رفض الإفراج عن الخطيب الإدريسي وتأجيل محاكمته إلى جوان المقبل    خبير بنكي: استعمال ''الكمبيالة'' يزداد وإقبال كبير من الشركات    وزير التشغيل والتكوين المهني يدعو الى ترويج تجربة تونس في مجال التكوين المستمر دوليا    عاجل/ بعد تأكيده أن الجيش والأمن موافقين على تنحية سعيد: ياسين العياري يفتح النار على محمد عبو والسلطة..!    هام/ موعد اختتام السنة الدراسية..وتفاصيل روزنامة الامتحانات..    تونس: أسعار ''علّوش'' العيد بين 800 و مليون و200 دينار    ترامب يدعو إلى التهدئة بين الهند وباكستان    مهم للحجيج التونسيين: الضحية ب 192 دولارًا والسعودية تُحدّد الجهات الرسمية    واشنطن تُسرّع خططها لضم غرينلاند.. تقارير تكشف تعليمات سرية للمخابرات الأمريكية    باريس سان جيرمان وأرسنال..موعد المباراة والقنوات الناقلة    دفنوا جثة مغايرة بسبب خلافات: فتح تحقيق بعد خطأ في تسليم جثة بمستشفى بالعاصمة    يقطع الكهرباء ويجدول الديون.. القبض على شخص ينتحل صفة عون ستاغ..    يهم أولياء تلاميذ المدارس الابتدائية: تعرفوا على روزنامة الامتحانات المتبقية    قفصة: أفاعي سامة تهدد التونسيين في الصيف    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    نفوق الأبقار: فلاحو بنزرت يستغثون    لقاء تونسي نيجيري يؤسس لتعاون استراتيجي وتجاري دائم    عاجل : وزارة التجهيز تعلن عن موعد انتهاء أشغال تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة    تفعيل خدمات النفاذ المجاني للأنترنات بمطارات صفاقس وتوزر وقفصة وطبرقة وقابس    الاتحاد الأوروبي: الوضع في غزّة لا يمكن أن يستمر    طقس اليوم: أمطار رعدية وأحيانا عزيزة بهذه المناطق    المهدية: تحيّل باسم ''الستاغ'' وسلب أموال المواطنين    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    الإصابة تنهي موسم المهاجم الدولي إلياس سعد    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند و باكستان    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    بطولة الكويت - طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    الترفيع في نسق نقل الفسفاط عبر السكك الحديدية بداية من جوان 2025    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    ر م ع ديوان الحبوب: جاهزون للموسم الفلاحي    تنصيب الأعضاء بمباركة الوزارة...تعاونية الرياضيين مكسب كبير    أخبار فلاحية.. أهم الاستعدادات لعيد الإضحى وتأمين أضاحي سليمة    أقر اجراءات استثنائية.. مجلس وزاري مضيق حول تحسين جودة قطاع النقل    كاس العالم للاندية 2025: مباراة فاصلة بين لوس انجلس ونادي امريكا لتعويض ليون المكسيكي    ديناميكية التحويلات: مساهمة حيوية للمغتربين في دعم الاقتصاد التونسي    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    مجموعة شعرية جديدة للشاعرة التونسية وداد الحبيب    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    اختتام الدورة العاشرة لمهرجان "سيكا جاز"    قابس: وفاة شخصين وإصابة 8 آخرين في حادث مرور    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    هام/ تطوّرات الوضع الجوي خلال الأيام القادمة..    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    بعد نقصها وارتفاع أسعارها: بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    الدورة الثامنة لتظاهرة 'الايام الرومانية بالجم - تيتدروس' يومي 10 و11 ماي بمدينة الجم    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    خبراء يحذّرون و يدقون ناقوس الخطر: ''فلاتر التجميل'' أدوات قاتلة    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الليبرالية الجديدة وانعكاساتها على أشكال التنمية غير المكتملة في البلاد النامية (الجزء الثاني)
نشر في الشعب يوم 27 - 11 - 2010

أما المحور الذي تفاعل مع المحور العالمي في اتجاه الأخذ بالليبرالية الجديدة في البلاد النامية فيمكن صياغته في بضعة كلمات وهي:
بروز تناقضات نموذج التنمية الذي اعتمدت عليه هذه البلاد بعد ان فشل في ان يحقق التنمية والعدالة والتقدم لشعوب هذه البلاد وما نجم عن ذلك من توترات وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
فمن الثابت ان مجموعة البلاد النامية بشكل عام حققت قدر لا بأس به من النمو خلال الفترة التي ازدهر فيها الاقتصاد العالمي (1945 1970) ففي ظل هذا الازدهار استفادت مجموعة هذه البلاد من انتعاش التجارة العالمية، وما رافقها من نمو اقتصادي، حيث زاد الطلب العالمي على المواد الاولية التي تصدرها، واستفادت من استقرار نظام النقد الدولي، واستطاعت ان تحصل على القروض من اسواق النقد الدولية بأسعار فائدة معقولة، وعلى مقادير لا بأس بها، رغم محدوديتها من المعونات الدولية في ظل الظروف، وفي اطار نموذج التحالف الاجتماعي الذي قامت عليه السلطة في مرحلة ما بعد الاستقلال قطعت كثير من هذه البلاد شوطا لا بأس به على طريق النمو والتحديث، وتحسن مستوى المعيشة، لكن سرعة الجهود على هذا الطريق سرعان ما تباطأت، وفي احيان كثيرة توقفت حينما ظهرات الازمة الاقتصادية العالمية في بداية السبعينيات وبدأت تلقي بظلالها على هذه البلاد (على نحو ما اشرنا حينما كنا نتحدث عن المحور العالمي) وهنالك أخذت تناقضات »نموذج التنمية« الذي طبقته هذه البلاد رغم اختلافه بهذا القدر أو ذاك في الظهور والتفاقم.
1) إتساع مستمر لفجوة الموارد المحلية (الفجوة بين معدل الاستثمار المنفد ومعدل الادخار المحلي) وهو الامر الذي أدى في مرحلة ما الى الميل للاستدانة.
وكان هذا الاتساع راجعا في المحل الاول الى تدهور معدلات الادخار المحلية في هذه البلاد، وحينما ضعفت قدرة هذه البلاد على الاستدانة الخارجية، فإن مواجهة هذه الفجوة اصبح يتم من خلال خفض معدلات الاستثمار، ومن ثم أدت هذه المواجهة الى تدهور شديد في معدل النمو.
2) بروز عجز متواصل في الموازنة العامة للدولة، وارتفاع نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي، بسبب تقاعس الايرادات العامة عن ملاحقة التزايد المستمر في النفقات العامة، وكان هذا العجز راجعا الى ضعف الطاقة الضريبية بسبب محاباة الاغنياء وكثرة حالات التهرب الضريبي، والى نمو الانفاق العام بمعدلات كبيرة.
3) بروز ضغوط محلية قوية للتضخم راحت تدفع المستوى العام للأسعار نحو الارتفاع بقوة وبشكل مستمر مما أفقد النقود المحلية الشطر الأكبر من قوتها الشرائية، وكانت هذه الضغوط ناجمة عن سياسات التمويل بالعجز الذي تمثل في زيادة الاصدار النقدي وزيادة حجم الائتمان المصرفي المسموح للحكومة وللقطاع العام، فضلا عن تأثير التضخم المستورد.
4) نمو هائل في عجز موازين المدفوعات بسبب عدم ملاحقة نمو الصادرات لمعدلات نمو الواردات التي زادت قيمتها بسبب تزايد الاعتماد على العالم الخارجي في استيراد الغذاء والمواد الوسيطة والسلع الاستثمارية وارتفاع اسعار هذه السلع في الاسواق العالمية، وقد أدى هذا العجز المتفاقم في موازين المدفوعات الى نمو الديون الخارجية والى استنزاف الاحتياطات الدولية والى تدهور سعر صرف العملة الوطنية.
5) إختلال واضح في علاقات النمو بين القطاعات المختلفة وهو ما تجلى بشكل واضح في تخلف القطاع الزراعي الذي كان يعتصر لسحب الفائض الاقتصادي منه لتمويل النمو والانفاق في قطاعات أخرى الأمر الذي أدى الى زيادة الاعتماد على الواردات لتغطية الطلب على المواد الغذائية والمواد الخام الزراعية، ومن هنا تعاظم ايضا الاعتماد على معونات الغذاء من الدول الصناعية وتحول هذه المعونات الى سلاح للضغط والهيمنة من جانب الدول المانحة.
6) فشل أنماط التصنيع التي اختارتها غالبية هذه البلدان سواء ما كان منها معتمدا على نمط الإحلال مكان الواردات أو نمط التصنيع للتصدير، بسبب تخلف طرائق الانتاج الفنية وارتفاع نفقات الانتاج وغياب اسواق التصدير وهو الامر الذي تبلور في النهاية في تزايد الطاقات العاطلة، وعظم حجم المخزونات الراكدة، وانخفاض عائد الاستثمار في هذه الصناعات ناهيك عن ان كثيرا من هذه الصناعات كانت تعتمد الى حد كبير على الاستيراد مما كان له علاقة وثيقة باختلال ميزان المدفوعات.
كانت تلكم مجرد »عينة« من المشكلات والازمات الاقتصادية التي أفرزها »نموذج التنمية« في معظم البلاد النامية.
والآن: وبعد ان أوضحنا الظروف الموضوعية والذاتية التي أحاطت بظهور الليبرالية الجديدة في مجموع البلاد النامية فان السؤال الذي يبرز امامنا الآن هو: كيف أثرت السياسات التي انبثقت عنها على اوضاع الفئات الشعبية.
ونسارع بادئ ذي بدء الى التنبيه الى نقطة هامة وهي انه لا يجوز ان نحمل السياسات الليبرالية الجديدة المسؤولية الكاملة في تدهور اوضاع الطبقات الشعبية في البلاد النامية ذلك ان جانبا من ذلك التدهور كان قد حدث بالفعل إبان سنوات الازمة الاقتصادية التي سبقت برامج التثبيت والتكييف الهيكلي التي جاءت بها السياسات ولكننا نقرر في الوقت نفسه ان تنفيذ هذه البرامج سرعان ما عجل وبشدة من هذا التدهور الذي لحق بأوضاع هذه الطبقات.
والسؤال المطروح الآن هو: ما تأثير هذا الانحطاط الذي حدث في اوضاع الطبقات الشعبية بالبلاد النامية التي طبقت ليبرالية برامج التثبيت والتكيف الهيكلي.
ها هنا تتعدد الاثار وتتباين، وحينما تتراص جنبا الى جنب ترسم لنا صورة كئيبة عن مدى المحنة التي تتعرض لها هذه الطبقات في ظل الليبرالية الجديدة ويأتي في مقدمة هذه الاثار، هو ان تدهور مستويات الدخول الحقيقية، والانخفاض السريع الذي حدث في مستوى معيشة هذه الطبقات قد دفع بأعداد كبيرة منها للهجرة خارج الوطن بحثا عن عمل ذي أجر أعلى والتعرض لمشكلات الغربة.
أما الذين لم تتح لهم فرصة الهجرة فقد اضطروا للبحث عن عمل اضافي بجانب عملهم الاصلي لكي يحققوا دخولا اضافية تعوض بعضا من التدهور الحادث في مستويات معيشتهم مع ما ينجم عن ذلك من تدهور في مستوى صحتهم نظرا لارتفاع عدد ساعات العمل وتدني شديد في مستوى انتاجيتهم في أماكن عملهم الاصلية، أما في حالة العاطلين الذين سرحوا من أعمالهم فإنهم يلجئون الى الاعمال الهشة والتي يتعرضون فيها للاستغلال الفاحش وهكذا تنحط قيمة العمل في مفهومه الجديدة في منظومة الفكر الليبرالي الكلاسيكي المرتد في غمرة هجومه على ما تبقى من مكاسب حققتها الطبقة العاملة عبر نضالاتها التاريخية في مواجهة جشع الليبرالية التي كانت تقاوم بكل حق فردي يعود بالنفع على الطبقة العاملة.
إن تكريس هذه السياسات جعلت الانسان المضطهد في ظل اجراءاتها الاقتصادية الصارمة وفي استغلالها للكادحين والفقراء والمعدومين الى اقصى الحدود تكون قد خلقت في المجتمع أمراضا اجتماعية لم تألفها هذه المجتمعات وخاصة في أوساط الطبقات المعدمة فاستفحال العنف والجريمة بمختلف صنوفها والادمان على المخدرات في أوساط الشباب المهمش والعاطل خاصة امام اليأس من تغيير الاوضاع المزرية التي يعيشها في محيطه وفقدان اشكال التغيير الحر: حرية الرأي وحرية التعبير في ظل أنظمة مجملها غير ديمقراطية.
إن إنسداد قنوات التعبير السلمي وامكانية التغيير عبر آليات المؤسسات التي تصون الحقوق لكل فئات الشعب عبر ممارسة التعبير والنضال في صلب احزاب تحترم نفسها ونقابات عمالية ممثلة لمصالح العمال ومستقلة عن هيمنة الانظمة تدفع باليائسين من هذه الفئات الى تبني الطروحات المضادة في المنظمات التي تروج للعنف والصدام قد تحول المجتمع الى فوهة بركان تأكل الاخضر واليابس عبر الانخراط في مشاريع جماعات العنف المسلحة والجماعات الارهابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.