عالم تسوده العدالة الاجتماعية.. إن حركة نقابية مثل هذه هي التي يمكن أن تفرض وجودها في المجتمع، وهي التي تستطيع تعزيز مكانتها بين صفوف العمال، وهي التي تستطيع تنمية قدراتها وقواها في مجال الحوار الاجتماعي، للزود عن حقوق العمال إزاء شركاء الإنتاج الآخرين. أما الحركة النقابية التي تصرف أنظارها أو اهتماماتها عن النضال من اجل حقوق العمال فهي تتخلى طوعا عن مبرر وجودها، وبالتالي عن فاعليتها ومكانتها، ما يذهب بها نحو التهميش والنسيان..فما هو مبرر وجود النقابات بدون الدفاع عن مصالح العمال؟ ثالثا: الديمقراطية الداخلية: فالديمقراطية، بجوانبها المختلفة، في إطار الحركة النقابية، هي علامة قوة لها، أيضا، وهي دليل على التفاعلات والحراكات الايجابية فيها، بل إنها احد أهم عوامل ترسيخ وحدتها وتحصينها من التصدعات والتشققات..والديمقراطية لاتقتصر على الانتخابات فقط، وإنما تشمل، أيضا، النقد والمساءلة والمحاسبة وتداول الهيئات القيادية، كما تشمل احترام الرأي الأخر والقيادة الجماعية المؤسسية. وقد ترجم اتحادنا كل ذلك بمشاركة الاتحادات بمناقشة تقاريره وصوغ خططه، واتخاذ القرار المناسب بشأنها في الإطارات النقابية. رابعا: الوحدة النقابية: وهي تتأسس، أو تنبثق من المرتكزات السابقة، أي من الاستقلالية والارتباط بمصالح العمال وديمقراطية العلاقات الداخلية، ذلك أن حركة نقابية لاتعمل على هدي هذه المرتكزات ستواجه الشلل والتهميش كما تواجه التصدع والتشقق وبالتالي التعددية.. خامسا: ينبغي على الحركة النقابية أن تسعى باستمرار لتطوير أدواتها وأشكال عملها، وتحالفاتها في المجتمع.. هكذا فإن الحركة النقابية العربية، وإلى جانب اهتمامها بقضايا العمال، معنية أيضا بالاهتمام بكافة قضايا المجتمع، وضمنها قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والقانون..وبديهي انه ثمة ارتباط وثيق بين الحقوق والحريات النقابية من جهة وحقوق الإنسان من جهة أخرى، كما ثمة ارتباط وثيق بين مستوى الاستقلالية ومستوى الديمقراطية، والعكس صحيح.. أي أن الواقع الذي تنعدم أو تقيد فيه حقوق الإنسان والديمقراطية تنعدم أو تقيد فيه الحقوق والحريات النقابية واستقلالية المنظمات النقابية. كذلك فإننا معنيون في نطاق المجتمع بالنضال من اجل حقوق المرأة، ومن اجل الضمانات الاجتماعية، ورفع مستوى التعليم، والحفاظ على سلامة البيئة، ومكافحة الفساد، لأن هذا النضال يخدم في توسيع علاقات التضامن في المجتمع، ويسهم في تعزيز النضال المشترك لترسيخ واقع دولة المؤسسات والقانون والمواطنين في بلداننا العربية. سادسا: إن كل التحديات والهموم النقابية لم تثن حركتنا النقابية عن الاهتمام بالقضايا المصيرية العربية، ولاسيما قضية فلسطين..ودعم تيار المقاومة..في امتنا في فلسطين والعراق ولبنان، ورفض التدخلات الخارجية المريبة في شؤونه، ولاسيما رفض التهديدات والابتزازات الموجهة ضد السودان وسورية.. وفي كل ذلك فقد أكد اتحادنا على التلازم والتكامل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واعتبار أن النضال من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان هو جزء من النضال النقابي من اجل الحقوق والحريات النقابية..كما أكد على الترابط بين النضال الاجتماعي والاقتصادي والنضال القومي.. هل نقول بأننا وفقنا تماما؟ هل نقول بأننا أكملنا دورة التطور؟ لا أنا لا أقول ذلك أبدا فما زال أمامنا شوط طويل نقطعه..ومازالت حركتنا النقابية بحاجة إلى المزيد لتعزيز فاعليتها وترسيخ مكانتها، وتطوير دورها، في المجتمع وبين صفوف العمال، وبما يخدم قضايا الطبقة العاملة وقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية..ولكنني أقول بأن هذه الإنجازات ينبغي التمسك بها والدفاع عنها والعمل على تطويرها في مختلف الجوانب.. الأخ رئيس المؤتمر أعضاء المؤتمر الأخوات والأخوة الضيوف نجتمع اليوم لنتدارس أوضاعنا النقابية..لنحدد أين كنا وأين أصبحنا؟ أين نجحنا وأين أخفقنا؟ على ذلك لايمكننا الجزم، وبرغم كل الإنجازات التي حققناها في إطار الحركة النقابية العربية، بأننا راضون عما حققناه، وبأن أوضاعنا على مايرام.. طبعا ثمة ظروف وصعوبات وعوامل خارجية وموضوعية كانت تقف وراء إضعاف حركتنا النقابية، وكان ثمة قوى تقف خلف محاولات تهميش وإقصاء حركتنا النقابية من دائرة الفعل والتأثير..ولاشك أن تخلف مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية في بلداننا العربية، وتنامي العصبيات القديمة) العشائرية والاثنية والطائفية والمذهبية) ومداخلات وتدخلات القوى الاستعمارية الخارجية كلها لعبت دورا كبيرا في إضعاف الأطر والانتماءات الحديثة، وضمنها الأطر السياسية والنقابية والمهنية. لكن لنكن صرحاء مع بعضنا، ولنطرح بعض الأسئلة، رغم أنها موجعة.. فما مدى انتشار حركتنا النقابية في أوساط العمال، في بلداننا العربية؟ وهل عضوية النقابات في ازدياد مضطرد يتناسب مع المنخرطين الجدد في سوق العمل؟ ثم ما مدى ارتباط منظماتنا النقابية بأحوال العمال، ولاسيما بشأن الدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والمعيشية؟ أين نحن من كل ذلك؟ أين نضالاتنا من اجل الضمان الصحي في العمل؟ أين نضالاتنا من اجل رفع مستوى التأهيل المهني؟ أين نضالاتنا من اجل اجر أفضل ومن اجل رفع مستوى المعيشة للعمال؟ أين نضالاتنا من اجل التأمين ضد البطالة والعجز؟ ثم مامدى الحيوية والتطور في منظماتنا النقابية؟ وأين هي قطاعات الشباب التي تشكل القطاع الأكبر بين صفوف العمال؟ وإلى أي مدى استطعنا الارتقاء بمكانة المرأة في إطار الحركة النقابية؟ وماهو نمط العلاقات الداخلية في منظماتنا، وما هو مستوى الديمقراطية فيها؟ ثم مامدى استقلال منظماتنا عن الحكومات؟ وكيف تعمل منظماتنا النقابية على تطوير علاقاتها مع الإطارات الأخرى العاملة في المجتمع من اجل العدالة الاجتماعية والتنمية والديمقراطية؟ هذه بضع أسئلة تطرح علينا، ليس من اجل جلد الذات، وإنما لإعمال التفكير في كيفية استنهاض أحوالنا ونفض التكلس والبيروقراطية عن أوضاعنا.. استميحكم عذرا لو إنني أطلت ولو إنني حاولت أن اشرح وضعنا النقابي، فهي الأمانة التي حملتها، وزملائي في الأمانة العامة، والتي انقلها إليكم وكلي ثقة بأن حركتنا النقابية حركة واعية وقادرة وقوية، بكم، وبجهدكم، وبنضالات عمالنا على امتداد الوطن العربي الكبير.. تحية لنضالات العمال والكادحين في أنحاء العالم.. تحية للشعوب المناضلة من اجل الحرية والعدالة والمساواة.. عاش اتحادنا، الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، اتحادا مستقلا وديمقراطيا، مدافعا عن حقوق العمال وعن وجود الأمة العربية.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته....