في العدد الأخير من »الشعب« كتبت عن اقدام السلطات الايطالية على تسوية وضعية المهاجرين وتشغيلهم وقلت إنّها عمليّة يُطلق عليها »الساناتوريا« (SANATORIA) وذلك منذ عام 1990 حسبما أذكر وقد واكبت ذلك حيث كنت أقيم هناك اقامة غير دائمة، وذكر أنّ العدد الذي تحتاجه ايطاليا من اليد العاملة المهاجرة هو تسعة آلاف من مختلف الاختصاصات. وهاهي مصادر أخرى تقول إنّ ايطاليا تحتاج إلى 100 ألف عامل لا تسعة آلاف من بينهم أربعة آلاف تونسي لا 1500 وهذه العملية يطلق عليها: »ديكريتّو فلوسي« (Decretto Flussi) وهو قرار أوقانون يتمّ بموجبه تحديد العدد الجملي لليد العاملة التي يراد استقطابها من خارج الاتحاد الأوروبي لسد الشغور الحاصل في سوق الشغل الايطالية. ويقال انّ الحكومة الايطالية قامت بتوزيع هذا العدد أي عدد فرص العمل على مواطني الدول التي تجمعها اتفاقيات تعاون وشراكة من بينها بالخصوص: تونس وألبانيا وأكرانيا والنيجر ومصر والصومال والسينغال والفيليبين وغانا والمغرب وبنغلاداش... وأذكر أنّه بداية من سنة 1997 ولأسباب عديدة أغلقت السلط الايطالية أبواب الهجرة عدا عقود ما يسمّى ب اDOMESTICOب وهي المهن المنزلية، ورعاية الشيوخ وذوي الاعاقات والاحتياجات الخصوصيّة وكل ما يتعلّق بالرعاية الاجتماعية داخل المنازل والفضاءات الخيرية والاجتماعية الأخرى. ويذكر أن السلط الايطالية والمنظمات الاجتماعية هناك تملك فكرة أنّ هذه الأعمال هي أعمال بسيطة ولا تتطلّب مجهودات كبيرة أي أنّها أعمال غير شاقة، ولذلك فإنّ العامل الذي يقبلها يمكن أن يكتفي بالأجر الذي يعرض عليه وهو أقل من الأجر الأدنى والحال أنّ هذه الأعمال عسيرة وشاقة أكثر من الحدادة والتجارة والفلاحة وغيرها، فالمهاجر الذي يقع انتدابه للعناية بشيخ أو عجوز أو مَعُوق لابدّ له أن يتقن التنظيف والغسيل والطبخ وخاصّة العناية اللازمة بذلك الشخص الذي لا تنتهي طلباته سوى عند خلوده للنّوم فجلّهم مصابون بأمراض مزمنة سواء تعلّق الأمر بالأمراض البدنية أو بمرض »الزهايمر« الذي يصيب كبار السن لذلك يجب الانتباه وتلبية رغبات المسن أو المعوق، علمًا أنّ عدد هؤلاء كبير جدّا في البلدان الأوروبية خاصة في ايطاليا حيث يشتغل الأزواج وزوجاتهم ولا يجدون الوقت للاعتناء بآبائهم وأمّهاتهم فيضطرون إلى وضعهم في مراكز المسنين أو ينتدبون من يعتني بهم ولا يقبل هذا العمل الشاق جدّا سوى المهاجرين من البلدان الأخرى الذين لا تكفيهم الأجور التي يحصلون عليها، فيتركها بعضهم أو جلّهم للبحث عن عمل آخر أو الارتماء في مهن أخرى أقل مشقّة وأكثر ربحًا فكان لابدّ اذن من الاتفاق مع المنظمات الخيرية والاجتماعية لتحسيس آباء وبنات المسنين والمعوقين أنّه لابد من احترام المهاجرين المعنيين وتقييم أجورهم بحسب ما يقدّمونه من خدمات شاقة وشاقة جدّا. وينبغي أيضا أن تكون هذه الأعمال مرتبطة بعقود شغل قانونيّة تشمل إلى جانب الأجور التغطية الاجتماعية والمنح وكلّ ما يتمتّع به العامل في أي ميدان آخر حتى لا يقع اعتباره أو اعتبارها خادما أو خادمة منازل، فيقع التعامل معه أو معها بقسوة، ويطردونه أو يطردونها متى شاؤوا دون الحصول على حقوقه كاملة، علمًا أنّ الذين يقبلون بهذا العمل هم من الدول الآسيوية. إنّ الاقبال على هذه المهنة الشاقة نادر جدّا لأنّه مقيّد للحرية فصاحبها لا يغادر بيت المسن أو المعوق إلاّ لمصاحبته في جولة قصيرة في احدى الحدائق أو لاقتناء المواد الغذائية، رغم ضمان السكن والرفاهة الاّ أنّ »دلال« الشيوخ والعجائز والمعوقين يتطلّب برودة دم وأعصابًا من حديد.