بديهيٌّ أنّ المناطق الحارّة و الأكثر جفافا في الكرة الأرضيّة هي الأشدُّ تعرُّضا لنُدرة الغذاء، فإذا كانت تلك المناطق تضمّ بلدان العالم الثالث أضفنا إلى بُخل الأرض وقلّة الأمطار تبعيّةً اقتصاديّة وأزمات سياسيّة ومن ثَمَّ بات نقص الغذاء خطرا يتهدّد البلدان، وليست أقطارُ المغرب الكبير بمَنأى عنه رغم مناخها المعتدل وخصب أراضيها و تطوّر اقتصادها مقارنة بسائر الدول الإفريقيّة. فكيف سيؤثِّر هذا النّقصُ على الأسَر المغاربيّة خاصّة ذات الدَّخل المحدود وبالأخصّ الفئات الفقيرة؟ هل هو شبح المجاعة يلوح من جديد؟ وهل سترتسم للعالم خارطة اقتصاديّة غذائيّة جديدة لاسيّما والموائد المائيّة في جفاف مطّرد في مناطق عديدة من اليابسة؟ نعم سيُؤثِّرُ نقصُ الغذاء على الأسر في البلدان المغاربيّة، خصوصا تلك التي لم تتوَخَّ منذ عقدين أو ثلاثة إجراءاتٍ وقائيّة لتحديد النّسل والضغط على التضخّم السكّاني، وتلك التي ارتكبت هفوات اقتصاديّة فادحة كأنْ شجّعت قطاع السّياحة أو الخدمات الصّغرى مثلا على حساب الفلاحة، وتلك التي شاءت سياساتُها لأسباب ليس هذا مجالُها، أن تلجأ إلى التبعيّة للغرب ضمانا لاستمرار أنظمتها في الحكم فكانت شروط الغرب مُجحِفة استنزفت ثرواتها الطبيعيّة والزراعيّةح في ظلّ هذه التشوّهات التي تصيب الواقع يزداد المناخ تقلّبا نحو ميل مخيف إلى طول شهور الحرارة وانحباس الأمطار ناهيك و الموائد المائيّة في تقلّص مستمرّ. فما هي ملامحُ المستقبل؟ هل سيندفع العالم في سباق لتأمين الغذاء تترتّب عليه تكتّلات وأنظمة عالميّة جديدة، بعد أن قضّى أكثر من نصف القرن الماضي في سباق محموم نحو التسلّح؟ وما سيكون موقع المغرب الكبير في هذا الظرف الجديد؟ إنَّ تأثّر الأسر المغاربيّة بنقص الغذاء أمرٌ مُتوقّع لا مجال للشكّ فيه فلطالما دفعت الشّعوبُ و خاصّة فئاتُها الفقيرة ضرائبَ الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعيّة، غير أنّ المرحلة تحتِّم علينا ألاّ نهدر وقتنا و طاقتنا في التوقّعات بل أن نسرع إلى وضع خطّة مغاربيّة عمليّة ناجعة تتظافر فيها جهود كافّة الأقطار وأن نُحيِي اتّفاقات اتّحاد المغرب العربي في سبيل التصدّي جماعيّا إلى كلّ طارئ حتّى نؤسّس درعا اقتصاديًّا حقيقيّا يقي أجيالنا القادمة خطر المجاعة ومن ثمَّ يقي بلداننا شبحَ الوقوع في تبعيّة رازحة للبلدان الغنيّة لا نملك شروطَها ولا نقوَى على تبعاتها. علينا ألاّ ننتظر المَحظور بل أن نبادر إلى تفعيل السوق المغاربيّة المشتركة وأن نتبادل الخبرات في مجال الزراعة واستصلاح الأراضي وتربية الماشية، وإقامة معادلة سكّانيّة تشجّع على الإقامة في المناطق الزراعيّة وتحدّ من النزوح إلى المدن الصناعيّة، وأن ندفع التعليم العالي والبحث العلمي في اتّجاه الهندسة الفلاحيّة والكيمياء والطبّ البيطريح على البلدان المغاربيّة التخلِّي عن الحلول الوقتيّة المرتجلة وإرساء برنامج وقائيّ لمستقبلٍ يُحقّق الأمن الاقتصادي والاكتفاء الغذائي اللّذيْن إنْ لم يتوفّرا فلا حديث عن أمن قومي.